محمد بوزكَو
الكل يعرف أن ايرلاندا الى الآن لا زالت تشكل جزءا من المملكة البريطانية، والكل يعرف أن اللغة الانجليزية هي التي تستحوذ على أفواه واقلام الايرلنديين، وكانت لغة لجوئهم فيما لغتهم أعدوها من الألسن التي فارقتها الحياة...
لكن ربما ما قد لا تعرفونه أن هؤلاء البشر لما اكتشفوا أن لغتهم الاصل لا زالت حية في المداشر والقرى البعيدة حملوا على أكتافهم أولادهم وأحفادهم وهرعوا صوب تلك العوالم كي يتعلموها هم ويعلموا أنجالهم لغتهم الأم... ومن الامريكيين من أصل ايرلندي من اتبع نفس النهج، بل وذهبوا الى أبعد من ذلك بارسالهم كل سنة لأبنائهم كي يقضوا عطلتهم السنوية في القرى والمداشر حيث لغتهم الاصل لا زالت تنضب حياة... ليشعروا بكينونتهم وبأنهم قائمي الذات... لا لقطاء وأذنابا لغويين... هذا في ايرلاندا، فماذا عندنا؟
عندنا... آه على عندنا...
عندنا مَن ،كثير منهم مثقفين ودكاترة وفقهاء ومحامون...، يتملص من لغته عن بكرة أبيه ويشحذ حنجرته كي يشحذ اللجوء اللغوي من القواميس متنصلا من لسان قومه ليبتلع لسانا آخر... فينا من يذبح لغته بأيديه في أفواه أولاده قربانا للغات أخرى... يحزمها في كيس بلاستيكي ليقذف بها عند أول قمامة... هذا استاذ يتحاشى الحديث مع ابنته بلغتها الأم ويعتبرها من النواجس، وهذا طبيب يجري عمليات جراحية كل صباح ليستأصل الأصل اللغوي من عائلته ويتباهى حين يرى ابنه قد هجر لغة أجداده ويتكلم بأسلوب محفّر لغة أخرى... وذاك محام في يده مسطرة يقيس بها سُمْك الكلمات كي لا يخترق المسطرة ويتخشع في مرافعته بلغة وموكله في لغته الام سجين... وهؤلاء يزوروننا كل صيف حاملين على لسانهم شتى لغات العالم، هذه فرنسا وتلك هولندة ثم ايطاليا... وفي أفئدتهم حفروا قبورا للسانهم... ومن مليلية يتقاطر علينا إخواننا هناك وهم يلوكون الاسبانية في تباه ويعجنون بها الأساليب وبأقدامهم "عجنوا" على لغتهم... كل هؤلاء، بدل أن يجهدوا في غرس لغتهم وهويتهم عبر العالم، تراهم يخلعون معطفهم في أول ميناء أو مطار كما تفعل الحية، ضانين أنهم بذلك يدخلون ال! عالم المتقدم وهم بذلك غالطون...
أرأيتم كم نحن تافهين !!
نسترخص لغتنا... نحتقر أصلنا... ومع ذلك ، وبلا حياء، نبكي تهميشنا...
كم نحن انتهازيين... !! ننتحر ونطلب من الغير أن يحيينا...
ما مناسبة كلامي هذا وقد استهلكه كثيرون... دون أن يكون فيهم من فيه نفس؟؟؟
ان كنا نحن قوم يحترف الاستهلاك والنسيان لنذوب في الوجود، فان الأمم المتطورة تحترف الانتاج والذكرى لتستمر في الوجود...
وها نحن نقتل لغتنا الأم... فيما العالم خصص لها يوما سنويا للاحتفال...
نعم...لم تمض سوى أيام قليلة على الذكرى السنوية للّغة الأم، وفي عز احتفال البعض ذكّرت منظمة اليونسكو البعض الآخر ومنهم نحن الأمازيغ بأن لغتنا ستنقرض بعد خمسين سنة... فكرت في لغة أمي... وفكرت في أولادي وأحفادي...وذرية بنو مازيغ اجمعين... تخيلت يوم سيتحولون لأيتام لغويين... وتساءلت مع نفسي هل اليونسكو ضدنا؟؟ هل جاءت لتكمل ما فعلته سياسة التعريب وما فعلناه نحن في أنفسنا فتكمل علينا وتكمل الباهية؟؟؟ لذلك منحت لنا مهلة خمسين سنة كي تجمع مع أمنا اللغة... مع أن باقي لغات العالم تحتفل وتؤرخ لوجودها !!
والمصيبة أنه إذا كان دعاة التعريب ينزعون عن الأمازيغية صفة اللغة ويعتبرونها مجرد أداة شفوية فان النخب السالف ذكرها يسترخصونها ويجردونها حتى من صفتها الشفوية تلك حين يُهَجِّرونها من حناجرهم وحناجر أبنائهم...
لغتنا لا أم لها... لغتنا بلا عيد... أبناءها عاقين... وهي يتيمة...
وكي يكتمل العرس، جاء ميثاق التربية والتكوين ليكمل الزين، فبعد أن خِلنا أننا قطعنا اشواطا في ترسيخ لغة أمنا، وزدنا ايمانا بالمستقبل مع سياسة الجهوية الموسعة التي تلوح في الأفق، وانطلاق القناة الأمازيغية... ها هم ضعاف النفوس ينبعثون من رمادهم رافعين بايديهم نفس الميثاق كي يديروا به العجلة للوراء ويتنكروا للمزغوبة لغتنا الأم ويحبسونها في هندام رقاصة تتمايل في غنج وتتموج في شبق كي يُستأنس بها في تعلم لغة غيرها...
لكن...
ما دامت لنا أمهات...
وما دام فينا من لا زال فيه قلب... ينبض طبعا.
وما دمنا غير عاقرين...
فاننا حتما سنحتفل بلغتنا الأم... نسكنها وتسكننا... ولن نبحث لنا في لغة أخرى لجوءا...
الكل يعرف أن ايرلاندا الى الآن لا زالت تشكل جزءا من المملكة البريطانية، والكل يعرف أن اللغة الانجليزية هي التي تستحوذ على أفواه واقلام الايرلنديين، وكانت لغة لجوئهم فيما لغتهم أعدوها من الألسن التي فارقتها الحياة...
لكن ربما ما قد لا تعرفونه أن هؤلاء البشر لما اكتشفوا أن لغتهم الاصل لا زالت حية في المداشر والقرى البعيدة حملوا على أكتافهم أولادهم وأحفادهم وهرعوا صوب تلك العوالم كي يتعلموها هم ويعلموا أنجالهم لغتهم الأم... ومن الامريكيين من أصل ايرلندي من اتبع نفس النهج، بل وذهبوا الى أبعد من ذلك بارسالهم كل سنة لأبنائهم كي يقضوا عطلتهم السنوية في القرى والمداشر حيث لغتهم الاصل لا زالت تنضب حياة... ليشعروا بكينونتهم وبأنهم قائمي الذات... لا لقطاء وأذنابا لغويين... هذا في ايرلاندا، فماذا عندنا؟
عندنا... آه على عندنا...
عندنا مَن ،كثير منهم مثقفين ودكاترة وفقهاء ومحامون...، يتملص من لغته عن بكرة أبيه ويشحذ حنجرته كي يشحذ اللجوء اللغوي من القواميس متنصلا من لسان قومه ليبتلع لسانا آخر... فينا من يذبح لغته بأيديه في أفواه أولاده قربانا للغات أخرى... يحزمها في كيس بلاستيكي ليقذف بها عند أول قمامة... هذا استاذ يتحاشى الحديث مع ابنته بلغتها الأم ويعتبرها من النواجس، وهذا طبيب يجري عمليات جراحية كل صباح ليستأصل الأصل اللغوي من عائلته ويتباهى حين يرى ابنه قد هجر لغة أجداده ويتكلم بأسلوب محفّر لغة أخرى... وذاك محام في يده مسطرة يقيس بها سُمْك الكلمات كي لا يخترق المسطرة ويتخشع في مرافعته بلغة وموكله في لغته الام سجين... وهؤلاء يزوروننا كل صيف حاملين على لسانهم شتى لغات العالم، هذه فرنسا وتلك هولندة ثم ايطاليا... وفي أفئدتهم حفروا قبورا للسانهم... ومن مليلية يتقاطر علينا إخواننا هناك وهم يلوكون الاسبانية في تباه ويعجنون بها الأساليب وبأقدامهم "عجنوا" على لغتهم... كل هؤلاء، بدل أن يجهدوا في غرس لغتهم وهويتهم عبر العالم، تراهم يخلعون معطفهم في أول ميناء أو مطار كما تفعل الحية، ضانين أنهم بذلك يدخلون ال! عالم المتقدم وهم بذلك غالطون...
أرأيتم كم نحن تافهين !!
نسترخص لغتنا... نحتقر أصلنا... ومع ذلك ، وبلا حياء، نبكي تهميشنا...
كم نحن انتهازيين... !! ننتحر ونطلب من الغير أن يحيينا...
ما مناسبة كلامي هذا وقد استهلكه كثيرون... دون أن يكون فيهم من فيه نفس؟؟؟
ان كنا نحن قوم يحترف الاستهلاك والنسيان لنذوب في الوجود، فان الأمم المتطورة تحترف الانتاج والذكرى لتستمر في الوجود...
وها نحن نقتل لغتنا الأم... فيما العالم خصص لها يوما سنويا للاحتفال...
نعم...لم تمض سوى أيام قليلة على الذكرى السنوية للّغة الأم، وفي عز احتفال البعض ذكّرت منظمة اليونسكو البعض الآخر ومنهم نحن الأمازيغ بأن لغتنا ستنقرض بعد خمسين سنة... فكرت في لغة أمي... وفكرت في أولادي وأحفادي...وذرية بنو مازيغ اجمعين... تخيلت يوم سيتحولون لأيتام لغويين... وتساءلت مع نفسي هل اليونسكو ضدنا؟؟ هل جاءت لتكمل ما فعلته سياسة التعريب وما فعلناه نحن في أنفسنا فتكمل علينا وتكمل الباهية؟؟؟ لذلك منحت لنا مهلة خمسين سنة كي تجمع مع أمنا اللغة... مع أن باقي لغات العالم تحتفل وتؤرخ لوجودها !!
والمصيبة أنه إذا كان دعاة التعريب ينزعون عن الأمازيغية صفة اللغة ويعتبرونها مجرد أداة شفوية فان النخب السالف ذكرها يسترخصونها ويجردونها حتى من صفتها الشفوية تلك حين يُهَجِّرونها من حناجرهم وحناجر أبنائهم...
لغتنا لا أم لها... لغتنا بلا عيد... أبناءها عاقين... وهي يتيمة...
وكي يكتمل العرس، جاء ميثاق التربية والتكوين ليكمل الزين، فبعد أن خِلنا أننا قطعنا اشواطا في ترسيخ لغة أمنا، وزدنا ايمانا بالمستقبل مع سياسة الجهوية الموسعة التي تلوح في الأفق، وانطلاق القناة الأمازيغية... ها هم ضعاف النفوس ينبعثون من رمادهم رافعين بايديهم نفس الميثاق كي يديروا به العجلة للوراء ويتنكروا للمزغوبة لغتنا الأم ويحبسونها في هندام رقاصة تتمايل في غنج وتتموج في شبق كي يُستأنس بها في تعلم لغة غيرها...
لكن...
ما دامت لنا أمهات...
وما دام فينا من لا زال فيه قلب... ينبض طبعا.
وما دمنا غير عاقرين...
فاننا حتما سنحتفل بلغتنا الأم... نسكنها وتسكننا... ولن نبحث لنا في لغة أخرى لجوءا...