مصطفى الحمداوي
لكي لا نتخبط في خضم حرب كلامية وصراعات تشبه حروب دون كيشوط مع طواحين الهواء ، يجب أن نوقف هذه المهزلة في أقرب الآجال . حلت العمالة بمدينة الدريوش ، لأسباب لكل واحد منا أن يحللها بمنظوره الخاص ، سبق أن شرحت الموضوع بالصيغة التي رأيت شخصيا أنها موضوعية في مقال نشر بهذا الموقع . نحن الآن إزاء أمر واقع ، وهو أننا أخيرا حظينا من قبل السلطات العليا بعمالة تقرب المواطنين من المؤسسات الحيوية . ليس مهما إطلاقا أن تتواجد العمالة بالدريوش أو ميضار ، الأمر لا يعدو كونه عزة معنوية بكرامة مزيفة لن تلبث أن تتلاشى مع مرور الزمن ، ينبغي أن ننظر الى الصورة من كل الزوايا ، وعلينا أيضا أن نتساءل : ما معنى تواجد عمالة بالريف الأوسط الذي أعترف أنه كان مغيبا ليس فقط من الوزارات المعنية ، ولكن أيضا من عمالة الناظور التي لم تولي المنطقة أية أهمية ، شأنها في ذلك شأن عمالة الحسيمة .
إننا حيال واقع جديد ، واقع يبدو جليا للجميع أنه أصبح أو كان دائما مكشوفا ومعروفا من حيث افتقاد المنطقة لأبسط البنيات التحتية الضرورية . الآن لنا الحق أن نطالب بمستشفى كبير وبكل التخصصات حتى نجنب المنطقة مشقة الترحال الصعب الى المستشفى الحسني بالناظور ، سياسة القرب التي ما فتئ الساسة يتشدقون بها يجب أن تتجسد على أرض الواقع ، وعلى العامل الجديد أن يعمل على فرض هذه الحقيقة ، كما ينبغي تقريب الإدارة ما أمكن الى كل المواطنين في الريف الأوسط ، ناهيك طبعا عن الحديث حول الشبكة الطرقية شبه المنعدمة ، أو المستهلكة تماما ، وفك العزلة على المداشر والقرى ، بل والمدن الصغيرة التي أصبحت تنبت هنا وهناك في غياب تام للتهيئة العمرانية وتخطيط عصري يلائم مستجدات ما بعد الألفية الثانية .
هذه هي التحديات التي يجب أن ننخرط جميعا من أجل تطبيقها ، لا يمكن العودة بالتاريخ الى الوراء ، ولكن يمكننا أن نصنع تاريخا تصبح فيه منطقة الريف الأوسط تكتلا واحدا ومشروعا واحدا يتمتع فيه كل فرد بالامتيازات والحقوق التي يكفلها له القانون . علينا أن نتخلى عن النظرة الضيقة التي تسجننا في مدينة واحدة أو قبيلة واحدة ، ينبغي أن نتجاوز ذلك لنتحد جميعا من أجل إجبار السلطات على خلف إقليم بمعطيات تنسجم مع روح العصر من حيث تحديث المؤسسات وخلق فظاءات أوسع للترفيه ومساحات خضراء لمدننا في الريف الأوسط التي تحولت الى ركام مشوه من العمران المشكل من الإسمنت والحديد .
الإشكال يكمن أساسا في نوعية النظرة التي ننظر من خلالها لهكذا إقليم جديد ومستحدث ضمن خريطة واسعة من العمالات التي أحدثت بموجب التعديلات الإدارية الأخيرة . لا يجب القفز على حقيقة أن منطقة الريف الأوسط تستحق أن تحظى بعمالة ، لأنه من غير الممكن مثلا نقل مريض من تمسمان الى المستشفى الحسني ، أو الى مستشفى في الحسيمة ، وكلنا طبعا نعرف صعوبة المسالك الطرقية الوعرة المعلقة غالبا في الجبال . إذا حان الوقت لعقد مصالحة تاريخية بين النخب السياسية والثقافية والجمعوية في كل من مدينتي الدريوش وميضار لأجل وضع حد لهذا النقاش ، أو لنقل بكل صراحة لهذا الصراع العبثي الذي لا يمت للعقل بصلة .
انه حلم ، حلم مشروع وممكن على كل حال ، ينبغي ألا نترك الساحة لعامة الناس لفرض نوع من الجفاء بين المدينتين الجارتين ، على الفاعلين السياسيين ، وعلى النخب الثقافية ، والمجتمع المدني أن يتدخل لأجل إنهاء هذه المهزلة التي لطخت سمعة المدينتين ، وجعلتهما في نظر الكثيرين لا يستحقان العمالة بالأساس . سمعنا كثيرا عن وجود أعداد هائلة من منظمات المجتمع المدني والجمعيات المتنوعة في كلا المدينتين ، لكن السؤال : أي دور تلعبه هذه المؤسسات ؟ وأي تأثير تفرضه على الشارع المحلي إذا تركت العامة يتصرفون في ملفات خطيرة لا يمكنها الا أن تجلب القطيعة بين المدينتين . لماذا لا تتحرك هذه الجمعيات لتهدئة الوضع ولرسم آفاق أوسع لتعاون مثمر يعود بالنفع على منطقة الريف الأوسط
برمته ؟
مع الأسف نلاحظ أن هذه الجمعيات هي التي تلعب دور المحرض ودفع بسطاء الناس لصراع وهمي لا داعي له . كلنا نعرف ميضار ، وكلنا ندرك أن هذه المدينة التي تعرف ديناميكية خاصة ومتميزة تستحق أن تكون مركزا للريف الأوسط ، لكن إحداث مقر الإقليم في الدريوش لن ينقص بتاتا من قيمة هذه المدينة ، ولن يحد من طموحها كمدينة سترقى لا شك بسبب قربها الشديد من الدريوش .
إنها دعوة الى النخب السياسية أولا ، والجمعيات بكل تشكيلاتها ، ومؤسسات المجتمع المدني لأن تلعب دورها كاملا وغير منقوص في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها علاقات مدينتي الدريوش وميضار ، إنها الرسالة النبيلة المنوطة بكل هذه الهيئات لتكون في مستوى الحدث ، ولكي تتخلى عن الشوفينية الضيقة التي هي أبعد عن أن تكون من صفات الأشخاص المعنويين والماديين الذين يؤمنون بأفق واسع يشمل الجميع ويحتوي الجميع في إطار من احترام الغير وتقديره التقدير الذي يستحقه .
الكرة الآن بين أرجل النخب بكل أطيافها ، وعليها أن تتحرك بإيجابية في هذه الظرفية الموسومة بالحساسيات الدخيلة على ريفنا الأوسط الذي لم يشهد في مراحل التاريخ القريب الا احتكاكات طفيفة أحيانا بين مدينتي الدريوش وميضار ، وهي احتكاكات على كل حال كانت بسبب القرب في التكافؤ في كل شيء . غير ذلك فان الأمور اتسمت غالبا بالهدوء ، وهذا الهدوء هو الذي نحتاجه في هذه المرحلة الصعبة .
فهل يا ترى ستلعب النخب السياسية ، ومنظمات المجتمع المدني دورها لتهدئة الحرب الباردة بين مدينتي الدريوش وميضار ؟
elhamdaouimustapha@gmail.com
لكي لا نتخبط في خضم حرب كلامية وصراعات تشبه حروب دون كيشوط مع طواحين الهواء ، يجب أن نوقف هذه المهزلة في أقرب الآجال . حلت العمالة بمدينة الدريوش ، لأسباب لكل واحد منا أن يحللها بمنظوره الخاص ، سبق أن شرحت الموضوع بالصيغة التي رأيت شخصيا أنها موضوعية في مقال نشر بهذا الموقع . نحن الآن إزاء أمر واقع ، وهو أننا أخيرا حظينا من قبل السلطات العليا بعمالة تقرب المواطنين من المؤسسات الحيوية . ليس مهما إطلاقا أن تتواجد العمالة بالدريوش أو ميضار ، الأمر لا يعدو كونه عزة معنوية بكرامة مزيفة لن تلبث أن تتلاشى مع مرور الزمن ، ينبغي أن ننظر الى الصورة من كل الزوايا ، وعلينا أيضا أن نتساءل : ما معنى تواجد عمالة بالريف الأوسط الذي أعترف أنه كان مغيبا ليس فقط من الوزارات المعنية ، ولكن أيضا من عمالة الناظور التي لم تولي المنطقة أية أهمية ، شأنها في ذلك شأن عمالة الحسيمة .
إننا حيال واقع جديد ، واقع يبدو جليا للجميع أنه أصبح أو كان دائما مكشوفا ومعروفا من حيث افتقاد المنطقة لأبسط البنيات التحتية الضرورية . الآن لنا الحق أن نطالب بمستشفى كبير وبكل التخصصات حتى نجنب المنطقة مشقة الترحال الصعب الى المستشفى الحسني بالناظور ، سياسة القرب التي ما فتئ الساسة يتشدقون بها يجب أن تتجسد على أرض الواقع ، وعلى العامل الجديد أن يعمل على فرض هذه الحقيقة ، كما ينبغي تقريب الإدارة ما أمكن الى كل المواطنين في الريف الأوسط ، ناهيك طبعا عن الحديث حول الشبكة الطرقية شبه المنعدمة ، أو المستهلكة تماما ، وفك العزلة على المداشر والقرى ، بل والمدن الصغيرة التي أصبحت تنبت هنا وهناك في غياب تام للتهيئة العمرانية وتخطيط عصري يلائم مستجدات ما بعد الألفية الثانية .
هذه هي التحديات التي يجب أن ننخرط جميعا من أجل تطبيقها ، لا يمكن العودة بالتاريخ الى الوراء ، ولكن يمكننا أن نصنع تاريخا تصبح فيه منطقة الريف الأوسط تكتلا واحدا ومشروعا واحدا يتمتع فيه كل فرد بالامتيازات والحقوق التي يكفلها له القانون . علينا أن نتخلى عن النظرة الضيقة التي تسجننا في مدينة واحدة أو قبيلة واحدة ، ينبغي أن نتجاوز ذلك لنتحد جميعا من أجل إجبار السلطات على خلف إقليم بمعطيات تنسجم مع روح العصر من حيث تحديث المؤسسات وخلق فظاءات أوسع للترفيه ومساحات خضراء لمدننا في الريف الأوسط التي تحولت الى ركام مشوه من العمران المشكل من الإسمنت والحديد .
الإشكال يكمن أساسا في نوعية النظرة التي ننظر من خلالها لهكذا إقليم جديد ومستحدث ضمن خريطة واسعة من العمالات التي أحدثت بموجب التعديلات الإدارية الأخيرة . لا يجب القفز على حقيقة أن منطقة الريف الأوسط تستحق أن تحظى بعمالة ، لأنه من غير الممكن مثلا نقل مريض من تمسمان الى المستشفى الحسني ، أو الى مستشفى في الحسيمة ، وكلنا طبعا نعرف صعوبة المسالك الطرقية الوعرة المعلقة غالبا في الجبال . إذا حان الوقت لعقد مصالحة تاريخية بين النخب السياسية والثقافية والجمعوية في كل من مدينتي الدريوش وميضار لأجل وضع حد لهذا النقاش ، أو لنقل بكل صراحة لهذا الصراع العبثي الذي لا يمت للعقل بصلة .
انه حلم ، حلم مشروع وممكن على كل حال ، ينبغي ألا نترك الساحة لعامة الناس لفرض نوع من الجفاء بين المدينتين الجارتين ، على الفاعلين السياسيين ، وعلى النخب الثقافية ، والمجتمع المدني أن يتدخل لأجل إنهاء هذه المهزلة التي لطخت سمعة المدينتين ، وجعلتهما في نظر الكثيرين لا يستحقان العمالة بالأساس . سمعنا كثيرا عن وجود أعداد هائلة من منظمات المجتمع المدني والجمعيات المتنوعة في كلا المدينتين ، لكن السؤال : أي دور تلعبه هذه المؤسسات ؟ وأي تأثير تفرضه على الشارع المحلي إذا تركت العامة يتصرفون في ملفات خطيرة لا يمكنها الا أن تجلب القطيعة بين المدينتين . لماذا لا تتحرك هذه الجمعيات لتهدئة الوضع ولرسم آفاق أوسع لتعاون مثمر يعود بالنفع على منطقة الريف الأوسط
برمته ؟
مع الأسف نلاحظ أن هذه الجمعيات هي التي تلعب دور المحرض ودفع بسطاء الناس لصراع وهمي لا داعي له . كلنا نعرف ميضار ، وكلنا ندرك أن هذه المدينة التي تعرف ديناميكية خاصة ومتميزة تستحق أن تكون مركزا للريف الأوسط ، لكن إحداث مقر الإقليم في الدريوش لن ينقص بتاتا من قيمة هذه المدينة ، ولن يحد من طموحها كمدينة سترقى لا شك بسبب قربها الشديد من الدريوش .
إنها دعوة الى النخب السياسية أولا ، والجمعيات بكل تشكيلاتها ، ومؤسسات المجتمع المدني لأن تلعب دورها كاملا وغير منقوص في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها علاقات مدينتي الدريوش وميضار ، إنها الرسالة النبيلة المنوطة بكل هذه الهيئات لتكون في مستوى الحدث ، ولكي تتخلى عن الشوفينية الضيقة التي هي أبعد عن أن تكون من صفات الأشخاص المعنويين والماديين الذين يؤمنون بأفق واسع يشمل الجميع ويحتوي الجميع في إطار من احترام الغير وتقديره التقدير الذي يستحقه .
الكرة الآن بين أرجل النخب بكل أطيافها ، وعليها أن تتحرك بإيجابية في هذه الظرفية الموسومة بالحساسيات الدخيلة على ريفنا الأوسط الذي لم يشهد في مراحل التاريخ القريب الا احتكاكات طفيفة أحيانا بين مدينتي الدريوش وميضار ، وهي احتكاكات على كل حال كانت بسبب القرب في التكافؤ في كل شيء . غير ذلك فان الأمور اتسمت غالبا بالهدوء ، وهذا الهدوء هو الذي نحتاجه في هذه المرحلة الصعبة .
فهل يا ترى ستلعب النخب السياسية ، ومنظمات المجتمع المدني دورها لتهدئة الحرب الباردة بين مدينتي الدريوش وميضار ؟
elhamdaouimustapha@gmail.com