محمد سالكة
لا يختلف عاقلان على أن سر وحدة الدول الأوربية التي طالما تناقضت وتحاربت
بعضها بعضا على مدى ردح من الزمن يكمن في انفتاح بعضها على البعض ، فرغم تباين لغاتها وأعراقها الإثنية قد وجدت أن مصلحتها تقتضي نبذ العداوات القديمة والتطلع إلى مستقبل يعتمد على المصلحة المشتركة من أجل ذلك ذابت الحدود بينها وتوحدت عملاتها وتقاربت لغاتها هذه الوحدة التي تحققت بالرغم من صعوبتها بين الدول الغربية ، ظلت مستعصية علينا نحن المغاربة فبالرغم من الخصوصيات المشتركة ( العربية والإسلام والأمازيغية ) فإن العجز وحده ظل سيد الموقف ، عجزنا على أن نجعل مصلحتنا واحدة فبالرغم من إدراكنا أننا قادرون ومؤثرون فإن هذا الجمع لم يتحقق أبدا ، وظل صوت الخلافات عاليا وصوت التقارب خافتا ٠
خذ قبيلة معزولة في غابة أفقها الجغرافي حدود الغابة ، بديهي أن هذه القبيلة لا يمكن لها أن تبلور تصورا للكون يتجاوز حدود أفقها ذاك ، هنا الهوية تكون متسمة بالإنغلاق والتقوقع داخل الدائرة الضيقة للمجموعة فالبدائي جزء من قبيلته ومن الكون ولا شيئ بينهما ، وسِّع الآن الأفق وخذ مجموعات بشرية لها فضاء أرحب تظهر آنذاك الوطنية وإرادة التوسع والوعي بالذات ، زِد توسيع الأفق ها قد بدأ الوعي يتسلل إلى العقول بالإنتماء إلى قرية الأرض ٠
سيفتح المستقبل بمصراعيه أمام الناس الآفاق الرحبة يوم يقومون بالتخلص من عقدة الماضي والحلم بمشاريعها العظمى عبر أدب الخيال العلمي ٠ إن ظروف الحياة قد تغيرت وبعض الناس لا زالوا يحملون الصورة التي ورثها أجدادهم عن الكون ٠٠٠ نعيش بأجسامنا عالم الصواريخ وعابرات القارات والأقمار الصناعية وتبقى عقولهم مع ركاب الجمال والبغال ٠٠٠ وكأن التطور جاءهم على حين غرة وبسرعة لم يترك لهم وقتا كافيا للتأقلم ...
إذن هناك عقليات متصارعة لأن هناك آفاقا مختلفة ، والمعضلة في التوفيق بين أناس مظهرهم واحد تقريبا لكن منهم من يفكر بمنطق القرية ـ القبيلة ـ وآخر بمنطق القرية ـ العالم ـ فما العمل لأجل بلورة إنتماء مشترك لمواصلة العيش المشترك على سطح كوكب ضاقت رقعته ؟ شخصيا لا أصدق إمكانية تحقيق أهداف نظيفة بوسائل قذرة ، فيتوجب تعميق الخصوصيات لا ذوبانها وبناء الإنتماء العالمي على قبول كل الخصوصيات دون استثناء وتوسيع الشعور بالإنتماء إلى البشرية جمعاء ، ولنا الخيار أن نرقى إلى هذا المستوى أو العيش تحت راية : الأخر هو الجحيم !
إذا طلبت منك أن تقارن مثلا بين سنتي 2000 و 2010 فستقول : نعم سنة 2000 كانت سنة يمن وبركة وسعادة ... أما سنة 2010 فلم تأتي إلا بالهلاك والنكبات وغلاء المعيشة ... تخيل معي أننا في سنة 2020 وطلبت منك أن تقارن بينها وبين سنة 2010 فستقول : نعم 2010 كانت سنة رفاهية وأمان ... أما سنة 2020 فعاد الكل يبكي ويشكي تبعات الحياة ... من كل هذا تستنتج ـ وأنا كذلك ـ أننا دوما نحن إلى الماضي ونتخوف من المستقبل ٠
لقد صار الهروب إلى الماضي نوعا من اتقاء تبعات العيش في الحاضر والتخوف من المستقبل وهو خلل مؤجل النتائج وعائداته وخيمة ، صحيح التمسك بالماضي شيئا حسن لكن العودة ـ اليوم ـ إلى التقاليد انحرفت لتتحول إلى أفكار فظة ، إلى حالة حاملة في ثناياها الشوائب .
لقد تشوه مفهوم بعث وإحياء التقاليد لأن حق العودة إلى التراث غالبا ما يستعمل لأغراض لا تمت إلى الوحدة بصلة بل إلى التفرقة ودواعي الشقاق وبث أفكار تحض على العداوة ، وإذا استمر الحال على هذا المنوال فسيصير قتل البشر مبررا لمجرد أنهم يختلفون في الهوية والثقافة أو العرق ويرتدي هذا التبرير أقمصة شتى من أقنعة تقمص الدفاع عن الهوية أي الدفاع عن رؤية ذاتية في ثقافة ما ، ومصدر هذا الخلل هو اختزال كرامة الإنسان في أصوله العرقية والدينية واللغوية بينما الإنسان ينبغي أن يكون مصونا ما دام ليس معتديا ولا باغيا بغض النظر عن عرقه وبصرف الطرف عن معتقده أو هويته ورغم الإختلاف .
لقد صار التعلق المرضي بالماضي أو ما يدعى جذورا ثقافية هو التمايز الجديد لدى فئات منافية للثقافة ، صار الخطاب نحو الإختلاف الذي كان من المفترض مبدئيا أن ينمي الحرص على الإعتراف بالآخر متشددا ومتمسكا بالهوية في هذا العالم التائه الذي فقد خصوصيته عاد كل واحد ينسج نكت وحكايات وينقب في ذاكرته لإحياء ماضٍ أو شخص تاريخي يمنحه شعورا بالمناعة في وجه محنة الواقع ، صحيح نحن المغاربة لنا خصوصيات يجب التمسك بها ، لكن لا يجب الوقوف عند ذاك الحد والبكاء على الأطلال إنما يتوجب الإستفادة من تجارب الماضي ومواكبة الحاضر لإستشراف المستقبل .
إن الأنانية التي تقوم عليها دعاوى التميز بين الناس تغرق الإنسانية في ما هو لا إنساني ، لقد آن الأوان ليترك جانبا نشر عقائد هوية جامدة وحادة ومبسطة التي تولد حالات الضيق والتوتر النفسي والفتن ، لكي نقوم بمراجعة نقدية تتناول السلبيات ولإستبيان طريق تفكير جديدة تفتح الآفاق بدلا من أن تقفلها كما هو الحال الأن وكذلك لنعير إنتاج فكر إبداعي جديد متكيف مع الزمن الحديث الذي نعيش فيه والتحديات العملاقة التي يجب أن توَاجَه بكل جرأة ، لكن لكي نواجه بفعالية التحديات لابد أن يكون في أيدينا سلاح فكر متنور فعال يمكن أن يوَلِّد واقعا فكريا مجتمعيا حديثا
لا يختلف عاقلان على أن سر وحدة الدول الأوربية التي طالما تناقضت وتحاربت
بعضها بعضا على مدى ردح من الزمن يكمن في انفتاح بعضها على البعض ، فرغم تباين لغاتها وأعراقها الإثنية قد وجدت أن مصلحتها تقتضي نبذ العداوات القديمة والتطلع إلى مستقبل يعتمد على المصلحة المشتركة من أجل ذلك ذابت الحدود بينها وتوحدت عملاتها وتقاربت لغاتها هذه الوحدة التي تحققت بالرغم من صعوبتها بين الدول الغربية ، ظلت مستعصية علينا نحن المغاربة فبالرغم من الخصوصيات المشتركة ( العربية والإسلام والأمازيغية ) فإن العجز وحده ظل سيد الموقف ، عجزنا على أن نجعل مصلحتنا واحدة فبالرغم من إدراكنا أننا قادرون ومؤثرون فإن هذا الجمع لم يتحقق أبدا ، وظل صوت الخلافات عاليا وصوت التقارب خافتا ٠
خذ قبيلة معزولة في غابة أفقها الجغرافي حدود الغابة ، بديهي أن هذه القبيلة لا يمكن لها أن تبلور تصورا للكون يتجاوز حدود أفقها ذاك ، هنا الهوية تكون متسمة بالإنغلاق والتقوقع داخل الدائرة الضيقة للمجموعة فالبدائي جزء من قبيلته ومن الكون ولا شيئ بينهما ، وسِّع الآن الأفق وخذ مجموعات بشرية لها فضاء أرحب تظهر آنذاك الوطنية وإرادة التوسع والوعي بالذات ، زِد توسيع الأفق ها قد بدأ الوعي يتسلل إلى العقول بالإنتماء إلى قرية الأرض ٠
سيفتح المستقبل بمصراعيه أمام الناس الآفاق الرحبة يوم يقومون بالتخلص من عقدة الماضي والحلم بمشاريعها العظمى عبر أدب الخيال العلمي ٠ إن ظروف الحياة قد تغيرت وبعض الناس لا زالوا يحملون الصورة التي ورثها أجدادهم عن الكون ٠٠٠ نعيش بأجسامنا عالم الصواريخ وعابرات القارات والأقمار الصناعية وتبقى عقولهم مع ركاب الجمال والبغال ٠٠٠ وكأن التطور جاءهم على حين غرة وبسرعة لم يترك لهم وقتا كافيا للتأقلم ...
إذن هناك عقليات متصارعة لأن هناك آفاقا مختلفة ، والمعضلة في التوفيق بين أناس مظهرهم واحد تقريبا لكن منهم من يفكر بمنطق القرية ـ القبيلة ـ وآخر بمنطق القرية ـ العالم ـ فما العمل لأجل بلورة إنتماء مشترك لمواصلة العيش المشترك على سطح كوكب ضاقت رقعته ؟ شخصيا لا أصدق إمكانية تحقيق أهداف نظيفة بوسائل قذرة ، فيتوجب تعميق الخصوصيات لا ذوبانها وبناء الإنتماء العالمي على قبول كل الخصوصيات دون استثناء وتوسيع الشعور بالإنتماء إلى البشرية جمعاء ، ولنا الخيار أن نرقى إلى هذا المستوى أو العيش تحت راية : الأخر هو الجحيم !
إذا طلبت منك أن تقارن مثلا بين سنتي 2000 و 2010 فستقول : نعم سنة 2000 كانت سنة يمن وبركة وسعادة ... أما سنة 2010 فلم تأتي إلا بالهلاك والنكبات وغلاء المعيشة ... تخيل معي أننا في سنة 2020 وطلبت منك أن تقارن بينها وبين سنة 2010 فستقول : نعم 2010 كانت سنة رفاهية وأمان ... أما سنة 2020 فعاد الكل يبكي ويشكي تبعات الحياة ... من كل هذا تستنتج ـ وأنا كذلك ـ أننا دوما نحن إلى الماضي ونتخوف من المستقبل ٠
لقد صار الهروب إلى الماضي نوعا من اتقاء تبعات العيش في الحاضر والتخوف من المستقبل وهو خلل مؤجل النتائج وعائداته وخيمة ، صحيح التمسك بالماضي شيئا حسن لكن العودة ـ اليوم ـ إلى التقاليد انحرفت لتتحول إلى أفكار فظة ، إلى حالة حاملة في ثناياها الشوائب .
لقد تشوه مفهوم بعث وإحياء التقاليد لأن حق العودة إلى التراث غالبا ما يستعمل لأغراض لا تمت إلى الوحدة بصلة بل إلى التفرقة ودواعي الشقاق وبث أفكار تحض على العداوة ، وإذا استمر الحال على هذا المنوال فسيصير قتل البشر مبررا لمجرد أنهم يختلفون في الهوية والثقافة أو العرق ويرتدي هذا التبرير أقمصة شتى من أقنعة تقمص الدفاع عن الهوية أي الدفاع عن رؤية ذاتية في ثقافة ما ، ومصدر هذا الخلل هو اختزال كرامة الإنسان في أصوله العرقية والدينية واللغوية بينما الإنسان ينبغي أن يكون مصونا ما دام ليس معتديا ولا باغيا بغض النظر عن عرقه وبصرف الطرف عن معتقده أو هويته ورغم الإختلاف .
لقد صار التعلق المرضي بالماضي أو ما يدعى جذورا ثقافية هو التمايز الجديد لدى فئات منافية للثقافة ، صار الخطاب نحو الإختلاف الذي كان من المفترض مبدئيا أن ينمي الحرص على الإعتراف بالآخر متشددا ومتمسكا بالهوية في هذا العالم التائه الذي فقد خصوصيته عاد كل واحد ينسج نكت وحكايات وينقب في ذاكرته لإحياء ماضٍ أو شخص تاريخي يمنحه شعورا بالمناعة في وجه محنة الواقع ، صحيح نحن المغاربة لنا خصوصيات يجب التمسك بها ، لكن لا يجب الوقوف عند ذاك الحد والبكاء على الأطلال إنما يتوجب الإستفادة من تجارب الماضي ومواكبة الحاضر لإستشراف المستقبل .
إن الأنانية التي تقوم عليها دعاوى التميز بين الناس تغرق الإنسانية في ما هو لا إنساني ، لقد آن الأوان ليترك جانبا نشر عقائد هوية جامدة وحادة ومبسطة التي تولد حالات الضيق والتوتر النفسي والفتن ، لكي نقوم بمراجعة نقدية تتناول السلبيات ولإستبيان طريق تفكير جديدة تفتح الآفاق بدلا من أن تقفلها كما هو الحال الأن وكذلك لنعير إنتاج فكر إبداعي جديد متكيف مع الزمن الحديث الذي نعيش فيه والتحديات العملاقة التي يجب أن توَاجَه بكل جرأة ، لكن لكي نواجه بفعالية التحديات لابد أن يكون في أيدينا سلاح فكر متنور فعال يمكن أن يوَلِّد واقعا فكريا مجتمعيا حديثا