عادل شكري من بولاندا
نقطة ساخنة، وهذه المرة من بولاندا، على هذا المنوال يبدأ مقدم حلقة البرنامج اسعد طه من قناة الجزيرة، و هكذا أحييكم هذه المرة من دولة ليست كالدول، من مدينة بوتنان شمال غرب بولاندا، المقياس يشير الي درجة تحت الصفر، معطفي لا يكاد يقاوم نسيم الهواالهواء البارد جداً، الرحلة ممتعة للغاية، و كعادتي اروح ابحث عن اشياء ربما تكون قاسما مشتركا، قد تكون مادة إعلامية استطيع ان أتواصل من خلالها معكم.
قبل عشرين عاما حصلت بولندا على الاستقلال التام من الحكم السوفياتي، و قبل اربع سنوات دخلت هذه الدولة حقبة تاريخية جديدة بانضمامها الى الاتحاد الاوروبي، حوالي ثمانمية و ثلاثون مليون مواطن يتقاسمون مساحة الدولة الصغيرة، دولة بدات من الصفر بعد استقلالها، و ها هي الان تركب مرحلة الازدهار الاقتصادي و الاجتماعي، اما الثقافي و السياسي، فلقد كانوادائما نموذجا يحتذى به رغم قلة الإمكانيات و الاثار السلبية لحكم المعسكر الشرقي.
قبل قدومي هنا كانت لدي فكرة مختلفة تماما عن البلاد، فكثرة الجالية البولندية بإسبانيا جعلتني اعتقد، ان هذا البلاد تعد نسخة طبق الاصل لبلد اسمه المغرب، و ان هجرة البولنديين، تعد هروبا من نظام حكم جائر او من موت بطي، كقوارب الموت عندنا التي تسافر عبر جحيم بارد في أعالي الأطلسي، ظننت ان الجحيم البارد يوجد ببولندا كذلك، الا انني وجدت البرد و لم اجد الجحيم، لم اجد مواطنون يلعنون حاكمهم و يقبلون يده، لم اجد مواطنون بؤساء ،رغم بؤس الحياة، لم اجد مواطنون تحت سقف بلد واحد يحتقرون بعضهم البعض، رغم محدودية الإمكانيات لم استطع ان اجد فرقا واسعا بين غني و فقير، بين مقيم و غريب، لم اجد سائق تاكسي يستغل غربتي لاستخلاصه مني اكثر مما يجب علي دفعه، لم اجد الا حسن ضيافة، حتى ان كل الاشخاص الذين كنت معهم تركوني لحظة واحدة يوم الأحد، لآداء صلاتهم في اقرب كنيسة، الحد الادنى للأجور الذي لا يتعدى سقف الفي درهم مغربية، لم يجعل من هؤلاء السيزيفيين، ان تغيب عنهم ابتسامتهم العريضة، او مظهرهم الانيق، او اهتمامهم الزائد عن حده بالنظافة، في المطاعم و المقاهي، تتشهى ما تاكله، لا لسبب اهم من جودة ما تأكله و نظافة كل شي حولك، والله استحييت ان يكون هذا البلد اجمل بكثير من المغرب، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بالرغم من ان موهلات المغرب اكبر بكثير، فأين هو الخلل إذن،
حينما تري كيف يتفاني هؤلاء في عملهم، بالرغم من أجورهم الزهيدة، تحار و لا تعود تفهم شيئا، ألسنا نحن من المفروض عليهم أن يقدموا مثالا في التفاني، حينما تنعدم الرشوة في بلد غير مسلم، تكاد لا تفهم شيئا، حينما يتقاتل الكبار قبل الصغار للحصول على مقعد في المدارس و الجامعات، لا تكاد تفهم شيئا، حينما يحب البولنديين بلدهم حتى الجنون، لا تكاد تفهم شيئا، حينما ترى الكرم و حسن الضيافة، الصدق و الأمانة، الإخلاص في العمل و التقان في الحرف، النظافة و الأناقة، في بلد غير
مسلم، تكاد لا تفهم شيئا، تتساءل اين نحن من كل هذا
شبابنا و شاباتنا تذبل بين أيديهم ورود، أبى رب بستانها أن يرويها بمياه تبث فيها الحياة، وترسم على ملامح أصحاب الطموحات الحقيقية ابتسامة مشرقة، و يطلق الوطن ذراعيه ليحضن همومهم، و يتبنى نتاجهم الولاد...
وطن هو في حاجة إلى شباب ينتج حبا وعشقا لترابه، ويصفق لنشيده، ويقف أمام علمه الخفاق المرفرف بروح وطنية تجري في العروق أيما جريان، وطن نريده قادراً على أن يوقف الدموع المؤلمة للأمهات، الأزواج، والأيتام، على فراق ذويهم، وترحالهم إلى بطون الحيتان، في سواحل لا ترحم، وموت على إيقاع أمواج الجحيم البارد.
حينما نفرط في شاب واحد، وندفع به إلى بقاع البحار، في رحلة بدون عودة، وحينما يختار شاب مغربي واحد أن يضع حياته في يد سمسار في سوق البشر ويشتري حدا لحياته بنفسه، لا شك حينئذ أن في الضفة الأخرى أوطانا واسعة أحضانها لمواطنيها وللراحلين إليها.
نقطة ساخنة، وهذه المرة من بولاندا، على هذا المنوال يبدأ مقدم حلقة البرنامج اسعد طه من قناة الجزيرة، و هكذا أحييكم هذه المرة من دولة ليست كالدول، من مدينة بوتنان شمال غرب بولاندا، المقياس يشير الي درجة تحت الصفر، معطفي لا يكاد يقاوم نسيم الهواالهواء البارد جداً، الرحلة ممتعة للغاية، و كعادتي اروح ابحث عن اشياء ربما تكون قاسما مشتركا، قد تكون مادة إعلامية استطيع ان أتواصل من خلالها معكم.
قبل عشرين عاما حصلت بولندا على الاستقلال التام من الحكم السوفياتي، و قبل اربع سنوات دخلت هذه الدولة حقبة تاريخية جديدة بانضمامها الى الاتحاد الاوروبي، حوالي ثمانمية و ثلاثون مليون مواطن يتقاسمون مساحة الدولة الصغيرة، دولة بدات من الصفر بعد استقلالها، و ها هي الان تركب مرحلة الازدهار الاقتصادي و الاجتماعي، اما الثقافي و السياسي، فلقد كانوادائما نموذجا يحتذى به رغم قلة الإمكانيات و الاثار السلبية لحكم المعسكر الشرقي.
قبل قدومي هنا كانت لدي فكرة مختلفة تماما عن البلاد، فكثرة الجالية البولندية بإسبانيا جعلتني اعتقد، ان هذا البلاد تعد نسخة طبق الاصل لبلد اسمه المغرب، و ان هجرة البولنديين، تعد هروبا من نظام حكم جائر او من موت بطي، كقوارب الموت عندنا التي تسافر عبر جحيم بارد في أعالي الأطلسي، ظننت ان الجحيم البارد يوجد ببولندا كذلك، الا انني وجدت البرد و لم اجد الجحيم، لم اجد مواطنون يلعنون حاكمهم و يقبلون يده، لم اجد مواطنون بؤساء ،رغم بؤس الحياة، لم اجد مواطنون تحت سقف بلد واحد يحتقرون بعضهم البعض، رغم محدودية الإمكانيات لم استطع ان اجد فرقا واسعا بين غني و فقير، بين مقيم و غريب، لم اجد سائق تاكسي يستغل غربتي لاستخلاصه مني اكثر مما يجب علي دفعه، لم اجد الا حسن ضيافة، حتى ان كل الاشخاص الذين كنت معهم تركوني لحظة واحدة يوم الأحد، لآداء صلاتهم في اقرب كنيسة، الحد الادنى للأجور الذي لا يتعدى سقف الفي درهم مغربية، لم يجعل من هؤلاء السيزيفيين، ان تغيب عنهم ابتسامتهم العريضة، او مظهرهم الانيق، او اهتمامهم الزائد عن حده بالنظافة، في المطاعم و المقاهي، تتشهى ما تاكله، لا لسبب اهم من جودة ما تأكله و نظافة كل شي حولك، والله استحييت ان يكون هذا البلد اجمل بكثير من المغرب، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بالرغم من ان موهلات المغرب اكبر بكثير، فأين هو الخلل إذن،
حينما تري كيف يتفاني هؤلاء في عملهم، بالرغم من أجورهم الزهيدة، تحار و لا تعود تفهم شيئا، ألسنا نحن من المفروض عليهم أن يقدموا مثالا في التفاني، حينما تنعدم الرشوة في بلد غير مسلم، تكاد لا تفهم شيئا، حينما يتقاتل الكبار قبل الصغار للحصول على مقعد في المدارس و الجامعات، لا تكاد تفهم شيئا، حينما يحب البولنديين بلدهم حتى الجنون، لا تكاد تفهم شيئا، حينما ترى الكرم و حسن الضيافة، الصدق و الأمانة، الإخلاص في العمل و التقان في الحرف، النظافة و الأناقة، في بلد غير
مسلم، تكاد لا تفهم شيئا، تتساءل اين نحن من كل هذا
شبابنا و شاباتنا تذبل بين أيديهم ورود، أبى رب بستانها أن يرويها بمياه تبث فيها الحياة، وترسم على ملامح أصحاب الطموحات الحقيقية ابتسامة مشرقة، و يطلق الوطن ذراعيه ليحضن همومهم، و يتبنى نتاجهم الولاد...
وطن هو في حاجة إلى شباب ينتج حبا وعشقا لترابه، ويصفق لنشيده، ويقف أمام علمه الخفاق المرفرف بروح وطنية تجري في العروق أيما جريان، وطن نريده قادراً على أن يوقف الدموع المؤلمة للأمهات، الأزواج، والأيتام، على فراق ذويهم، وترحالهم إلى بطون الحيتان، في سواحل لا ترحم، وموت على إيقاع أمواج الجحيم البارد.
حينما نفرط في شاب واحد، وندفع به إلى بقاع البحار، في رحلة بدون عودة، وحينما يختار شاب مغربي واحد أن يضع حياته في يد سمسار في سوق البشر ويشتري حدا لحياته بنفسه، لا شك حينئذ أن في الضفة الأخرى أوطانا واسعة أحضانها لمواطنيها وللراحلين إليها.