بقـلم: محمد اليوسفي°
"إن ما يحرك التاريخ هو المنفعة وليس الحق"، هذا ما صرح به عبد الله العروي، وهذه هي الفكرة الرئيسية التي لا تستسيغها الذهنية المتخلفة والمصابة بمرض ثنائية "الأنا المتخلفة" و"الآخر المتقدم"، حتى أضحت فكرة الهوية في مقابل كل ما هو أجنبي هي الإشكالية الرئيسية التي تشغل المساحة الواسعة لإنتاجات الفكر العربي المعاصر، وكأن الوسيلة والحل السحريين لتجاوز نظرة الغرب الساخرة، لن تتم إلا بواسطة هذا النقاش العقيم الذي بدأ منذ ما سمي بالنهضة العربية – رغم كل ما يكتنف هذا المفهوم من غموض – واستمر إلى حدود الساعة يصنف الذات العربية (...) إلى صنف مقلد لحداثة المتقدمين من الغرب – مع الأخذ بعين الاعتبار فترة ما بعد الحداثة، والتي شكلت خيبة أمل لفترة الحداثة – وصنف آخر ينشد الإبداع عن طريق الانطلاق من التراث والخصوصية المحلية والإقليمية ذات الازدواجية القومية (العرب) والدينية (الإسلام)، ليسقط هو الآخر في نفس التقليد الذي راح ضحيته الصنف الأول.
ربما يوحي هذا العنوان إلى الكثير من المتلقين، بنوع من الصدمة والخروج عن المألوف، ذلك أن الصورة النمطية التي أخذت عن إسرائيل والحركات الداعمة لها والمنادية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، هي صورة سلبية تنعت هذا الكيان بالمحتل، الغاصب، الوحشي...وغير ذلك من كلام العامة والمواقف السياسية ذات النفحة النضالية المصطنعة، نظراً لكونها في موقف ضعف ودفاع، أما لو كان العكس هو الحاصل لكانت أبيات الشعر المعبرة عن الرجولة والشجاعة وحدة السيف وإلهام القلم ...تملأ الدواوين لتغني باسم إمبراطورية العز والأنفة والشهامة.
إن إسرائيل لا تحتاج إلى من يدافع عنها، بل ولا ترضى لنفسها أن تطلب من أحد أن يدافع عنها، لأنها في موقف العظمة، وكل ما بدأ عظيما إلا وينتهي عظيما، وبعيدا عن الصرخات والهتافات المنادية بالتقدمية والتضامن مع الشعب الفلسطيني في ما يعيشه من واقع أرى أنه الحقيقة التي يمكن أن نلحظها في الواقع المعاش؛ أن نرى المأساة و الحروب والطعنات والدماء والأنياب البشرية وحب القوة والسيطرة، فهذا ما يجب البحث عنه ومحاولة الوصول إلى مقامه، أن تنافس دولة كإسرائيل ليس عن طريق ثنائيات الظالم والمظلوم، الباطل والحق، المستعمرون والأهالي.
بل أن تمدح القوة ورموز القوة، وتحاول أن تنافسهم لبلوغ قوتهم ومجاراتهم فيها، أن تمدح (قيصر) و(نيرون) و (نابليون) و (هتلر) و (محمد بن عبد الكريم الخطابي) ...أما أن يخيف العبد سيده وهو مالكه، فهذا ضرب من المستحيل، والتدليل العقلي كفيل بأن يرجح موقفنا هذا إن نحن انطلقنا من مجموعة من المسلمات التي تجعل من المتحكمين في صنع القرار الرئيسي هم أسياد هذا العالم بتحكمهم في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلم والتكنولوجيا (الإعلام)...اللهم إن حدثت معجزة ما وحدث ما لم يكن في الحسبان، وهذا نقاش آخر يحتاج إلى زمن طويل ومطالعة فعلية لحقائق الدين والتاريخ ومقارنتهما للوقوف على مستقبل أرض الميعاد وشعب الله المختار وأسطورات الجيل القادم.
وحتى المناهج الفيلولوجية لن تفلح بتاتا في الوصول إلى حقيقة التاريخ بشكل يقيني يخلو بتاتا من الشك والارتياب، لأن "الوثائق التاريخية" الرئيسية تعتبر مادة ذهبية لها وزنها وتأثيرها في ماضي وحاضر ومستقبل تاريخ الحضارات والأمم، والمناهج التي تتوخى الموضوعية في دراسة النصوص الأصلية للدين أو التاريخ... رهينة بمدى مصداقية هذه الوثائق وسلامتها من التدليس والتحريف، خصوصا ونحن نعلم أن التاريخ لا يكتبه صانعه، بل يوثق له رجالات لهم سلطة سياسية أو دينية يوظفون التاريخ لصالحهم ويجعلونه في خدمتهم.
إن مشروع إسرائيل- والذي تم تهويله وتفسيره بأفكار خرافية تبتعد تماما عن الصواب- لا يختلف بتاتا عن المشاريع التوسعية ذات الأهداف الاقتصادية بالدرجة الأولى، كما هو الشأن لدى الدول الاستعمارية على مدى الأزمنة والقرون، خصوصا إبان القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي وصفت وتوصف بعهد الامبريالية والاستغلال للضعفاء، وهي مصطلحات تثير الاشمئزاز حينما تسمعها النفوس القوية والشجاعة، وعوض النظر إلى هذه القوى الاستعمارية بعين الإعجاب والمدح نظرا لروحها الساعية إلى العظمة والتربع على عرش الأقوياء واللعب مع الكبار، أصبحنا ننعتها باللاإنسانية، وفي عقلية العامة والقطيع طموح للعيش في أوساطها والتجول في حدائقها والتمتع بخيراتها، بل إنه حتى أولئك الذي ينسبون إلى أنفسهم صفة المناضلين بالفكر والقلم، يهاجرون إليها ويقضون عطلهم فيها... إنها قمة التناقض ومثار استغراب.
الحقيقة موجودة في اللاوعي، ابحث عنها وستجدها كذلك، بل إننا ننظر إلى الرأي القائل بأن الصراع الأساسي الذي تتزعمه إسرائيل هو ديني بالدرجة الأولى، الخوف من انتصار الإسلام وصعود الإسلاميين، هذه أكبر مهزلة مدعاة للسخرية، خصوصا بعد ما سمي "بانتفاضات الشعوب" وصعود بعض التيارات الدينية ومدى إخلاصها لمن كانوا يسمونهم بالصهاينة والاستكبار العالمي، وهو دليل على أن "أسطورة الصراع الديني" ما هي إلا قناع للتستر على الصراع الحقيقي ذي الطابع المادي (الاقتصاد) الذي يعتبر السبيل الرئيسي للسيطرة على العالم والتحكم فيه، بل وإن مقولة "الماسونية" كحركة دينية تسعى للقضاء على دين الله والانتصار لدين الشيطان هي لعبة انتهت وتم اكتشافها من خلال ما سمي بالصراع الديني (...) القديم الذي كان طرفاه "العهد القديم" في مقابل "العهد الجديد".
مع العلم أن من كانوا زعماء لهذه الحركات الدينية أغلبهم لا يؤمنون ولا يؤدون واجباتهم الدينية، فكيف يؤمنون بفكرة الصراع الديني؟ انتهى كل شيء ولم يبق لنا أي شيء، فإما أن نتخلى عن أنانية الضعفاء وأن نعترف بقوة الأقوياء كواقع موجود، وان نحاول العمل رغم فوات الأوان، أو أن نلتمس الخلاص من قوى أخرى ربما ستأتي مستقبلاً، ليكون حديثنا آنذاك تحت عنوان "دفاعاً عن أنفسنا" وليس "دفاعاً عن إسرائيل".
"إن ما يحرك التاريخ هو المنفعة وليس الحق"، هذا ما صرح به عبد الله العروي، وهذه هي الفكرة الرئيسية التي لا تستسيغها الذهنية المتخلفة والمصابة بمرض ثنائية "الأنا المتخلفة" و"الآخر المتقدم"، حتى أضحت فكرة الهوية في مقابل كل ما هو أجنبي هي الإشكالية الرئيسية التي تشغل المساحة الواسعة لإنتاجات الفكر العربي المعاصر، وكأن الوسيلة والحل السحريين لتجاوز نظرة الغرب الساخرة، لن تتم إلا بواسطة هذا النقاش العقيم الذي بدأ منذ ما سمي بالنهضة العربية – رغم كل ما يكتنف هذا المفهوم من غموض – واستمر إلى حدود الساعة يصنف الذات العربية (...) إلى صنف مقلد لحداثة المتقدمين من الغرب – مع الأخذ بعين الاعتبار فترة ما بعد الحداثة، والتي شكلت خيبة أمل لفترة الحداثة – وصنف آخر ينشد الإبداع عن طريق الانطلاق من التراث والخصوصية المحلية والإقليمية ذات الازدواجية القومية (العرب) والدينية (الإسلام)، ليسقط هو الآخر في نفس التقليد الذي راح ضحيته الصنف الأول.
ربما يوحي هذا العنوان إلى الكثير من المتلقين، بنوع من الصدمة والخروج عن المألوف، ذلك أن الصورة النمطية التي أخذت عن إسرائيل والحركات الداعمة لها والمنادية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، هي صورة سلبية تنعت هذا الكيان بالمحتل، الغاصب، الوحشي...وغير ذلك من كلام العامة والمواقف السياسية ذات النفحة النضالية المصطنعة، نظراً لكونها في موقف ضعف ودفاع، أما لو كان العكس هو الحاصل لكانت أبيات الشعر المعبرة عن الرجولة والشجاعة وحدة السيف وإلهام القلم ...تملأ الدواوين لتغني باسم إمبراطورية العز والأنفة والشهامة.
إن إسرائيل لا تحتاج إلى من يدافع عنها، بل ولا ترضى لنفسها أن تطلب من أحد أن يدافع عنها، لأنها في موقف العظمة، وكل ما بدأ عظيما إلا وينتهي عظيما، وبعيدا عن الصرخات والهتافات المنادية بالتقدمية والتضامن مع الشعب الفلسطيني في ما يعيشه من واقع أرى أنه الحقيقة التي يمكن أن نلحظها في الواقع المعاش؛ أن نرى المأساة و الحروب والطعنات والدماء والأنياب البشرية وحب القوة والسيطرة، فهذا ما يجب البحث عنه ومحاولة الوصول إلى مقامه، أن تنافس دولة كإسرائيل ليس عن طريق ثنائيات الظالم والمظلوم، الباطل والحق، المستعمرون والأهالي.
بل أن تمدح القوة ورموز القوة، وتحاول أن تنافسهم لبلوغ قوتهم ومجاراتهم فيها، أن تمدح (قيصر) و(نيرون) و (نابليون) و (هتلر) و (محمد بن عبد الكريم الخطابي) ...أما أن يخيف العبد سيده وهو مالكه، فهذا ضرب من المستحيل، والتدليل العقلي كفيل بأن يرجح موقفنا هذا إن نحن انطلقنا من مجموعة من المسلمات التي تجعل من المتحكمين في صنع القرار الرئيسي هم أسياد هذا العالم بتحكمهم في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلم والتكنولوجيا (الإعلام)...اللهم إن حدثت معجزة ما وحدث ما لم يكن في الحسبان، وهذا نقاش آخر يحتاج إلى زمن طويل ومطالعة فعلية لحقائق الدين والتاريخ ومقارنتهما للوقوف على مستقبل أرض الميعاد وشعب الله المختار وأسطورات الجيل القادم.
وحتى المناهج الفيلولوجية لن تفلح بتاتا في الوصول إلى حقيقة التاريخ بشكل يقيني يخلو بتاتا من الشك والارتياب، لأن "الوثائق التاريخية" الرئيسية تعتبر مادة ذهبية لها وزنها وتأثيرها في ماضي وحاضر ومستقبل تاريخ الحضارات والأمم، والمناهج التي تتوخى الموضوعية في دراسة النصوص الأصلية للدين أو التاريخ... رهينة بمدى مصداقية هذه الوثائق وسلامتها من التدليس والتحريف، خصوصا ونحن نعلم أن التاريخ لا يكتبه صانعه، بل يوثق له رجالات لهم سلطة سياسية أو دينية يوظفون التاريخ لصالحهم ويجعلونه في خدمتهم.
إن مشروع إسرائيل- والذي تم تهويله وتفسيره بأفكار خرافية تبتعد تماما عن الصواب- لا يختلف بتاتا عن المشاريع التوسعية ذات الأهداف الاقتصادية بالدرجة الأولى، كما هو الشأن لدى الدول الاستعمارية على مدى الأزمنة والقرون، خصوصا إبان القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي وصفت وتوصف بعهد الامبريالية والاستغلال للضعفاء، وهي مصطلحات تثير الاشمئزاز حينما تسمعها النفوس القوية والشجاعة، وعوض النظر إلى هذه القوى الاستعمارية بعين الإعجاب والمدح نظرا لروحها الساعية إلى العظمة والتربع على عرش الأقوياء واللعب مع الكبار، أصبحنا ننعتها باللاإنسانية، وفي عقلية العامة والقطيع طموح للعيش في أوساطها والتجول في حدائقها والتمتع بخيراتها، بل إنه حتى أولئك الذي ينسبون إلى أنفسهم صفة المناضلين بالفكر والقلم، يهاجرون إليها ويقضون عطلهم فيها... إنها قمة التناقض ومثار استغراب.
الحقيقة موجودة في اللاوعي، ابحث عنها وستجدها كذلك، بل إننا ننظر إلى الرأي القائل بأن الصراع الأساسي الذي تتزعمه إسرائيل هو ديني بالدرجة الأولى، الخوف من انتصار الإسلام وصعود الإسلاميين، هذه أكبر مهزلة مدعاة للسخرية، خصوصا بعد ما سمي "بانتفاضات الشعوب" وصعود بعض التيارات الدينية ومدى إخلاصها لمن كانوا يسمونهم بالصهاينة والاستكبار العالمي، وهو دليل على أن "أسطورة الصراع الديني" ما هي إلا قناع للتستر على الصراع الحقيقي ذي الطابع المادي (الاقتصاد) الذي يعتبر السبيل الرئيسي للسيطرة على العالم والتحكم فيه، بل وإن مقولة "الماسونية" كحركة دينية تسعى للقضاء على دين الله والانتصار لدين الشيطان هي لعبة انتهت وتم اكتشافها من خلال ما سمي بالصراع الديني (...) القديم الذي كان طرفاه "العهد القديم" في مقابل "العهد الجديد".
مع العلم أن من كانوا زعماء لهذه الحركات الدينية أغلبهم لا يؤمنون ولا يؤدون واجباتهم الدينية، فكيف يؤمنون بفكرة الصراع الديني؟ انتهى كل شيء ولم يبق لنا أي شيء، فإما أن نتخلى عن أنانية الضعفاء وأن نعترف بقوة الأقوياء كواقع موجود، وان نحاول العمل رغم فوات الأوان، أو أن نلتمس الخلاص من قوى أخرى ربما ستأتي مستقبلاً، ليكون حديثنا آنذاك تحت عنوان "دفاعاً عن أنفسنا" وليس "دفاعاً عن إسرائيل".