محمد زاهد
عادة ما كنت اعتبر أن مرحلة الشباب، التي غالبا ما تصاحبها نزعة التمرد والراديكالية والرفض والتطرف في المواقف، هي ما يجعلني أنظر إلى العديد من المشاهد والمظاهر والحالات بغير نظرة الرضا.
فمثلا، كنت دائما أشكك في مقولات "دولة الحق والقانون" - "الديمقراطية" - "حقوق الإنسان"... وما إلى ذلك من الخطابات التي تزكي كون المغرب قد حسم في هذه الخيارات بصفة نهائية. لكن تأكد لي بالملموس أن المغرب فعلا هو بلد الديمقراطية وحقوق الإنسان بامتياز، ومن خلال ذلك فهمت لماذا يصر المغرب الرسمي دائما على مهاجمة ورفض كل ما تأتي به عدة تقارير دولية تصدرها منظمات حقوقية حول رصد وضع حقوق الإنسان بالمغرب.
تأكدت بالملموس وبالدليل من ذلك، إلى درجة أني تخيلت القنوات التلفزية وأجهزة الدعاية الرسمية تقدم وصلات اشهارية تروج لفكرة "المغرب أرقى البلدان الديمقراطية في العالم". إذن لا مجال للتشكيك مجددا في هذا الأمر، وما سيأتي كله نعيم ديمقراطي سينعم به الشعب.
كما كنت مقتنع مع نفسي بأن كل شيء في هذا البلد العزيز مغشوش. ومن ذلك مثلا أن المسؤولين والقائمين على الشأن العام وعلى تدبير السياسات العمومية آخر ما قد يفكرون فيه هو البحث عن الحلول للمعضلات وحل مشاكل وقضايا الناس وتحصين مكتسباتهم وحقوقهم. إلا أن الأمر بدا لي مجرد طيش وخدعة وانسلاخ عن الواقع وانسياق وراء أفكار متشددة قد تكون ترسبت لدي منذ أيام النضال الطلابي بالجامعة. فهؤلاء الرابضون في شتى مواقع المسؤولية أكثر خدمة ومثابرة وتضحية ووطنية. إنهم يقومون الليل والنهار من أجل أن نعيش وأن نحيى في كرامة وحرية وعدالة. وهنا فهمت أيضا لماذا تنزعج آذان هؤلاء المسؤولين كلما سمعوا بأن المغرب تنخره الرشوة والمحسوبية والزبونية والفساد الإداري. مرة أخرى معذرة، فالأصل هو حسن النية، والأعمال- الأفكار بالنيات.
أما حينما كنت أرى كيف تساق جحافل من عناصر أجهزة الأمن والقوات المساعدة لقمع الحركات الاحتجاجية، فقد كنت أتيقن أن ذلك من مظاهر وأوجه بنية الدولة وأداة من أدواتها القائمة على القوة والعنف والقمع، إلا أن الأمر على غير هذه الصورة بتاتا، ومن يعتقد ذلك فهو يحمل أفكارا سوداوية لا تنظر إلى الواقع إلا بعين واحدة. أما من ينظر إلى الواقع بعينيه، فسيتأكد أن كل حالات ومظاهر العنف والقمع الذي تواجه به هذه الحركات الاجتماعية والاحتجاجية هو من صميم وقيم الديمقراطية ومن المؤشرات التي تعزز مكانة بلدنا على مستوى ترسيخ وإقرار حقوق الانسان. أوليس أن دولا أخرى، وان كانت أقل ديمقراطية منا بكثير مثل انجلترا وفرنسا وإسرائيل...، تسخر أجهزة الأمن لتفريق المظاهرات والمسيرات؟.
أما عن حرية التعبير والرأي، فقد كنت اعتبر في قرارة نفسي أن الصحافة، التي تجلد وتجرجر أمام المحاكم والسجون، إنما تعيش هذا الوضع بحكم حالة "الردة" السائدة في المغرب. لكن الحقيقة غير ذلك تماما. فالصحافة والصحافيون هم سبب هذه المشاكل لأنهم يلعبون دور "شيطان أخرس" وينبشون في الملفات ويتجاوزون المرسوم لهم والمسموح به ووو...
وبالمختصر المفيد، كنت أبرر كل شيء بمقولة الحكيم عبد النبي: "أمجا ذ أمجا وها، يلاه بدرناس فوس"، إلا أنها مقولة خاطئة بدورها، إذ أن كل هذه المقولات والأفكار تحطمت أمام حقيقة الواقع.
ومن اليوم فصاعدا، سأعيد النظر في كل شيء وسيتحول ما كنت أراه سوادا إلى بياض ناصع، وما كنت اعتقده تعاسة إلى سعادة تثلج الصدور. من اليوم فصاعدا لن أرى في الواقع إلا الفراشات والأزهار والألوان.
فشكرا لكم على هذه الدروس الديمقراطية. والآن، الآن وحده، يمكن أن نطمئن على مستقبل هذه الحالة الديمقراطية والحقوقية. والآن يمكن لنا أن ننتظر كل سنة قدوم اليوم العالمي لحقوق الإنسان بكل افتخار واعتزاز لما حققه المغرب على درب الحريات والحقوق الجماعية والفردية.
فقط أتمنى أن تضم هذه الدروس إلى المقررات الدراسية من مطالعة وتربية وطنية وحتى كتب النشاط العلمي والدرس اللغوي، ففي ذلك تربية لناشئة وأجيال ورموز مغرب الغد ما أحوجهم إلى مزيد من الحس المواطنتي.
شكرا لهذا البلد السعيد وهو يعيش ربيع عمر ديمقراطيته، مع متمنياتنا أن يسهر الحاكمون على نهج هذا المسار حتى أقصى مستوى حتى نكون النموذج الذي يحتدى به. أما المحكمون فما عليهم إلا الترقب والانتظار، فأمرهم بيد القابضون بزمام الأمور.
صباح ويزحف الليل
عادة ما كنت اعتبر أن مرحلة الشباب، التي غالبا ما تصاحبها نزعة التمرد والراديكالية والرفض والتطرف في المواقف، هي ما يجعلني أنظر إلى العديد من المشاهد والمظاهر والحالات بغير نظرة الرضا.
فمثلا، كنت دائما أشكك في مقولات "دولة الحق والقانون" - "الديمقراطية" - "حقوق الإنسان"... وما إلى ذلك من الخطابات التي تزكي كون المغرب قد حسم في هذه الخيارات بصفة نهائية. لكن تأكد لي بالملموس أن المغرب فعلا هو بلد الديمقراطية وحقوق الإنسان بامتياز، ومن خلال ذلك فهمت لماذا يصر المغرب الرسمي دائما على مهاجمة ورفض كل ما تأتي به عدة تقارير دولية تصدرها منظمات حقوقية حول رصد وضع حقوق الإنسان بالمغرب.
تأكدت بالملموس وبالدليل من ذلك، إلى درجة أني تخيلت القنوات التلفزية وأجهزة الدعاية الرسمية تقدم وصلات اشهارية تروج لفكرة "المغرب أرقى البلدان الديمقراطية في العالم". إذن لا مجال للتشكيك مجددا في هذا الأمر، وما سيأتي كله نعيم ديمقراطي سينعم به الشعب.
كما كنت مقتنع مع نفسي بأن كل شيء في هذا البلد العزيز مغشوش. ومن ذلك مثلا أن المسؤولين والقائمين على الشأن العام وعلى تدبير السياسات العمومية آخر ما قد يفكرون فيه هو البحث عن الحلول للمعضلات وحل مشاكل وقضايا الناس وتحصين مكتسباتهم وحقوقهم. إلا أن الأمر بدا لي مجرد طيش وخدعة وانسلاخ عن الواقع وانسياق وراء أفكار متشددة قد تكون ترسبت لدي منذ أيام النضال الطلابي بالجامعة. فهؤلاء الرابضون في شتى مواقع المسؤولية أكثر خدمة ومثابرة وتضحية ووطنية. إنهم يقومون الليل والنهار من أجل أن نعيش وأن نحيى في كرامة وحرية وعدالة. وهنا فهمت أيضا لماذا تنزعج آذان هؤلاء المسؤولين كلما سمعوا بأن المغرب تنخره الرشوة والمحسوبية والزبونية والفساد الإداري. مرة أخرى معذرة، فالأصل هو حسن النية، والأعمال- الأفكار بالنيات.
أما حينما كنت أرى كيف تساق جحافل من عناصر أجهزة الأمن والقوات المساعدة لقمع الحركات الاحتجاجية، فقد كنت أتيقن أن ذلك من مظاهر وأوجه بنية الدولة وأداة من أدواتها القائمة على القوة والعنف والقمع، إلا أن الأمر على غير هذه الصورة بتاتا، ومن يعتقد ذلك فهو يحمل أفكارا سوداوية لا تنظر إلى الواقع إلا بعين واحدة. أما من ينظر إلى الواقع بعينيه، فسيتأكد أن كل حالات ومظاهر العنف والقمع الذي تواجه به هذه الحركات الاجتماعية والاحتجاجية هو من صميم وقيم الديمقراطية ومن المؤشرات التي تعزز مكانة بلدنا على مستوى ترسيخ وإقرار حقوق الانسان. أوليس أن دولا أخرى، وان كانت أقل ديمقراطية منا بكثير مثل انجلترا وفرنسا وإسرائيل...، تسخر أجهزة الأمن لتفريق المظاهرات والمسيرات؟.
أما عن حرية التعبير والرأي، فقد كنت اعتبر في قرارة نفسي أن الصحافة، التي تجلد وتجرجر أمام المحاكم والسجون، إنما تعيش هذا الوضع بحكم حالة "الردة" السائدة في المغرب. لكن الحقيقة غير ذلك تماما. فالصحافة والصحافيون هم سبب هذه المشاكل لأنهم يلعبون دور "شيطان أخرس" وينبشون في الملفات ويتجاوزون المرسوم لهم والمسموح به ووو...
وبالمختصر المفيد، كنت أبرر كل شيء بمقولة الحكيم عبد النبي: "أمجا ذ أمجا وها، يلاه بدرناس فوس"، إلا أنها مقولة خاطئة بدورها، إذ أن كل هذه المقولات والأفكار تحطمت أمام حقيقة الواقع.
ومن اليوم فصاعدا، سأعيد النظر في كل شيء وسيتحول ما كنت أراه سوادا إلى بياض ناصع، وما كنت اعتقده تعاسة إلى سعادة تثلج الصدور. من اليوم فصاعدا لن أرى في الواقع إلا الفراشات والأزهار والألوان.
فشكرا لكم على هذه الدروس الديمقراطية. والآن، الآن وحده، يمكن أن نطمئن على مستقبل هذه الحالة الديمقراطية والحقوقية. والآن يمكن لنا أن ننتظر كل سنة قدوم اليوم العالمي لحقوق الإنسان بكل افتخار واعتزاز لما حققه المغرب على درب الحريات والحقوق الجماعية والفردية.
فقط أتمنى أن تضم هذه الدروس إلى المقررات الدراسية من مطالعة وتربية وطنية وحتى كتب النشاط العلمي والدرس اللغوي، ففي ذلك تربية لناشئة وأجيال ورموز مغرب الغد ما أحوجهم إلى مزيد من الحس المواطنتي.
شكرا لهذا البلد السعيد وهو يعيش ربيع عمر ديمقراطيته، مع متمنياتنا أن يسهر الحاكمون على نهج هذا المسار حتى أقصى مستوى حتى نكون النموذج الذي يحتدى به. أما المحكمون فما عليهم إلا الترقب والانتظار، فأمرهم بيد القابضون بزمام الأمور.
صباح ويزحف الليل