ناظورسيتي | محمد العلالي
وسط أجواء جنائزية مهيبة، ودّعت عصر يومه الثلاثاء 10 دجنبر الجاري، مدينة وجدة ومعها الجهة الشرقية، الحقوقي وخبير القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، بنيونس المرزوقي، إلى مثواه الأخير بمقبرة " سيدي يحيى " بمدينة وجدة، بحضور غفير تقدّمته شخصيات بارزة وطنية وجهوية، تنتمي إلى محتلف المجالات والميادين والأطياف السياسية والنقابية والإعلامية والعلمية والفكرية، إضافة إلى أقاربه ومعارفه و أصدقائه وزملائه و قيادات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برئاسة الكاتب الأول للحزب ادريس لشكر ورئيس جامعة محمد الأول بوجدة ياسين زغلول.
وكان الراحل، قد وافته المنيّة يوم الاثنين 09 دجنبر الجاري، إثر أزمة صحية مفاجئة ألمت به، و ترجل المرزوقي عن صهوة الحياة، قبل 4 أيام من ذكرى ميلاده السبعين.
وسط أجواء جنائزية مهيبة، ودّعت عصر يومه الثلاثاء 10 دجنبر الجاري، مدينة وجدة ومعها الجهة الشرقية، الحقوقي وخبير القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، بنيونس المرزوقي، إلى مثواه الأخير بمقبرة " سيدي يحيى " بمدينة وجدة، بحضور غفير تقدّمته شخصيات بارزة وطنية وجهوية، تنتمي إلى محتلف المجالات والميادين والأطياف السياسية والنقابية والإعلامية والعلمية والفكرية، إضافة إلى أقاربه ومعارفه و أصدقائه وزملائه و قيادات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برئاسة الكاتب الأول للحزب ادريس لشكر ورئيس جامعة محمد الأول بوجدة ياسين زغلول.
وكان الراحل، قد وافته المنيّة يوم الاثنين 09 دجنبر الجاري، إثر أزمة صحية مفاجئة ألمت به، و ترجل المرزوقي عن صهوة الحياة، قبل 4 أيام من ذكرى ميلاده السبعين.
وتميز الراحل، بنيونس المرزوقي وهو أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول في وجدة وباحث متخصص في القضايا الدستورية والسياسية، بإسهاماته الأكاديمية في القانون والسياسة، حيث نشر العديد من المقالات والدراسات التي عالجت موضوعات مثل تمثيلية المرأة في البرلمان، التوازنات المالية للدولة، وتطور السياسات الملكية قبل وبعد دستور 2011.
وكتب عنه زميله وواحد من أصدقائه المقربين، الدكتور محمد السعدي، أستاذ حقوق الانسان والعلوم الانسانية بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، أنه كان من المفروض أن يزداد بجرادة، لكن لصعوبات صحية ألمت بوالدته ازداد بمستشفى الفارابي بوجدة، من عائلة عمالية ونقابية، فوالده وبعض إخوته عمال منجميون.
ويعتبر نفسه ابن منطقة حاسي بلال، ويعتز بالانتماء إليها. اشتغل والده منذ 1936 بمنجم جرادة وتوفي في 26 ماي 1964 بمرض السيليكوز الذي نهش أجساد المئات من العمال المنجميين. أمضى جزءا من طفولته في الحي المغربي (حي الأهالي) بحاسي بلال، وهي عبارة عن مجموعة أحياء عمالية متناثرة، كل حي مخصص لقبيلة أو مدينة ما (ديور مراكش، ديور تازة، دبدو…). وحدث انصهار عجيب بين مجموعة منحدرة من سوس وتازة والأقاليم الجنوبية، ومراكش، إلى جانب المكونات القبلية المحلية العربية والأمازيغية.
زخم الحياة العمالية
وتابع السعدي، أن المرزوكي، عاش طفولته في زخم الحياة العمالية بالمنجم ومتأثرا بكفاح والده البسيط، الذي سكن في “باب السمار” أو “ديور الزنك” التي كانت بؤرة عمالية لا تخطئها العين. وهو طفل شهد الاعتصامات والإضرابات وتدخل القوات العمومية في بداية الستينيات، كان يقف بجانب والده مرات عديدة خلال اندلاع مواجهات أو مناوشات مع القوات العمومية.
واكتشف الراحل، التمييز الطبقي واصطدم واتقد وعيه السياسي والنقابي في سن مبكر وهو يعاين الحياة البئيسة بالمنجم ويشاهد الشرخ الواسع بين الأحياء العمالية المغربية الفقيرة ومساكن الأوروبيين الراقية جدا في ما سمي بالحي الأوروبي. لم يكن هناك وجه للمقارنة، فالمدينة الأوروبية مشكلة من مساكن فيلات شاسعة مع نوافذ واسعة ووسط حدائق من الأزهار والأشجار. أما مساكن الحي العمالي المغربي فكانت بئيسة ضيقة ولا تصلح للبشر.
جرادة حاسي بلال، القلعة العمالية الكبرى وبلاد الرغيف الأسود، بصمت حياة الأستاذ مرزوقي بنيونس للأبد، سكنته في أعماقه وأحبها حتى الثمالة وعشقها عشقا مؤلما، وشمته بندوب الألم وإشراقات الأمل والأحلام، منحته معنى الحياة وصقلت مسار حياته وحررت طاقاته.
وُلد بنيونس المرزوكي ليكون قائداً. بدأ مسيرته الدراسية بإجازة في العلوم السياسية من جامعة محمد بن عبد الله بفاس عام 1977، وتدرج ليحصل على دكتوراه الدولة في القانون العام عام 2022. خلال مسيرته الأكاديمية، كان أستاذًا باحثًا في القانون الدستوري، متخصصًا في الأنظمة الدستورية الكبرى وتمثيلية النساء.
سياسياً، شكّل المرزوكي جزءًا من حركات يسارية مثل “تنظيم 23 مارس”، و”منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، إلى أن أصبح عضوًا بارزًا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. شَهد مفاصل تاريخية في الحياة السياسية المغربية، وأسهم بفعالية في تطوير الإصلاحات الدستورية، بدءًا من دستور 1992 وصولاً إلى دستور 2011.
مناصرة المساواة
تميز بدفاعه عن حقوق النساء، حيث ساهم في تعزيز تمثيليتهن في مواقع القرار. شارك في إعداد تقارير دولية ودراسات حول مقاربة النوع الاجتماعي، وكان مناصراً لمساواة المرأة. شغل عضوية اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بوجدة ـ فكيك، حيث كان شعلة لا تنطفئ في مجال الحقوق والحريات.
يعتبر الراحل بنيونس مرزوكي، أحد أبرز الأسماء المرتبطة بالقانون الدستوري في المغرب، ارتبط بهذا المجال منذ بداياته الأولى في التدريس الجامعي، حيث كانت أول حصة له مخصصة للدروس التطبيقية في مادة “القانون الدستوري والأنظمة السياسية”. منذ ذلك الحين، ظل اسمه مرادفًا للمسار الدستوري الذي امتد لأكثر من أربعة عقود، ورافق محطات حاسمة في تاريخ المغرب السياسي.
كان بنيونس المرزوكي، الذي عاش عفيفا، وفق كثير ممن عاشروه عن قرب، جزءًا من النواة التأسيسية لكلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، التي افتتحت أبوابها عام 1979. بصفته أحد أوائل الأساتذة المغاربة الملتحقين بالكلية، ساهم المرزوقي بشكل كبير في وضع اللبنات الأولى لهذا الصرح الأكاديمي، الذي كان يغلب عليه آنذاك حضور أساتذة أجانب من دول عربية وأوروبية.
لم يقتصر دوره على التدريس فحسب، بل امتد ليشمل تأسيس أول مكتب محلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالكلية، مؤكدًا بذلك التزامه العميق بتطوير المؤسسة الأكاديمية والدفاع عن حقوق الأساتذة والطلبة.
انفراج سياسي
في التسعينيات، ومع بداية ما اعتُبر مرحلة “انفراج سياسي وحقوقي”، كان الأستاذ مرزوكي حاضرًا في النقاشات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية. شكّل حضوره في ندوة نُظمت في فبراير 1992 بالمركز العام لحزب الاستقلال في الرباط نقطة بارزة، حيث شاركت فيها أحزاب المعارضة الرئيسية آنذاك. في تلك المناسبة، قدّم الأستاذ مرزوقي عرضًا جريئًا دعا فيه إلى إصلاحات دستورية عميقة.
وتضمنت مقترحاته في ديباجة الدستور على احترام حقوق الإنسان بناءً على المعاهدات الدولية المصادق عليها، ومعاقبة أي تعسف في استعمال السلطة أو خرق لحقوق الإنسان، ودمقرطة الإعلام الرسمي، وتوسيع صلاحيات البرلمان، وتحويل الغرفة الدستورية إلى مجلس دستوري، إلى جانب إنشاء مؤسسات جديدة مثل المجلس الأعلى للمرأة، والمجلس الأعلى للأمن والدفاع، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وقد لاقت مقترحاته تفاعلاً واسعًا ونُشرت معظمها في الصحافة الوطنية، فيما عبّر قادة الأحزاب المشاركة عن إعجابهم بما قدمه.وتجسدت بعض هذه المقترحات لاحقًا في تعديلات دستورية مثل دستور 1992 ودستور 1996، بينما احتاج بعضها الآخر إلى ما يقارب عقدين من الزمن ليرى النور في دستور 2011.
ظل الأستاذ مرزوكي ملتزمًا بالقضايا الدستورية عبر مسيرته الأكاديمية، حيث خصص جهوده لتدريس القانون الدستوري والأنظمة الدستورية الكبرى بجامعة وجدة. كما أسهم في العديد من الندوات العلمية التي ناقشت التطورات الدستورية في المغرب، مستفيدًا من خبرته المهنية في الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان ومجلس النواب. كان لهذه التجربة أثر كبير في إثراء رؤيته للقانون الدستوري، حيث توسع اهتمامه ليشمل القانون البرلماني وتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة.
عند التحضير لمراجعة دستور 2011، لعب الأستاذ مرزوقي دورًا محوريًا من خلال مداخلاته الفكرية ومقالاته ومساهماته في الإعلام. كما أشرف
على إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية المتعلقة بالتوعية بمضامين الدستور الجديد خلال حملة الاستفتاء، مما أظهر التزامه العميق بنشر الوعي السياسي والدستوري.
إلى جانب القانون الدستوري، ركّز الأستاذ مرزوكي على موضوعين رئيسيين هما أساليب الاقتراع وتأثيرها على الديمقراطية، وتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة. قدم دراسات معمقة في هذا الإطار، وساهم في مشاريع مرتبطة بمجلس النواب، خاصة في ما يتعلق بتعزيز المساواة بين الجنسين. أعدّ تقارير ودراسات تتبعت حصيلة أداء النساء البرلمانيات على مدى أربع ولايات تشريعية، كما دعم جهود مجموعة “برلمانيات من أجل المساواة”.
كان للأستاذ مرزوكي، الذي مات نظيفا، كما يقول عنه أصدقاؤه في النضال، مساهمات أخرى عديدة، حيث شارك في إعداد مشروع تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، وواكب أنشطة مؤسساتية مهمة. في آخر أيامه، كان يعمل على إصدار مجلة أكاديمية متخصصة في القضايا الدستورية والسياسية تحت اسم “المغرب الدستوري”، وهو مشروع يعكس شغفه الدائم بالبحث العلمي.
ترك الأستاذ بنيونس مرزوكي إرثًا غنيًا يعكس التزامه العميق بخدمة القانون الدستوري، سواء عبر عمله الأكاديمي أو إسهاماته السياسية والمؤسساتية، مما يجعله إحدى العلامات البارزة في هذا المجال.
وفي شهادة له بالمناسبة الحزينة، قال الكاتب الأول لحزب الإتحاد الإشتراكي، إدريس لشكر، في حق الفقيد بنيونس المرزوكي : " القامة التي ودعنا اليوم، هي أكبر من الكلمات، عرفته طالبا وعرفته أستاذا جامعيا، وطالبته لمساعدتي لمّا شرفني صاحب الجلالة وعينني وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، لم يتقدم بطلب ولم يتصل بي، فقط من خلال آثاره في تلك الوزارة استدعيته وعينته، دون أن يكون في علمه أو يطلب أحدا في هذا الشأن، عينته مديرا للديوان، اشتغلنا ولي أن أعتز أنه بجانب اشتغالنا في هذا الإطار المؤسساتي اشتغلنا حزبيا، وأعرف الرجل في كل المحطات التنظيمية الوطنية، منذ المؤتمر الوطني السادس إلى المؤتمر الوطني الأخير، لابد أن يجد القارئ في وثائقنا الحزبية بصمة الفقيد بنيونس المرزوكي، إما في البيان السياسي وإما في التقرير التنظيمي وإما ما يصدر عن الحزب من وثائق في هذا الشأن، كانت مساهمته ومشاركته مشاركة مهمة وكبيرة.
وأضاف لشكر " أذكر للرجل زهده وعدم سعيه وراء المناصب والترقيات، وأذكر له مساهمته في كل المحطات الوطنية، في كل وسائل الإعلام أغلبية ومعارضة وكل المؤسسات كانت تسعى وراء أفكاره واقتراحاته ومساهماته، ويمكن الرجوع إلى مساهماته في مختلف الجامعات، في مختلف الأكاديميات وفي مختلف الإطارات وخاصة حزبه الذي انتمى إليه وهو الاتحاد الاشتراكي.
لا يجب أن ننسى، وأنا أتكلم تحت رقابة الأخ الكاتب الإقليمي، مساهماته الكبيرة في ما يتعلق بمؤتمرنا الإقليمي الأخير، وصدرت وثيقة من الوثائق التي ساهم فيها بشكل أساسي ولعب فيها دورا أساسيا.
فرحمة الله على فقيدنا، والله يقدرنا ويقدر عائلته الصغيرة خاصة، على الصبر والسلوان، فقدنا قامة كبيرة".
وأكد حزب الاتحاد الاشتراكي، أنه فقد " أحد قادته المخلصين، ومناضلا من أبناء الحركة الاتحادية واليسارية الأوفياء، وتفقد فيه الحركة الديمقراطية والحقوقية أحد المدافعين المخلصين عن قيمها ومبادئها وقناعاتها "، مشيرا إلى أن الجامعة المغربية ستفقد بدورها بعد وفاة المرزوقي " أستاذا مفكرا ومجتهدا، وفقيها دستوريا".
وكتب عنه زميله وواحد من أصدقائه المقربين، الدكتور محمد السعدي، أستاذ حقوق الانسان والعلوم الانسانية بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، أنه كان من المفروض أن يزداد بجرادة، لكن لصعوبات صحية ألمت بوالدته ازداد بمستشفى الفارابي بوجدة، من عائلة عمالية ونقابية، فوالده وبعض إخوته عمال منجميون.
ويعتبر نفسه ابن منطقة حاسي بلال، ويعتز بالانتماء إليها. اشتغل والده منذ 1936 بمنجم جرادة وتوفي في 26 ماي 1964 بمرض السيليكوز الذي نهش أجساد المئات من العمال المنجميين. أمضى جزءا من طفولته في الحي المغربي (حي الأهالي) بحاسي بلال، وهي عبارة عن مجموعة أحياء عمالية متناثرة، كل حي مخصص لقبيلة أو مدينة ما (ديور مراكش، ديور تازة، دبدو…). وحدث انصهار عجيب بين مجموعة منحدرة من سوس وتازة والأقاليم الجنوبية، ومراكش، إلى جانب المكونات القبلية المحلية العربية والأمازيغية.
زخم الحياة العمالية
وتابع السعدي، أن المرزوكي، عاش طفولته في زخم الحياة العمالية بالمنجم ومتأثرا بكفاح والده البسيط، الذي سكن في “باب السمار” أو “ديور الزنك” التي كانت بؤرة عمالية لا تخطئها العين. وهو طفل شهد الاعتصامات والإضرابات وتدخل القوات العمومية في بداية الستينيات، كان يقف بجانب والده مرات عديدة خلال اندلاع مواجهات أو مناوشات مع القوات العمومية.
واكتشف الراحل، التمييز الطبقي واصطدم واتقد وعيه السياسي والنقابي في سن مبكر وهو يعاين الحياة البئيسة بالمنجم ويشاهد الشرخ الواسع بين الأحياء العمالية المغربية الفقيرة ومساكن الأوروبيين الراقية جدا في ما سمي بالحي الأوروبي. لم يكن هناك وجه للمقارنة، فالمدينة الأوروبية مشكلة من مساكن فيلات شاسعة مع نوافذ واسعة ووسط حدائق من الأزهار والأشجار. أما مساكن الحي العمالي المغربي فكانت بئيسة ضيقة ولا تصلح للبشر.
جرادة حاسي بلال، القلعة العمالية الكبرى وبلاد الرغيف الأسود، بصمت حياة الأستاذ مرزوقي بنيونس للأبد، سكنته في أعماقه وأحبها حتى الثمالة وعشقها عشقا مؤلما، وشمته بندوب الألم وإشراقات الأمل والأحلام، منحته معنى الحياة وصقلت مسار حياته وحررت طاقاته.
وُلد بنيونس المرزوكي ليكون قائداً. بدأ مسيرته الدراسية بإجازة في العلوم السياسية من جامعة محمد بن عبد الله بفاس عام 1977، وتدرج ليحصل على دكتوراه الدولة في القانون العام عام 2022. خلال مسيرته الأكاديمية، كان أستاذًا باحثًا في القانون الدستوري، متخصصًا في الأنظمة الدستورية الكبرى وتمثيلية النساء.
سياسياً، شكّل المرزوكي جزءًا من حركات يسارية مثل “تنظيم 23 مارس”، و”منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، إلى أن أصبح عضوًا بارزًا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. شَهد مفاصل تاريخية في الحياة السياسية المغربية، وأسهم بفعالية في تطوير الإصلاحات الدستورية، بدءًا من دستور 1992 وصولاً إلى دستور 2011.
مناصرة المساواة
تميز بدفاعه عن حقوق النساء، حيث ساهم في تعزيز تمثيليتهن في مواقع القرار. شارك في إعداد تقارير دولية ودراسات حول مقاربة النوع الاجتماعي، وكان مناصراً لمساواة المرأة. شغل عضوية اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بوجدة ـ فكيك، حيث كان شعلة لا تنطفئ في مجال الحقوق والحريات.
يعتبر الراحل بنيونس مرزوكي، أحد أبرز الأسماء المرتبطة بالقانون الدستوري في المغرب، ارتبط بهذا المجال منذ بداياته الأولى في التدريس الجامعي، حيث كانت أول حصة له مخصصة للدروس التطبيقية في مادة “القانون الدستوري والأنظمة السياسية”. منذ ذلك الحين، ظل اسمه مرادفًا للمسار الدستوري الذي امتد لأكثر من أربعة عقود، ورافق محطات حاسمة في تاريخ المغرب السياسي.
كان بنيونس المرزوكي، الذي عاش عفيفا، وفق كثير ممن عاشروه عن قرب، جزءًا من النواة التأسيسية لكلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، التي افتتحت أبوابها عام 1979. بصفته أحد أوائل الأساتذة المغاربة الملتحقين بالكلية، ساهم المرزوقي بشكل كبير في وضع اللبنات الأولى لهذا الصرح الأكاديمي، الذي كان يغلب عليه آنذاك حضور أساتذة أجانب من دول عربية وأوروبية.
لم يقتصر دوره على التدريس فحسب، بل امتد ليشمل تأسيس أول مكتب محلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالكلية، مؤكدًا بذلك التزامه العميق بتطوير المؤسسة الأكاديمية والدفاع عن حقوق الأساتذة والطلبة.
انفراج سياسي
في التسعينيات، ومع بداية ما اعتُبر مرحلة “انفراج سياسي وحقوقي”، كان الأستاذ مرزوكي حاضرًا في النقاشات المتعلقة بالإصلاحات الدستورية. شكّل حضوره في ندوة نُظمت في فبراير 1992 بالمركز العام لحزب الاستقلال في الرباط نقطة بارزة، حيث شاركت فيها أحزاب المعارضة الرئيسية آنذاك. في تلك المناسبة، قدّم الأستاذ مرزوقي عرضًا جريئًا دعا فيه إلى إصلاحات دستورية عميقة.
وتضمنت مقترحاته في ديباجة الدستور على احترام حقوق الإنسان بناءً على المعاهدات الدولية المصادق عليها، ومعاقبة أي تعسف في استعمال السلطة أو خرق لحقوق الإنسان، ودمقرطة الإعلام الرسمي، وتوسيع صلاحيات البرلمان، وتحويل الغرفة الدستورية إلى مجلس دستوري، إلى جانب إنشاء مؤسسات جديدة مثل المجلس الأعلى للمرأة، والمجلس الأعلى للأمن والدفاع، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وقد لاقت مقترحاته تفاعلاً واسعًا ونُشرت معظمها في الصحافة الوطنية، فيما عبّر قادة الأحزاب المشاركة عن إعجابهم بما قدمه.وتجسدت بعض هذه المقترحات لاحقًا في تعديلات دستورية مثل دستور 1992 ودستور 1996، بينما احتاج بعضها الآخر إلى ما يقارب عقدين من الزمن ليرى النور في دستور 2011.
ظل الأستاذ مرزوكي ملتزمًا بالقضايا الدستورية عبر مسيرته الأكاديمية، حيث خصص جهوده لتدريس القانون الدستوري والأنظمة الدستورية الكبرى بجامعة وجدة. كما أسهم في العديد من الندوات العلمية التي ناقشت التطورات الدستورية في المغرب، مستفيدًا من خبرته المهنية في الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان ومجلس النواب. كان لهذه التجربة أثر كبير في إثراء رؤيته للقانون الدستوري، حيث توسع اهتمامه ليشمل القانون البرلماني وتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة.
عند التحضير لمراجعة دستور 2011، لعب الأستاذ مرزوقي دورًا محوريًا من خلال مداخلاته الفكرية ومقالاته ومساهماته في الإعلام. كما أشرف
على إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية المتعلقة بالتوعية بمضامين الدستور الجديد خلال حملة الاستفتاء، مما أظهر التزامه العميق بنشر الوعي السياسي والدستوري.
إلى جانب القانون الدستوري، ركّز الأستاذ مرزوكي على موضوعين رئيسيين هما أساليب الاقتراع وتأثيرها على الديمقراطية، وتمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة. قدم دراسات معمقة في هذا الإطار، وساهم في مشاريع مرتبطة بمجلس النواب، خاصة في ما يتعلق بتعزيز المساواة بين الجنسين. أعدّ تقارير ودراسات تتبعت حصيلة أداء النساء البرلمانيات على مدى أربع ولايات تشريعية، كما دعم جهود مجموعة “برلمانيات من أجل المساواة”.
كان للأستاذ مرزوكي، الذي مات نظيفا، كما يقول عنه أصدقاؤه في النضال، مساهمات أخرى عديدة، حيث شارك في إعداد مشروع تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، وواكب أنشطة مؤسساتية مهمة. في آخر أيامه، كان يعمل على إصدار مجلة أكاديمية متخصصة في القضايا الدستورية والسياسية تحت اسم “المغرب الدستوري”، وهو مشروع يعكس شغفه الدائم بالبحث العلمي.
ترك الأستاذ بنيونس مرزوكي إرثًا غنيًا يعكس التزامه العميق بخدمة القانون الدستوري، سواء عبر عمله الأكاديمي أو إسهاماته السياسية والمؤسساتية، مما يجعله إحدى العلامات البارزة في هذا المجال.
وفي شهادة له بالمناسبة الحزينة، قال الكاتب الأول لحزب الإتحاد الإشتراكي، إدريس لشكر، في حق الفقيد بنيونس المرزوكي : " القامة التي ودعنا اليوم، هي أكبر من الكلمات، عرفته طالبا وعرفته أستاذا جامعيا، وطالبته لمساعدتي لمّا شرفني صاحب الجلالة وعينني وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، لم يتقدم بطلب ولم يتصل بي، فقط من خلال آثاره في تلك الوزارة استدعيته وعينته، دون أن يكون في علمه أو يطلب أحدا في هذا الشأن، عينته مديرا للديوان، اشتغلنا ولي أن أعتز أنه بجانب اشتغالنا في هذا الإطار المؤسساتي اشتغلنا حزبيا، وأعرف الرجل في كل المحطات التنظيمية الوطنية، منذ المؤتمر الوطني السادس إلى المؤتمر الوطني الأخير، لابد أن يجد القارئ في وثائقنا الحزبية بصمة الفقيد بنيونس المرزوكي، إما في البيان السياسي وإما في التقرير التنظيمي وإما ما يصدر عن الحزب من وثائق في هذا الشأن، كانت مساهمته ومشاركته مشاركة مهمة وكبيرة.
وأضاف لشكر " أذكر للرجل زهده وعدم سعيه وراء المناصب والترقيات، وأذكر له مساهمته في كل المحطات الوطنية، في كل وسائل الإعلام أغلبية ومعارضة وكل المؤسسات كانت تسعى وراء أفكاره واقتراحاته ومساهماته، ويمكن الرجوع إلى مساهماته في مختلف الجامعات، في مختلف الأكاديميات وفي مختلف الإطارات وخاصة حزبه الذي انتمى إليه وهو الاتحاد الاشتراكي.
لا يجب أن ننسى، وأنا أتكلم تحت رقابة الأخ الكاتب الإقليمي، مساهماته الكبيرة في ما يتعلق بمؤتمرنا الإقليمي الأخير، وصدرت وثيقة من الوثائق التي ساهم فيها بشكل أساسي ولعب فيها دورا أساسيا.
فرحمة الله على فقيدنا، والله يقدرنا ويقدر عائلته الصغيرة خاصة، على الصبر والسلوان، فقدنا قامة كبيرة".
وأكد حزب الاتحاد الاشتراكي، أنه فقد " أحد قادته المخلصين، ومناضلا من أبناء الحركة الاتحادية واليسارية الأوفياء، وتفقد فيه الحركة الديمقراطية والحقوقية أحد المدافعين المخلصين عن قيمها ومبادئها وقناعاتها "، مشيرا إلى أن الجامعة المغربية ستفقد بدورها بعد وفاة المرزوقي " أستاذا مفكرا ومجتهدا، وفقيها دستوريا".