النيران تلتهم أزيد من 200 هكتارا وإتهام مجهول بإضرام النار في غابة مخزنية
كتب : محمد العلالي
تصوير : عبد المنعم بلحسن
نار ودخان
إنتهى على التو الإجتماع الماراطوني لطاقم هيئة تحرير موقع ناظور سيتي بكل مكوناته من محررين ومصورين وتقنين ، في الإجتماع الساخن الذي شهد نقاشا مستفيضا لوضع آخر اللمسات حول الحلة الجديدة للموقع ورسم معالم إستراتيجية العمل الجديدة ،لتليه بعد ذلك جولة على ضفاف بحيرة مارتشيكا قصد الإستمتاع بلحظات ترفيهية وإسترجاع الأنفاس بعد إرهاق يوم مضني ، ما هي إلا لحظات قليلة حتى لاحت في الأفق شعاع نيران بدأ يرتفع لهيبها رويدا رويدا ، جميع الفرضيات حينها صبت في إتجاه إحدى الجبال التي قد تكون تابعة للنفوذ الترابي لجماعة أركمان ، أجلت إذن لحظة الترفيه إضطراريا وتحول طاقم ناظور سيتي على وجه السرعة في إتجاه موقع الحدث على متن سيارة كان وراء مقودها مدير الموقع عاصم منتصر والمصور منعم بلحسن والصحفيين طارق العاطفي وجواد الغليظ وعبد ربه كاتب هذه الأسطر ،بسرعة جانبت في أحيان كثيرة الحالة العادية بغية إدراك الحدث في لحظته الأولى كانت لسيارة تلتهم الكيلومترات في رحلة موضوعها نار ودخان و مصير مجهول سيكتشف لاحقا ، عبر الطريق إستعنا بمجموعة من الإتصالات الهاتفية لجمع أكبر قدر من المعطيات حول الحدث ، وجهتنا الأولى كانت مقر قيادة كبدانة بجماعة أركمان حيث لم نجد أي مسؤول بعين المكان ونخبر بحالة الإستنفار المتواجدة بالمنطقة جراء الحريق المهول الذي شب بسلسلة جبال كبدانة التي تبعد بحوالي 40 كيلومترا عن مركز الجماعة ،وبدون تردد إستفسرنا عن المسار الذي من شانه أن يرشدنا عن الهدف ، وعلى بعد دقائق معدودة وجدنا أنفسنا مرغمين على سلك طريق غير معبدة على طول حوالي 20 كيلومترا للوصول إلى موقع الحدث بعد إستفسارات عديدة في ذات الإتجاه ، ستبدو لنا وسط ظلام دامس في حدود الساعة الحادية عشرة من ليلة الجمعة الماضي ،أضواء حمراء توحي بسيارة تابعة لمصلحة الوقاية المدنية لنقتفي أثارها قبل إدراكها لنكتشف أن الأمر يتعلق بشاحنة خاصة بإطفاء الحرائق تابعة للوقاية المدنية ، تبادلنا التحايا لنستفسرهم عن حيثيات الحدث غير أن الأجوبة ستؤجل إلى وقت لاحق وسط وعرة المسلك وإكراهات الوضع تحت جنح الظلام ، ومن هنا إتضحت بعض معالم رحلة النار والدخان لنعلم أن الخطوة الأولى لرحلة الألف ميل قد إبتدأت وأن الحكاية كانت بدايتها من هنا ...
ماراطون مشيا على الأقدام وسط جنح الظلام ..
لحظة إدراكنا لشاحنة رجال المطافئ الذين بلغ عددهم ستة أفراد وجدنا برفقتهم مجموعة من عناصر القوات المساعدة وأحد أعوان السلطة كلف بمهمة إرشاد الجميع إلى موقع الحدث ، فما لم يكن في الحسبان هو إستحالة سلك الطريق عبر السيارة التي كنا على متنها وشاحنة رجال المطافئ ، وفي ظل غياب سيارات ذات الدفع الرباعي الكفيلة بهضم وعرة المسالك لم يكن لدينا خيار غير التخلي عن وسائل النقل جانبا في إحدى المنحدرات وخوض ماراطون من نوع خاص خارج قاموس الرياضات المعتمدة في الألعاب الأولمبية ،لندخل عالم غينيس للأرقام القياسية من بابه الواسع بحكم إنفرادنا بالمشي على الأقدام لمسافة تزيد عن 13 كيلومترا في ماراطون تحت جنح الظلام أطلقنا من خلاله العنان للأقدام في إتجاه المجهول بعد قطع مسافة كيلومترات محترمة بدأ الخوف يدب في نفوس العديدين منا إثر سماعنا لمجموعة من أصوات الوحيش الذي إقتحمنا عنه عنوة خلوته وصمته الموحش ، بين التفكير في العودة من حيث أتينا ولإستمرار في السير حيث لانعلم ظل الحديث مؤنسا للخطوات الرياضية وسط رائحة دخان كثيف حط بالمنطقة كضيف غير مرغوب فيه لأ سباب مجهولة حول زيارته الثقيلة ، لدواعي صحية سيغادر شخصين المجموعة ويعودان في حال سبيلهما ، وتستمر الكوكبة في الطريق تصطنع الشجاعة تارة وتستسلم لخوف كتوم تارة أخرى ، ظل برفقتنا طيلة المسار أحد العارفين بخبايا المنطقة يتعلق الأمر بجمال سلطانة الذي يعمل كحارس لدى جمعية السلام للقنص بأركمان مهمته تكمن في حراسة المنطقة لمحاربة الصيد الغير المشروع وإخبار الجهات المعنية لحظة وقوع الحرائق ، كانت فرصة ثمينة لبعثة ناظور سيتي بتواجد الشخص المذكور لسببين أساسيين أولهما الشروع في عملية سين جيم الإستنطاقية لجمع ما يكفي من المعطيات بغية الوصول إلى الحقيقة الضائعة ، والثاني هو نسيان ولو مؤقتا إرهاق الصعود والنزول من وإلى القمم التي مررنا عبرها ، في الحديث الذي دار بيننا لمسافة طويلة ، أكد جمال سلطانة أنه بعد صلاة المغرب من يوم الجمعة بأزيد من نصف ساعة لاحظ نارا بإحدى الحفر التي لاتبعد كثيرا عن مكان تواجده لتكبر بمرور الوقت ، قام على إثرها بالإتصال فورا بالرئيس والكاتب العام للجمعية اللذان أخبرا قائد قيادة كبدانة بالأمر ، لتصل عقب ذلك شاحنة رجال المطافئ وأعوان السلطة ، مؤكدا عن أسباب إندلاع الحريق أن السبب الرئيسي لا يخرج عن نطاق رعاة الماشية بالمنطقة التي حرموا من الرعي بها ، مضيفا أن دوار " طجيوا " التابع لجماعة أركمان يتواجد به أربعة رعاة للمشاية وذات العدد بدوار " مرشال " التابع ترابيا لبلدية زايو وراعي واحد بدوار " سبعة رجال " ، مضيفا أن منطقة " تلا عبد الرزاق " بجماعة أركمان شهدت منذ أربع سنوات مضت عملية تشجير بالقطاع الغابوي بلغ علو أشجارها قبل الحريق متر ونصف في حين إبتدأت عملية تشجير جديدة منذ حوالي شهرين من طرف مصالح المندوبية السامية لوزارة المياه والغابات ، وذكر بأن رعاة الماشية بالمنطقة لم يستسيغوا الأمر بمبرر عدم توفرهم على مناطق لرعي قطيع الماشية ، هي فرضية أولية تجعل سهام التهمة حول إندلاع الحريق تتجه نحو رعاة الماشية في وقوفهم وراء إشعال فتيل النيران رغم أن لغة القانون تقول بأن المتهم بريئ إلى أن تثبت إدانته ، حارس جمغية السلام يأكد ٍأن المنطقة تتوفر على حوالي 15 منزلا وأزيد من 40 شخصا من الساكنة مضيفا أن نقص الحراس والخصاص في العنصر البشري لدى مصالح المياه والغابات من أبرز الإكراهات التي تشهدها المنطقة ، مطالبا في ذات الآن بضرورة إستدعاء جميع رعاة الماشية ، وإتخاذ اللازم بشأنهم بحكم تعرضه شخصيا لمضايقات عديدة من طرفهم ، مؤكدا أن المنطقة باتت تشهد إنقراض مجموعة من الحيوانات البرية النادرة ، خاصة الطيور منها ، كان حديث إستنتجت منه خلاصات عديدة لنصل للتو إلى موقع الحادث في حدود الساعة الثانية من صباح يوم السبت لنقف بعد جهد جهيد على مقربة من لهيب النيران التي كان صوتها أشبه بهدير البحر وهي تلتهم الأخضر واليابس ، صدق من قال : ثلاث في الدنيا لا يأتمن ـ البحر والنار والسلطان...
معاناة في إنتظار إشراقة شمس محرقة
وجدنا بموقع الحادث المتواجد بسلسلة جبال كبدانة بدوار الزاوية أولاد طجيو مشيخة الشراويط على بعد 40 كيلومترا من مركز جماعة أركمان ، قائد قيادة كبدانة وقائد سرية الدرك بجماعة سلوان ، إلى جانب مسؤولي المندوبية السامية لإدارة المياه والغابات على الصعيد الجهوي والإقليمي ،إضافة إلى مجموعة من عناصر القوات المساعدة والوقاية المدنية ،و على مقربة من لهيب النيران التي أخذت تتسع رقتها بمرور الوقت ، ظل الترقب سيد الموقف في ظل إستحالة التدخل لحظتها ، بحكم الظلام الدامس الذي خيم على المنطقة ووجود واد فاصل بين مكان تواجدنا والجبال التي إندلعت فيها النيران ، فعل الإرهاق فعلته وسط الجميع إستسلم عقبه العديد لنوم خفيف وسط الأشواك ورعب المكان المليئ بالوحيش ، أن تتواجد بالمكان الذي وصفناه بدون قطرة ماء ولا لقمة خبز ٍبمحاذاة محيط النيران ، فذلك مشهد أقرب إلى موت مؤقت ، هو واقع عشناه لمدة تنيف عن 16 ساعة في مغامرة محفوفة بالمخاطر ، ومع بزوغ أولى خيوط الصباح ، تجند الجميع لسلك طريق أشبه إلى من يتبع خيط دخان ، إفترقت المجموعة إلى فرقتين أخذت كل واحدة منها وجهة خاصة للشروع في محاولة السيطرة على النيران وإخماد الحريق ، قبل أن يصطدم الجميع بهول الكارثة ، رغم المحاولات الهامة التي قام بها العنصر البشري التابع للأجهزة المذكورة التي تعززت فيما بعد بعناصر القوات المسلحة الملكية ، بحكم غياب التجهيزات اللازمة للتدخل البري والإكتفاء بوسائل تقليدية لم تسفر عن نتائج مشجعة وسط نيران تتحول بسرعة البرق من منطقة إلى أخرى ملتهمة عشرات الهكتارات من القطاع الغابوي في فترات وجيزة
.
طائرات لمحاربة الجراد تختبر إمكانياتها في إطفاء الحرائق ..
في سياق المجهودات التي بذلت من لدن الجهات المسؤولة بغية إخماد الحريق قبل إمتداده إلى غابات مجاورة ، سجل في حدود منتصف يوم السبت وصول أربع طائرات من نوع " تيربو تروشو " تابعة لإدارة المياه والغابات وطيارين تابعين لجهاز الدرك الملكي ، ذات طاقة إستعابية تقدر بحوالي 500 لتر ،قدمت من مدينة الحسيمة من أجل التدخل لإيقاف لهيب النيران ، غير أن العملية ذاتها شابتها مجموعة من الصعوبات ، في مقدمتها لجوء الطائرات إلى تعبئة المياه من المطار الدولي بالعروي ، كلف خلال كل عملية مدة زمنية فاقت 45 دقيقة ، إلى جانب ضعف الطاقة الإستيعابية التي لم تسمح بالسيطرة على الوضع في مدة وجيزة ،هذا إضافة إلى عدم تخصص الطائرات المذكورة في التدخل لإخماد الحرائق ، كما أكد مصدر عليم لناظور سيتي أن الطائرات المعنية مختصة في محاربة الجراد من لدن إدارة المياه والغابات ، في حين تنعدم ببلادنا طائرات خاصة بمكافحة الحرائق يضيف المصدر ، مستدلا بمجموعة من الحالات التي إلتجأ من خلالها المغرب إلى الطائرات الإسبانية المتخصصة في إخماد الحرائق ، خاصة بمنطقة غابة غوروغو ، وكانت آحر عملية بضواحي تافوغالت جراء الحرق المهول الذي تم التحكم فيه ، نطرا للتجهيزات المتطورة المتوفرة لدى الطائرات الإسبانية ، ، لى جانب حنكة ربابنتها المختصين في المجال .
كارثة مهولة ودروس معبرة ..
إستمرت ألسنة النيران في إلتهام القطاع النباتي وسط كل المعطيات السالفة الذكر لمدة فاقت 48 ساعة ، قبل السيطرة على الوضع بعد عصر أمس الأحد وتسجيل خسائر مهولة تجلت في حرق أزيد من 200 هكتار ، مساحة 120 هكتار منها تابعة للنفوذ الترابي لجماعة أركمان وأزيد من 80 هكتار تابعة لنفوذ جماعة أولاد الزخانين ، لاتزال إلى الساعة مصالح المياه والغاباة متواجدة بالمنطقة مشتغلة بنظام المداومة ، بغية صياغة التقرير النهائي لحجم الخسائر التي خلفها الحريق ، وتسجيل محضر ضد مجهول حول ملابساته ، قبل وضع لدى النيابة العامة بمحاكم الناظور ، في إنتظار التحقيق الذي ستباشره الجهات المحتصة في الموضوع ، وقد أفاد يتريبي محمد تقني ورئيس مركز المياه والغابات بجماعة أركمان في تصريحه لناظور سيتي ، أن المساحة الغابوية التابعة لجماعة أركمان تبلغ حوالي 4700 هكتار من أصل المساحة الإجمالية لسلسلة جبال كبدانة التي تبلغ 14 ألف و500 هكتار ٍ، ممتدة على صعيد النفوذ الترابي لبلدية زايو وجماعات أركمان ورأس الماء وألاد ستوت وأولاد داوود الزخانين والبركانيين ، وأكد محمد يتريبي أن عملية تشجير المحيط الغابوي التي شهدتها المنطقة تندرج في إطار برنامج الوقاية من إنجراف التربة إبتدأ خلال موسم 2000 / 2001 ، مضيفا أن برنامج مرحلة 2008 / 2010 هم تشجير 600 هكتار كل سنة ، وإعادة تأهيل 800 هكتار من الأشجار سنويا ، إضافة إلى فتح مسالك غابوية جديدة بمساحة 20 كيلومترا في السنة،وإعادة فتح 30 كيلومترا من الطرق وإحداث ممرات فارغة وسط الغابة وإنشاء نقط المياه خاصة بإطفاء الحرائق وتأهيل الوديان للحد من قوة الفياضانات ، وأبرز محمد يتريبي أن المندوبية السامية للمياه والغابات إقترحت المنطقة في صفقة لإعادة التشجير وأن المرحلة من شأنه أن تعيد تشجير 100 هكتار شهريا ، في حالة تواجد اليد العاملة اللازمة في حدود 70 عاملا ، وقد تحول المكان إلى منطقة محظورة لرعي الماشية لمدة ست سنوات لتعويض مخلفات الحريق ، وعن الأشجار المعروفة بالمنطقة والتي تعرضت للحريق أكد شجر " الكاليتوس " و" الصنوبر الحلبي " و " الحلفة " و " الدرو " من بين أهم الأشجار بالمنطقة في حين سجل إنقراض شجر العرعار لأسباب يكتنفها الغموض حول فرضية حرائق سابقة أو بسبب الإسبان الذين إستزطنوا المنطقة خلال عهد الحماية ، وبخصوص الحيوانات البرية أكد بان الأرانب والحجل والخنزير البري من أبرز الحيوانات التي تعيش بالمنطقة ، وقد حررت الإدارة المعنية محضرا ضد مجهول حول النازلة بتهمة إضرام النار في غابة مخزنية .
كواليس في إنتظار العودة ..
بعدالتأكد من نهاية المهمة الإعلامية ، كان لزاما علينا التطرق لمجموعة من الكواليس التي رافقتنا في رحلة النار والدخان ، فأن يصنع الإنسان جو الترفيه وسط المعاناة ، فتلك قمة الشخصية ، وأن يصمد لغلبة النوم وقساوة الظمأ وشدة الجوع فتلك هي صور الصبر في أبهى تجلياته ، وأن يفاجأنا أحد سكان المنطقة رغم المسافة البعيدة بوجبة غذاء تتوفر على أباريق شاي وزيت بلدية وزدة معزة بلدية ذقت طعمها للمرة الأولى في حياتي ، فذلكم قمة الكرم فقبل إسدال الستار على متعة الرحلة ، و"سعادة المعاناة " ، أجد نفسي مرغما لتقديم الشكر على جميل من أطعمنا وسقانا من نعم الله ، ومن قدم لنا يد العون في مهمتنا الإعلامية من ضمنهم قائد قيادة كبدانة الذي وفر لنا سيارة رباعية الدفع في طريق العودة و قائد سرية الدرك الملكي بسلوان وكل الإخوة من قوات مساعدة ووقاية مدنية والمياه والغابات .. هذا هو المشهد الحقيقي لمسلسل درامي عشناه من أجلكم زوارنا الأعزاء وفي سبيلكم كل الصعاب تهون وهكذا همة رجال ناظور سيتي تكون