محمد بوزكَو
لا أحد منا لا يتذكر جدول الضرب... فكم من ضربة أكلناها على ظهر وباطن أيادينا الناعمة… كنا نَتَنَخْرعُ ونحن نضرب الأرقام في الأرقام فيما المعلم يتفنن في ضربنا بالمسطرة… وفي المساء تجد أباك يضرب أخماسا في أسداس قبل أن يهوي عليك بضربة خاطفة لا تدري على أية جهة من جسدك ستحط الرحال، فقط لأنك نسيت أن تجلب الماء من الوادي... وفي العطلة الصيفية، أيام كنا نقضي العطلة في المسيد نحفظ القرآن، الله وحده يعلم كم من ضربة مخْبَضٍ تلقاها جسمنا النحيل... هكذا، بين ضربة وأخرى كبرنا وتصلب عودنا... وأصبحنا معادلة من معادلات جدول الضرب...
بعد الاستقلال عمدت الدولة إلى تعميم الضرب ومغربته في إطار سياسة المغربة والتعميم... ومنذ ذلك الحين أضحى الضرب مصطلحا يستعمل في مختلف القواميس، الإدارية، الاجتماعية، التربوية... ويمكن أن نضرب على ذلك أمثلة... كأن نضرب موعدا للضرب بقوة على المضربين عن الطعام وأن نضربها بالسكتة على مهربي الضرائب... وأن نعتبر أن الضرب على أيدي المضاربين ضرب من الخيال... وأن سياسة الضرب تحت الحزام أنجع وسيلة لضرب الطم... وحتى حين تريد أن تتخلص من أحد تقول له : اضرب علي...
"اضرب علي نضرب عليك"، "إلى عندك اللي يضرب عليك ما يضربك حد"، "اضرب معا راسك واسكت"،"اضرب الحديد ما حدو سخون"... هذه عينة من الأساليب التي يفعل فيها فعل الضرب فعلته... وهي بالطبع مفاهيم من إنتاج مغربي صرف، لذا فباستعمالنا للمنتوج المغربي سنساهم في اقتصاد البلاد...
وإذا كان فعل الضرب في جميع الحالات السابقة له طابع مجازي... فان هناك ضرب آخر لا علاقة له بالأسلوب المجازي بقدر ما له علاقة " بالهاكم" أي بالعصا... وهو ما يعرف بالأسلوب التقريري، المباشر... وهو الأسلوب نفسه الذي كتبه مختلف المتدخلين الأمنيين قرب هيكل البلدية القديمة ذات أربعاء بالزرواطة على أكتاف وظهور شباب قيل عنه معطل... أسلوب فيه سجع في الضرب، وتنميق في الرفس، واستعارة في اللطم وإطناب في الركل وزخرفة في التنكيل... فتخال أنك أمام أركيسترا تعزف بإتقان وانسجام سيمفونية خالدة...
نعم، انه العنف أو الوجه البشع للضرب...
شبابا خزنوا أحلامهم بين ثناياهم منذ أن كانوا أطفالا... تدحرجوا ككرات ثلج بين الأزقة، أكلوا ما تيسر من الضرب والفلقة في المدرسة، في البيت، في الزنقة...فتعلموا وتخرجوا... ثم خرجوا للشارع مسالمين يبتغون عملا شريفا... وإذا بالزراوطة تهطل عليهم مدرارا والاهانة تحاصرهم من كل حدب وصوب، وحتى حين جلس الشباب أرضا وأيديهم على رؤوسهم في حركة ذات مغزى لم تتوان الضربات تولول فوق رؤوسهم كأن الضارب روبوت من حديد وأسلاك والمضروب قماش من عدم...
وهذا النوع من الضرب يؤدي في الغالب إلى القسمة... فبمجرد أن تتحرك ماكينة الضرب حتى ينقسم الجمع المذكر والمؤنث السالمين ويتفرد كل رجل قمع بفرد سالم ليعلمه جدول الضرب... 1X1=1، 1X2=1، 1X3=1 ... المهم الخارج دائما واحد، وهو العصا... وعملية الضرب هذه تفضي في الغالب إلى قسم الإنعاش بعد قَسم الأعضاء وتحويل الجمع المذكر والمؤنث السالمين إلى جمع غير سالم... إلى أكوام عظم... ووجوه صفراء... وجرح دفين سينمو ويكبر ولا أحد يتنبأ لأي منقلب ينقلب...
وتتناسل الأسئلة...
لماذا لا يخصص لثقافة الضرب هذه درسا في مادة التربية على المواطنة، حتى يتمكن التلاميذ من استيعاب جدول الضرب الحقيقي في الزمان والمكان...؟ أو لماذا حين يتسلم الطلبة شواهدهم الجامعية لا تسلم لهم واقيات وخوذات للوقاية من الضرب؟
هذه هي ثقافة الضرب...
ضربة هنا وضربة هناك...
قمع هنا و هناك عنف
فتتبخر الثقة...
وتتقطع أحبال الأمل...
ويتشكل سواد على جدار... بزراويط نقش عليه جدول الضرب...
جدول ضرب مهما تعددت فيه عمليات الضرب، يكون الخارج فيها دائما واحد = العصا...
ومتى انكسر العصا سيهوى جدول الضرب...
ستستقيم الأجساد وتنمو...
ستتفتق الأفكار وتتحرر...
لأن الإنسان في آخر المطاف يبقى إنسان...
فلا داعي للزرواطة...
لا أحد منا لا يتذكر جدول الضرب... فكم من ضربة أكلناها على ظهر وباطن أيادينا الناعمة… كنا نَتَنَخْرعُ ونحن نضرب الأرقام في الأرقام فيما المعلم يتفنن في ضربنا بالمسطرة… وفي المساء تجد أباك يضرب أخماسا في أسداس قبل أن يهوي عليك بضربة خاطفة لا تدري على أية جهة من جسدك ستحط الرحال، فقط لأنك نسيت أن تجلب الماء من الوادي... وفي العطلة الصيفية، أيام كنا نقضي العطلة في المسيد نحفظ القرآن، الله وحده يعلم كم من ضربة مخْبَضٍ تلقاها جسمنا النحيل... هكذا، بين ضربة وأخرى كبرنا وتصلب عودنا... وأصبحنا معادلة من معادلات جدول الضرب...
بعد الاستقلال عمدت الدولة إلى تعميم الضرب ومغربته في إطار سياسة المغربة والتعميم... ومنذ ذلك الحين أضحى الضرب مصطلحا يستعمل في مختلف القواميس، الإدارية، الاجتماعية، التربوية... ويمكن أن نضرب على ذلك أمثلة... كأن نضرب موعدا للضرب بقوة على المضربين عن الطعام وأن نضربها بالسكتة على مهربي الضرائب... وأن نعتبر أن الضرب على أيدي المضاربين ضرب من الخيال... وأن سياسة الضرب تحت الحزام أنجع وسيلة لضرب الطم... وحتى حين تريد أن تتخلص من أحد تقول له : اضرب علي...
"اضرب علي نضرب عليك"، "إلى عندك اللي يضرب عليك ما يضربك حد"، "اضرب معا راسك واسكت"،"اضرب الحديد ما حدو سخون"... هذه عينة من الأساليب التي يفعل فيها فعل الضرب فعلته... وهي بالطبع مفاهيم من إنتاج مغربي صرف، لذا فباستعمالنا للمنتوج المغربي سنساهم في اقتصاد البلاد...
وإذا كان فعل الضرب في جميع الحالات السابقة له طابع مجازي... فان هناك ضرب آخر لا علاقة له بالأسلوب المجازي بقدر ما له علاقة " بالهاكم" أي بالعصا... وهو ما يعرف بالأسلوب التقريري، المباشر... وهو الأسلوب نفسه الذي كتبه مختلف المتدخلين الأمنيين قرب هيكل البلدية القديمة ذات أربعاء بالزرواطة على أكتاف وظهور شباب قيل عنه معطل... أسلوب فيه سجع في الضرب، وتنميق في الرفس، واستعارة في اللطم وإطناب في الركل وزخرفة في التنكيل... فتخال أنك أمام أركيسترا تعزف بإتقان وانسجام سيمفونية خالدة...
نعم، انه العنف أو الوجه البشع للضرب...
شبابا خزنوا أحلامهم بين ثناياهم منذ أن كانوا أطفالا... تدحرجوا ككرات ثلج بين الأزقة، أكلوا ما تيسر من الضرب والفلقة في المدرسة، في البيت، في الزنقة...فتعلموا وتخرجوا... ثم خرجوا للشارع مسالمين يبتغون عملا شريفا... وإذا بالزراوطة تهطل عليهم مدرارا والاهانة تحاصرهم من كل حدب وصوب، وحتى حين جلس الشباب أرضا وأيديهم على رؤوسهم في حركة ذات مغزى لم تتوان الضربات تولول فوق رؤوسهم كأن الضارب روبوت من حديد وأسلاك والمضروب قماش من عدم...
وهذا النوع من الضرب يؤدي في الغالب إلى القسمة... فبمجرد أن تتحرك ماكينة الضرب حتى ينقسم الجمع المذكر والمؤنث السالمين ويتفرد كل رجل قمع بفرد سالم ليعلمه جدول الضرب... 1X1=1، 1X2=1، 1X3=1 ... المهم الخارج دائما واحد، وهو العصا... وعملية الضرب هذه تفضي في الغالب إلى قسم الإنعاش بعد قَسم الأعضاء وتحويل الجمع المذكر والمؤنث السالمين إلى جمع غير سالم... إلى أكوام عظم... ووجوه صفراء... وجرح دفين سينمو ويكبر ولا أحد يتنبأ لأي منقلب ينقلب...
وتتناسل الأسئلة...
لماذا لا يخصص لثقافة الضرب هذه درسا في مادة التربية على المواطنة، حتى يتمكن التلاميذ من استيعاب جدول الضرب الحقيقي في الزمان والمكان...؟ أو لماذا حين يتسلم الطلبة شواهدهم الجامعية لا تسلم لهم واقيات وخوذات للوقاية من الضرب؟
هذه هي ثقافة الضرب...
ضربة هنا وضربة هناك...
قمع هنا و هناك عنف
فتتبخر الثقة...
وتتقطع أحبال الأمل...
ويتشكل سواد على جدار... بزراويط نقش عليه جدول الضرب...
جدول ضرب مهما تعددت فيه عمليات الضرب، يكون الخارج فيها دائما واحد = العصا...
ومتى انكسر العصا سيهوى جدول الضرب...
ستستقيم الأجساد وتنمو...
ستتفتق الأفكار وتتحرر...
لأن الإنسان في آخر المطاف يبقى إنسان...
فلا داعي للزرواطة...