الصورتان الأولتان بكاميرا طارق الشامي
متى بدأ المسار السياسي لإلياس العمري، هل مع أحداث يناير 1984 في مدن الشمال أم قبل هذا التاريخ؟
إذا تحدثنا عن المسار السياسي لأي شخص من خلال تفاعله مع ما يحدث حوله، أو من خلال محيطه الاجتماعي، فإن وعيه السياسي يبدأ في التشكل انطلاقا مما يعيشه من حوله من أحداث.
بالنسبة إلى تجربتي الشخصية، فإن مساري السياسي غير المنظم بدأ مبكرا، وأنا طفل، كان يقطع عشرات الكيلومترات صحبة إخوته للذهاب إلى المدرسة، بعد عبور الوادي في قرية أمنود بجماعة النكور، التي كنا نقطنها بنواحي الحسيمة.
أتذكر لحظة مهمة، خلال هذه الفترة من عمري، في أواسط السبعينات، والتي كا كنت نقطة تحول أساسية رسمت معالم حياتي السياسية والشخصية في ما بعد، وهي عندما قام أحد أساتذتي، آنذاك، أثناء إلقائه للدرس، برسم بقرة في سبورة القسم، وسألنا عن اسم هذا الحيوان، فقلت له بالأمازيغية "تافوناست". ولم يتقبل الأمر حين أصر على أن أردد كلمة بقرة، ولما أصررت على الرفض، كان ثمن عنادي أن نلت منه الضرب المبرح، ما جعلني أغيب عن المدرسة لشهور، فأيقنت حينها أننا لا نساوي شيئا في بلدلا يعترف لمواطنيه بحد أدنى من الحق في الحياة. كان لهذه اللحظة تأثير كبير على مسار حياتي كما قلت.
لم يقف الأمر عند هذا الحد في تشكل وعيي السياسي قبل سنة 1984، بل إن القرية، التي كنت أقطنها، عاشت أحداثا لم أنسها إلى حد الآن، وكان لها أيضا تأثير بالغ في انشغالي بمحيطي. في تلك الفترة، طفحت على السطح احتجاجات ضد قيام الدولة، عبر وزارتي الفلاحة والداخلية، بانتزاع أراضي السكان، من أجل تشييد سد عبد الكريم الخطابي، فثأرت ثائرة السكان الفقراء، الذين لم يكن يسمح سني لي آنذاك باستيعابها، فكان جواب الدرك الملكي هو قمع الاحتجاجات، واعتقال عدد من أبناء القرية الذين حكم على البعض منهم بخمس سنوات سجنا.لم تتورع الدولة، رغم ذلك، في مصادرة أراضي السكان المغلوبين على أمرهم.
بدأت أخطو مساري السياسي الحقيقي بعد التحاقي بثانوية إمزورن بمدينة الحسيمة، انخرطت في حياة أخرى اتسمت بطردي من "داخلية المؤسسة" مرات عديدة، هنا بدأت علاقاتي بطلبة وتلاميذ يكبرونني سنا ساهموا في تأطيري فكريا وسياسيا، وعلى رأسهم الرفيق عيسى بويازيرن، الذي أطرني أحسن تأطير، فكان يمدني بجميع الكتب والروايات، فضلا عن مؤلفات ذات نفحة نضالية، ككتاب دليل "المناضل"، الذي كان يصدر عن دار الفرابي بلبنان، فكان هذا الشخص أن أعطي لانخراطي في العمل السياسي مضمونا. كنت في البداية أتظاهر مع آخرين وأنا أعرف لماذا، لكنني لم أكن على علم بدلالات وأبعاد ما أتظاهر لأجله، فكان لهذا الرفيق المناضل الفضل في منح هذا النضال السياسي مضمونه الفكري والإيديولوجي.
هل اعتقلت بسبب أحداث يناير 1984؟
لم أعتقل بسبب الأحداث، فحين اندلعت شرارتها، كنت أدرس في ثانوية إمزورن، والحقيقة أن الانتفاضة بدأت قبل هذا التاريخ، وبالضبط في 7 دجنبر 1983 لما هاجمت قوات الأمن الطلبة بوحشية في مدينة وجدة، ترتب عنها اعتقال عند من أبناء الحسيمة وجرح آخرون، فكان لذلك تأثير على مجريات الأحداث بثانوية أمزورن، التي كنت أتابع فيها دراستي، بل شملت المظاهرات شمال المغرب بأكمله، استمرت الاحتجاجات أياما قبل تتدخل قوات الأمن بشراسة، عبر استعمال الرصاص الحي، بإطلاق أول رصاصة في 13 يناير 1984، راح ضحيتها أحد الأبناء البررة لمدينة الحسيمة.
جرى بعد ذلك اعتقال عدد من المناضلين، أما أنا فنجوت من قبضة قوات الأمن بأعجوبة، وأتذكر هنا لحظة فاصلة في حياتي، لما توجهت والدي، وحمه الله، الذي كان إماما مسجد، فسألني عن سبب عودتي المبكرة من الثانوية، فأحطته علما بالأحداث، فقال لي الحرف "افضل أن تعود محمولا على نعش، على أن تهرب كجبان" وأمدني حينها بمبلغ 20 درهما، فالتحقت بالرفاق لإتمام ما بدأناه، فاعتقل من اعتقل، واستشهد من استشهد،ودخلنا آنذاك في حوار مع السلطات من أجل إطلاق سراح المعتقلين، فكان نصيبي من ذلك هو الطرد من الثانوية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل منعت من التسجيل في جميع المؤسسات التعليمية بالحسيمة، بحجة أنني أشكل خطرا على النظام العام، إلى أن التقيت شخصا أعتبره ملاكا، هو الذي انتشلني من هذه المحنة، كنت حينها تلقيت قرار منعي من متابعة دراسة الثانوية بكثير من الأسى، فأجهشت بالبكاء بالقرب من إحدى الثانويات، لأنني كنت أدرك أن مصيري في هذه الحالة هو العودة إلى القرية والاشتغال في الرعي، إلى أن جاء هذا الشخص، فسألني عن سبب بكائي، ولما حكيت له الأمر، وعدني خيرا، وذلك ما كان، إذ توجه إلى المدرسة، التي رفضت تسجيلي في البداية، حاملا معه ملفي الشخصي، ليعود إلي بعد ساعة، ويزف لي البشرى.
ما تزال علاقتي بهذا الشخص "الملاك" الذي يدعى بوغابة قائمة إلى حد الآن، وأتذكر أنه كان يعمل بأحد أندية كرة القدم في الحسيمة، وكنا نعتبر آنذاك أن الكرة أداة بيد النظام لإلهاء الجماهير، فقالوا لي حينها إن الشخص المذكور ينتمي إلى الطينة نفسها، لأصحح لهم هذه الأخطاء بالقول " لو كنا كماركسيين لا نعبد أحدا، فإنني سأعبد هذا الشخص".
بالعودة إلى محطة الاعتقال، أقول أنني اعتقلت مرتين ما بين سنتي 1985و 1987، قبل أن أفر، لأحكام غيابيا، صحبة الرفاق، بخمس سنوات سجنا، إلى أن أصدر العفو الملكي على المعتقلين السياسيين سنة 1989.
ألم تكن على علاقة آنذاك بعناصر من تنظيم القاعدين؟
لم يكن الأمر كذلك، بل إن الدولة هي التي ضمتنا إلى تنظيم أطلقت عليه اسم "الطريق".
كنا بذلك أكثر ذكاء من الدولة، هي التي كان فروضا عليها أن تعلم كل شيء عن انتماءاتنا وولاءاتنا، تبين في ما بعد أنها كانت تجهل كل شيء عنا، فمنحتنا تنظيما وهميا، ووضعت فيه الرفيق عيسى بويزارن رئيسا، وأنا مكلفا بالعلاقات الخارجية، وكان ذلك محط صدفة، فقط، فعيسى كان يجتاز الخدمة المدينة في سلك التعليم بالرباط، وكان حينها رئيسا لناد سينمائي اعتقل الأمن بعضا من أعضائه من التلاميذ، فصغنا بيانا في الموضوع في مدينة الرباط، قبل ذلك اصطحبت معي مسودة البيان من الحسيمة، وحللت بفاس، حيث التقيت بأحد الرفاق، الذين فروا من قبضة الدرك، وكان ينتمي إلى النادي السينمائي، ويدعى جمال، وأخبرته بالخطوة التي كنا نعد لها قبل أن أزور الرباط، والتقي بعيسى بويزارن في منزل الرفيق التدمري، إلى جانب بنعزوز، فقمنا بصياغة البيان، وبعدما انتهينا من ذلك طلب أحدهم تمزيق المسودة، فرددت مقولة شهيرة للرفيق لينين "أحرق أحرق فإن العدو يلصق".
كان التدمري يصوغ البيان على كتاب "حركة القومين العرب"، وبعدما انتهى قام بتوزيعه بالاستعانة بدرجاته النارية، فلما اعتقل جمال، وتحت وطأة التعذيب، أخبر الأمن بالحكاية كلها. بعدها فتشت قوات الأمن منزل الرفيق التدمري، فعثرت على مسودة البيان في كتاب " حركة القومين العرب"، من هنا تأكدت أوهامهم، فخلقوا لنا تنظيما من وحي خيالهم، حوكمنا جمعيا، كنت، من المحظوظين، الذين لم يقع اعتقالهم صحبة الرفيق جمال أكوش، الذي استغل تكليفه من لدن نوبير الأموي بمهمة في هولندا، إذ كان حينها مسؤولا مكلفا بالعلاقات الخارجية في الكونفيدارية الديمقراطية للشغل.
كيف جاء انضمامك إلى تيار "الديمقراطيين المستقلين؟
حكايتي مع تيار الديمقراطيين المستقلين فيها الكثير من المفارقات، أتذكر في هذا الشأن أنني كنت مقيما في مدينة الرباط بلا هوية، فانتحلت العديد من الصفات، طالب في كلية الآداب، طالب في معهد الإحصاء التطبيقي، طالب في المعهد الوطني للزراعة، في معهد الطاقة والمعادن، بل حتى البطاقة الوطنية لم أكن أملكها، كنت أبيع الخضر في القامرة، وأعود إلى مدرجات الكلية، وأتنقل بين باقي المؤسسات التعليمية بصفات متعددة.
في يوليوز 1989، لما صدر العفو الملكي، قصدت بيت العائلة، الذي لم أزره منذ مدة، إذ لم أحضر مراسيم جنازة الوالد، الذي توفي وأنا هارب، لما عدت إلى الرباط التقيت عمر الزيدي، وأسسنا مطبعة للنشر لم تكلفنا شيئا يذكر، آنذاك أخذنا نلتقي بعدد من المناضلين، الذين برحوا السجن المركزي بالقنيطرة، من قبيل عبد الله زعزاع، وعبد الرحيم تفنوت، وفؤاد المومني ...، وبدأت هذه المجموعة في الاشتغال، منذ اللقاءات الأولى لعناصرها، وكانت النقاشات تتمحور حول عدد من الأسئلة حول الوضع العام في المغرب، وماذا بإمكاننا فعله، فتكلف المناضل لحبابي، الذي كان من قياديي 23 مارس، آنذاك، بصياغة أرضية أولى تلخص نقاشاتنا، إلا أن غياب هذا الأخير عن اللقاء الموالي دفع زعزاع إلى المبادرة بتلخيص الخطوط العريضة لما كنا نتداوله من نقاشات فارتضينا تأسيس إطار جديد أطلقنا عليه اسم "التجمع الدميقراطي". فأخذنا نجوب عددا من مناطق المغرب، للتعريف بمشروعنا، السياسي، قبل أن نهتدي في النهاية إلى تأسيس جريدة تعرف بمبادئه أطلقنا عليها اسم "المواطن" التي كانت تصدرها دار النشر، التي أسستها بمعيه عمر الزيدي، وكان مقرها في إحدى شقق أكدال بالرباط،، كنا اكتريناها من أحمد الدغرني، وأتذكر بالمناسبة أن هذا الأخير لما زارنا، في أحد الأيام، من أجل استخلاص سومة الكراء، وكنا نجد صعوبات في أدائها بانتظام، طفح غضبه علينا لكنه بالمقابل قام بوضع يديه على الوثائق، التي كنا نملكها، والمتعلقة بالإطار، الذي كنا ننوي تأسيسه، وقدمها إلى عبد الله الستوكي، الذي أسس آنذاك جريدة "الكشكول" فبادر هذا الأخير إلى نشر تلك الوثائق في أعداد جريدته ما بين سنتي 1989 و 1990، على حلقات، قالوا فيها إن الأمر يتعلق بتنظيم يساري سري، ينتظر الفرصة المواتية للإعلان عن نفسه، فجاء تأسيسنا لجريدة "المواطن" ضمن هذا السياق، للخروج إلى العلن، والإعلان عن مبادئنا و أهدافنا،
أتذكر بالمناسبة أن العدد الأول نشرنا فيه رسالة من معتقلي تازمامارت من الجيش، وكانت زوجة الرايس، الطبيبة التي كانت تشتغل في مستشفى ابن سينا بالرباط، وأعتبرها مناضلة حقيقة، هي من أمدتنا بتلك الرسالة، فقامت الدولة بمنع الجريد من النشر.بقرار من الوزير الأول، استند فيه على الفصل 77 من قانون الصحافة.
كانت البداية الأولى لتجميع عناصر المجموعة في منزل المومني، كان حينها الرفيق عبد القادر الشاوي أصدر جريدة، رفقة بلكوش ومعروف وآخرين، سماها "على العقل" فيما اختار الإخوة، الذين سيؤسسون، في ما بعد حزب النهج الديمقراطي، عنوان "الأفق" لجريدتهم، والتي كانت بمبادرة كل من عمر الزغاري الصحافي في بيان اليوم، والهادي المتوكل...
صدر عدد من جريدة الأفق، احتفاء بمرور سنة على صدورها، حول المشهد السياسي في المغرب، تضمن تصورا لهذه المجموعات ففضلنا نحن بدورنا الإعلان عن التيار السياسي وأسباب نزوله، من هنا جاء ميلاد الديمقراطيين المستقين من طرف الأستاذ أيمن، الذي كان ضمن المجموعة، والمشهور بفصاحته اللغوية، وما إن نطلق بالاسم حتى "فقد" صوته، فتكفل الرفيق المتوكل بالإعلان عن الإطار الإيديولوجي للتنظيم، فيما أنيطت بجمال بوسفور، التقني في القناة الثانية، مهمة طرح التصور الاقتصادي والاجتماعي، فقمنا بعد ذلك بتأسيس الإطار التنظيمي للتيار، قبل أن ينظم في ما بعد بتأسيس الإطار التنظيمي للتيار، قبل أن ينظم في ما بعد إلى حزب اليسار الاشتراكي الموحد.
هل مازالت تعتبر نفسك اليوم في اليسار الموحد؟
لم تعد تجمعني باليسار الاشتراكي الموحد أي علاقة تنظيمية.
ألا ترون معي أن مقولة "أكثر من جمعية وأقل من حزب"، التي طرحها عبد الحميد أمين هي التي اشتغلت عليها، في ما بعد، جمعية لكل الديمقراطيين، التي أسسها الهمة؟
بكل تأكيد.
هذا يعني أن اليسار هو المهندس الحقيقي للحركة السياسية للهمة؟
لا أظن ذلك، فالعمل كان جماعيا.
ما علاقاتك بفؤاد عالي الهمة، وما هو أول لقاء جمعكما؟
علاقتي بالهمة إنسانية، ففؤاد اجتماعي بطبعه، يحدث أن تجمعك علاقة بشخص ما في مناسبات عديدة، فرحة أو محزنه، عموما كان لقائي الأول بالهمة في مناسبات عديدة، فرحة أو محزنة، عموما كان لقائي الأول بالهمة في إحدى المناسبات، التي لم اتذكرها بالضبط، عن طريق حسن أوريد، قبل أن يصبح هذا الأخير ناطقا باسم القصر الملكي، أتذكر أن اللقاء حضرته العديد من الفعاليات الإعلامية والسياسية.
أود القول في هذا الصدد إن علاقتي عادية بفؤاد عالي الهمة، وأطرح تساؤلا عريضا حول ما يجري تداوله بخصوص هذا الشخص، حول انشغاله النخبة المغربية اليوم بالمظاهر والظواهر أكثر من بحثها في عمق الأشياء، فظاهرة الهمة صنعتها الصحافة والنخبة.
طبعا أي شخص أي شخص في التاريخ له تأثيره على مجريات الأمور، لكن لا يوجد أي شخص بإمكانه تجسيد مسيرة تاريخية ما، فمع كامل الأسف، جرى التركيز، في السنوات الأخيرة، من طرف البعض، في قراءة ما يجري في الساحة السياسية، على الأشخاص أكثر من المشاريع والأفكار، وهو ما منح لأشخاص معينين، مثل الهمة، هذه الهالة الكبرى.
للأسف لم تكن الأمور كذلك، فلو تنصلت النخبة من داء تشخيص القضايا لكانت الأمور ستذهب في اتجاهها الصحيح.
الهمة صديق أحترمه، أناقشه، أختلف وأتفق معه، حيث يجب الاتفاق وحيث يجب الاختلاف. لكل منا مساره المختلف عن الآخر، ففؤاد كان قبل أن أكون، وكنت أنا قبل أن يكون.
لكن ينقدك خصومك بكونك اكتسبت نفوذك وقوتك من الهمة إلى درجة يصفونك بأنك صديق صديق الملك؟
أؤكد مرة أخرى أن الهمة كان قبل أن أكون، وكنت قبل أن يكون، فالمسار يختلف بيننا.
لكنكما التقيتما في ما بعد؟
جميع المسارات نلتقي في التاريخ، فبإمكان الحركة الماركسية أن نلتقي حتى مع العسكر.
حكايتي مع تيار الديمقراطيين المستقلين فيها الكثير من المفارقات، أتذكر في هذا الشأن أنني كنت مقيما في مدينة الرباط بلا هوية، فانتحلت العديد من الصفات، طالب في كلية الآداب، طالب في معهد الإحصاء التطبيقي، طالب في المعهد الوطني للزراعة، في معهد الطاقة والمعادن، بل حتى البطاقة الوطنية لم أكن أملكها، كنت أبيع الخضر في القامرة، وأعود إلى مدرجات الكلية، وأتنقل بين باقي المؤسسات التعليمية بصفات متعددة.
في يوليوز 1989، لما صدر العفو الملكي، قصدت بيت العائلة، الذي لم أزره منذ مدة، إذ لم أحضر مراسيم جنازة الوالد، الذي توفي وأنا هارب، لما عدت إلى الرباط التقيت عمر الزيدي، وأسسنا مطبعة للنشر لم تكلفنا شيئا يذكر، آنذاك أخذنا نلتقي بعدد من المناضلين، الذين برحوا السجن المركزي بالقنيطرة، من قبيل عبد الله زعزاع، وعبد الرحيم تفنوت، وفؤاد المومني ...، وبدأت هذه المجموعة في الاشتغال، منذ اللقاءات الأولى لعناصرها، وكانت النقاشات تتمحور حول عدد من الأسئلة حول الوضع العام في المغرب، وماذا بإمكاننا فعله، فتكلف المناضل لحبابي، الذي كان من قياديي 23 مارس، آنذاك، بصياغة أرضية أولى تلخص نقاشاتنا، إلا أن غياب هذا الأخير عن اللقاء الموالي دفع زعزاع إلى المبادرة بتلخيص الخطوط العريضة لما كنا نتداوله من نقاشات فارتضينا تأسيس إطار جديد أطلقنا عليه اسم "التجمع الدميقراطي". فأخذنا نجوب عددا من مناطق المغرب، للتعريف بمشروعنا، السياسي، قبل أن نهتدي في النهاية إلى تأسيس جريدة تعرف بمبادئه أطلقنا عليها اسم "المواطن" التي كانت تصدرها دار النشر، التي أسستها بمعيه عمر الزيدي، وكان مقرها في إحدى شقق أكدال بالرباط،، كنا اكتريناها من أحمد الدغرني، وأتذكر بالمناسبة أن هذا الأخير لما زارنا، في أحد الأيام، من أجل استخلاص سومة الكراء، وكنا نجد صعوبات في أدائها بانتظام، طفح غضبه علينا لكنه بالمقابل قام بوضع يديه على الوثائق، التي كنا نملكها، والمتعلقة بالإطار، الذي كنا ننوي تأسيسه، وقدمها إلى عبد الله الستوكي، الذي أسس آنذاك جريدة "الكشكول" فبادر هذا الأخير إلى نشر تلك الوثائق في أعداد جريدته ما بين سنتي 1989 و 1990، على حلقات، قالوا فيها إن الأمر يتعلق بتنظيم يساري سري، ينتظر الفرصة المواتية للإعلان عن نفسه، فجاء تأسيسنا لجريدة "المواطن" ضمن هذا السياق، للخروج إلى العلن، والإعلان عن مبادئنا و أهدافنا،
أتذكر بالمناسبة أن العدد الأول نشرنا فيه رسالة من معتقلي تازمامارت من الجيش، وكانت زوجة الرايس، الطبيبة التي كانت تشتغل في مستشفى ابن سينا بالرباط، وأعتبرها مناضلة حقيقة، هي من أمدتنا بتلك الرسالة، فقامت الدولة بمنع الجريد من النشر.بقرار من الوزير الأول، استند فيه على الفصل 77 من قانون الصحافة.
كانت البداية الأولى لتجميع عناصر المجموعة في منزل المومني، كان حينها الرفيق عبد القادر الشاوي أصدر جريدة، رفقة بلكوش ومعروف وآخرين، سماها "على العقل" فيما اختار الإخوة، الذين سيؤسسون، في ما بعد حزب النهج الديمقراطي، عنوان "الأفق" لجريدتهم، والتي كانت بمبادرة كل من عمر الزغاري الصحافي في بيان اليوم، والهادي المتوكل...
صدر عدد من جريدة الأفق، احتفاء بمرور سنة على صدورها، حول المشهد السياسي في المغرب، تضمن تصورا لهذه المجموعات ففضلنا نحن بدورنا الإعلان عن التيار السياسي وأسباب نزوله، من هنا جاء ميلاد الديمقراطيين المستقين من طرف الأستاذ أيمن، الذي كان ضمن المجموعة، والمشهور بفصاحته اللغوية، وما إن نطلق بالاسم حتى "فقد" صوته، فتكفل الرفيق المتوكل بالإعلان عن الإطار الإيديولوجي للتنظيم، فيما أنيطت بجمال بوسفور، التقني في القناة الثانية، مهمة طرح التصور الاقتصادي والاجتماعي، فقمنا بعد ذلك بتأسيس الإطار التنظيمي للتيار، قبل أن ينظم في ما بعد بتأسيس الإطار التنظيمي للتيار، قبل أن ينظم في ما بعد إلى حزب اليسار الاشتراكي الموحد.
هل مازالت تعتبر نفسك اليوم في اليسار الموحد؟
لم تعد تجمعني باليسار الاشتراكي الموحد أي علاقة تنظيمية.
ألا ترون معي أن مقولة "أكثر من جمعية وأقل من حزب"، التي طرحها عبد الحميد أمين هي التي اشتغلت عليها، في ما بعد، جمعية لكل الديمقراطيين، التي أسسها الهمة؟
بكل تأكيد.
هذا يعني أن اليسار هو المهندس الحقيقي للحركة السياسية للهمة؟
لا أظن ذلك، فالعمل كان جماعيا.
ما علاقاتك بفؤاد عالي الهمة، وما هو أول لقاء جمعكما؟
علاقتي بالهمة إنسانية، ففؤاد اجتماعي بطبعه، يحدث أن تجمعك علاقة بشخص ما في مناسبات عديدة، فرحة أو محزنه، عموما كان لقائي الأول بالهمة في مناسبات عديدة، فرحة أو محزنة، عموما كان لقائي الأول بالهمة في إحدى المناسبات، التي لم اتذكرها بالضبط، عن طريق حسن أوريد، قبل أن يصبح هذا الأخير ناطقا باسم القصر الملكي، أتذكر أن اللقاء حضرته العديد من الفعاليات الإعلامية والسياسية.
أود القول في هذا الصدد إن علاقتي عادية بفؤاد عالي الهمة، وأطرح تساؤلا عريضا حول ما يجري تداوله بخصوص هذا الشخص، حول انشغاله النخبة المغربية اليوم بالمظاهر والظواهر أكثر من بحثها في عمق الأشياء، فظاهرة الهمة صنعتها الصحافة والنخبة.
طبعا أي شخص أي شخص في التاريخ له تأثيره على مجريات الأمور، لكن لا يوجد أي شخص بإمكانه تجسيد مسيرة تاريخية ما، فمع كامل الأسف، جرى التركيز، في السنوات الأخيرة، من طرف البعض، في قراءة ما يجري في الساحة السياسية، على الأشخاص أكثر من المشاريع والأفكار، وهو ما منح لأشخاص معينين، مثل الهمة، هذه الهالة الكبرى.
للأسف لم تكن الأمور كذلك، فلو تنصلت النخبة من داء تشخيص القضايا لكانت الأمور ستذهب في اتجاهها الصحيح.
الهمة صديق أحترمه، أناقشه، أختلف وأتفق معه، حيث يجب الاتفاق وحيث يجب الاختلاف. لكل منا مساره المختلف عن الآخر، ففؤاد كان قبل أن أكون، وكنت أنا قبل أن يكون.
لكن ينقدك خصومك بكونك اكتسبت نفوذك وقوتك من الهمة إلى درجة يصفونك بأنك صديق صديق الملك؟
أؤكد مرة أخرى أن الهمة كان قبل أن أكون، وكنت قبل أن يكون، فالمسار يختلف بيننا.
لكنكما التقيتما في ما بعد؟
جميع المسارات نلتقي في التاريخ، فبإمكان الحركة الماركسية أن نلتقي حتى مع العسكر.
لكنكما التقيتما في المشروع السياسي الحالي من خلال النواة التي كانت محيطة بالهمة منذ سنوات؟
لم يكن إلياس لوحده ضمن هذه النواة السياسية، التي جالست الهمة.
مشروعنا كيساريين، أسس لامتدادات مختلفة، ومجالات عمل موازية، سواء في العمل الحقوقي أو السياسي أو النقابي أو الثقافي، بل وأثمر مشروعا مجتمعيا يتقاطع، أبينا أم كرهنا، مع الدولة.
والهمة كان جزءا من الدولة، التي كانت مسؤولة عن أحداث الماضي الأليم، وكان في الوقت نفسه، من محاوري نخب مختلفة في ما يخص تفاعلات الأحداث، وكانت هذه النخب تضم حقوقيين منهم الراحل إدريس بنزكري، وسياسيين في الأحزاب وفعاليات نسوية وثقافية مختلفة.
كيف تقاطعتم مع الدولة، وهل كنتم تؤمنون بأن التغير لا يمكن أن يأتي إلا من المخزن؟
لم يكن الأمر كذلك، لم نؤمن بالمخزن ولم يؤمن بنا. السياسة خالية من الإيمان عكس الإيديولوجية، وهي بذلك تبقى فن لإدارة الصراع، هي نص مسرحي فيه فصول ومشاهد تتغير بتغير الظروف، كما أن الموقف السياسي يبقى وليدا الأسباب نزوله في الزمن والمكان.
نريد منك أن تلبس تصورك النظري للسياسة للوقائع التي دفعت بكم إلى الانخراط في مشروع الدولة؟
إن التصور النظري الذي شرحته لم يكن له عمليا بناء أفقي، أي أننا لم نتوقع ما سيأتي من أحداث، كما لم تبرمج من خلاله أي أجندة، أي أن تقوم بكذا... أو نلتقي هذا الشخص أو ذاك، وبالتالي فإن مبادرتنا تفاعلت مع من تفاعل معها، ومن بين الذين تفاعلوا مع المباردة جزء من رجلات الدولة، وبالتالي فما كنا نعرضه، كمشروع، كان يتلطب منا أن نتفق حول مضامينه مع من بيدهم الحل، لما يطرحه من مشاكل وقضايا.
أي أنكم توصلتم إلى نتيجة مفادها أن الدولة هي التي بيدها التغيير؟
إنه منطلق الأشياء، فالدولة تبقى مسؤولة عما حدث لضحايا سنوات الرصاص، وهي التي يبقى بيدها تحسين أوضاعهم الاجتماعية، فلمن سنتوجه بمطالبنا، هل إلى حكومة موريتانيا؟.
لكن رهانات الدولة كانت تختلف عن رهاناتكم؟
الرهان في السياسة هو النية المبيتة، وهي عنصر لا علاقة له نهائيا بمنطلق تدبير الأشياء، فماوتسي تونغ يقول "السياسة رهينة بالنتائج لا بالنيات". أما رجالات الدين فيقولون "من خدعنا في الله انخدعنا له".
مازلتم تتحدثون في المجرد؟
هذا ليس مجردا، إنه واقع الأشياء.
هل انطلقت اللقاءات الأولى التي جمعتكم بالهمة مع فكرة تأسيس هيئة الإنصاف و للمصالحة؟
نعم كانت نقطة البداية مع التفكير في إنشاء هيئة للمصالحة، وهي مساطر طبيعي للأحداث.
تلاه مشروع الهمة السياسي، جمع يساريي الأمس بأحد رجالات الدولة، أليس كذلك؟
كان هنا ك إرادتان التقتا، إرادة عائلات ضحايا سنوات الرصاص، وإرادة الدولة، الرامية لإعادة تجديد الشرعية، لأن ما عشناه، منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي، هو صراع بناء الشرعيات وتجديدها، فالدولة أرادت تجديد شرعيتها، فم يكن بإمكانها ذلك إلا إذا اعترفت بالأخطاء، التي ارتكبتها.
كنتم القاعدة الاجتماعية لتجديد الشرعية؟
لم نكن لوحدنا فإذا أمعنت جيدا في مشروع الملك محمد السادس، ستجد أنه يتجاوز بكثير حجمنا، ليس الفكري بل البشري، وبالتالي فإن تجديد الشرعية كان يتجاوز من حيث عدد المشمولين به، لذلك فإنه من الأفضل القول بالتقاء إرادتين، مثلما يلتقي ما ء الوادي بماء البحر فينتج كهرباء.
ماذا أعطانا هذا التفاعل بين إرادة الدولة في شخص الهمة وإرادتكم كيسار يفاوض حول سبل طي ملفات الماضي؟
أعطى ما أ،ت بصدد الحديث عنه الآن، فأن لا تتحدث عما جرى في البيرو أو الأرجنتين، بل عن المغرب.
ألا تنظرون إلى أن ميلاد الأصالة والمعاصرة جاء متسلسلا مع هذه الأحداث؟
هذا التطور والتفاعل بين إرادتين، لم يفرز فقط الأصالة والمعاصرة، بل هناك م نقصد النهج الديمقراطي، ومنهم اختار اليسار الموحد، والبعض فضل البقاء في منزله، أما إدريس بنزكري فقد مات، تعددت قراءة الأطراف للأحداث، منهم من اقتنع بالانضمام إلى الأصالة والمعاصرة، ومنهم من استمر في النضال داخل منتدى الحقيقة والإنصاف، يعتبر ألا شيء تحقق، وأن صفحة الماضي ما تزال مفتوحة، كل بنى موافقة وفقا لقناعاته الذاتية.
تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة لم يكن في الحسبان، بقدر ما جاء كتتويج لتطور طبيعي، في تقديري الشخصي، في حين يرى آخرون عكس ذلك، تماما، ويقولون إن الحزب جاء نتاجا لولادة قيصرية.
يقولون عنك إنك المهندس الفعلي لمشروع الأصالة والمعاصرة. وإنك تفضل التواري عن الأنظار؟
قرأت شيئا من هذا القبيل في بعض الصحف، لكنني أؤكد بالمقابل، أن مهندسا واحدا لا يمكنه بناء عمارة سكينة، فالأصالة والمعاصرة هي عمارة بنتها سواعد مختلفة كنت منها، وإذا زعم أحد أنني لوحدي بانيها فإنها ستنهار، والحال هو العكس، يمكن أن يكون ذلك حلما، لكن الواقع يؤكد أن مشروع الأصالة والمعاصرة ساهمت فيه طاقات نهلت من تجارب مختلفة، تمرست لسنوات في العمل الحزبي والحقوقي، وهي تنتمي أيضا لمشارب اجتماعية مختلفة.
كنت من المساهمين في مشروع الأصالة والمعاصرة لأنني آمنت بفلسفة إلى أن يثبت العكس، واعتبره وسيلة سياسية لتحقيق بعض المطالب الطبيعية لشعب يتألم.
لكنك كنت معارضا لفكرة تأسيس حزب سياسي؟
كنت فعلا أعارض تأسيس حزب سياسي، واختلفت بسبب ذلك مع عدد من الإخوة في جميعة "لكل الديمقراطيين". وقلت حينها إن قراءتي للشروط الموضوعية الذاتية والموضوعية تفيد أنه لم يحن الوقت بعد من أجل تأسيس حزب سياسي، فضلا عن عدم استكمال النقاش مع مجموعات أخرى تريد الانخراط في التجربة، لكنها بقيت مترددة.
كنت رافضا لفكرة تأسيس حزب، لكنني انضبطت تنظيما لإدارة الأغلبية، بل حتى في صفوف اليسار الاشتراكي الموحد كنت معارضا للاندماج، إلا أنني امتثلت في نهاية المطاف لإرادة الأغلبية، في أن ينضم تيار الديمقراطيين المستقلين" لليسار الموحد، بل كنت عضوا للجنة الوطنية للحزب.
لماذا فضلتم الابتعاد عن المواقع القيادية في حزب الأصالة والمعاصرة؟
لست عضوا لا في المكتب الوطني ولا في المجلس الوطني، أنا منتسب لحزب الأصالة والمعاصرة، وبالضبط، لإطاره الفكري والفلسفي، إذ لم يكن سهلا على أن أتقلد مها من تنظيمية، بحكم انشغالي ومسؤولياتي المتعددة، فالارتباط التنظيمي بالحزب يعني التزاما، وهو ما فطنت إلى أنه لم يكن بمقدوري.
فكان لا يمكن أن أكون متفرغا لباقي التزاماتي وأنا عضو في المكتب الوطني، فهؤلاء تراهم اليوم يتحركون بين العديد من المناطق استعدادا لمحطة تجديد ثلث المجلس المستشارين، وهو ما لم يكن بمستطاعي في الوقت الحالي.
نود أن نعود إلى تصدر "البام" لنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، الذي يثير علامات الاستفهام، خصوصا في العلاقة مع الهمة، يقولون إن الأمر يتعلق بصديق الملك، ومن هذه الصداقة الاعتبارية يستمد قوته؟
ألم يكن الإخوة في الحركة الاتحادية، في نهاية عقد الخمسينات، ملازمين للملك، هل وجب أن نقول إن مشروعهم آنذاك كان مشروع الملك، وإنهم استمدوا قوتهم من الملك، وهل من الجائز القول إن الحاج أحمد بلافريج، بحكم صداقته للملك الراحل، كان الاستقلال استمد قوته من الملك.المهدي بنبركة كان أستاذ الملك، باعتراف من هذا الأخير وبذلك فعلاقته به تجاوزت دائرة الصداقة، هل من الجائز القول أن اختياره ومواقفه وما حدث له آنذاك من وحي الملك، وهل الصداقة مع الملك تعد جريمة، كلها أسئلة وجب طرحها لاستبيان عدم صحة هذه الأطروحات، وإن كانت تدخل في صميم اللعبة السياسية، فالأصالة والمعاصرة تنعت العدالة والتنمية بأنه حزب ظلامي يستمد خطابه من الإيديولوجية الوهابية، كما أن الاتحاد الاشتراكي، كان ينعت من لدن خصومه، في منتصف السبعينات من القرن الماضي، بأن له ارتباط خارجية مع أطراف معينة كالجزائر مثلا... كل هذه النعوت تبقى عادية، فالأصالة والتنمية يمكنه أن يصف ما سيأتي بعده من أحزاب قوية مستقبلا بأنها من صنع الدولة مثلما يقولون عنه اليوم. إنها طبيعة بشرية فحين نعجز عن النقاش والتحاور في ما بيننا حول مشاريع مجتمعية، نحصر أنفسنا في دائرة الأشخاص، وهذه هي مشكلة النخب المغربية اليوم، فبدلا من الحديث عن تجربة حكومة التناوب، كتجربة سياسي لها ما لها وما عليها، تحدث البعض عن "خيانة عبد الرحمن اليوسفي"، وعن "مخزنة اليوسفي"، فغاب النقاش السياسي الهادئ حول هذه المحطة السياسية المهمة في تاريخنا. قد يكون للأشخاص دور في تطور الأمور والأشياء، فتحمل بصماتهم، لكننا لا ينبغي أن نحصر أنفسنا في هذه الدائرة الضيقة.
من حقب حزب الأصالة والمعاصرة أن يوظف فؤاد عالي الهمة لمصلحته. هذا أمر طبيعي، لو كان الهمة ينشط في أحزاب أخرى لوظيفته بدورها، لكن الهمة ليس بليدا، فله تجربته الطويلة ويدرك ما يفعل جيدا.
من يعتقد أن الكلمة الأولى والأخيرة في حزب الأصالة والمعاصرة ترجع إلى الهمة، فإنه يرتكب خطأ كبيرا ، فمشروع الأصالة والمعاصرة أكبر بكثير من فؤاد عالي الهمة وبيد الله إلياس العمري وبنشماس...مشروع الأصالة والمعاصرة أكبر من الأشخاص...
هل تحققت، من وجه نظركم مصالحة الدولة مع منطقة الريف؟
أتحفظ أولا على اعتبار المصالحة قرارا نهائيا، بل هي مسلسل مستمر في الزمن، مثلما يحدث داخل العائلات من صراع بين زوجة وامرأة حوة قضايا معنية، تتدخل العائلة لمصالحتها، لكن ذلك لا يحول دون خصامها من جديد.
لكن الوشم سيستمر؟
الوشم علامة الجمال والجودة عند المرأة الأمازيغية، بمعنى أن نضال أبناء الريف كان أجمل من أي مصالحة كائنة أو ستكون.
هناك مقولة رائعة لمحمد عبد الكريم الخطابي "فكر بهدوء واضرب بقوة "وللأسف، ما يحدث في المغرب، يجعلنا نقر أن الناس يفكرون بقوة ويضربون بهدوء.
كيف تنظرون إلى حزب يتصدر نتائج الانتخابية المحلية الأخيرة، ويسيرة بخطى سريعة للهيمنة على الساحلة الحزبية، ولم تبمر على تأسيسه سوى سنة واحدة، هل ترى في ذلك وضعا طبيعيا خارج إطار استعمال الدولة كما يردد خصومكم؟
لم يكن إلياس لوحده ضمن هذه النواة السياسية، التي جالست الهمة.
مشروعنا كيساريين، أسس لامتدادات مختلفة، ومجالات عمل موازية، سواء في العمل الحقوقي أو السياسي أو النقابي أو الثقافي، بل وأثمر مشروعا مجتمعيا يتقاطع، أبينا أم كرهنا، مع الدولة.
والهمة كان جزءا من الدولة، التي كانت مسؤولة عن أحداث الماضي الأليم، وكان في الوقت نفسه، من محاوري نخب مختلفة في ما يخص تفاعلات الأحداث، وكانت هذه النخب تضم حقوقيين منهم الراحل إدريس بنزكري، وسياسيين في الأحزاب وفعاليات نسوية وثقافية مختلفة.
كيف تقاطعتم مع الدولة، وهل كنتم تؤمنون بأن التغير لا يمكن أن يأتي إلا من المخزن؟
لم يكن الأمر كذلك، لم نؤمن بالمخزن ولم يؤمن بنا. السياسة خالية من الإيمان عكس الإيديولوجية، وهي بذلك تبقى فن لإدارة الصراع، هي نص مسرحي فيه فصول ومشاهد تتغير بتغير الظروف، كما أن الموقف السياسي يبقى وليدا الأسباب نزوله في الزمن والمكان.
نريد منك أن تلبس تصورك النظري للسياسة للوقائع التي دفعت بكم إلى الانخراط في مشروع الدولة؟
إن التصور النظري الذي شرحته لم يكن له عمليا بناء أفقي، أي أننا لم نتوقع ما سيأتي من أحداث، كما لم تبرمج من خلاله أي أجندة، أي أن تقوم بكذا... أو نلتقي هذا الشخص أو ذاك، وبالتالي فإن مبادرتنا تفاعلت مع من تفاعل معها، ومن بين الذين تفاعلوا مع المباردة جزء من رجلات الدولة، وبالتالي فما كنا نعرضه، كمشروع، كان يتلطب منا أن نتفق حول مضامينه مع من بيدهم الحل، لما يطرحه من مشاكل وقضايا.
أي أنكم توصلتم إلى نتيجة مفادها أن الدولة هي التي بيدها التغيير؟
إنه منطلق الأشياء، فالدولة تبقى مسؤولة عما حدث لضحايا سنوات الرصاص، وهي التي يبقى بيدها تحسين أوضاعهم الاجتماعية، فلمن سنتوجه بمطالبنا، هل إلى حكومة موريتانيا؟.
لكن رهانات الدولة كانت تختلف عن رهاناتكم؟
الرهان في السياسة هو النية المبيتة، وهي عنصر لا علاقة له نهائيا بمنطلق تدبير الأشياء، فماوتسي تونغ يقول "السياسة رهينة بالنتائج لا بالنيات". أما رجالات الدين فيقولون "من خدعنا في الله انخدعنا له".
مازلتم تتحدثون في المجرد؟
هذا ليس مجردا، إنه واقع الأشياء.
هل انطلقت اللقاءات الأولى التي جمعتكم بالهمة مع فكرة تأسيس هيئة الإنصاف و للمصالحة؟
نعم كانت نقطة البداية مع التفكير في إنشاء هيئة للمصالحة، وهي مساطر طبيعي للأحداث.
تلاه مشروع الهمة السياسي، جمع يساريي الأمس بأحد رجالات الدولة، أليس كذلك؟
كان هنا ك إرادتان التقتا، إرادة عائلات ضحايا سنوات الرصاص، وإرادة الدولة، الرامية لإعادة تجديد الشرعية، لأن ما عشناه، منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي، هو صراع بناء الشرعيات وتجديدها، فالدولة أرادت تجديد شرعيتها، فم يكن بإمكانها ذلك إلا إذا اعترفت بالأخطاء، التي ارتكبتها.
كنتم القاعدة الاجتماعية لتجديد الشرعية؟
لم نكن لوحدنا فإذا أمعنت جيدا في مشروع الملك محمد السادس، ستجد أنه يتجاوز بكثير حجمنا، ليس الفكري بل البشري، وبالتالي فإن تجديد الشرعية كان يتجاوز من حيث عدد المشمولين به، لذلك فإنه من الأفضل القول بالتقاء إرادتين، مثلما يلتقي ما ء الوادي بماء البحر فينتج كهرباء.
ماذا أعطانا هذا التفاعل بين إرادة الدولة في شخص الهمة وإرادتكم كيسار يفاوض حول سبل طي ملفات الماضي؟
أعطى ما أ،ت بصدد الحديث عنه الآن، فأن لا تتحدث عما جرى في البيرو أو الأرجنتين، بل عن المغرب.
ألا تنظرون إلى أن ميلاد الأصالة والمعاصرة جاء متسلسلا مع هذه الأحداث؟
هذا التطور والتفاعل بين إرادتين، لم يفرز فقط الأصالة والمعاصرة، بل هناك م نقصد النهج الديمقراطي، ومنهم اختار اليسار الموحد، والبعض فضل البقاء في منزله، أما إدريس بنزكري فقد مات، تعددت قراءة الأطراف للأحداث، منهم من اقتنع بالانضمام إلى الأصالة والمعاصرة، ومنهم من استمر في النضال داخل منتدى الحقيقة والإنصاف، يعتبر ألا شيء تحقق، وأن صفحة الماضي ما تزال مفتوحة، كل بنى موافقة وفقا لقناعاته الذاتية.
تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة لم يكن في الحسبان، بقدر ما جاء كتتويج لتطور طبيعي، في تقديري الشخصي، في حين يرى آخرون عكس ذلك، تماما، ويقولون إن الحزب جاء نتاجا لولادة قيصرية.
يقولون عنك إنك المهندس الفعلي لمشروع الأصالة والمعاصرة. وإنك تفضل التواري عن الأنظار؟
قرأت شيئا من هذا القبيل في بعض الصحف، لكنني أؤكد بالمقابل، أن مهندسا واحدا لا يمكنه بناء عمارة سكينة، فالأصالة والمعاصرة هي عمارة بنتها سواعد مختلفة كنت منها، وإذا زعم أحد أنني لوحدي بانيها فإنها ستنهار، والحال هو العكس، يمكن أن يكون ذلك حلما، لكن الواقع يؤكد أن مشروع الأصالة والمعاصرة ساهمت فيه طاقات نهلت من تجارب مختلفة، تمرست لسنوات في العمل الحزبي والحقوقي، وهي تنتمي أيضا لمشارب اجتماعية مختلفة.
كنت من المساهمين في مشروع الأصالة والمعاصرة لأنني آمنت بفلسفة إلى أن يثبت العكس، واعتبره وسيلة سياسية لتحقيق بعض المطالب الطبيعية لشعب يتألم.
لكنك كنت معارضا لفكرة تأسيس حزب سياسي؟
كنت فعلا أعارض تأسيس حزب سياسي، واختلفت بسبب ذلك مع عدد من الإخوة في جميعة "لكل الديمقراطيين". وقلت حينها إن قراءتي للشروط الموضوعية الذاتية والموضوعية تفيد أنه لم يحن الوقت بعد من أجل تأسيس حزب سياسي، فضلا عن عدم استكمال النقاش مع مجموعات أخرى تريد الانخراط في التجربة، لكنها بقيت مترددة.
كنت رافضا لفكرة تأسيس حزب، لكنني انضبطت تنظيما لإدارة الأغلبية، بل حتى في صفوف اليسار الاشتراكي الموحد كنت معارضا للاندماج، إلا أنني امتثلت في نهاية المطاف لإرادة الأغلبية، في أن ينضم تيار الديمقراطيين المستقلين" لليسار الموحد، بل كنت عضوا للجنة الوطنية للحزب.
لماذا فضلتم الابتعاد عن المواقع القيادية في حزب الأصالة والمعاصرة؟
لست عضوا لا في المكتب الوطني ولا في المجلس الوطني، أنا منتسب لحزب الأصالة والمعاصرة، وبالضبط، لإطاره الفكري والفلسفي، إذ لم يكن سهلا على أن أتقلد مها من تنظيمية، بحكم انشغالي ومسؤولياتي المتعددة، فالارتباط التنظيمي بالحزب يعني التزاما، وهو ما فطنت إلى أنه لم يكن بمقدوري.
فكان لا يمكن أن أكون متفرغا لباقي التزاماتي وأنا عضو في المكتب الوطني، فهؤلاء تراهم اليوم يتحركون بين العديد من المناطق استعدادا لمحطة تجديد ثلث المجلس المستشارين، وهو ما لم يكن بمستطاعي في الوقت الحالي.
نود أن نعود إلى تصدر "البام" لنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، الذي يثير علامات الاستفهام، خصوصا في العلاقة مع الهمة، يقولون إن الأمر يتعلق بصديق الملك، ومن هذه الصداقة الاعتبارية يستمد قوته؟
ألم يكن الإخوة في الحركة الاتحادية، في نهاية عقد الخمسينات، ملازمين للملك، هل وجب أن نقول إن مشروعهم آنذاك كان مشروع الملك، وإنهم استمدوا قوتهم من الملك، وهل من الجائز القول إن الحاج أحمد بلافريج، بحكم صداقته للملك الراحل، كان الاستقلال استمد قوته من الملك.المهدي بنبركة كان أستاذ الملك، باعتراف من هذا الأخير وبذلك فعلاقته به تجاوزت دائرة الصداقة، هل من الجائز القول أن اختياره ومواقفه وما حدث له آنذاك من وحي الملك، وهل الصداقة مع الملك تعد جريمة، كلها أسئلة وجب طرحها لاستبيان عدم صحة هذه الأطروحات، وإن كانت تدخل في صميم اللعبة السياسية، فالأصالة والمعاصرة تنعت العدالة والتنمية بأنه حزب ظلامي يستمد خطابه من الإيديولوجية الوهابية، كما أن الاتحاد الاشتراكي، كان ينعت من لدن خصومه، في منتصف السبعينات من القرن الماضي، بأن له ارتباط خارجية مع أطراف معينة كالجزائر مثلا... كل هذه النعوت تبقى عادية، فالأصالة والتنمية يمكنه أن يصف ما سيأتي بعده من أحزاب قوية مستقبلا بأنها من صنع الدولة مثلما يقولون عنه اليوم. إنها طبيعة بشرية فحين نعجز عن النقاش والتحاور في ما بيننا حول مشاريع مجتمعية، نحصر أنفسنا في دائرة الأشخاص، وهذه هي مشكلة النخب المغربية اليوم، فبدلا من الحديث عن تجربة حكومة التناوب، كتجربة سياسي لها ما لها وما عليها، تحدث البعض عن "خيانة عبد الرحمن اليوسفي"، وعن "مخزنة اليوسفي"، فغاب النقاش السياسي الهادئ حول هذه المحطة السياسية المهمة في تاريخنا. قد يكون للأشخاص دور في تطور الأمور والأشياء، فتحمل بصماتهم، لكننا لا ينبغي أن نحصر أنفسنا في هذه الدائرة الضيقة.
من حقب حزب الأصالة والمعاصرة أن يوظف فؤاد عالي الهمة لمصلحته. هذا أمر طبيعي، لو كان الهمة ينشط في أحزاب أخرى لوظيفته بدورها، لكن الهمة ليس بليدا، فله تجربته الطويلة ويدرك ما يفعل جيدا.
من يعتقد أن الكلمة الأولى والأخيرة في حزب الأصالة والمعاصرة ترجع إلى الهمة، فإنه يرتكب خطأ كبيرا ، فمشروع الأصالة والمعاصرة أكبر بكثير من فؤاد عالي الهمة وبيد الله إلياس العمري وبنشماس...مشروع الأصالة والمعاصرة أكبر من الأشخاص...
هل تحققت، من وجه نظركم مصالحة الدولة مع منطقة الريف؟
أتحفظ أولا على اعتبار المصالحة قرارا نهائيا، بل هي مسلسل مستمر في الزمن، مثلما يحدث داخل العائلات من صراع بين زوجة وامرأة حوة قضايا معنية، تتدخل العائلة لمصالحتها، لكن ذلك لا يحول دون خصامها من جديد.
لكن الوشم سيستمر؟
الوشم علامة الجمال والجودة عند المرأة الأمازيغية، بمعنى أن نضال أبناء الريف كان أجمل من أي مصالحة كائنة أو ستكون.
هناك مقولة رائعة لمحمد عبد الكريم الخطابي "فكر بهدوء واضرب بقوة "وللأسف، ما يحدث في المغرب، يجعلنا نقر أن الناس يفكرون بقوة ويضربون بهدوء.
كيف تنظرون إلى حزب يتصدر نتائج الانتخابية المحلية الأخيرة، ويسيرة بخطى سريعة للهيمنة على الساحلة الحزبية، ولم تبمر على تأسيسه سوى سنة واحدة، هل ترى في ذلك وضعا طبيعيا خارج إطار استعمال الدولة كما يردد خصومكم؟
موقف الأحزاب الأخرى من الأصالة والمعاصرة يدخل في سياق بناء وتجديد الشرعية.
للمزيد من التوضيح أؤكد أن أطر حزب الأصالة والمعاصرة لم تأت من فٍراغ، فهي إما قضت سنوات طوال في السجن، أو في العمل الجمعوي والحزبي، لا بد من التفكير في هذا الصدد بلحظة تأسيس حزب العدالة والتنمية سنة 1996، ومشاركته في انتخابات 1997، إذ لم يرسب فيها أي من مرشحيه، ما حدا بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" إلى القول إن حزب العدالة والتنمية ولد من رحم الدولة وفي فمه ملعقة من ذهب، كما تضمنه هجوم الاتحاديين على المولود السياسية الجديد، آنذاك، والحال أن هذا الأخير لم يقدم مرشحيه للانتخابات في مناطق عديدة، لأنه كان يدرك جيدا أنه لن يفوز بمقاعدها، هذا ما ينطبق على حزب الأصالة والمعاصرة اليوم.
لكن البعض يرجع فوز حزبكم في الانتخابات إلى شخص الوزير المنتدب الأسبق في الداخلية فؤاد عالي الهمة؟
كل الحركات قامت على أشخاص، لينين بالنسبة للثورة البلشفية، وعبد الناصر بالنسبة للحركة القومية، عرفات بالنسبة لحركة فتح، ماوتسي توتنغ هو الذي منح وجودا للثورة الصينية، وقس على ذلك،
هذا يعني أنك تقيس الهمة على هؤلاء الزعماء، هل يمكن أ، تفهم من كلامكم أنه دون الهمة لم يكن ليكتب للأصالة والمعاصرة وجود؟
هذا غير صحيح، مشكلتنا أننا أطلعنا على ثقافات الآخر، لكننا نصر على تذكر الأشخاص دونا عن الباقي، مثلما ينطبق ذلك على ذكرنا لستالين بعد وفاة لينين، دون أنتحدث عن مئات الآلاف من المناضلين، الذين ساهموا في الثورة، التصقت ثورة الريف في أذهاننا بعبد الكريم الخطابي فقط دونا عن عشرات الآلاف، من المناضلين ، هذه ثقافتنا المتجذرة فينا، للأسف، لم نستطع التخلص منها، أريد أن أؤكد في هذا الصدد، أنه لو لم يكن الهمة لكان بوشعيب أو حدوا إلياس...
كيف تعاملت الدولة معكم من خلال مبادراتكم لإصدار جرائد تعبر عن توجهات حركتكم؟
أذكر، هنا أنه عندما قامت الدولة بمنع جريدة "المواطن" من النشر، بقرار من الوزير الأول، استند فيه على الفصل 77 من قانون الصحافة، لم يقع تبليغنا بالقرار، الذي كان صدر في الجريدة الرسمية.
لم نعلم بالقرار إلا عن طريق عبد الحميد أمين، الذي كان اطلع على الجريدة الرسمية، وهو الطي هاتفنا في الموضوع. آنذاك أصبحنا على يقين تام من أن الدولة كانت تستهدفنا فعلا، إذ كانت تنوي الزج بنا في السجن بمجرد صدور العدد الثاني من الجريدة، دون أن نبلغ بقرار المنع من الصدور، فلم نجد حينها بدا من الذهاب إلى مطبعة الرسالة، التابعة لحزب الاستقلال، التي كانت تصدر يوميتي العمل ولوبنيون، من أجل توقيف طبع العدد الثاني من الجريدة، والحيلولة دون نزوله السوق، تفاديا لحدوث الأسوأ.
قررنا في مواجهة هذا المنع، أن نلعب مع الدولة قليلا، بطلب تراخيص إصدار عناوين متعددة، فالزايدي تكفل بجريدة "المواطن"، وزعزع منح رخصة لإصدار جريدة "المواطن وحرية"، لتستمر لعبة القط والفأر بيننا وبين الدولة، فكانت تمنع عنوانا، فنبادر بإصدار آخر، وفي ظرف سنة منعت السلطة أربعة عناوين.
ما خلفية تحركاتك الخارجية المكثفة في أمريكا اللاتينية؟
كانت تحركاتي الخارجية وبالضبط في أمريكا الجنوبية، تندرج ضمن إطار منظمة الشعوب المستعمرة سابقا من طرف إسبانيا، والمغرب كان، كما هو معلوم، من الدول التي استعمر شمالها وجنوبها من لدن الجارة الأيبيرية وتطالب هذه المنظمة إسبانيا والبرتقال والاعتراف بمسؤولياتها في سحق حضارات شعب الأنكا في أمريكا الجنوبية وحضارات باقي الشعوب الإفريقية.
وكان تأسيس المركز المغربي للصداقة مع الشعوب مندرجا ضمن هذا السياق، وضم في صفوفه مغاربة وإسبان وفنزوليين ووجوها بارزة أخرى من دول أمريكا الجنوبية.
لم تؤسس هذه المنظمة خدمة لقضية الصحراء، بل لقضايا الشعوب المضطهدة وحقا في المسلم والحرية والمساواة، أما قضية الصحراء فكانت نقطة في العمل الذي قمنا به داخل هذه المنظمة، خاصة في ما يخص سحب بعض دول أمريكا اللاتينية اعترافها بالبوليساريو، وبالفعل سحبت دولة البراغواي هذا الاعتراف بعد ذلك.
حزب البلاغات بين التجمع والأصالة والمعاصرة اشتدت بين الحزبين، خاصة بعد قضية الجوهري البرلماني السابق في صفوف الأحرار، كيف تفسر ذلك؟
لم يسبق لحزب الأصالة والمعاصرة أن أصدر أي بلاغ ضد أي حزب باستثناء العدالة والتنمية، أما بخصوص البلاغ السياسي الأخير المحسوب على مقر حزب التجمع الوطني للأحرار، فلا أهمية له، لأنه لا يحمل سوى اسم "المقر المركزي" دونا عن المجلس التنفيذي بما يفيد أنه صادر عن موظفي المقر بمعنى أن البلاغ غير صادر عن التجمع الوطني والأحرار، خاصة أنه يتحدث عن استهداف أجهزة الدولة للتجمع الوطني والأحرار، والحال أن للأخير سبعة وزراء في الحكومة وأغلبية في الغرفتين، الأولى والثانية، فهل يوجد جهاز دولة أكبر من هذا الحزب. سيكون الأمر مستساغا إذا ما صدر هذا البلاغ عن اليسار الاشتراكي أو النهج الديمقراطي، وأما وأن يصدر عن التجمع الوطني للأحرار، فإن ذلك سيكون غير منطقي، علاقة الأحرار بالأصالة والمعاصرة تبقى جيدة، أما عن الأيادي الخارجية، فإنها من وحي الفاشلين الذين لا يتحملون مسؤولياتهم، فعبد الله ساعف مثلا، وبعد ما ترك وزارة التعليم انتقد ميثاق التربية والتكوين، بعدما كان من المدافعين عند داخل قبة البرلمان لما كان وزيرا، الأمر نفسه ينطبق على الحبيب المالكي، الذي يعتبر، اليوم، أن هنالك أيادي خارجية ساهمت في فشل حكومة التناوب.
المشهد
للمزيد من التوضيح أؤكد أن أطر حزب الأصالة والمعاصرة لم تأت من فٍراغ، فهي إما قضت سنوات طوال في السجن، أو في العمل الجمعوي والحزبي، لا بد من التفكير في هذا الصدد بلحظة تأسيس حزب العدالة والتنمية سنة 1996، ومشاركته في انتخابات 1997، إذ لم يرسب فيها أي من مرشحيه، ما حدا بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" إلى القول إن حزب العدالة والتنمية ولد من رحم الدولة وفي فمه ملعقة من ذهب، كما تضمنه هجوم الاتحاديين على المولود السياسية الجديد، آنذاك، والحال أن هذا الأخير لم يقدم مرشحيه للانتخابات في مناطق عديدة، لأنه كان يدرك جيدا أنه لن يفوز بمقاعدها، هذا ما ينطبق على حزب الأصالة والمعاصرة اليوم.
لكن البعض يرجع فوز حزبكم في الانتخابات إلى شخص الوزير المنتدب الأسبق في الداخلية فؤاد عالي الهمة؟
كل الحركات قامت على أشخاص، لينين بالنسبة للثورة البلشفية، وعبد الناصر بالنسبة للحركة القومية، عرفات بالنسبة لحركة فتح، ماوتسي توتنغ هو الذي منح وجودا للثورة الصينية، وقس على ذلك،
هذا يعني أنك تقيس الهمة على هؤلاء الزعماء، هل يمكن أ، تفهم من كلامكم أنه دون الهمة لم يكن ليكتب للأصالة والمعاصرة وجود؟
هذا غير صحيح، مشكلتنا أننا أطلعنا على ثقافات الآخر، لكننا نصر على تذكر الأشخاص دونا عن الباقي، مثلما ينطبق ذلك على ذكرنا لستالين بعد وفاة لينين، دون أنتحدث عن مئات الآلاف من المناضلين، الذين ساهموا في الثورة، التصقت ثورة الريف في أذهاننا بعبد الكريم الخطابي فقط دونا عن عشرات الآلاف، من المناضلين ، هذه ثقافتنا المتجذرة فينا، للأسف، لم نستطع التخلص منها، أريد أن أؤكد في هذا الصدد، أنه لو لم يكن الهمة لكان بوشعيب أو حدوا إلياس...
كيف تعاملت الدولة معكم من خلال مبادراتكم لإصدار جرائد تعبر عن توجهات حركتكم؟
أذكر، هنا أنه عندما قامت الدولة بمنع جريدة "المواطن" من النشر، بقرار من الوزير الأول، استند فيه على الفصل 77 من قانون الصحافة، لم يقع تبليغنا بالقرار، الذي كان صدر في الجريدة الرسمية.
لم نعلم بالقرار إلا عن طريق عبد الحميد أمين، الذي كان اطلع على الجريدة الرسمية، وهو الطي هاتفنا في الموضوع. آنذاك أصبحنا على يقين تام من أن الدولة كانت تستهدفنا فعلا، إذ كانت تنوي الزج بنا في السجن بمجرد صدور العدد الثاني من الجريدة، دون أن نبلغ بقرار المنع من الصدور، فلم نجد حينها بدا من الذهاب إلى مطبعة الرسالة، التابعة لحزب الاستقلال، التي كانت تصدر يوميتي العمل ولوبنيون، من أجل توقيف طبع العدد الثاني من الجريدة، والحيلولة دون نزوله السوق، تفاديا لحدوث الأسوأ.
قررنا في مواجهة هذا المنع، أن نلعب مع الدولة قليلا، بطلب تراخيص إصدار عناوين متعددة، فالزايدي تكفل بجريدة "المواطن"، وزعزع منح رخصة لإصدار جريدة "المواطن وحرية"، لتستمر لعبة القط والفأر بيننا وبين الدولة، فكانت تمنع عنوانا، فنبادر بإصدار آخر، وفي ظرف سنة منعت السلطة أربعة عناوين.
ما خلفية تحركاتك الخارجية المكثفة في أمريكا اللاتينية؟
كانت تحركاتي الخارجية وبالضبط في أمريكا الجنوبية، تندرج ضمن إطار منظمة الشعوب المستعمرة سابقا من طرف إسبانيا، والمغرب كان، كما هو معلوم، من الدول التي استعمر شمالها وجنوبها من لدن الجارة الأيبيرية وتطالب هذه المنظمة إسبانيا والبرتقال والاعتراف بمسؤولياتها في سحق حضارات شعب الأنكا في أمريكا الجنوبية وحضارات باقي الشعوب الإفريقية.
وكان تأسيس المركز المغربي للصداقة مع الشعوب مندرجا ضمن هذا السياق، وضم في صفوفه مغاربة وإسبان وفنزوليين ووجوها بارزة أخرى من دول أمريكا الجنوبية.
لم تؤسس هذه المنظمة خدمة لقضية الصحراء، بل لقضايا الشعوب المضطهدة وحقا في المسلم والحرية والمساواة، أما قضية الصحراء فكانت نقطة في العمل الذي قمنا به داخل هذه المنظمة، خاصة في ما يخص سحب بعض دول أمريكا اللاتينية اعترافها بالبوليساريو، وبالفعل سحبت دولة البراغواي هذا الاعتراف بعد ذلك.
حزب البلاغات بين التجمع والأصالة والمعاصرة اشتدت بين الحزبين، خاصة بعد قضية الجوهري البرلماني السابق في صفوف الأحرار، كيف تفسر ذلك؟
لم يسبق لحزب الأصالة والمعاصرة أن أصدر أي بلاغ ضد أي حزب باستثناء العدالة والتنمية، أما بخصوص البلاغ السياسي الأخير المحسوب على مقر حزب التجمع الوطني للأحرار، فلا أهمية له، لأنه لا يحمل سوى اسم "المقر المركزي" دونا عن المجلس التنفيذي بما يفيد أنه صادر عن موظفي المقر بمعنى أن البلاغ غير صادر عن التجمع الوطني والأحرار، خاصة أنه يتحدث عن استهداف أجهزة الدولة للتجمع الوطني والأحرار، والحال أن للأخير سبعة وزراء في الحكومة وأغلبية في الغرفتين، الأولى والثانية، فهل يوجد جهاز دولة أكبر من هذا الحزب. سيكون الأمر مستساغا إذا ما صدر هذا البلاغ عن اليسار الاشتراكي أو النهج الديمقراطي، وأما وأن يصدر عن التجمع الوطني للأحرار، فإن ذلك سيكون غير منطقي، علاقة الأحرار بالأصالة والمعاصرة تبقى جيدة، أما عن الأيادي الخارجية، فإنها من وحي الفاشلين الذين لا يتحملون مسؤولياتهم، فعبد الله ساعف مثلا، وبعد ما ترك وزارة التعليم انتقد ميثاق التربية والتكوين، بعدما كان من المدافعين عند داخل قبة البرلمان لما كان وزيرا، الأمر نفسه ينطبق على الحبيب المالكي، الذي يعتبر، اليوم، أن هنالك أيادي خارجية ساهمت في فشل حكومة التناوب.
المشهد