المزيد من الأخبار






الحكامة القضائية مدخل أساسي لتحسين جودة العمل القضائي


الحكامة القضائية مدخل أساسي لتحسين جودة العمل القضائي
بقلم د.نجيم مزيان *

أشار ميثاق إصلاح منظومة العدالة – الذي تم اعتماده في 30 يوليوز 2013 - إلى محدودية الأخذ بقواعد الحكامة الحديثة . وقصد تحقيق إصلاح منظومة العدالة أوصت الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح المنظومة بالعمل على تحقيق ستة أهداف استراتيجية أساسية آخرها في الترتيب تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، أي إقامة إدارة قضائية احترافية ومؤهلة؛ وقائمة على اللاتمركز الإداري والمالي... إلخ.

ويرجع الهدف من تبني الحكامة الجيدة ضمن مشروع إصلاح القضاء إلى تحقيق نتائج ملموسة لفائدة المتقاضين والمواطنين عموما، والمتمثلة على الأخص في تبني الحكامة العادلة. ومن أجل تحقيق الحكامة الجيدة في العمل القضائي أو الحكامة القضائية لابد من التركيز على الجودة في العمل القضائي من خلال :

قضاء القرب :

يشمل قضاء القرب أقسام بكل من المحاكم الابتدائية ومراكز القضاة المقيمين وتتألف الأقسام المذكورة من قاضي أو أكثر وأعوان كتاب الضبط أو الكتابة مما يعني أن مهام البث في القضايا التي تندرج ضمن اختصاص قضاء القرب،ينظر فيها قضاة عاملين بالمحاكم الابتدائية ومراكز المقيمين من طرف الجمعية العمومية،أي أنهم ينتمون لسلك القضاء مما يعني أنهم يخضعون للنظام الاساسي لرجال القضاء.

والخلاصة التي يمكن أن ننتهي اليها هنا أن المشرع بإلغائه لظهير 15 يوليوز 1954 المنظم لمحاكم الجماعات والمقاطعات،يكون قد أغلق الباب على الحكام الذين لا ينتمون الى الهيئة القضائية وبالتالي حذف مسطرة التعيين وخاصة وأن المشرع لم يتطلب أية مؤهلات علمية في المرشح في هذه الحالة بتولي المهمة بل اكتفى فقط باشتراط توفر المرشح على مؤهلات تتيح له القيام بمهام الحاكم دونما ربط ذلك بشهادة علمية أو كفاءة معينة.

وبذلك يكون القاضي المختص أكثر كفاءة من الناحية الفنية والإنتاجية من الحاكم،بسبب المستوى الثقافي والتدريبي والخبرة،ناهيك عن عدم تمتع حكام المقاطعات والجماعات بنفس الضمانات المقررة في النظام الاساسي لرجال القضاء سواء من حيث التأديب أو التوقيف أو العزل حيث أن الفصل 9 من قانون محاكم المقاطعات والجماعات الملغى كان يسند إمكانية توقيفهم من طرف وزير العدل وهو ما يشكل ضربا لمبدأ فصل السلط.

وباعتبار أقسام قضاء القرب جزء لا يتجزأ من الجهاز القضائي لما له من صلاحية في البث في نوع القضايا حسب النوع أو القيمة أو اختصاص ترابي.

فإذا كان المشرع قد أقدم على خطوة جد مهمة بإصداره القانون 42.10 المنظم لقضاء القرب في سنة 2011،ونظرا للطبيعة القانونية والمتغيرة والمتجددة،فإن الهيئة العليا للحوار الوطني قد ناقشت مسألة إعادة النظر في التنظيم القضائي يتوقف على التحولات التي يعرفها المغرب،وذلك في شقي الميثاق سواء فيما يخص جزئه المخصص للأسس العامة لإصلاح منظومة العدالة أو فيما يتعلق بالجانب الإجرائي، فقد نصت الهيأة في هذا الشق الأخير وبالضبط في الهدف الرئيسي الرابع المتعلق بالارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء على ضرورة اعادة النظر في التنظيم القضائي وكل القوانين ذات الصلة.

وفي النقطة المتعلقة بقانون قضاء القرب فإن الهيأة نصت على ضرورة توسيع اختصاص قضاء القرب بالرفع من اختصاصه القيمي وتمكينه من البث في بعض الجنح وقد وضعت كإجراء لبلوغ هذا الهدف ضرورة مراجعة قانون قضاء القرب ومراجعة قانون المسطرة المدنية بالإضافة الى مراجعة قانون المسطرة الجنائية.

وبهذا نخلص الى أنه إذا كان قضاء القرب منذ انطلاق العمل به ودخول مقتضياته حيز التنفيذ قد حقق مجموعة من الامتيازات التي تسير كلها نحو تقريب القضاء من المتقاضين،فإن هذا التعديل الذي طالبت به الهيأة من المحتمل أو بالأحرى من المؤكد أنه سيزيد من تقريب القضاء أكثر من المتقاضين وذلك من خلال توسيع الاختصاص بالرفع من اختصاص القيم أي تجاوز ما هو منصوص عليه في المادة العاشرة من قانون 42.10 اضافة الى تمكينه من البث في بعض الجنح،في حين أن المادة 14 من القانون 42.10 تحصر اختصاصه في المخالفات المرتكبة من قبل الرشداء،وهذا يعد ذاته اجراء من شأنه تقريب القضاء من المتقاضين وبالتالي تحقيق أمنهم القضائي.

عقلنة الخريطة القضائية:

لقد عرفت الخريطة القضائية بالمغرب عدة انتقادات من قبل المتتبعين للشأن الحقوقي والقضائي سواء بالمغرب او خارجه واصفين إياه بالتقطيع غير المفهوم والذي لا ينسجم والتقطيع الاداري ولا الجهوي،فإنه واستجابة لهذه الانتقادات المبنية على اسس حقة ومبادئ عادلة،خصصت الهيأة العليا المكلفة بالحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة،في الهدف الرئيسي الرابع سبل الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء،لما نصت في تقديم هذا الهدف على الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء وتسهيل الولوج الى القانون والعدالة،ويهدف الى توفير عدالة قريبة وفعالة في خدمة المتقاضين،وذلك من خلال تطوير التنظيم القضائي،وعقلنة الخريطة القضائية والرفع من نجاعة الأداء القضائي.

فيما خصص الهدف الفرعي الثالث من الهدف الرئيسي الرابع وخصصه بمجموعة من التوصيات التي من شأنها تقريب القضاء من المتقاضين وعقلنة الخريطة القضائية ،ومجموع التوصيات التي أدرجتها في هذا الهدف اربع من 111 الى 114 ،هذا في الجانب المخصص للتوصيات،أما عند انتقالنا للجانب الاجرائي الذي تخصصه الهيأة لوضع اجراءات عملية ذات أجل تنفيذ محدودة نجد أنها اوجدت لكل توصية اجراء لتنفيذها.

ففيما يخص آلية التنفيذ 111 تنص فيها الهيأة على ضرورة ارساء الخريطة القضائية على معايير موضوعية قائمة بصفة خاصة على مبدأ حجم القضايا وتقريب القضاء من المتقاضين مع مراعاة الاعتبارات الديمغرافية،والجغرافية وقد أجرأة هذه الآلية من خلال وضع دراسة ميدانية من أجل عقلنة الخريطة القضائية واستشراف تطورها المستقبلي بإشراك الجهات المعنية والقطاعات المكلفة بالتخطيط والإحصاء..

أما فيما يخص الآلية 112 التي تدعو فيها الهيأة الى اعادة توزيع أمثل الموارد. البشرية موازاة مع مراجعة الخريطة القضائية،وقابليته بإجراء اعتماد معايير لإعادة توزيع الموارد البشرية على المحاكم.
بالانتقال الى الآلية 113 التي جاء فيها امكانية احداث غرفة استئنافية تابعة لمحكمة الاستئناف في مقر المحاكم الابتدائية.

وفي آخر آلية في هذا الملف الفرعي تحت رقم 114 نجد أن الهيأة دعت الى اعادة النظر في توزيع مراكز القضاة المقيمين،بما يضمن تقريب القضاء من المتقاضين،وقابلته بإجراءين تتوخى منهما تنفيذ هذه الآلية وهما دعم مراكز القضاة المقيمين بالإمكانيات اللازمة من حيث البنيات ووسائل النقل والتجهيز اضافة الى ضرورة تكثيف الجلسات التنقلية على
صعيد المناطق النائية،وتطوير آليات للعدالة المتنقلة بما يضمن تحسين ظروف العمل واستقبال المتقاضين.

هكذا فإنه إذا كانت الهيأة العليا للحوار الوطني التي تم تنصيبها من قبل جلالة الملك في 8 مايو 2012 قد التزمت بالتعليمات الملكية التي وجهها لها في الخطاب الذي ألقاه بهذه المناسبة،ورفعت لجلالته نتائج الحوار المتمثلة في الميثاق الوطني ومن الناحية العملية فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد بقدر ما يجب أن تتم أجرأت كل ما هو وارد في الميثاق حتى لا يكون مجرد حبر على ورق،وفي خضم الآجال المخصصة له.

 نظام المساعدة القضائية و تسهيل الولوج إلى العدالة:


المساعدة القضائية هي نظام قانوني يمكن المتقاضي المعسر من اللجوء الى القضاء،بإعفائه من الرسوم القضائية لتسهيل ضمان الوصول الى الحق المتنازع بشأنه متى توفرت فيه شروط معينة تمنحه حق الاستفادة منها.

ويؤطر هذا النظام المرسوم الملكي رقم 65-14 بتاريخ 17 رجب 1386 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية (ج.ر بتاريخ 3 شعبان 1386-16 نونبر 1966) والذي ينظم كيفية الحصول على مقرر الاعفاء من أداء صوائر التقاضي،وقد أعطى هذا القانون للنيابة العامة حق منح المساعدة القضائية للأشخاص الطبيعيين او المعنويين غير القادرين على دفع الرسوم القضائية اللازمة للدعوى،او لعدم كفاية مواردهم للدفاع عن مصالحهم،كما يمكن أن يستفيد منها الاجانب عملا بالاتفاقيات القضائية المبرمة بين المملكة المغربية وغيرها من الدول.

اضافة الى مجموعة من الاحكام المتفرقة في عدد من القوانين الاخرى مثل قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقانون الشغل التي تطرقت الى مساطر الاعفاءات بمقتضى منح المساعدة القضائية.
وإذا كانت المساعدة القضائية تمنح في بعض القضايا بقوة القانون كما هو الشأن بالنسبة للدعوة المقامة أمام قضاء القرب وكذا القضايا الاجتماعية وقضايا النفقة والأحوال الشخصية ودعوى الالغاء امام المحاكم... غير أنها لا تمنح في قضايا أخرى إلا بناءا على طلب في الموضوع وفق مسطرة خاصة نضمها القانون،الذي حدد اجراءاتها والجهات الموكول لها حق منحها.

وانطلاقا من كون خدمة المساعدة القضائية المقدمة ليست في المستوى المطلوب نظر لكون التعويض المالي غير محفز،وذلك لما بات يعرف بعدم صرف المبالغ المتعلقة بالمساعدة القضائية بين وزارة العدل والحريات ووزارة المالية وجمعية هيأة المحامين ونقابات المحامين،فإن الهيأة العليا للحوار الوطني حول الاصلاح الشامل والعميق قد عنونت آلية التنفيذ
130 بتطوير نظام المساعدة القضائية.

وبهذا المطلب قد أقدمت على خطوة في غاية الاهمية نظرا لخصائص القاعدة القانونية التي من بينها التغيير أي أنها تتطلب كل مرة تعديلات تذهب الى مستوى ملائمة النص القانوني مع الواقع المعاش،حتى لا يتم
معالجة مشاكل اليوم بإجراءات يعود تاريخها الى ما قبل عشرات السنين.

تحسين ظروف استقبال المواطنين والمواطنات بالمحاكم

يعرف حسن استقبال داخل المحكمة على حسن التعامل مع المواطنين والمواطنات الراغبين في الاستفادة من الخدمات التي توفرها المحكمة،سواء فيما يخص المهام الاساسية المتمثلة في حل النزاعات بين الافراد أو غيرها من الخدمات الاخرى من قبيل عقد الزواج ،الاذن بالزواج،تصحيح الاسم،السجل العدلي....إلخ ويتمثل هذا الاستقبال الحسن في ارشاد المواطنين والمواطنات وكذا مساعدتهم في ولوج الشبابيك والأقسام التي توفر الخدمات التي لها طالبون وهو الامر الذي يبقي الافراد في حاجة له.

غير أنه من الناحية الواقعية فإن المحاكم المغربية تعرف ضعفا في بنية استقبال المتقاضين الذين يواجهون صعوبة في الولوج الى القانون والعدالة،وتتمثل هذه الصعوبات أساسا في عدم تلائم بنية الاستقبال ،اضافة الى عدم الرقي بوظيفة الاستقبال ،والمشكل الاكبر هو تنظيم اوقات الاستقبال اضافة الى عدم وجود تأهيل وتكوين متخصص لفائدة الموظفين المكلفين بالاستقبال ،وكذا استقرار الموظفين في مكاتب الاستقبال وعدم تحركهم خارج المكاتب ،فإذا كانت هذه أهم الصعوبات التي تواجه الافراد في الولوج الى العدالة والقانون ،فإنها تزداد صعوبة حينما نتحدث عن شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.

فالصعوبات التي يواجهونها تبدأ من باب المحكمة ذلك لغياب طريق خاص بهم يساعدهم على الدخول الى المحكمة بواسطة كراسيهم المتحركة،ذلك أنه اذا لم يكن مصاحبا بأحد من أفراد أسرته أو صديق ،أو لم يكن هناك أشخاص ذوي القلوب الرحمة أمام المحكمة حتى يساعدوه لولوج المحكمة ليبقى في الخارج دون ان يتسنى له حتى الدخول في متاهات أخرى داخل المحكمة.




* دكتور في الحقوق، باحث جامعي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سطات


تعليق جديد

التعليقات المنشورة لا تعبر بأي حال عن رأي الموقع وسياسته التحريرية
شكرا لالتزام الموضوعية وعدم الإساءة والتجريح