منال وهبي
h-p
“الشوبينغ” كلمة لطالما تداولتها أوساط اجتماعية في بلدان الخليج حتى صار هوسا جنونيا لدى الخليجيات تصرفن عليه ملايين الدولارات ، فمن مساحيق التجميل إلى العطور وتتبع أخر صيحات الموضة، صار” الشوبينغ” الشغل الشاغل للخليجية، بذخ وترف يشغل فكرها حتى تنعم برغد العيش ونعمى الحياة … لتظهر تلكم الجاذبية التي يخطب ودها الرجال فيفتتنون ، هكذا إذن تكون مكامن ضعفها قد توارت خلف تحقيق للذات في إحدى أشكاله، فيما العقول في جلها تشكو الخواء، اللهم إلا من هوس التسوق الذي لم يعد قاصرا على بلدان الخليج فقط بل غزا وتجدر في دول عربية أخرى .
فالمغربية الأصيلة، المعتزة بموروثها الثقافي، والتي كانت تتخذ من” الحناء والكحل والسواك” مواد تجميلية، ومن” باحماد السوسي ” والسويقة مرتعا لاقتناء حاجيات المنزل من سلع ومواد وألبسة، تمردت هي الأخرى على خصوصيتها وعن ذلكم الموروث، فعوضته بالأسواق الممتازة التي صارت وجهتها اليومية، تمردت إذن صاحبتنا على” الجوطية” أو ما يصطلح عليه عند ساكنة بعض المدن ب” البال”. أهي ضحية التسويق “Marketing” المبالغ فيه، أهي ضحية هذا الغزو الإعلامي الكاسح الذي يزرع بين كل دمعتين لـ”لميس” أو قبلتين لـ”مهند” عشرين إشهارا عن إزالة القشرة والدهون والطبائع والزغب … إنه الفكر والثوابت على المحك، ففعل الإدمان على شراء ما نحن بحاجة إليه وما لسنا بحاجة إليه، لا يعدو أن يكون نوعا من التنفيس عما يخالج نساء منهن من يئسن قحط “العروبة” الذوقي فاستهواهن البذخ الغربي بموضاته وأفكاره، ومنهن من يئسن الفراغ والبطالة (أجل بطالة نساء يتخذن من غسل الصحون وإرضاع البنين مهنة!!) فقررن التجول بين مسالك الأسواق الممتازة بدلا من التذمر في جنبات البيت.
والقائمون على “مساحات التوزيع الكبرى ” (les grandes surfaces de distribution ) لا يذخرون جهدا في جذب الزبائن عبر تنزيلات وتخفيضات تستهدف الموظفة ذات الدخل المحدود على الإقبال عليها، أولا، لأنها هي الهدف la cible وثانيا لأن التموضع المخيالي positionnement يقتضي زرع حس الإنسانة ذات القيمة في الزبونة، فتغدو بذلك ثقتها بنفسها رهينة بتواجدها خلف عربة التسوق في مسالك السوق الممتاز… استراتيجية أو استراتاجيم stratagème ماكر ويعد بالوهم… هكذا إذن، لم تعد الأسواق الممتازة حكرا على نخبة معينة من النساء الميسورات كما كان عليه الحال سابقا، لا لشئ إلا لأن ثقافة الاستهلاك سيطرت وبشكل فاضح على المجتمعات العربية عموما والمغربي بصفة أخص، كيف والعالم بأسره عرضة لأمواج العولمة المتلاطمة.
“التزود الدوري” Ravitaillement كأحد هذه السلوكات التسوقية الحديثة، يعطي للموظفة المحدودة الدخل حافزا قويا لتدبير شؤون بيتها في شراء كل ما تحتاجه لمدة دورية معينة، بتشجيع من زوجها الذي لا طاقة له بانتقاء طماطم دائرية كثيرة الاحمرار وغير مترهلة كما تريدها المدام، وهو أمر مستحسن ما لم يزد عن حده: الحد الذي يستشيط معه الزوج غضبا فيحمل آلته الحاسبة ومذكرته القديمة ويبدأ في العد … أما إن كان الزوج لا يعير الأمر اهتماما، فالأمر لا يغدو أن يكون راجعا لسببين: إما أنه ينام على بحيرة بترول، فليزده الله خيرا في خير، وإما أنه يشتري صمت زوجته على فضائحه، في صفقة “التسوق مقابل عدم الكلام”، قد تكون فحواها صمتا عن خيانة تارة وعن نفور عاطفي تارة أخرى، وربما كان صمتا فحسب، لأن صاحبة الحسن إذا تكلمت قلت ضابط يوشك على التقاعد، بأسئلته البليدة والمكررة :فين كنتي؟علاش تعطلتي؟مالك مجاي تالهاذ الوقت؟ شكون عيطليك فالتلفون…؟
هكذا إذن نخلص إلى جرد الحالات النفسية التي تقف خلف هوس التسوق، فمن متأثرة بالماركتينغ الذي تنهجه الأسواق، إلى مزايدة على زوجها في صفقات مشبوهة تجعل توازن الأسرة ووجودها على المحك، أما الأولى فهي أمر طبيعي لا نحذر بصدده إلا من الإكثار منه، وأما الثانية فهي تنم عن سطحية في المعالجة، فاللجوء إلى التسوق من أجل طمس الحقائق وعدم تناولها بالموضوعية التي تقتضيها خطورتها لا يعدو أن يكون مداراة للشمس بالغربال… فهي إذا ساطعة مهما كثرت الغرابيل!
وحتى ننطلق من وقائع ملموسة، قد يقول قائل أن المجتمع المغربي لا يصل لدرجة الترف والرفاهية التي يعيشها المجتمع الخليجي،حتى نطلق على لجوء المغربيات للتسوق نعت الهوس، بحكم الدخل الفردي للمغاربة والذي لا يصل إلى مستوى الخليجيين، لكن الإشكال الحقيقي هو أن الهوس ليس مرتبطا بمقياس مادي بقدر ماهو مرتبط بالعقليات، وإذا ما قمنا بمقارنة بين المرأة الغربية والعربية سنجد أن العربيات يركزن على مظهرهن الخارجي ( جمال,رشاقة,صيحات الموضة..) في حين أن الغربية تهتم بتغذية فكرها الذي يعد من أولوياتها إلى جانب الحرص على جمالها الخارجي، ونسبة القراءة في المجتمع العربي خير دليل على صحة هذا الكلام، فقد أشارت الإحصائيات أن القادرات على القراءة والكتابة من النساء العربيات لم تتجاوز نسبتهن 46.4% ، وقد حققت الدول الصناعية المتقدمة أعلا المستويات إذ بلغت نسبة النساء المتعلمات لديها 98.6% … فيال شساعة هذا البون! بون لا نملك معه إلا التساؤل عن اليوم الذي ستستفيق فيه نساؤنا من سباتهن، وتدركن أن الهوس الحقيقي للتسوق يجب أن تكون وجهته معارض الكتاب كذلك لتشجيع أولادهن على التعليم باعتباره ورشا مجتمعيا لبناء مجتمع متحضر ومسؤول يستهلك ما ينتجه، ويصدر ما فاض عليه…
h-p
“الشوبينغ” كلمة لطالما تداولتها أوساط اجتماعية في بلدان الخليج حتى صار هوسا جنونيا لدى الخليجيات تصرفن عليه ملايين الدولارات ، فمن مساحيق التجميل إلى العطور وتتبع أخر صيحات الموضة، صار” الشوبينغ” الشغل الشاغل للخليجية، بذخ وترف يشغل فكرها حتى تنعم برغد العيش ونعمى الحياة … لتظهر تلكم الجاذبية التي يخطب ودها الرجال فيفتتنون ، هكذا إذن تكون مكامن ضعفها قد توارت خلف تحقيق للذات في إحدى أشكاله، فيما العقول في جلها تشكو الخواء، اللهم إلا من هوس التسوق الذي لم يعد قاصرا على بلدان الخليج فقط بل غزا وتجدر في دول عربية أخرى .
فالمغربية الأصيلة، المعتزة بموروثها الثقافي، والتي كانت تتخذ من” الحناء والكحل والسواك” مواد تجميلية، ومن” باحماد السوسي ” والسويقة مرتعا لاقتناء حاجيات المنزل من سلع ومواد وألبسة، تمردت هي الأخرى على خصوصيتها وعن ذلكم الموروث، فعوضته بالأسواق الممتازة التي صارت وجهتها اليومية، تمردت إذن صاحبتنا على” الجوطية” أو ما يصطلح عليه عند ساكنة بعض المدن ب” البال”. أهي ضحية التسويق “Marketing” المبالغ فيه، أهي ضحية هذا الغزو الإعلامي الكاسح الذي يزرع بين كل دمعتين لـ”لميس” أو قبلتين لـ”مهند” عشرين إشهارا عن إزالة القشرة والدهون والطبائع والزغب … إنه الفكر والثوابت على المحك، ففعل الإدمان على شراء ما نحن بحاجة إليه وما لسنا بحاجة إليه، لا يعدو أن يكون نوعا من التنفيس عما يخالج نساء منهن من يئسن قحط “العروبة” الذوقي فاستهواهن البذخ الغربي بموضاته وأفكاره، ومنهن من يئسن الفراغ والبطالة (أجل بطالة نساء يتخذن من غسل الصحون وإرضاع البنين مهنة!!) فقررن التجول بين مسالك الأسواق الممتازة بدلا من التذمر في جنبات البيت.
والقائمون على “مساحات التوزيع الكبرى ” (les grandes surfaces de distribution ) لا يذخرون جهدا في جذب الزبائن عبر تنزيلات وتخفيضات تستهدف الموظفة ذات الدخل المحدود على الإقبال عليها، أولا، لأنها هي الهدف la cible وثانيا لأن التموضع المخيالي positionnement يقتضي زرع حس الإنسانة ذات القيمة في الزبونة، فتغدو بذلك ثقتها بنفسها رهينة بتواجدها خلف عربة التسوق في مسالك السوق الممتاز… استراتيجية أو استراتاجيم stratagème ماكر ويعد بالوهم… هكذا إذن، لم تعد الأسواق الممتازة حكرا على نخبة معينة من النساء الميسورات كما كان عليه الحال سابقا، لا لشئ إلا لأن ثقافة الاستهلاك سيطرت وبشكل فاضح على المجتمعات العربية عموما والمغربي بصفة أخص، كيف والعالم بأسره عرضة لأمواج العولمة المتلاطمة.
“التزود الدوري” Ravitaillement كأحد هذه السلوكات التسوقية الحديثة، يعطي للموظفة المحدودة الدخل حافزا قويا لتدبير شؤون بيتها في شراء كل ما تحتاجه لمدة دورية معينة، بتشجيع من زوجها الذي لا طاقة له بانتقاء طماطم دائرية كثيرة الاحمرار وغير مترهلة كما تريدها المدام، وهو أمر مستحسن ما لم يزد عن حده: الحد الذي يستشيط معه الزوج غضبا فيحمل آلته الحاسبة ومذكرته القديمة ويبدأ في العد … أما إن كان الزوج لا يعير الأمر اهتماما، فالأمر لا يغدو أن يكون راجعا لسببين: إما أنه ينام على بحيرة بترول، فليزده الله خيرا في خير، وإما أنه يشتري صمت زوجته على فضائحه، في صفقة “التسوق مقابل عدم الكلام”، قد تكون فحواها صمتا عن خيانة تارة وعن نفور عاطفي تارة أخرى، وربما كان صمتا فحسب، لأن صاحبة الحسن إذا تكلمت قلت ضابط يوشك على التقاعد، بأسئلته البليدة والمكررة :فين كنتي؟علاش تعطلتي؟مالك مجاي تالهاذ الوقت؟ شكون عيطليك فالتلفون…؟
هكذا إذن نخلص إلى جرد الحالات النفسية التي تقف خلف هوس التسوق، فمن متأثرة بالماركتينغ الذي تنهجه الأسواق، إلى مزايدة على زوجها في صفقات مشبوهة تجعل توازن الأسرة ووجودها على المحك، أما الأولى فهي أمر طبيعي لا نحذر بصدده إلا من الإكثار منه، وأما الثانية فهي تنم عن سطحية في المعالجة، فاللجوء إلى التسوق من أجل طمس الحقائق وعدم تناولها بالموضوعية التي تقتضيها خطورتها لا يعدو أن يكون مداراة للشمس بالغربال… فهي إذا ساطعة مهما كثرت الغرابيل!
وحتى ننطلق من وقائع ملموسة، قد يقول قائل أن المجتمع المغربي لا يصل لدرجة الترف والرفاهية التي يعيشها المجتمع الخليجي،حتى نطلق على لجوء المغربيات للتسوق نعت الهوس، بحكم الدخل الفردي للمغاربة والذي لا يصل إلى مستوى الخليجيين، لكن الإشكال الحقيقي هو أن الهوس ليس مرتبطا بمقياس مادي بقدر ماهو مرتبط بالعقليات، وإذا ما قمنا بمقارنة بين المرأة الغربية والعربية سنجد أن العربيات يركزن على مظهرهن الخارجي ( جمال,رشاقة,صيحات الموضة..) في حين أن الغربية تهتم بتغذية فكرها الذي يعد من أولوياتها إلى جانب الحرص على جمالها الخارجي، ونسبة القراءة في المجتمع العربي خير دليل على صحة هذا الكلام، فقد أشارت الإحصائيات أن القادرات على القراءة والكتابة من النساء العربيات لم تتجاوز نسبتهن 46.4% ، وقد حققت الدول الصناعية المتقدمة أعلا المستويات إذ بلغت نسبة النساء المتعلمات لديها 98.6% … فيال شساعة هذا البون! بون لا نملك معه إلا التساؤل عن اليوم الذي ستستفيق فيه نساؤنا من سباتهن، وتدركن أن الهوس الحقيقي للتسوق يجب أن تكون وجهته معارض الكتاب كذلك لتشجيع أولادهن على التعليم باعتباره ورشا مجتمعيا لبناء مجتمع متحضر ومسؤول يستهلك ما ينتجه، ويصدر ما فاض عليه…