ناظورسيتي*
شكَّلت الاحتجاجات الأخيرة في المغرب (الحكرة)، بعد وفاة بائع السمك محسن فكري، هزة في الساحة المغربية لم تعرفها المملكة منذ حراك "20 فبراير" 2011، شغلت الرأي العام المغربي طوال الأسبوع، إلا أنه كان مثيراً للاستغراب أن يُسجل السياسيون والمثقفون، بالإضافة إلى الإعلام الوطني غيابهم خلال هذا الحراك الشعبي.
السياسيون يرفعون شعار الصمت
يحتضن المغرب ما يقارب 36 حزباً سياسياً، بمعدل لكل مليون نسمة حزب تقريباً، وتضم قبة البرلمان المغربي بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) 515 نائباً، يكلفون الدولة سنويا بالتدقيق، من خلال جمع رواتب الوزراء وأعضاء المجلسين بالإضافة إلى تعويضاتهم السنوية المعلنة، لنحصل في الأخير على 450464000 درهم سنويا (أي 45046400 دولار)، في بلاد لا تتجاوز ميزانيتها السنوية نصف ثروة رئيس شركة "مايكروسوفت"، بيل جيتس.
لكن هذا الحضور الحزبي في المغرب، الكبير عدديا والمكلف ماليا، لا يعكس أثره على ساحة النقاش الشعبي كما هو مفترض، إذ لطالما التزم نواب الأمة الصمت المطبق إزاء القضايا الشعبية، المثيرة للاحتجاج.
كان آخر هذه القضايا حادثة «بائع السمك»، الشرارة التي أشعلت غضبا شعبيا في البلاد سُمّي بحراك "الحكرة"، تجسَّد في عشرات المظاهرات الشعبية في مختلف المدن والبلدات المغربية، غير أن ذلك لم يكن كافيا ليحرك مياه المشهد السياسي الراكدة في قبة البرلمان، وغابت المساهمة الحزبية في النقاش حول القضية الأولى التي تشغل الرأي العام طوال أسبوع.
ففي حين آثرت جل الأحزاب السياسية نهج سياسة صم الأذن إزاء الحراك الشعبي. اكتفى حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، متزعم الحكومة المغربية، بمطالبة أتباعه بعدم المشاركة في الاحتجاجات، ولم تدل بعض الوجوه السياسية المعدودة بدلوها في قضية «سماك الحسيمة» الساخنة إلا بعد ثلاثة أيام من المظاهرات، باستثناء "فيدرالية اليسار الديموقراطي"، التي أعلنت مشاركتها في الاحتجاجات الشعبية منذ البداية.
أما النائبة البرلمانية خديجة الزياني، وكيلة حزب "الاتحاد الدستوري"، فقد تجاوزت عقدة الصمت لدى نواب الأمة أمام الاحتجاجات الشعبية إلى تقريع المتظاهرين، حينما كتبت في تدوينة لها على "الفيسبوك" حول مظاهرات الحسيمة، قائلة "إن الحسن الثاني كان صادقا عندما وصفهم بالأوباش"، مستعيدة أحد الأوجاع الحساسة لدى منطقة الريف منذ عهد الحسن الثاني.
كل ذلك يحيل إلى هوة واسعة بين النخب السياسية، المفترض منها تمثيل مصالح الجموع ومشاركة همومها، وقضايا الرأي العام الشعبي، الشيء الذي يرسم في كثير من الأحيان مشهدا "سرياليا" بين ما ينشغل به السياسيون وبين ما يقض مضجع الفئات الشعبية في حياتهم اليومية، ومن ثمَّة تغيب الوظيفة الأساسية المنوطة بالأحزاب والسياسيين عموما في المجتمع.
ويُرجع الكاتب محمد عزيز هذا الانفصام بين الطبقة السياسية والفئات المجتمعية إلى مجموعة أعطاب تعتري المشهد السياسي المغربي، يَذْكُر منها، عبثية التعددية الحزبية التي لا تعكس الأطروحات الفكرية على أرض الواقع، وصعود طبقة من السياسيين الفاسدين المنشغلين بمراكمة الثروة والسلطة والتسابق على المناصب، بالإضافة إلى تنصل الأحزاب والبرلمانيين من وعودهم وادعاءاتهم خلال الحملات الانتخابية.
المثقفون يسجلون الغياب
يعرف إدوارد سعيد المثقف في كتابه «المثقف والسلطة» بأنه هو «ذاك الشخص الذي يمثل صوت من لا صوت لهم، ويجسد قيمهم ويستمسك بها من دون مساومة أو تفريط»، فالمثقفون هم عقل الجموع في مواجهة السلطة المهيمنة، فهم من يُرْسُون جسور العبور نحو تلال الانعتاق والحرية بسلام، وهم من يبدعون الرؤى المستقبلية المرغوبة من قبل الشعوب.
وكانت إحدى الأشياء التي عرتها رياح «الربيع العربي» خلال 2011، هي موت المثقف في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بعدما تبين أن الكثير منهم اختاروا الانزواء في قبو انشغالاتهم الشخصية، بعيدا عن هموم الشعوب، فيما قرر آخرون الاصطفاف في خندق السلطة، إما لعجزهم عن فرض مكانتهم في التأثير على الجموع، أو بسبب ما اعتبروه «مدًا إسلاميا» يجتاح وعي شعوب المنطقة.
ففي الوقت الذي كانت الشعوب تحتاج فيه إلى «مثقفين» ينيرون طريقهم وسط الظلام، ويبدعون الحلول والبدائل، تركوا الجموع المحتجة تنزلق نحو مستنقع الفوضى وتواجه مصيرها الحتمي أمام الآلة الأمنية.
ولم يكن «المثقف المغربي» استثناء في هذا الشأن، إذ سجَّل حضورا محتشما خلال حراك "20 فبراير" 2011، أما في حراك "الحكرة"، الذي أشعلته واقعة «بائع السمك»، فلم يُسمع للمثقفين في البلد صوتا، في الحين الذي يُنْتَظر منهم تنوير الرأي العام بأفكارهم ورؤاهم للوضع الراهن.
يُرجع الأديب المغربي الشهير، سعيد يقطين، هذا الحضور الخافت للمثقفين في الساحة المجتمعية عموما، إلى عدم نضج الشروط التاريخية المطلوبة أولًا، ثم إلى القمع من أذرع السلطة بالإضافة إلى هيمنة الهاجس السياسي على الثقافي، أما المفكر محمد نور الدين آفاية، فيرى أن المثقف المغربي أصبح «صورة افتراضية عاجزا عن التأثير، بعدما اخترقت جراثيم الإسلام السياسي جيوب المجتمع فغدا عصيا على التحديث».
من جانب آخر، يعتقد سعيد يقطين أن مهمة المثقف الحالية، هي تقديم إجابات شافية حول سؤالين يقضان مضجع الشعب، وهما كيف نحارب الفساد؟ وكيف نتقدم؟. في حين يذهب الشاعر عبد الحميد الجماهيري إلى أنه على النخبة المثقفة المغربية أن تضطلع بثلاث أولويات، «تفكيك السلطة السياسية والإعلامية والفكرية المهيمنة في المجتمع، وتفكيك خطاب الهيمنة الأصولية، ثم مواجهة ظاهرة التمييع التي تعم كافة المستويات من خلال الأفكار الجديدة والرصينة».
الإعلام الوطني (الرسمي) تجنب التغطية
كانت بضع مظاهرات عمالية، خلال شهر ماي الماضي في باريس، كافية لينشغل الإعلام الفرنسي بتشكيلاته المختلفة في تغطية مستمرة ومباشرة للأحداث، بالإضافة إلى البرامج والمقالات التحليلية حول الحدث، غير أن قضية «بائع السمك»، التي أشعلت عشرات المظاهرات في مختلف المناطق المغربية، لم تحظ بالتغطية الكافية من قبل القنوات التلفزية الوطنية.
وقد اكتفت القنوات المغربية بمقتطفات إخبارية قصيرة تعالج حادثة «سماك الحسيمة»، مشيرة في عجالة إلى الاحتجاجات الشعبية، مما يثير غضباً شعبياً وسياسياً من الصمت المتكرر للإعلام الرسمي تجاه القضايا الجوهرية التي تشغل الرأي العام.
وفي هذا الصدد، صرح عادل بن حمزة، الناطق الرسمي باسم حزب «الاستقلال» قائلا، إن تغيب الإعلام العمومي يعد «إهانة كبيرة للمواطنين»، مضيفا أن هذا الصمت هو «توريط للدولة ككل، لأنه يرسم في الأذهان أن مسؤولية مقتل الراحل محسن فكري، تتجاوز سقف المسؤولين المحليين إلى كون الحادثة مخططا لها ومحمية وهو ما لا يعكس الحقيقة» على حد تعبيره.
بالمقابل، تميزت الصحافة الإلكترونية المغربية في تغطيتها للأحداث الأخيرة في المغرب، من خلال التقارير الإخبارية المتتالية، وتوثيق الاحتجاجات الليلية بشكل حي عبر الاستعانة بخدمة «اللايف» على "الفيسبوك"، إلا أنها ظلت في معظمها مقتصرة على المتابعة الإخبارية الصرفة للقضية، دون توسيع رقعة المعالجة إلى التحليل والنقاش حول الأحداث.
بينما سجَّلت «صحافة المواطن»، المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، حضورا جليا، تجسَّد في متابعة رواد الشبكات الاجتماعية للأحداث، والتعليق حولها، ونشر الأخبار المرتبطة بها، كما حرص العديد من الناشطين على نقل المظاهرات مباشرة من خلال هواتفهم الذكية عبر خدمة «اللايف»، وكانت الشبكات الاجتماعية منصة انطلاق دعوات الاحتجاج فور وقوع حادثة «بائع السمك»، ليلة الجمعة من الأسبوع الماضي، في الحسيمة بالمغرب.
أما على مستوى الإعلام الأجنبي، فقد كان في معظمه غير مهتم كثيرا بتغطية الأحداث مكتفيا بنقل الأخبار، حيث نشرت «نيويورك تايمز» تقريرا عن الحادثة بعنوان «احتجاجات تندلع في المغرب بعد وفاة بائع السمك بالحسيمة»، وعنونت «ذي ناشيونال» مادة إخبارية لها حول الحدث بـ«الاحتجاجات تندلع في المغرب بعد سحق بائع سمك حتى الموت في شاحنة قمامة».
فيما توسَّعت الصحافة الفرنسية قليلا في تغطية واقعة «سماك الحسيمة»، فكتبت «لوفيغارو» خبرا معنونا بـ«غضب عارم في المغرب بعد وفاة بائع السمك مسحوقا في شاحنة للأزبال»، ونشرت مجلة «لوبوان»، تقريرا تحت عنوان «موجة غضب في المغرب بعد نهاية مأساوية لبائع سمك بالحسيمة».
وتناولت وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية الأحداث الأخيرة في المغرب بتغطيات مصورة ومكتوبة، تطرقت فيها لملابسات الاحتجاجات الأخيرة، واستضافت حلقات نقاشية حول الموضوع.
*المصدر: موقع ساسة بوست
شكَّلت الاحتجاجات الأخيرة في المغرب (الحكرة)، بعد وفاة بائع السمك محسن فكري، هزة في الساحة المغربية لم تعرفها المملكة منذ حراك "20 فبراير" 2011، شغلت الرأي العام المغربي طوال الأسبوع، إلا أنه كان مثيراً للاستغراب أن يُسجل السياسيون والمثقفون، بالإضافة إلى الإعلام الوطني غيابهم خلال هذا الحراك الشعبي.
السياسيون يرفعون شعار الصمت
يحتضن المغرب ما يقارب 36 حزباً سياسياً، بمعدل لكل مليون نسمة حزب تقريباً، وتضم قبة البرلمان المغربي بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) 515 نائباً، يكلفون الدولة سنويا بالتدقيق، من خلال جمع رواتب الوزراء وأعضاء المجلسين بالإضافة إلى تعويضاتهم السنوية المعلنة، لنحصل في الأخير على 450464000 درهم سنويا (أي 45046400 دولار)، في بلاد لا تتجاوز ميزانيتها السنوية نصف ثروة رئيس شركة "مايكروسوفت"، بيل جيتس.
لكن هذا الحضور الحزبي في المغرب، الكبير عدديا والمكلف ماليا، لا يعكس أثره على ساحة النقاش الشعبي كما هو مفترض، إذ لطالما التزم نواب الأمة الصمت المطبق إزاء القضايا الشعبية، المثيرة للاحتجاج.
كان آخر هذه القضايا حادثة «بائع السمك»، الشرارة التي أشعلت غضبا شعبيا في البلاد سُمّي بحراك "الحكرة"، تجسَّد في عشرات المظاهرات الشعبية في مختلف المدن والبلدات المغربية، غير أن ذلك لم يكن كافيا ليحرك مياه المشهد السياسي الراكدة في قبة البرلمان، وغابت المساهمة الحزبية في النقاش حول القضية الأولى التي تشغل الرأي العام طوال أسبوع.
ففي حين آثرت جل الأحزاب السياسية نهج سياسة صم الأذن إزاء الحراك الشعبي. اكتفى حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، متزعم الحكومة المغربية، بمطالبة أتباعه بعدم المشاركة في الاحتجاجات، ولم تدل بعض الوجوه السياسية المعدودة بدلوها في قضية «سماك الحسيمة» الساخنة إلا بعد ثلاثة أيام من المظاهرات، باستثناء "فيدرالية اليسار الديموقراطي"، التي أعلنت مشاركتها في الاحتجاجات الشعبية منذ البداية.
أما النائبة البرلمانية خديجة الزياني، وكيلة حزب "الاتحاد الدستوري"، فقد تجاوزت عقدة الصمت لدى نواب الأمة أمام الاحتجاجات الشعبية إلى تقريع المتظاهرين، حينما كتبت في تدوينة لها على "الفيسبوك" حول مظاهرات الحسيمة، قائلة "إن الحسن الثاني كان صادقا عندما وصفهم بالأوباش"، مستعيدة أحد الأوجاع الحساسة لدى منطقة الريف منذ عهد الحسن الثاني.
كل ذلك يحيل إلى هوة واسعة بين النخب السياسية، المفترض منها تمثيل مصالح الجموع ومشاركة همومها، وقضايا الرأي العام الشعبي، الشيء الذي يرسم في كثير من الأحيان مشهدا "سرياليا" بين ما ينشغل به السياسيون وبين ما يقض مضجع الفئات الشعبية في حياتهم اليومية، ومن ثمَّة تغيب الوظيفة الأساسية المنوطة بالأحزاب والسياسيين عموما في المجتمع.
ويُرجع الكاتب محمد عزيز هذا الانفصام بين الطبقة السياسية والفئات المجتمعية إلى مجموعة أعطاب تعتري المشهد السياسي المغربي، يَذْكُر منها، عبثية التعددية الحزبية التي لا تعكس الأطروحات الفكرية على أرض الواقع، وصعود طبقة من السياسيين الفاسدين المنشغلين بمراكمة الثروة والسلطة والتسابق على المناصب، بالإضافة إلى تنصل الأحزاب والبرلمانيين من وعودهم وادعاءاتهم خلال الحملات الانتخابية.
المثقفون يسجلون الغياب
يعرف إدوارد سعيد المثقف في كتابه «المثقف والسلطة» بأنه هو «ذاك الشخص الذي يمثل صوت من لا صوت لهم، ويجسد قيمهم ويستمسك بها من دون مساومة أو تفريط»، فالمثقفون هم عقل الجموع في مواجهة السلطة المهيمنة، فهم من يُرْسُون جسور العبور نحو تلال الانعتاق والحرية بسلام، وهم من يبدعون الرؤى المستقبلية المرغوبة من قبل الشعوب.
وكانت إحدى الأشياء التي عرتها رياح «الربيع العربي» خلال 2011، هي موت المثقف في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بعدما تبين أن الكثير منهم اختاروا الانزواء في قبو انشغالاتهم الشخصية، بعيدا عن هموم الشعوب، فيما قرر آخرون الاصطفاف في خندق السلطة، إما لعجزهم عن فرض مكانتهم في التأثير على الجموع، أو بسبب ما اعتبروه «مدًا إسلاميا» يجتاح وعي شعوب المنطقة.
ففي الوقت الذي كانت الشعوب تحتاج فيه إلى «مثقفين» ينيرون طريقهم وسط الظلام، ويبدعون الحلول والبدائل، تركوا الجموع المحتجة تنزلق نحو مستنقع الفوضى وتواجه مصيرها الحتمي أمام الآلة الأمنية.
ولم يكن «المثقف المغربي» استثناء في هذا الشأن، إذ سجَّل حضورا محتشما خلال حراك "20 فبراير" 2011، أما في حراك "الحكرة"، الذي أشعلته واقعة «بائع السمك»، فلم يُسمع للمثقفين في البلد صوتا، في الحين الذي يُنْتَظر منهم تنوير الرأي العام بأفكارهم ورؤاهم للوضع الراهن.
يُرجع الأديب المغربي الشهير، سعيد يقطين، هذا الحضور الخافت للمثقفين في الساحة المجتمعية عموما، إلى عدم نضج الشروط التاريخية المطلوبة أولًا، ثم إلى القمع من أذرع السلطة بالإضافة إلى هيمنة الهاجس السياسي على الثقافي، أما المفكر محمد نور الدين آفاية، فيرى أن المثقف المغربي أصبح «صورة افتراضية عاجزا عن التأثير، بعدما اخترقت جراثيم الإسلام السياسي جيوب المجتمع فغدا عصيا على التحديث».
من جانب آخر، يعتقد سعيد يقطين أن مهمة المثقف الحالية، هي تقديم إجابات شافية حول سؤالين يقضان مضجع الشعب، وهما كيف نحارب الفساد؟ وكيف نتقدم؟. في حين يذهب الشاعر عبد الحميد الجماهيري إلى أنه على النخبة المثقفة المغربية أن تضطلع بثلاث أولويات، «تفكيك السلطة السياسية والإعلامية والفكرية المهيمنة في المجتمع، وتفكيك خطاب الهيمنة الأصولية، ثم مواجهة ظاهرة التمييع التي تعم كافة المستويات من خلال الأفكار الجديدة والرصينة».
الإعلام الوطني (الرسمي) تجنب التغطية
كانت بضع مظاهرات عمالية، خلال شهر ماي الماضي في باريس، كافية لينشغل الإعلام الفرنسي بتشكيلاته المختلفة في تغطية مستمرة ومباشرة للأحداث، بالإضافة إلى البرامج والمقالات التحليلية حول الحدث، غير أن قضية «بائع السمك»، التي أشعلت عشرات المظاهرات في مختلف المناطق المغربية، لم تحظ بالتغطية الكافية من قبل القنوات التلفزية الوطنية.
وقد اكتفت القنوات المغربية بمقتطفات إخبارية قصيرة تعالج حادثة «سماك الحسيمة»، مشيرة في عجالة إلى الاحتجاجات الشعبية، مما يثير غضباً شعبياً وسياسياً من الصمت المتكرر للإعلام الرسمي تجاه القضايا الجوهرية التي تشغل الرأي العام.
وفي هذا الصدد، صرح عادل بن حمزة، الناطق الرسمي باسم حزب «الاستقلال» قائلا، إن تغيب الإعلام العمومي يعد «إهانة كبيرة للمواطنين»، مضيفا أن هذا الصمت هو «توريط للدولة ككل، لأنه يرسم في الأذهان أن مسؤولية مقتل الراحل محسن فكري، تتجاوز سقف المسؤولين المحليين إلى كون الحادثة مخططا لها ومحمية وهو ما لا يعكس الحقيقة» على حد تعبيره.
بالمقابل، تميزت الصحافة الإلكترونية المغربية في تغطيتها للأحداث الأخيرة في المغرب، من خلال التقارير الإخبارية المتتالية، وتوثيق الاحتجاجات الليلية بشكل حي عبر الاستعانة بخدمة «اللايف» على "الفيسبوك"، إلا أنها ظلت في معظمها مقتصرة على المتابعة الإخبارية الصرفة للقضية، دون توسيع رقعة المعالجة إلى التحليل والنقاش حول الأحداث.
بينما سجَّلت «صحافة المواطن»، المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، حضورا جليا، تجسَّد في متابعة رواد الشبكات الاجتماعية للأحداث، والتعليق حولها، ونشر الأخبار المرتبطة بها، كما حرص العديد من الناشطين على نقل المظاهرات مباشرة من خلال هواتفهم الذكية عبر خدمة «اللايف»، وكانت الشبكات الاجتماعية منصة انطلاق دعوات الاحتجاج فور وقوع حادثة «بائع السمك»، ليلة الجمعة من الأسبوع الماضي، في الحسيمة بالمغرب.
أما على مستوى الإعلام الأجنبي، فقد كان في معظمه غير مهتم كثيرا بتغطية الأحداث مكتفيا بنقل الأخبار، حيث نشرت «نيويورك تايمز» تقريرا عن الحادثة بعنوان «احتجاجات تندلع في المغرب بعد وفاة بائع السمك بالحسيمة»، وعنونت «ذي ناشيونال» مادة إخبارية لها حول الحدث بـ«الاحتجاجات تندلع في المغرب بعد سحق بائع سمك حتى الموت في شاحنة قمامة».
فيما توسَّعت الصحافة الفرنسية قليلا في تغطية واقعة «سماك الحسيمة»، فكتبت «لوفيغارو» خبرا معنونا بـ«غضب عارم في المغرب بعد وفاة بائع السمك مسحوقا في شاحنة للأزبال»، ونشرت مجلة «لوبوان»، تقريرا تحت عنوان «موجة غضب في المغرب بعد نهاية مأساوية لبائع سمك بالحسيمة».
وتناولت وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية الأحداث الأخيرة في المغرب بتغطيات مصورة ومكتوبة، تطرقت فيها لملابسات الاحتجاجات الأخيرة، واستضافت حلقات نقاشية حول الموضوع.
*المصدر: موقع ساسة بوست