بقلم / التجاني بولعوالي
التضحية بالحكومة من أجل كسب الانتخابات!
"ما عاد حزب العمال يتحدث لغة الناس العاديين (الهولندية)، حزب فاوتر بوس أصبح يتكلم العربية! تقرأ باستمرار أن دليل الحزب الانتخابي منشور باللغة العربية. لكن هل تعلمون ما في داخله؟ هل قرأتموه؟ ربما لا، لقد قمت بمحاولة لأن أترجم لكم ذلك، وما ينطوي عليه تقريبا: أعدكم بزيادة الإعانات الاجتماعية المادية فنحن في هولندا ندفع للجميع بسخاء. تعالى إلى هنا مع عائلتك كلها، لأن المال ينمو هنا على الأشجار، حزب العمال يرعى جيدا الناخبين غير المتحررين". (من خطاب فيلدرس لحملته الانتخابية بمدينة ألمير، المصدر: موقع 1 *) على هذا الإيقاع الدعائي الذي يوفق بين خطاب السخرية وآلية التهجم، يوجه اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرس؛ زعيم حزب الحرية، حملته الانتخابية الخاصة بالانتخابات البلدية الهولندية التي هي على الأبواب، إذ سوف تجرى بعد أقل من أسبوع، وذلك يوم 3 مارس 2010.
بغض النظر عن مختلف المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغير ذلك، التي تكهرب السياق الهولندي، وتشغل بال الرأيين الخاص والعام على حد سواء، شهد الواقع السياسي الهولندي هزة عنيفة تتعلق بالأزمة التي تخللت العمل الحكومي، فكان المآل أن سقطت الحكومة الحالية، وهي حكومة الوزير الأول بالكانند الرابعة، الذي فشل طوال أكثر من عقد زمني في أن يشكل حكومة منسجمة تنهي فترة حكمها (أربع سنوات) بنجاح! ويعزى سبب هذه الأزمة إلى الاختلاف بين الحزبين المكونين للحكومة: الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب العمال، حول مسألة استمرار وجود الجنود الهولنديين في ولاية أوروزكان الأفغانية، إذ يؤيد رئيس الوزراء هذا الوجود، ويعتبر إسهام هولندا العسكري في حلف الشمال الأطلسي إلزامي، في حين يرفض ذلك نائبه ووزير المالية العمالي السيد فاوتر بوس، الذي يرى أنه لا معنى لوجود 1600 جندي هولندي في أفغانستان، ملحا على أنه على هولندا أن تنهي مهمتها في أوروزكان في شهر غشت القادم، ثم تتم في الأشهر الموالية عودة الجنود والمعدات.
هكذا يظهر للعيان أن الاختلاف الجذري حول الوجود العسكري الهولندي في أفغانستان بين مكونات الحكومة الهولندية، هو السبب المباشر الذي أدى إلى سقوطها وتفككها، غير أن ذلك التبرير لا يكفي، لأنه يجعل قراءة هذا الحدث السياسي سطحية، يقينا أن ذلك السبب هو الذي عرى حقيقة التحالف الحكومي الهش، غير أنه كان مجرد ذريعة، لا أكثر! فالشجرة تخفي وراءها غابة، وسبب وجود القوات الهولندية في أفغانستان، يخفي وراءه أيضا ما لا يحصى من الأسباب الأيديولوجية والاقتصادية والأمنية والتنظيمية وغيرها، ويتحتم طرح هذا السؤال العميق وهو: لماذا تحصل الأزمة في هذه الظرفية السياسية الحساسة، حيث الدولة الهولندية مقبلة على انتخابات بلدية مصيرية، ولم تحدث أثناء الثلاث سنوات التي عمرتها تلك الحكومة، أو تؤجل إلى ما بعد الانتخابات التي هي على الأبواب؟
هكذا فإنه تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ورقة أساسية من أوراق هذه المعادلة السياسية الجديدة في هولندا، وهي ورقة المنافسة على انتخابات 3 مارس البلدية، إذ يجد حزب العمال نفسه أمام مصير عويص، لا يمكن الفكاك منه إلا بالتضحية المستميتة بكل ما أوتي من إمكانات ومؤهلات، قصد رد الأمور إلى نصابها، وكسب المزيد من الأصوات المساندة له، أمام الاكتساح الجهنمي الذي يمارسه حزب الحرية، لاسيما على أحزاب اليسار المتعاطفة مع الأجانب والمسلمين، فما كان عليه إلا أن يضحي بوجوده في حكومة بالكانند الرابعة، التي لم يجن منها إلا الخسران المبين، والتراجع الشعبي اللافت، فتحققت مباشرة بعد استقالته الرسمية منها، زيادة مهمة في شعبية الحزب، حسب آخر استطلاع للرأي العام قام به مكتب البحث (سينوفات)، إذ أنه إذا نظمت الآن الانتخابات البرلمانية (الغرفة الثانية)، سوف يحصد حزب العمال 27 صوتا، أي بزيادة ستة أصوات، مقارنة مع الأسبوع الماضي.
الاكتساح الجهنمي المتوقع لحزب الحرية
تجمع أغلب أراء المتابعين السياسيين والإعلاميين على أن ثمة إقبالا منقطع النظير، من قبل مختلف شرائح المجتمع الهولندي، على حزب اليميني المتطرف؛ خيرت فيلدرس، وهو حزب الحرية، بل وإن معظم استطلاعات الرأي التي تمت طوال السنوات الأخيرة تعضد هذا الإجماع، وتدعمه بالإحصائيات والأرقام، التي تقرب الحقيقة أكثر، فمكتب البحث (سينوفات) منح حزب الحرية 27 صوتا. كما قام السوسيولوجي الهولندي ماوريس دي هوند المعروف بموقعه الخاص باستطلاعات الرأي (موقع 2 *)، ببحث في مارس 2009، وتوصل من خلاله إلى أنه إذا تمت الانتخابات آنذاك، سوف يحصد حزب الحرية 29 مقعدا. ثم كما جاء في بحث لمؤسسة تنس/نيب، لصالح جريدة الشعب وجامعة أمستردام، إنه على مستوى مدينة ألمير التي كان يهيمن عليها حزب العمال، سوف تتراجع نسبة أصواته في الانتخابات البلدية المقبلة إلى 20%، مقابل حزب فيلدرس الذي يتوقع بأنه سوف يحظى بـ 30% من الأصوات.
كيف يفسر إذن هذا الاكتساح الجهنمي المتوقع لحزب الحرية في انتخابات 3 مارس البلدية القادمة بهولندا، الذي عادة ما ينعت بالتطرف والعداء للأجانب والمسلمين، ليس اتهاما له، أو تأويلا خاطئا لمقولاته، وإنما بناء على تصريحاته المعلنة التي تعبر عن ذلك بوضوح تام.
إن زعيم حزب الحرية، السيد خيرت فيلدرس عرف منذ ظهوره في المشهد السياسي الهولندي، بأنه يؤسس خطابه الأيديولوجي في الغالب العام على دعامات أساسية، تتحدد أهمها في: معاداة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن الشواذ الجنسيين، وموالاة الكيان الصهيوني، ولم يكتف بالجانب النظري فحسب، وإنما سعى حثيثا إلى إنزال أفكاره على أرض الواقع، وترجمة أقواله ميدانيا وفعليا، عن طريق مختلف الأنشطة المشهودة والمبادرات الملموسة، كعرض فيلم فتنة، وزياراته المكوكية إلى تل أبيب، وتقديمه للعديد من المشاريع القانونية المعارضة لوجود المسلمين في الغرب، وغير ذلك.
أما اليوم فقد تطور خطاب السيد فيلدرس أكثر، وأصبح أشد وعي بخيوط المعادلة السياسية الهولندية، بل وتعمق إدراكه بخصوص أهم القضايا التي قد يؤثر من خلالها على الشارع الهولندي، فيفلح في شد أنظار الناخبين إليه، وحشد مختلف أصوات المواطنين حوله.
لذلك لم يكتف بأفكاره الأيديولوجية التقليدية، وإنما أضاف إليها العديد من القضايا الواقعية، التي تمس مشاعر المواطنين الهولنديين الأصليين، لأنه أدرك بعمق أن تلك الأفكار المعادية للأجانب والمسلمين وحدها، لن تؤهله لغزو قلوب الكثير من الهولنديين، الذين يحترمون المواطنين من أصول أجنبية وإسلامية، وغالبا ما يرفضون أفكار فيلدرس أو يتحفظون منها. هكذا فقد طرح الكثير من الأمور الواقعية التي من شأنها أن تستقطب الناخب الهولندي العادي، وهذا ما يتجلى لأي مطلع على برنامج حزب الحرية الانتخابي، كما هو منشور في الموقع الرقمي للحزب: موقع 1 *. إذ يدبج برنامجه بأن هولندا دولة رائعة، غير أنها تترنح الآن تحت الضغط، من جراء مختلف الأسباب، فالنخبة السياسية في هولندا تسلك منهجية تتجاهل مصالح ومشاكل المواطنين، والشارع يفتقد إلى الأمن اللازم لقلة الشرطة وانخفاض العقوبات، كما أنه يهاجر سنويا الكثير من الأجانب إلى أرضنا، وأن أغلبية الشباب الهولندي من أصول غير غربية، وغير ذلك.
وسعيا إلى إخراج الدولة الهولندية من النفق المسدود الذي آلت إليه، يركز في حملته الانتخابية الحالية، بالإضافة إلى الدعامات التي سبق ذكرها، على قضايا: التخفيض الضريبي، التعليم والأسرة، الديمقراطية المباشرة، حقوق الحيوان، وغير ذلك.
وقد عمل السيد فيلدرس على تمرير هذه الأفكار في مختلف محطات حملة حزبه للانتخابات البلدية القادمة، مستثمرا الظرفية السياسية الخانقة التي يمر بها الراهن الهولندي، حيث الناس في مسيس الحاجة إلى بديل سياسي ناجع، عوض البدائل السياسية المختلفة، من يسار ويمين ووسط، التي تم تجريبها في العقد الأخير، وباء أغلبها بالفشل الذريع، لذلك ركز بدهاء كبير على نقاط الضعف لدى الحكومات السابقة، فهو لم يأت بالجديد، وإنما حاول عرض بضاعته القديمة في حلة جديدة وجذابة، وهذا ما يتضح بجلاء تام من خلال خطابه في مدينة ألمير، يوم 25 فبراير 2010، حيث أثبت للحضور الغفير، أن الحكومة المستقيلة لم تقدم أي شيء طوال ثلاث سنوات من الحكم، باستثناء الرفع من الضريبة، وتمديد سن التقاعد إلى 67 سنة عوض 65 سنة، وارتفاع مستوى الجريمة، وتشجيع الهجرة المكثفة، وأسلمة المجتمع الهولندي، وغير ذلك.
المسلمون؛ جلاد أم ضحية أم ماذا!
عندما نمعن النظر في طبيعة الأفكار المتبادلة بين المسلمين في هولندا، وزعيم حزب الحرية ومن والاه، نجد أن كل طرف منهما يعتبر نفسه الضحية، وأن خصمه هو الجلاد، على هذا الأساس فالمسلمون يرون أنفسهم ضحايا للجلاد، الذي هو السيد فيلدرس أو غيره من المتطرفين المعادين لكل ما هو إسلامي، والعكس صحيح، أي أن تيار اليمين المتشدد عامة، وحزب فيلدرس خاصة، يعتبرون أنفسهم أو بالأحرى الغرب كله، ضحية للجلاد الإسلامي ولإرهاب المسلمين وزحفهم الأخضر، ترى مَنْ من الطرفين على حق؟
حتى يكون المرء موضوعيا ليس مع غيره فحسب، وإنما مع ذاته وضميره كذلك، ينبغي أن يتحدث بصراحة ولو مريرة عن واقع المسلمين في الغرب، وهو واقع قبل أن تشوهه أقلام المفكرين والكتاب، وكاميرات الإعلاميين، قد عمل العديد من المسلمين أو المحسوبين على الإسلام، بوعي أو بلا وعي منهم، بتشويه حقيقة الدين الذي يؤمنون به، والثقافة التي ينتمون إليها، عن طريق مختلف السلوكات المنحرفة التي يرفضها الدين الإسلامي بشدة، ويعاقب مرتكبيها بدون هوادة، مما سوف يمس المجتمع الغربي الذي يستقر فيه المسلمون، فلا يملك إلا أن يواجه هذه المستجدات غير المتوقعة، عبر مختلف الآليات والطرائق، التي تختلف من تيار إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر. وهي تتراوح بين أسلوب المعالجة العقلانية السمحة، وأسلوب المعالجة الانفعالية الصارمة، ويمكن إدراج خطاب السيد فيلدرس في نطاق الأسلوب الثاني، الذي يعامل المسلمين الهولنديين بآلية العصا الغليظة، وهو يضعهم كلهم أجمعين في سلة واحدة، رغم اختلاف انتماءاتهم العرقية، وتوجهاتهم المذهبية، ومستوياتهم التعليمية، فالمسلمون في الغرب لا يشكلون كلا موحدا، وإنما يمكن اعتبارهم كلا مجزأ، و! هذا الاختلاف يجعل موقف المسلمين من العالم الغربي مختلفا وغير موحد، إذ منهم الذي يرفض كل ما هو غربي، وتمثله قلة قليلة، ومنهم من يتحفظ عن ذكر موقفه، وتمثله كذلك قلة قليلة، ومنهم الذي يحترم الغرب ويفضل العيش في العالم الغربي عن الاستقرار في وطنه الأصلي، وتمثله الكثرة الكاثرة.
على هذا الأساس، من اللا إنصاف القول أن المسلمين هم الجلاد، ما دام أنهم يخلقون المشاكل للحكومات الغربية، ويرون في الغرب عدوا لدودا لهم، لعل هذا ينطبق على فئة قليلة منهم، نصادفها في كل الأديان والثقافات والدول، ولا ينبغي اتخاذها ذريعة لاتهام المسلمين كلهم، كما تفعل الحركات الغربية المعادية للأجانب والمسلمين، كأحزاب اليمين المتطرف، والنازيين الجدد، والتيارات السياسية الموالية لإسرائيل، وجمعيات الشواذ الجنسيين، وغير ذلك.
فالمسلمون في الغرب عامة، وفي هولندا خاصة، أصبحوا ضحية هذه الحركات، التي يأتي على رأسها السيد خيرت فيلدرس من خلال حزبه، الذي يدعى حزب الحرية، وهو اسم على غير مسمى! وهذا ما يتضح بجلاء تام لكل من يقرأ عشرات الحوارات والتصريحات التي يدلي بها لمختلف وسائل الإعلام الهولندية والدولية، ويطلع على برنامجه الانتخابي، فلنتأمل هذه البنود الثالثة الواردة فيه:
• المواجهة الشديدة للجريمة والإرهاب، ونزع الجنسية الهولندية للمجرمين من أصول مغربية خاصة!
• الاتحاد الأوروبي، عملية السلام، السياسة الخارجية: أهم العناصر اللافتة في هذا البند هي: عدم السماح لتركيا بالانضمام إلى المجموعة الأوروبية، الإسهام في مواجهة الإرهاب العالمي، كالقاعدة وحزب الله وحماس!
• منع الهجرة إلى هولندا: يحتوي هذا البند على العديد من العناصر المتعلقة بالمسلمين في هولندا مثل: منع هجرة غير الغربيين (المغاربة والأتراك خاصة!) طوال خمس سنوات، جعل الهيمنة للثقافة المسيحية واليهودية في هولندا، وقف بناء المساجد والمدارس الإسلامية طوال خمس سنوات، إغلاق المساجد المتشددة، منع التمويل الأجنبي للمساجد، منع الأئمة الأجانب من الوعظ وإجبارية استعمال اللغة الهولندية في المساجد، حظر غير الهولنديين من الترشح للانتخابات البلدية، إزالة ازدواجية الجنسية، كتابة المنشورات الخاصة بمصالح الدولة باللغة الهولندية وحدها، عدم تقديم الرعاية الصحية للمهاجرين غير الشرعيين، منح الجنسية بعد عشر سنوات من الإقامة في هولندا مع العمل الكامل المطلوب وحسن السيرة، عدم تلقي التعويضات الاجتماعية إلا بعد عشر سنوات من الإقامة، عدم منح التعويضات الاجتماعية خارج المجموعة الأوروبية، تحفيز الهجرة المعاكسة التطوعية (دون أي مقابل)، حظر النقاب في المجالات العامة، منع الحجاب في الوظائف العامة.
فبصرف النظر عن جملة من النقاط المطروحة في هذا البرنامج، والتي تستهدف بالأساس حرية وطمأنينة كل مسلم في هولندا والغرب، بل وفي العالم أجمع، يتحتم التريث عند القضية الأخيرة، التي ترتبط بالحجاب، وقد تعرض إليها السيد فيلدرس في خطابه الأخير بمدينة ألمير بنوع من التفصيل، حيث دعا إلى "حظر الحجاب في الهيئات البلدية وفي كل المؤسسات والجمعيات والمنظمات، التي تتلقى ولو سنتا واحدا من الدعم من البلدية. وهذا الحظر الفوري للحجاب، هو تخليص للمرأة من هذا الرمز الإسلامي المذل. وبكل وضوح: هذا القانون لا ينطبق على الصليب والقبعة لأنهما رموز لديانات لها صلة وثيقة بثقافتنا، وليس كالحجاب الذي هو علامة لإيديولوجية استبدادية وشمولية".
هكذا بعد أن دعا الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قبل سنوات إلى منع ارتداء الرموز الدينية، ثم تلته الحكومة البلجيكية بإصدار قانون حظر لبس الحجاب في المدارس العمومية، ظل مسلمو هولندا يتساءلون ويتوقعون بأن الدولة الهولندية أيضا سوف تمضي على الدرب نفسه، وها هو اليوم السيد فيلدرس يكشف عن ذلك، بل ويميط اللثام عن نيته الخبيثة، التي ترفض كل ما يتعلق بالإسلام وحده، أما الديانات الأخرى فمرحبا بها في هولندا، ولو كانت تتعارض مع اعتقاده اللا ديني والبوهيمي، وهو يجهل أو بالأحرى يتجاهل ما قدمته الحضارة الإسلامية للغرب من معارف وعلوم وتقنيات في مختلف المجالات، فما دام أنه يدعو إلى نزع حجاب المرأة المسلمة بهولندا وإلغائه، فلماذا لا يلغي الأرقام التي اخترعها المسلمون، ولا يتخلى عن الرموز الرياضية الإسلامية، ولا يعتمد على الفلسفة الإسلامية التي لولاها لاندثر التراث الفلسفي اليوناني، والقائمة طويلة...!
خلاصة القول،
عود على بدء، الكثيرون هم الذين يتوقعون بأن حزب خيرت فيلدرس سوف يربح الرهان، ويبلي بلاء حسنا في الانتخابات البلدية المقبلة، فلنسلم جدلا بذلك، ونفرض بأنه حقق ما كان مرتقبا، فهيمن على العديد من المجالس البلدية، ثم تمكن فيما بعد من أن يكون زعيم الحكومة المقبلة، أو على أقل تقدير صاحب العديد من الحقائب الوزارية؛ فما العمل إذن؟ وما هو المطلوب من المسلمين، الذين لا محالة سوف يعانون أكثر من القوانين التي سوف يطرحها فيلدرس؟ يقينا أن مسلمي هولندا أصبحوا أكثر نضجا من السابق، وهذا ما برهنوا عليه عندما عرض فيلم فتنة، فلم يلجأوا إلى آلية العنف والتخريب، كما كان في السابق، وكما كان يحلم فيلدرس، ويروج الإعلام الهولندي، وإنما فضلوا آليات الحوار والنقاش والقضاء، فكانت خيبة أمل خصمهم اللدود عميقة. من هذا المنطلق، فهم مدعوون لاستحضار ذلك الحدث، والتسلح في تلك المواقف العويصة والمحرجة بالسلاح الأخلاقي كالحوار والنقد الذاتي والسلوك الحسن والصدق، وغير ذلك، إلى جانب السلاح السياسي، فالسياق الجديد يقتضي من المسلمين النزول إلى الواقع، والمشاركة الميدانية الفعالة في صناعة الحدث الانتخابي، لاسيما في الم! دن الكبرى، حيث تستقر مئات الآلاف من المسلمين، التي بإمكانها أن تؤثر بعمق في نتائج الخارطة الانتخابية، وقد بدأت تلوح في الأفق مؤشرات إيجابية على وعي الجالية المسلمة في هولندا بأهمية السلاح السياسي، والدليل على ذلك أن لوائح الأحزاب المتعاطفة مع الأجانب، أصبحت مكتظة بالمنتخبين من أصول إسلامية؛ مغربية وتركية وسورينامية، بل وثمة لوائح مستقلة خاصة بالمنتخبين المسلمين. هذا ناهيك عن السلاح العلمي، الذي قد يؤتي أكله على المدى المتوسط أو البعيد، وقد بدأت بوادر ذلك الأكل تظهر للعيان، إذ صارت تحضر الكفاءات العلمية المسلمة في مختلف المجالات، كالتعليم والصحة والثقافة والقطاع الخاص، وغير ذلك، فإحصائيات وزارة التعليم الهولندية في تقريرها السنوي (2009)، تشير إلى أن عدد الطلبة الأجانب غير الغربيين المتخرجين (ومعظمهم من أصول إسلامية)، يشكل الربع من إجمالي المتخرجين بهولندا، المقدرين بـ 26 ألف، وهذا يعني أن عدد أبناء المسلمين الذين يتخرجون سنويا من الجامعات والمعاهد الهولندية يتراوح بين 3500 و4500 متخرج، زد على ذلك أن عدد الطلاب المسلمين في التعليم العالي الهولندي تضاعف في العشرية الأخيرة أكثر! من ثلاث مرات، ليتراوح ما بين 15 و20 ألف طالب مسلم. أليس هذا م! دعاة للتفاؤل، رغم أن كل شيء يوحي بالتشاؤم؟! أليس هذا بمثابة بصيص أمل، يكشف لنا مسلكا للطمأنينة والمستقبل في ظلام المجهول والتيه؟!
موقع 1 * : www.pvv.nl
موقع 2 * : www.peil.nl
التضحية بالحكومة من أجل كسب الانتخابات!
"ما عاد حزب العمال يتحدث لغة الناس العاديين (الهولندية)، حزب فاوتر بوس أصبح يتكلم العربية! تقرأ باستمرار أن دليل الحزب الانتخابي منشور باللغة العربية. لكن هل تعلمون ما في داخله؟ هل قرأتموه؟ ربما لا، لقد قمت بمحاولة لأن أترجم لكم ذلك، وما ينطوي عليه تقريبا: أعدكم بزيادة الإعانات الاجتماعية المادية فنحن في هولندا ندفع للجميع بسخاء. تعالى إلى هنا مع عائلتك كلها، لأن المال ينمو هنا على الأشجار، حزب العمال يرعى جيدا الناخبين غير المتحررين". (من خطاب فيلدرس لحملته الانتخابية بمدينة ألمير، المصدر: موقع 1 *) على هذا الإيقاع الدعائي الذي يوفق بين خطاب السخرية وآلية التهجم، يوجه اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرس؛ زعيم حزب الحرية، حملته الانتخابية الخاصة بالانتخابات البلدية الهولندية التي هي على الأبواب، إذ سوف تجرى بعد أقل من أسبوع، وذلك يوم 3 مارس 2010.
بغض النظر عن مختلف المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغير ذلك، التي تكهرب السياق الهولندي، وتشغل بال الرأيين الخاص والعام على حد سواء، شهد الواقع السياسي الهولندي هزة عنيفة تتعلق بالأزمة التي تخللت العمل الحكومي، فكان المآل أن سقطت الحكومة الحالية، وهي حكومة الوزير الأول بالكانند الرابعة، الذي فشل طوال أكثر من عقد زمني في أن يشكل حكومة منسجمة تنهي فترة حكمها (أربع سنوات) بنجاح! ويعزى سبب هذه الأزمة إلى الاختلاف بين الحزبين المكونين للحكومة: الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب العمال، حول مسألة استمرار وجود الجنود الهولنديين في ولاية أوروزكان الأفغانية، إذ يؤيد رئيس الوزراء هذا الوجود، ويعتبر إسهام هولندا العسكري في حلف الشمال الأطلسي إلزامي، في حين يرفض ذلك نائبه ووزير المالية العمالي السيد فاوتر بوس، الذي يرى أنه لا معنى لوجود 1600 جندي هولندي في أفغانستان، ملحا على أنه على هولندا أن تنهي مهمتها في أوروزكان في شهر غشت القادم، ثم تتم في الأشهر الموالية عودة الجنود والمعدات.
هكذا يظهر للعيان أن الاختلاف الجذري حول الوجود العسكري الهولندي في أفغانستان بين مكونات الحكومة الهولندية، هو السبب المباشر الذي أدى إلى سقوطها وتفككها، غير أن ذلك التبرير لا يكفي، لأنه يجعل قراءة هذا الحدث السياسي سطحية، يقينا أن ذلك السبب هو الذي عرى حقيقة التحالف الحكومي الهش، غير أنه كان مجرد ذريعة، لا أكثر! فالشجرة تخفي وراءها غابة، وسبب وجود القوات الهولندية في أفغانستان، يخفي وراءه أيضا ما لا يحصى من الأسباب الأيديولوجية والاقتصادية والأمنية والتنظيمية وغيرها، ويتحتم طرح هذا السؤال العميق وهو: لماذا تحصل الأزمة في هذه الظرفية السياسية الحساسة، حيث الدولة الهولندية مقبلة على انتخابات بلدية مصيرية، ولم تحدث أثناء الثلاث سنوات التي عمرتها تلك الحكومة، أو تؤجل إلى ما بعد الانتخابات التي هي على الأبواب؟
هكذا فإنه تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ورقة أساسية من أوراق هذه المعادلة السياسية الجديدة في هولندا، وهي ورقة المنافسة على انتخابات 3 مارس البلدية، إذ يجد حزب العمال نفسه أمام مصير عويص، لا يمكن الفكاك منه إلا بالتضحية المستميتة بكل ما أوتي من إمكانات ومؤهلات، قصد رد الأمور إلى نصابها، وكسب المزيد من الأصوات المساندة له، أمام الاكتساح الجهنمي الذي يمارسه حزب الحرية، لاسيما على أحزاب اليسار المتعاطفة مع الأجانب والمسلمين، فما كان عليه إلا أن يضحي بوجوده في حكومة بالكانند الرابعة، التي لم يجن منها إلا الخسران المبين، والتراجع الشعبي اللافت، فتحققت مباشرة بعد استقالته الرسمية منها، زيادة مهمة في شعبية الحزب، حسب آخر استطلاع للرأي العام قام به مكتب البحث (سينوفات)، إذ أنه إذا نظمت الآن الانتخابات البرلمانية (الغرفة الثانية)، سوف يحصد حزب العمال 27 صوتا، أي بزيادة ستة أصوات، مقارنة مع الأسبوع الماضي.
الاكتساح الجهنمي المتوقع لحزب الحرية
تجمع أغلب أراء المتابعين السياسيين والإعلاميين على أن ثمة إقبالا منقطع النظير، من قبل مختلف شرائح المجتمع الهولندي، على حزب اليميني المتطرف؛ خيرت فيلدرس، وهو حزب الحرية، بل وإن معظم استطلاعات الرأي التي تمت طوال السنوات الأخيرة تعضد هذا الإجماع، وتدعمه بالإحصائيات والأرقام، التي تقرب الحقيقة أكثر، فمكتب البحث (سينوفات) منح حزب الحرية 27 صوتا. كما قام السوسيولوجي الهولندي ماوريس دي هوند المعروف بموقعه الخاص باستطلاعات الرأي (موقع 2 *)، ببحث في مارس 2009، وتوصل من خلاله إلى أنه إذا تمت الانتخابات آنذاك، سوف يحصد حزب الحرية 29 مقعدا. ثم كما جاء في بحث لمؤسسة تنس/نيب، لصالح جريدة الشعب وجامعة أمستردام، إنه على مستوى مدينة ألمير التي كان يهيمن عليها حزب العمال، سوف تتراجع نسبة أصواته في الانتخابات البلدية المقبلة إلى 20%، مقابل حزب فيلدرس الذي يتوقع بأنه سوف يحظى بـ 30% من الأصوات.
كيف يفسر إذن هذا الاكتساح الجهنمي المتوقع لحزب الحرية في انتخابات 3 مارس البلدية القادمة بهولندا، الذي عادة ما ينعت بالتطرف والعداء للأجانب والمسلمين، ليس اتهاما له، أو تأويلا خاطئا لمقولاته، وإنما بناء على تصريحاته المعلنة التي تعبر عن ذلك بوضوح تام.
إن زعيم حزب الحرية، السيد خيرت فيلدرس عرف منذ ظهوره في المشهد السياسي الهولندي، بأنه يؤسس خطابه الأيديولوجي في الغالب العام على دعامات أساسية، تتحدد أهمها في: معاداة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن الشواذ الجنسيين، وموالاة الكيان الصهيوني، ولم يكتف بالجانب النظري فحسب، وإنما سعى حثيثا إلى إنزال أفكاره على أرض الواقع، وترجمة أقواله ميدانيا وفعليا، عن طريق مختلف الأنشطة المشهودة والمبادرات الملموسة، كعرض فيلم فتنة، وزياراته المكوكية إلى تل أبيب، وتقديمه للعديد من المشاريع القانونية المعارضة لوجود المسلمين في الغرب، وغير ذلك.
أما اليوم فقد تطور خطاب السيد فيلدرس أكثر، وأصبح أشد وعي بخيوط المعادلة السياسية الهولندية، بل وتعمق إدراكه بخصوص أهم القضايا التي قد يؤثر من خلالها على الشارع الهولندي، فيفلح في شد أنظار الناخبين إليه، وحشد مختلف أصوات المواطنين حوله.
لذلك لم يكتف بأفكاره الأيديولوجية التقليدية، وإنما أضاف إليها العديد من القضايا الواقعية، التي تمس مشاعر المواطنين الهولنديين الأصليين، لأنه أدرك بعمق أن تلك الأفكار المعادية للأجانب والمسلمين وحدها، لن تؤهله لغزو قلوب الكثير من الهولنديين، الذين يحترمون المواطنين من أصول أجنبية وإسلامية، وغالبا ما يرفضون أفكار فيلدرس أو يتحفظون منها. هكذا فقد طرح الكثير من الأمور الواقعية التي من شأنها أن تستقطب الناخب الهولندي العادي، وهذا ما يتجلى لأي مطلع على برنامج حزب الحرية الانتخابي، كما هو منشور في الموقع الرقمي للحزب: موقع 1 *. إذ يدبج برنامجه بأن هولندا دولة رائعة، غير أنها تترنح الآن تحت الضغط، من جراء مختلف الأسباب، فالنخبة السياسية في هولندا تسلك منهجية تتجاهل مصالح ومشاكل المواطنين، والشارع يفتقد إلى الأمن اللازم لقلة الشرطة وانخفاض العقوبات، كما أنه يهاجر سنويا الكثير من الأجانب إلى أرضنا، وأن أغلبية الشباب الهولندي من أصول غير غربية، وغير ذلك.
وسعيا إلى إخراج الدولة الهولندية من النفق المسدود الذي آلت إليه، يركز في حملته الانتخابية الحالية، بالإضافة إلى الدعامات التي سبق ذكرها، على قضايا: التخفيض الضريبي، التعليم والأسرة، الديمقراطية المباشرة، حقوق الحيوان، وغير ذلك.
وقد عمل السيد فيلدرس على تمرير هذه الأفكار في مختلف محطات حملة حزبه للانتخابات البلدية القادمة، مستثمرا الظرفية السياسية الخانقة التي يمر بها الراهن الهولندي، حيث الناس في مسيس الحاجة إلى بديل سياسي ناجع، عوض البدائل السياسية المختلفة، من يسار ويمين ووسط، التي تم تجريبها في العقد الأخير، وباء أغلبها بالفشل الذريع، لذلك ركز بدهاء كبير على نقاط الضعف لدى الحكومات السابقة، فهو لم يأت بالجديد، وإنما حاول عرض بضاعته القديمة في حلة جديدة وجذابة، وهذا ما يتضح بجلاء تام من خلال خطابه في مدينة ألمير، يوم 25 فبراير 2010، حيث أثبت للحضور الغفير، أن الحكومة المستقيلة لم تقدم أي شيء طوال ثلاث سنوات من الحكم، باستثناء الرفع من الضريبة، وتمديد سن التقاعد إلى 67 سنة عوض 65 سنة، وارتفاع مستوى الجريمة، وتشجيع الهجرة المكثفة، وأسلمة المجتمع الهولندي، وغير ذلك.
المسلمون؛ جلاد أم ضحية أم ماذا!
عندما نمعن النظر في طبيعة الأفكار المتبادلة بين المسلمين في هولندا، وزعيم حزب الحرية ومن والاه، نجد أن كل طرف منهما يعتبر نفسه الضحية، وأن خصمه هو الجلاد، على هذا الأساس فالمسلمون يرون أنفسهم ضحايا للجلاد، الذي هو السيد فيلدرس أو غيره من المتطرفين المعادين لكل ما هو إسلامي، والعكس صحيح، أي أن تيار اليمين المتشدد عامة، وحزب فيلدرس خاصة، يعتبرون أنفسهم أو بالأحرى الغرب كله، ضحية للجلاد الإسلامي ولإرهاب المسلمين وزحفهم الأخضر، ترى مَنْ من الطرفين على حق؟
حتى يكون المرء موضوعيا ليس مع غيره فحسب، وإنما مع ذاته وضميره كذلك، ينبغي أن يتحدث بصراحة ولو مريرة عن واقع المسلمين في الغرب، وهو واقع قبل أن تشوهه أقلام المفكرين والكتاب، وكاميرات الإعلاميين، قد عمل العديد من المسلمين أو المحسوبين على الإسلام، بوعي أو بلا وعي منهم، بتشويه حقيقة الدين الذي يؤمنون به، والثقافة التي ينتمون إليها، عن طريق مختلف السلوكات المنحرفة التي يرفضها الدين الإسلامي بشدة، ويعاقب مرتكبيها بدون هوادة، مما سوف يمس المجتمع الغربي الذي يستقر فيه المسلمون، فلا يملك إلا أن يواجه هذه المستجدات غير المتوقعة، عبر مختلف الآليات والطرائق، التي تختلف من تيار إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر. وهي تتراوح بين أسلوب المعالجة العقلانية السمحة، وأسلوب المعالجة الانفعالية الصارمة، ويمكن إدراج خطاب السيد فيلدرس في نطاق الأسلوب الثاني، الذي يعامل المسلمين الهولنديين بآلية العصا الغليظة، وهو يضعهم كلهم أجمعين في سلة واحدة، رغم اختلاف انتماءاتهم العرقية، وتوجهاتهم المذهبية، ومستوياتهم التعليمية، فالمسلمون في الغرب لا يشكلون كلا موحدا، وإنما يمكن اعتبارهم كلا مجزأ، و! هذا الاختلاف يجعل موقف المسلمين من العالم الغربي مختلفا وغير موحد، إذ منهم الذي يرفض كل ما هو غربي، وتمثله قلة قليلة، ومنهم من يتحفظ عن ذكر موقفه، وتمثله كذلك قلة قليلة، ومنهم الذي يحترم الغرب ويفضل العيش في العالم الغربي عن الاستقرار في وطنه الأصلي، وتمثله الكثرة الكاثرة.
على هذا الأساس، من اللا إنصاف القول أن المسلمين هم الجلاد، ما دام أنهم يخلقون المشاكل للحكومات الغربية، ويرون في الغرب عدوا لدودا لهم، لعل هذا ينطبق على فئة قليلة منهم، نصادفها في كل الأديان والثقافات والدول، ولا ينبغي اتخاذها ذريعة لاتهام المسلمين كلهم، كما تفعل الحركات الغربية المعادية للأجانب والمسلمين، كأحزاب اليمين المتطرف، والنازيين الجدد، والتيارات السياسية الموالية لإسرائيل، وجمعيات الشواذ الجنسيين، وغير ذلك.
فالمسلمون في الغرب عامة، وفي هولندا خاصة، أصبحوا ضحية هذه الحركات، التي يأتي على رأسها السيد خيرت فيلدرس من خلال حزبه، الذي يدعى حزب الحرية، وهو اسم على غير مسمى! وهذا ما يتضح بجلاء تام لكل من يقرأ عشرات الحوارات والتصريحات التي يدلي بها لمختلف وسائل الإعلام الهولندية والدولية، ويطلع على برنامجه الانتخابي، فلنتأمل هذه البنود الثالثة الواردة فيه:
• المواجهة الشديدة للجريمة والإرهاب، ونزع الجنسية الهولندية للمجرمين من أصول مغربية خاصة!
• الاتحاد الأوروبي، عملية السلام، السياسة الخارجية: أهم العناصر اللافتة في هذا البند هي: عدم السماح لتركيا بالانضمام إلى المجموعة الأوروبية، الإسهام في مواجهة الإرهاب العالمي، كالقاعدة وحزب الله وحماس!
• منع الهجرة إلى هولندا: يحتوي هذا البند على العديد من العناصر المتعلقة بالمسلمين في هولندا مثل: منع هجرة غير الغربيين (المغاربة والأتراك خاصة!) طوال خمس سنوات، جعل الهيمنة للثقافة المسيحية واليهودية في هولندا، وقف بناء المساجد والمدارس الإسلامية طوال خمس سنوات، إغلاق المساجد المتشددة، منع التمويل الأجنبي للمساجد، منع الأئمة الأجانب من الوعظ وإجبارية استعمال اللغة الهولندية في المساجد، حظر غير الهولنديين من الترشح للانتخابات البلدية، إزالة ازدواجية الجنسية، كتابة المنشورات الخاصة بمصالح الدولة باللغة الهولندية وحدها، عدم تقديم الرعاية الصحية للمهاجرين غير الشرعيين، منح الجنسية بعد عشر سنوات من الإقامة في هولندا مع العمل الكامل المطلوب وحسن السيرة، عدم تلقي التعويضات الاجتماعية إلا بعد عشر سنوات من الإقامة، عدم منح التعويضات الاجتماعية خارج المجموعة الأوروبية، تحفيز الهجرة المعاكسة التطوعية (دون أي مقابل)، حظر النقاب في المجالات العامة، منع الحجاب في الوظائف العامة.
فبصرف النظر عن جملة من النقاط المطروحة في هذا البرنامج، والتي تستهدف بالأساس حرية وطمأنينة كل مسلم في هولندا والغرب، بل وفي العالم أجمع، يتحتم التريث عند القضية الأخيرة، التي ترتبط بالحجاب، وقد تعرض إليها السيد فيلدرس في خطابه الأخير بمدينة ألمير بنوع من التفصيل، حيث دعا إلى "حظر الحجاب في الهيئات البلدية وفي كل المؤسسات والجمعيات والمنظمات، التي تتلقى ولو سنتا واحدا من الدعم من البلدية. وهذا الحظر الفوري للحجاب، هو تخليص للمرأة من هذا الرمز الإسلامي المذل. وبكل وضوح: هذا القانون لا ينطبق على الصليب والقبعة لأنهما رموز لديانات لها صلة وثيقة بثقافتنا، وليس كالحجاب الذي هو علامة لإيديولوجية استبدادية وشمولية".
هكذا بعد أن دعا الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قبل سنوات إلى منع ارتداء الرموز الدينية، ثم تلته الحكومة البلجيكية بإصدار قانون حظر لبس الحجاب في المدارس العمومية، ظل مسلمو هولندا يتساءلون ويتوقعون بأن الدولة الهولندية أيضا سوف تمضي على الدرب نفسه، وها هو اليوم السيد فيلدرس يكشف عن ذلك، بل ويميط اللثام عن نيته الخبيثة، التي ترفض كل ما يتعلق بالإسلام وحده، أما الديانات الأخرى فمرحبا بها في هولندا، ولو كانت تتعارض مع اعتقاده اللا ديني والبوهيمي، وهو يجهل أو بالأحرى يتجاهل ما قدمته الحضارة الإسلامية للغرب من معارف وعلوم وتقنيات في مختلف المجالات، فما دام أنه يدعو إلى نزع حجاب المرأة المسلمة بهولندا وإلغائه، فلماذا لا يلغي الأرقام التي اخترعها المسلمون، ولا يتخلى عن الرموز الرياضية الإسلامية، ولا يعتمد على الفلسفة الإسلامية التي لولاها لاندثر التراث الفلسفي اليوناني، والقائمة طويلة...!
خلاصة القول،
عود على بدء، الكثيرون هم الذين يتوقعون بأن حزب خيرت فيلدرس سوف يربح الرهان، ويبلي بلاء حسنا في الانتخابات البلدية المقبلة، فلنسلم جدلا بذلك، ونفرض بأنه حقق ما كان مرتقبا، فهيمن على العديد من المجالس البلدية، ثم تمكن فيما بعد من أن يكون زعيم الحكومة المقبلة، أو على أقل تقدير صاحب العديد من الحقائب الوزارية؛ فما العمل إذن؟ وما هو المطلوب من المسلمين، الذين لا محالة سوف يعانون أكثر من القوانين التي سوف يطرحها فيلدرس؟ يقينا أن مسلمي هولندا أصبحوا أكثر نضجا من السابق، وهذا ما برهنوا عليه عندما عرض فيلم فتنة، فلم يلجأوا إلى آلية العنف والتخريب، كما كان في السابق، وكما كان يحلم فيلدرس، ويروج الإعلام الهولندي، وإنما فضلوا آليات الحوار والنقاش والقضاء، فكانت خيبة أمل خصمهم اللدود عميقة. من هذا المنطلق، فهم مدعوون لاستحضار ذلك الحدث، والتسلح في تلك المواقف العويصة والمحرجة بالسلاح الأخلاقي كالحوار والنقد الذاتي والسلوك الحسن والصدق، وغير ذلك، إلى جانب السلاح السياسي، فالسياق الجديد يقتضي من المسلمين النزول إلى الواقع، والمشاركة الميدانية الفعالة في صناعة الحدث الانتخابي، لاسيما في الم! دن الكبرى، حيث تستقر مئات الآلاف من المسلمين، التي بإمكانها أن تؤثر بعمق في نتائج الخارطة الانتخابية، وقد بدأت تلوح في الأفق مؤشرات إيجابية على وعي الجالية المسلمة في هولندا بأهمية السلاح السياسي، والدليل على ذلك أن لوائح الأحزاب المتعاطفة مع الأجانب، أصبحت مكتظة بالمنتخبين من أصول إسلامية؛ مغربية وتركية وسورينامية، بل وثمة لوائح مستقلة خاصة بالمنتخبين المسلمين. هذا ناهيك عن السلاح العلمي، الذي قد يؤتي أكله على المدى المتوسط أو البعيد، وقد بدأت بوادر ذلك الأكل تظهر للعيان، إذ صارت تحضر الكفاءات العلمية المسلمة في مختلف المجالات، كالتعليم والصحة والثقافة والقطاع الخاص، وغير ذلك، فإحصائيات وزارة التعليم الهولندية في تقريرها السنوي (2009)، تشير إلى أن عدد الطلبة الأجانب غير الغربيين المتخرجين (ومعظمهم من أصول إسلامية)، يشكل الربع من إجمالي المتخرجين بهولندا، المقدرين بـ 26 ألف، وهذا يعني أن عدد أبناء المسلمين الذين يتخرجون سنويا من الجامعات والمعاهد الهولندية يتراوح بين 3500 و4500 متخرج، زد على ذلك أن عدد الطلاب المسلمين في التعليم العالي الهولندي تضاعف في العشرية الأخيرة أكثر! من ثلاث مرات، ليتراوح ما بين 15 و20 ألف طالب مسلم. أليس هذا م! دعاة للتفاؤل، رغم أن كل شيء يوحي بالتشاؤم؟! أليس هذا بمثابة بصيص أمل، يكشف لنا مسلكا للطمأنينة والمستقبل في ظلام المجهول والتيه؟!
موقع 1 * : www.pvv.nl
موقع 2 * : www.peil.nl