الجزء الأول : متى سيعتذر المخزن للريف
يوسف رشيدي
تعتبر ثقافة الإعتذار حالة إنسانية وحضارية تُشعر المعتذر له باحترامه كإنسان وتجعل المعتذر يتنبه من كم ونوع الأخطاء التي يوجهها للآخرين كما يقول الأستاذ الحسين آمال ، وتجعل من الإعتذار ثقافة كونية سلكها العالم المتحضر في شق طريق الحرية والنماء ،تلك الثقافة التي تسموا بالإنسان لتصفية فؤاده ، والإحساس بتذنيب الضمير هذا الأخير الذي مات في مؤسسات مغربنا ..
كما هو معلوم فإن الريف المغربي منذ عصور لم يكن مرتبطا بالولاء الدولتي للمغرب ولسلاطينه مع تباين زمني في الولاء في فترات متقاطعة ، حينها يرجع الريف لإستقلاله عن تبعية الدولة المراكشية مع إندحار زمني للدول التي تعاقبت على حكم المغرب (وسوف نتحدث عن هذه النقطة في مقال قادم) بإستثناء أن الريف التاريخي كان مرتبطا بالمركز فقط على مستوى الولاء الديني للسلطان ،، الذي يعتبر في مناهج المتأسلمون خليفة الله في أرضه ، ولهذا فحق للسلطان أو لولي الله الفقيه أن يفعل ما يحلوا له في العباد "الرعية" من تقتيل وتشريد وإحتضان وتقدير لرعية أخرى .
الريف المغربي لم يخرج عن قاعدة التأديب الذي مارسه المخزن المغربي في حقه ، فعقدة ولادة جمهورية فتية ديمقراطية على أرض الريف بإسم " جمهورية الريف " هي سبب الويلات والمحن التي عرفها الريف المغربي منذ أزيد من تسعين سنة ، قرن من الزمان وفواتير العصيان يؤديها الريفيون غصبا وبقوة السلطة .
قلت سابقا أن الإعتذار ثقافة إنسانية وإسلامية في الوقت نفسه "خير الخطاؤن التوابون " لذا فهل يا ترى أن تعتذر الدولة المغربية للريف فيما إقترفته من جرائم بشعة في حق المنطقة ، ألا تتوفر دولة العهد الجديد دولة الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر الجماعي على جرأة الإعتذار على ما إقترفته إلى جانب فرنسا وإسبانيا في حق أهالي الريف حينما أبيدوا في حرب الريف بواسطة الأسلحة الكيماوية "أرهاج"
فمباشرة بعد فشل مؤتمر وجدة الذي كان مخطط فرنسي لإستمالة عصبة الأمم لشن حرب عدوانية على دولة الريف الأمازيغية لأنه ببساطة لا إسبانيا وفرنسا والسلطان المغربي كان بإحتمالهم وجود دولة ريفية ديمقراطية وبمؤسسات قوية في تلك الفترة يقول "ورج أوفيد" المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة المغربية من سنة 1956 إلى 1961 "لا الحكومة الفرنسية، ولا الحكومة الاسبانية كان بإمكانهما احتمال وجود ريف موحد تعتبرانه تهديدا كامنا لإقامتها في افريقيا الشمالية. فرق تسد لقد كان تفكيك الكتلة الريفية هو الهدف الذي تقصده العسكريون كما <<السياسيون>> ثم يضيف ويقول لقد احترس القادة الفرنسيون من الكشف عن نواياهم إلى حين انعقاد مؤتمر وجدة"(1) . لتنطلق الحملة المسعورة تجاه الريف بحشد الدولتين الإسبانية والمغربية والفرنسية لجيش عرم قوامه 975000 ألف جندي أي تقريبا مليون جندي بالتمام والكمال موزعة بين فرنسا بجيش تعداده 325000 وإسبانيا ب 250000 جندي بالإضافة إلى جنود مغاربة ألحقتهم فرنسا وقد قدر العدد ب 400000 (2) وهذه الإحصائيات منقولة من مداولات الجمعية الوطنية الفرنسية التي نشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 2 يونيو 1956 ، وبهذا الجيش العرم مرفوقا بمئات السفن الحربية وآلاف المدافع و 10 طائرات محملة بقنابل الكيماوية والهيدروجينية و63 سفينة محملة بالجنود الإسبان الذين كانوا يضعون الأقنعة الواقية من الغازات السامة ، وبذلك سقطت أجدير عاصمة الجمهورية الريفية في 2 أكتوبر 1925 كما سقطت عدة مدن ريفية أخرى كشفشاون ووزان و قرى أخرى ، وجدير بالذكر أن المخزن المغربي جند آلاف الخونة للقتال بجانب فرنسا وتقول بعض الإحصائيات بأكثر من 10 آلاف مغربي ينحدرون من مدن فاس والبيضاء وقبائل جنوب الريف ومنهم المذبوح قائد إكزناين وعمار بن حاميدو وقائد إمرنسان والبشير قائد البرانص ومحمد بن بوشتى البغدادي باشا فاس وابن الطاهر باشا أزمور والجيلالي قائد الشرادة وبن عمار قائد زعير كما أورده الأستاذ القاجيري ، دون أن ننسى أن السلطان المغربي مولاي يوسف حارب إلى جانب فرنسا وإسبانيا بجيشه حيث يقول المؤرخ البريطاني سباستيان بالفور أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن في حوار مع جريدة العصر "علينا أن نتذكر أن العديد من الجنود ممن كانوا يتلقون الأوامر من السلطان المغربي، كانوا يحاربون إلى جانب الجيش الإسباني ضد المقاومة الريفية. أتأسف كثيرا على التزام السلطات المغربية الصمت على هذا الموضوع، بالرغم من مرور كل هذه العقود" (3) حيث إستمر العدوان الثلاثي على الريف من كل الجوانب فيما كان عدد سكان الريف في تلك الفترة لا يتجاوز ستمئة ألف نسمة ، أي عدد الجنود أكثر بكثير من السكان أليست هذه إبادة جماعية لم يعرفها التاريخ منذ القدم علما أن إسبانيا لها تجربة متميزة في مسار إبادة الشعوب ولعل طمسها لحضارات أمريكا اللاتينية والهنود الحمر أكسبتها تجربة في إبادة الريف ولو حنكة مولاي محند ودهائه السياسي حيث قرر توقيف الحرب والإستسلام لما كنا موجودين نحن الريفيون اليوم .
عن الدمار المخرب الذي شهده الريف يقول "وولتر هارلس" مراسل جريدة "التايمز" اللندية على مثال لذلك يتعلق الأمر بقصف وقنبلة مدينة شفشاون الريفية بالقنابل المسمومة ويقول: "أرى أن الفعل الأكثر شراسة ووحشية الذي شهدته الحرب برمتها، والذي لا يمكن تبريره على وجه الإطلاق، هو قنبلة المدينة المفتوحة شفشاون سنة 1925 في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون كل الرجال القادرين على حمل السلاح غائبين عن المدينة، بسرب من الطائرات التي تحمل متطوعين من الجيش الأمريكي بالاشتراك مع وحدات جوية فرنسية، وقد ذهب ضحية ذلك الهجوم العديد من النساء والأطفال العزل، كما جرح وأسر العديد منهم(4)
وبذلك فقد خلف القصف أكثر من 3 آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى ودمار شامل بمعنى الكلمة وتدمير للبيئة والأرض والحقول حيث كانت الطائرات تقصف المداشر والأسواق والتجمعات البشرية بقنابل فسفورية كغاز "البن " وغاز الفوسفور الأصفر وغاز الأكترون وغاز الخردل وغاز الأكسول حيث أن الريف المنسي ولحدود اليوم توجد هناك مناطق شاسعة لا تنبت وغير صالحة للزراعة بإستثناء " الصبار والشوك " بينما مناطق أخرى تنبت القنب الهندي فقط حيث هي تلك ما تبقى للريف لكن العهد الجديد يحاربها عن طريق إمتيازات الإتحاد الأوروبي بالإضافة أن هذه الغازات جعلت من أبناء الريف يصابون بالمرض الفتاك "السرطان" بنسبة 80% من نسبة المرضى بالمغرب حسب إحصائيات معهد الإيكولوجيا بالرباط .
وعودة للموضوع فإن المخزن المغربي يعتبر المتواطئ الأول في هذه الجريمة التاريخية لأن المؤسسة السلطانية هي التي وقعت إتفاقية الحماية ، في هذا الصدد تقول المؤرخة الإسبانية ماريا روزا المختصة في حرب الريف فقد أوردت في كتابتها المتعددة حول حرب الريف أن المغرب واسبانيا متساويان من الناحية المسؤولية التاريخية من خلال استعمال الغازات السامة في حرب الريف على اعتبار أن المغرب تواطئ مع اسبانيا في ضرب الريفيين بالأسلحة الكيماوية. وفي علاقة بهذا الموضوع يقول المؤرخ البريطاني سباستيان بالفور مؤلف كتاب "العناق المميت حول " c حول حرب الغازات السامة بالريف قائلا: "المعروف أن السلطان المغربي كان قد التزم الصمت بخصوص هذا الموضوع، وإن كنت لا أشك انه كان على علم بلجوء جيش الاحتلال الاسباني لسلاح الغازات السامة، خاصة وأن العالم كله تحدث خلال تلك الفترة عن هذه الحرب القذرة، كما أن وسائل الإعلام الدولية كانت تندد وتفضح لجوء الاسبان للغازات السامة في المنطقة (5) كما أن مسؤولية السلطان المغربي قائمة حيث أن حزب اليسار الجمهوري الكطلاني اتهم المغرب واسبانيا باستعمالهم للغازات السامة في حرب الريف وذلك في ندوة نظمتها جمعية أنوال الثقافية بالناظور يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2005 ، وقد أكد الحزب الكطلاني خلال الندوة على أن المسؤولية مشتركة بين النظامين المغربي والاسباني على اعتبار أن الأول هو من سمح للاسبان باستعمال الغازات السامة في المنطقة بتوقيعه على بنود الحماية أمام عدم اتخاذه لأي موقف لصالح حماية شعب الريف. وترخيصه لاسبانيا باستعمال الغازات السامة بموافقة سلطان المخزن مولاي يوسف، وتجدر الملاحظة هنا إلى أن العديد من الاسبان والريفيين يتهمون أيضا السلطان مولاي يوسف باستعمال الغاز خلال حربه ضد ثورة الريف، وما يفيد ذلك وثيقة وزعت باسم مجموعة من الجمعيات الريفية والكطلانية علاوة على أطراف حزبية كطلانية في شهر يوليوز 2005. تقول الوثيقة إن "السلطان مولاي يوسف، هو الذي طلب من الاسبانيين ضرب الريف بالغازات لأن الاستعمار الاسباني والفرنسي كان بموجب معاهدة الحماية مكلفان بالدفاع عن المخزن على اعتبار أن جمهورية الريف كانت في نظر المخزن مجرد عصابة تهدد الأمن العام يقودها الفتان عبد الكريم، كما دأب السلطان يوسف يصف الأمير"(6) كما أورد ذلك الأستاذ القاجيري في عدة كتاباته المنشورة . على العموم فإن حرب الريف المدمرة لم تكن فرنسا وإسبانيا الوحيدتين المسؤولتين بل أن مسؤولية المغرب قائمة لأنه لا يعقل أن يتدخل العالم بأكمله في تلك الفترة والسلطان لم يحرك ساكنا وإذا جزمنا أنه لا توجد وثائق رسمية تؤكد تورط المخزن فإن سبب ذلك هو أن المخزن الديكتاتوري لا يرغب في فتح أرشيف خزانته العسكرية في وجه الباحثين ، لأنه من المستحيل أن يكشف المخزن على جرائمه ، لذا فإن المعطيات المتوفرة غالبا ما تأتي من أرشيفات الدولتين والإسبانية ، وعليه فإنه من الممكن أن يكون الأرشيف المغربي مدسوس تحت الأرض أو تعرض للإتلاف تجنبا لفضائحه .
إن من العار في دولة الحق القانون أن يبقى ملف حرب الريف من المحرمات والطابوهات التي تسد عليها الأفواه ، بينما الأجدر من مطالبة إسبانيا بالتعويض وفتح ملف الغازات السامة للريف بينما المخزن المغربي ما زال لم يمتلك جرأة البوح بمسؤولياته تجاه الريف منذ قرن من الزمن ، إذا كان المغرب يرى أن ديمقراطيته تسير في إتجاه تقوية المناعة الترابية فما المشكل إذن في تناوله وبحقيقة ناصعة مشكل الريف وإنزلاقات المخزن في تكوين "جبهة البوليزاريو " التي تنزلق في متاهات البحث عن الجمهورية العربية الوهمية في أرض أمازيغية ..
بقية أحداث الحقيقة الضائعة في حرب الريف في الجزء الثاني
//////////////////////////
إحالات الجزء الأول
1
جورج أوفيد، اليسار الفرنسي والحركة الوطنية المغربية 1905-1955 ، ترجمة محمد الشركي وعبد الجليل ناظم، مراجعة عبد اللطيف المنوني، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 1988، ص: 118 و 119
2
مذكرات إدغار فور، الخبايا السرية لإكس ليبان، ترجمة محمد العفراني، دفاتر وجهة نظر، العدد2، مطبعة النجاح الجديدة، ص 8
3
جريدة العصر (المغربية) ، العدد 217، 5 يوليوز 2002
4
نظر رودبيرت كونز و رلف دييتر مولر، حرب الغارات السامة بالمغرب: عبد الكريم الخطابي في مواجهة السلاح الكيميائي، ترجمة عبد العالي الأمراني، دار فيدبك، الرباط 1996
5
جريدة العصر، العدد 217، 5 يوليوز 2002.
6
جريدة الأسبوع الصحفي، العدد 15 يوليوز
يوسف رشيدي
تعتبر ثقافة الإعتذار حالة إنسانية وحضارية تُشعر المعتذر له باحترامه كإنسان وتجعل المعتذر يتنبه من كم ونوع الأخطاء التي يوجهها للآخرين كما يقول الأستاذ الحسين آمال ، وتجعل من الإعتذار ثقافة كونية سلكها العالم المتحضر في شق طريق الحرية والنماء ،تلك الثقافة التي تسموا بالإنسان لتصفية فؤاده ، والإحساس بتذنيب الضمير هذا الأخير الذي مات في مؤسسات مغربنا ..
كما هو معلوم فإن الريف المغربي منذ عصور لم يكن مرتبطا بالولاء الدولتي للمغرب ولسلاطينه مع تباين زمني في الولاء في فترات متقاطعة ، حينها يرجع الريف لإستقلاله عن تبعية الدولة المراكشية مع إندحار زمني للدول التي تعاقبت على حكم المغرب (وسوف نتحدث عن هذه النقطة في مقال قادم) بإستثناء أن الريف التاريخي كان مرتبطا بالمركز فقط على مستوى الولاء الديني للسلطان ،، الذي يعتبر في مناهج المتأسلمون خليفة الله في أرضه ، ولهذا فحق للسلطان أو لولي الله الفقيه أن يفعل ما يحلوا له في العباد "الرعية" من تقتيل وتشريد وإحتضان وتقدير لرعية أخرى .
الريف المغربي لم يخرج عن قاعدة التأديب الذي مارسه المخزن المغربي في حقه ، فعقدة ولادة جمهورية فتية ديمقراطية على أرض الريف بإسم " جمهورية الريف " هي سبب الويلات والمحن التي عرفها الريف المغربي منذ أزيد من تسعين سنة ، قرن من الزمان وفواتير العصيان يؤديها الريفيون غصبا وبقوة السلطة .
قلت سابقا أن الإعتذار ثقافة إنسانية وإسلامية في الوقت نفسه "خير الخطاؤن التوابون " لذا فهل يا ترى أن تعتذر الدولة المغربية للريف فيما إقترفته من جرائم بشعة في حق المنطقة ، ألا تتوفر دولة العهد الجديد دولة الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر الجماعي على جرأة الإعتذار على ما إقترفته إلى جانب فرنسا وإسبانيا في حق أهالي الريف حينما أبيدوا في حرب الريف بواسطة الأسلحة الكيماوية "أرهاج"
فمباشرة بعد فشل مؤتمر وجدة الذي كان مخطط فرنسي لإستمالة عصبة الأمم لشن حرب عدوانية على دولة الريف الأمازيغية لأنه ببساطة لا إسبانيا وفرنسا والسلطان المغربي كان بإحتمالهم وجود دولة ريفية ديمقراطية وبمؤسسات قوية في تلك الفترة يقول "ورج أوفيد" المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة المغربية من سنة 1956 إلى 1961 "لا الحكومة الفرنسية، ولا الحكومة الاسبانية كان بإمكانهما احتمال وجود ريف موحد تعتبرانه تهديدا كامنا لإقامتها في افريقيا الشمالية. فرق تسد لقد كان تفكيك الكتلة الريفية هو الهدف الذي تقصده العسكريون كما <<السياسيون>> ثم يضيف ويقول لقد احترس القادة الفرنسيون من الكشف عن نواياهم إلى حين انعقاد مؤتمر وجدة"(1) . لتنطلق الحملة المسعورة تجاه الريف بحشد الدولتين الإسبانية والمغربية والفرنسية لجيش عرم قوامه 975000 ألف جندي أي تقريبا مليون جندي بالتمام والكمال موزعة بين فرنسا بجيش تعداده 325000 وإسبانيا ب 250000 جندي بالإضافة إلى جنود مغاربة ألحقتهم فرنسا وقد قدر العدد ب 400000 (2) وهذه الإحصائيات منقولة من مداولات الجمعية الوطنية الفرنسية التي نشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 2 يونيو 1956 ، وبهذا الجيش العرم مرفوقا بمئات السفن الحربية وآلاف المدافع و 10 طائرات محملة بقنابل الكيماوية والهيدروجينية و63 سفينة محملة بالجنود الإسبان الذين كانوا يضعون الأقنعة الواقية من الغازات السامة ، وبذلك سقطت أجدير عاصمة الجمهورية الريفية في 2 أكتوبر 1925 كما سقطت عدة مدن ريفية أخرى كشفشاون ووزان و قرى أخرى ، وجدير بالذكر أن المخزن المغربي جند آلاف الخونة للقتال بجانب فرنسا وتقول بعض الإحصائيات بأكثر من 10 آلاف مغربي ينحدرون من مدن فاس والبيضاء وقبائل جنوب الريف ومنهم المذبوح قائد إكزناين وعمار بن حاميدو وقائد إمرنسان والبشير قائد البرانص ومحمد بن بوشتى البغدادي باشا فاس وابن الطاهر باشا أزمور والجيلالي قائد الشرادة وبن عمار قائد زعير كما أورده الأستاذ القاجيري ، دون أن ننسى أن السلطان المغربي مولاي يوسف حارب إلى جانب فرنسا وإسبانيا بجيشه حيث يقول المؤرخ البريطاني سباستيان بالفور أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن في حوار مع جريدة العصر "علينا أن نتذكر أن العديد من الجنود ممن كانوا يتلقون الأوامر من السلطان المغربي، كانوا يحاربون إلى جانب الجيش الإسباني ضد المقاومة الريفية. أتأسف كثيرا على التزام السلطات المغربية الصمت على هذا الموضوع، بالرغم من مرور كل هذه العقود" (3) حيث إستمر العدوان الثلاثي على الريف من كل الجوانب فيما كان عدد سكان الريف في تلك الفترة لا يتجاوز ستمئة ألف نسمة ، أي عدد الجنود أكثر بكثير من السكان أليست هذه إبادة جماعية لم يعرفها التاريخ منذ القدم علما أن إسبانيا لها تجربة متميزة في مسار إبادة الشعوب ولعل طمسها لحضارات أمريكا اللاتينية والهنود الحمر أكسبتها تجربة في إبادة الريف ولو حنكة مولاي محند ودهائه السياسي حيث قرر توقيف الحرب والإستسلام لما كنا موجودين نحن الريفيون اليوم .
عن الدمار المخرب الذي شهده الريف يقول "وولتر هارلس" مراسل جريدة "التايمز" اللندية على مثال لذلك يتعلق الأمر بقصف وقنبلة مدينة شفشاون الريفية بالقنابل المسمومة ويقول: "أرى أن الفعل الأكثر شراسة ووحشية الذي شهدته الحرب برمتها، والذي لا يمكن تبريره على وجه الإطلاق، هو قنبلة المدينة المفتوحة شفشاون سنة 1925 في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون كل الرجال القادرين على حمل السلاح غائبين عن المدينة، بسرب من الطائرات التي تحمل متطوعين من الجيش الأمريكي بالاشتراك مع وحدات جوية فرنسية، وقد ذهب ضحية ذلك الهجوم العديد من النساء والأطفال العزل، كما جرح وأسر العديد منهم(4)
وبذلك فقد خلف القصف أكثر من 3 آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى ودمار شامل بمعنى الكلمة وتدمير للبيئة والأرض والحقول حيث كانت الطائرات تقصف المداشر والأسواق والتجمعات البشرية بقنابل فسفورية كغاز "البن " وغاز الفوسفور الأصفر وغاز الأكترون وغاز الخردل وغاز الأكسول حيث أن الريف المنسي ولحدود اليوم توجد هناك مناطق شاسعة لا تنبت وغير صالحة للزراعة بإستثناء " الصبار والشوك " بينما مناطق أخرى تنبت القنب الهندي فقط حيث هي تلك ما تبقى للريف لكن العهد الجديد يحاربها عن طريق إمتيازات الإتحاد الأوروبي بالإضافة أن هذه الغازات جعلت من أبناء الريف يصابون بالمرض الفتاك "السرطان" بنسبة 80% من نسبة المرضى بالمغرب حسب إحصائيات معهد الإيكولوجيا بالرباط .
وعودة للموضوع فإن المخزن المغربي يعتبر المتواطئ الأول في هذه الجريمة التاريخية لأن المؤسسة السلطانية هي التي وقعت إتفاقية الحماية ، في هذا الصدد تقول المؤرخة الإسبانية ماريا روزا المختصة في حرب الريف فقد أوردت في كتابتها المتعددة حول حرب الريف أن المغرب واسبانيا متساويان من الناحية المسؤولية التاريخية من خلال استعمال الغازات السامة في حرب الريف على اعتبار أن المغرب تواطئ مع اسبانيا في ضرب الريفيين بالأسلحة الكيماوية. وفي علاقة بهذا الموضوع يقول المؤرخ البريطاني سباستيان بالفور مؤلف كتاب "العناق المميت حول " c حول حرب الغازات السامة بالريف قائلا: "المعروف أن السلطان المغربي كان قد التزم الصمت بخصوص هذا الموضوع، وإن كنت لا أشك انه كان على علم بلجوء جيش الاحتلال الاسباني لسلاح الغازات السامة، خاصة وأن العالم كله تحدث خلال تلك الفترة عن هذه الحرب القذرة، كما أن وسائل الإعلام الدولية كانت تندد وتفضح لجوء الاسبان للغازات السامة في المنطقة (5) كما أن مسؤولية السلطان المغربي قائمة حيث أن حزب اليسار الجمهوري الكطلاني اتهم المغرب واسبانيا باستعمالهم للغازات السامة في حرب الريف وذلك في ندوة نظمتها جمعية أنوال الثقافية بالناظور يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2005 ، وقد أكد الحزب الكطلاني خلال الندوة على أن المسؤولية مشتركة بين النظامين المغربي والاسباني على اعتبار أن الأول هو من سمح للاسبان باستعمال الغازات السامة في المنطقة بتوقيعه على بنود الحماية أمام عدم اتخاذه لأي موقف لصالح حماية شعب الريف. وترخيصه لاسبانيا باستعمال الغازات السامة بموافقة سلطان المخزن مولاي يوسف، وتجدر الملاحظة هنا إلى أن العديد من الاسبان والريفيين يتهمون أيضا السلطان مولاي يوسف باستعمال الغاز خلال حربه ضد ثورة الريف، وما يفيد ذلك وثيقة وزعت باسم مجموعة من الجمعيات الريفية والكطلانية علاوة على أطراف حزبية كطلانية في شهر يوليوز 2005. تقول الوثيقة إن "السلطان مولاي يوسف، هو الذي طلب من الاسبانيين ضرب الريف بالغازات لأن الاستعمار الاسباني والفرنسي كان بموجب معاهدة الحماية مكلفان بالدفاع عن المخزن على اعتبار أن جمهورية الريف كانت في نظر المخزن مجرد عصابة تهدد الأمن العام يقودها الفتان عبد الكريم، كما دأب السلطان يوسف يصف الأمير"(6) كما أورد ذلك الأستاذ القاجيري في عدة كتاباته المنشورة . على العموم فإن حرب الريف المدمرة لم تكن فرنسا وإسبانيا الوحيدتين المسؤولتين بل أن مسؤولية المغرب قائمة لأنه لا يعقل أن يتدخل العالم بأكمله في تلك الفترة والسلطان لم يحرك ساكنا وإذا جزمنا أنه لا توجد وثائق رسمية تؤكد تورط المخزن فإن سبب ذلك هو أن المخزن الديكتاتوري لا يرغب في فتح أرشيف خزانته العسكرية في وجه الباحثين ، لأنه من المستحيل أن يكشف المخزن على جرائمه ، لذا فإن المعطيات المتوفرة غالبا ما تأتي من أرشيفات الدولتين والإسبانية ، وعليه فإنه من الممكن أن يكون الأرشيف المغربي مدسوس تحت الأرض أو تعرض للإتلاف تجنبا لفضائحه .
إن من العار في دولة الحق القانون أن يبقى ملف حرب الريف من المحرمات والطابوهات التي تسد عليها الأفواه ، بينما الأجدر من مطالبة إسبانيا بالتعويض وفتح ملف الغازات السامة للريف بينما المخزن المغربي ما زال لم يمتلك جرأة البوح بمسؤولياته تجاه الريف منذ قرن من الزمن ، إذا كان المغرب يرى أن ديمقراطيته تسير في إتجاه تقوية المناعة الترابية فما المشكل إذن في تناوله وبحقيقة ناصعة مشكل الريف وإنزلاقات المخزن في تكوين "جبهة البوليزاريو " التي تنزلق في متاهات البحث عن الجمهورية العربية الوهمية في أرض أمازيغية ..
بقية أحداث الحقيقة الضائعة في حرب الريف في الجزء الثاني
//////////////////////////
إحالات الجزء الأول
1
جورج أوفيد، اليسار الفرنسي والحركة الوطنية المغربية 1905-1955 ، ترجمة محمد الشركي وعبد الجليل ناظم، مراجعة عبد اللطيف المنوني، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 1988، ص: 118 و 119
2
مذكرات إدغار فور، الخبايا السرية لإكس ليبان، ترجمة محمد العفراني، دفاتر وجهة نظر، العدد2، مطبعة النجاح الجديدة، ص 8
3
جريدة العصر (المغربية) ، العدد 217، 5 يوليوز 2002
4
نظر رودبيرت كونز و رلف دييتر مولر، حرب الغارات السامة بالمغرب: عبد الكريم الخطابي في مواجهة السلاح الكيميائي، ترجمة عبد العالي الأمراني، دار فيدبك، الرباط 1996
5
جريدة العصر، العدد 217، 5 يوليوز 2002.
6
جريدة الأسبوع الصحفي، العدد 15 يوليوز