سعيد بنيس *
أصبحت قضية الأمازيغ في المغرب حاضرة على المشهد السياسي مع المطالبة بالاعتراف بحقوقهم واللجوء إلى استراتيجيات مختلفة للتعبير. في حين أن النظام الملكي قد اتخذ مبادرات تدريجية لدعم حقوقهم كأقلية، وبات المغرب يعتبر رائداً بين دول المنطقة بالنسبة للمسألة الأمازيغية. ومازالت السلطات العامة تعتبر أن الاعتراف المطلق بالاختلافات الثقافية والعرقية يشكل قلقا أمنيا مما يساعد على استمرار بعض ممارسات التمييز والاضطهاد المتعمد. هذه المواقف المتناقضة تساهم في تنامي الشعور بالاغتراب الثقافي واللغوي، وتزيد من مشاعر الإقصاء بين الأمازيغ، وبالتالي تعقيد الاندماج الوطني.
ولقد تبنى بعض الأمازيغ مواقف متطرفة مؤخراً وذلك من خلال السعي الى تدويل قضيتهم، وقيام البعض بنسج تحالفات مع أطراف خارجية، بما في ذلك مع الأكراد وبعض المنظمات الإسرائيلية، وبالتالي جذب اتهامات قاسية بحقهم من قبل الفاعليم السياسيين والمجتمع المدني.
وهناك نهج لمواجهة التحديات التي تطرحها مسألة الأمازيغية يكمن في إدخال السياسية في اتخاذ تدابير تتفق مع تلك التي في إطار التعددية الثقافية واللغوية في المغرب. وتتناسب مع القيم الديمقراطية. المبادرة الملكية مشجعة وتظهر إرادة سياسية قوية في مواجهة عدائية الادارة والرؤية التي عفا عليها الزمن للوحدة وطنية التي ما زالت سائدة بين النخب المغربية ذات النفوذ.
يمكن تحديد المسألة الأمازيغية بالمغرب في المطالب اللغوية والثقافية وتتمثل إجمالا هذه المطالب في قوننة الأمازيغية واعتمادها لغة رسمية للبلاد وإجبارية تدريسها. هناك مطالب أخرى من قبيل إعادة كتابة تاريخ المغرب، استعمال اللغة الأمازيغية في الحياة العامة، الترخيص للأسماء الأمازيغية، تنمية الجهات الأمازيغية الفقيرة اقتصاديا واقتسام الثروات الطبيعية. مما أدى بالفاعلين الأمازيغيين إلى اعتماد استراتيجيات عدة مثل: ـ العالمية بالارتكاز على مقولة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب الأصلية. ـ الجالية المهاجرة. ـ الجهوية ـ الشبكات والمواقع الإلكترونية ـ القبلية ـ كيانات أسطورية ـ كيانات جغرافية (شمال إفريقيا) عوض كيانات عرقية ولغوية ( المغرب العربي)، ـ إسقاطات هوياتية وتحالفات دولية لبعض الفاعلين لاسيما الحزب الديمقراطي الأمازيغي المنحل (إسرائيل، الأكراد، دارفور). في مقابل هذه الإستراتيجيات، يظهر جليا أن موقف الفاعلين السياسيين في المغرب تجاه المسألة الأمازيغية يتسم بالتناقض وعدم الانسجام، ويتأرجح بين عدم الاكتراث والتحجيم المناسباتي، إلى المبادرة الرائدة والتأييد المعقلن، إلى الرفض و التضييق المعلن والقبول المشروط.
موقف الأحزاب السياسية :
إن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية تكاد تكون غائبة في برامج وأجندات الأحزاب المغربية وتحضر بشكل رمزي وصوري في الاستحقاقات الانتخابية. وهذا الحضور أضحى جليا في استحقاقات 7 أيلول / سبتمبر 2007 عندما تم استرجاع المسألة الأمازيغية في البرامج السياسية والانتخابية على أساس أنها تشكل قضية وطنية تتشاركها جميع مكونات المجتمع المغربي وليست حكرا على طبقة أو مجموعة بعينها. ويمكن فهم هذا التحول على أنه رد فعل إيجابي للخطاب الملكي في أجدير الداعي إلى تأهيل التراث الثقافي الأمازيغي وإدماجه في المنظومة التعليمية ولما يمثله اعتماد الخصوصيات الثقافية من أهمية لدحض مقولات العولمة.
تجدر الإشارة إلى أن اللغة العربية تكتسي في مرجعيات هذه الأحزاب صبغة عالمية ووجودية وتبقى الخصوصيات اللغوية والثقافية خارج الفعل السياسي لهذه الأحزاب. كما أن السياسة اللغوية المعتمدة من طرف الحكومات المشكلة من عدة أحزاب جعلت من الأمازيغية لغة للاستئناس التربوي والثقافي. كما تجدر الإشارة إلى بزوغ جيل جديد من المطالب الأمازيغية لا يتطابق مع، بل ويفوق ماهو منصوص عليه في البرامج السياسية للأحزاب من قبيل العلمانية وحقوق الشعوب الأصلية وتقسيم الثروات والتكتل في تنسيقات جهوية، مما يفسر الدعوة إلى مقاطعة انتخابات 12 حزيران / يونيو 2009 الصادرة عن التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة المغربية ومجلس تنسيقية مولاي موحند للجمعيات الأمازيغية بالريف. لذا يظل موقف الأحزاب السياسية من المسألة الأمازيغية موقفا "مناسباتي" تتحكم فيه الاستحقاقات الانتخابية (مع بعض الاستثناءات كحزب النهج الديمقراطي وبعض الجرائد الحزبية مثل البيان والتجديد). وأمام هذا الفراغ المرجعي الحزبي، انشغلت المؤسسة الملكية منذ 1994 بتدبير المسألة الأمازيغية وأصبح لها دور ريادي بين دول المنطقة التي توجد بها مجموعة أمازيغية.
مبادرات المؤسسة الملكية:
تشكلت أول خطوة للمؤسسة الملكية سنة 1994 حين دعا الملك الراحل الحسن الثاني في 20 أب / أغسطس إلى إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية. وكان من النتائج المباشرة لهذه الخطوة تبني نشرة أخبار مسائية متلفزة باللهجات الأمازيغية : الريفية والتامزغت والتشلحيت.
ومع سنة 2001 أصبح الدور الريادي يأخذ شكلا معقلنا من التأييد المعلن للاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية لأمازيغ المغرب. وقد أعطيت انطلاقته مع خطاب أجدير حين أعلن الملك محمد السادس سنة 2001 عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتبعه في 2003 تجربة تدريس اللغة الأمازيغية في 120 مدرسة عبر التراب المغربي. وفي نفس السنة، تم اعتماد خط تفناغ بمباركة المؤسسة الملكية وتم الاعتراف به دوليا سنة 2004. وفي سنة 2008، أصدر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية "كتاب النحو المرجعي للغة الأمازيغية". وفي نفس السنة تمت المصادقة على مشروع تأسيس تلفزة أمازيغية أو ناطقة بالأمازيغية سيشرع في بثها مع حلول حزيران / يونيو 2009.
كل هذه المبادرات التي نهجتها المؤسسة الملكية دفعت إلى تفنيد الأطروحة القائلة بعدم الاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية للمجموعات، كما شجعت على إنشاء التنسيقيات الجهوية مثل تنسيقية الريف والأطلس المتوسط وسوس. وفي هذا السياق، تشكل مبادرات المؤسسة الملكية من المسألة الأمازيغية نموذجا يحتذى به في دول شمال إفريقيا والدول التي توجد بها مجموعات أمازيغية. وتجلى ذلك في إعلان الرئاسة الجزائرية عن إنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية والمجلس الأعلى للغة الأمازيغية. يمكن أن نخلص إلى أن موقف المؤسسة الملكية من الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ قد أسس لنموذج جديد وتأييد معقلن للتعامل مع تحدي التعدد الثقافي. موقف السلطات العمومية المغربية:
سلوكيات التضييق والمنع والمصادرة تنهجها السلطات العمومية في بعض الأقاليم. وموقفها تتحكم به القوانين والتصور الأمني للاختلاف الثقافي والإثني والذي يتجسد بإجراءات مثل : 1- المنع الذي يطال بعض الأسماء الأمازيغية. 2- تعريب الحياة العامة وتعليمات وزارية تطالب بتعريب المراسلات والوثائق الإدارية والرسمية. 3- تعليمات وزارة التعليم التي تستثني بعض الشخصيات الأمازيغية في تسميات المؤسسات التعليمية. 4- عدم إدراج أسماء الشخصيات والمعارك الأمازيغية في المقررات المدرسية. 5- تغيير بعض أسماء الأماكن. 6- تناقض تعليمات وزارة الوصاية وسلوكيات المسئولين على الأكاديميات التعليمية الجهوية. 7- إرجاء مسألة وضعية تدريس الأمازيغية في المخطط الاستعجالي المقترح من طرف وزارة الوصاية. 8- إقصاء اللغة الأمازيغية من قطاعات الإدارة والقضاء. 9- منع التصريح لبعض الجمعيات الأمازيغية. 10- التضييق على الأنشطة والناشطين الأمازيغيين لاسيما في الإطار الجامعي في الجهات ذات الحساسية الهوياتية مثل مكناس وطنجة و تطوان ومراكش....
يبدو تبعا لهذه المعطيات أن موقف السلطات العمومية يتسم بالتناقض، فمقابل منح المزيد من الحريات والهوامش الديمقراطية للمواطنين نجدها تعمد إلى التمييز عند رفضها اختيار بعض المواطنين لأسماء أطفالهم، بيد أن المعهد الملكي يقترح ويستعمل في مقرراته المدرسية أسماءا أمازيغية الهدف منها تحسيس الأمازيغ بموروثهم. كما أن المنع الذي يطال بعض الأسماء الأمازيغية يمكن أن يوصف بالاعتباطي لأنه يسمح بتسجيل بعض الأسماء الأمازيغية في بعض الجهات وتتم مصادرة نفس الأسماء في جهات أخرى. وهذا المنع يرتبط بأمزجة موظفي مكاتب الحالة المدنية. وفي هذا السياق، ندد المشاركون في آخر دورة للجنة التنسيق الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية المنعقدة في تطوان بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2008 ب "الأحكام العنصرية " الصادرة في حق مناضلي الحركة وتحامل السلطات "العروبية" على "خنق" مطالبهم الهوياتية ومصادرة حقوقهم اللغوية والثقافية ومنعهم من حقهم في التعبير والتظاهر السلمي. كما يسجل بعض الفاعلين الأمازيغيين التعارض الحاصل في التوجهات والتدابير اللغوية والثقافية المحمودة للمؤسسة الملكية وسلوكيات موظفي السلطات العمومية (منع الاحتفال بالسنة الأمازيغية، حجز الرموز والعلم الأمازيغي، منع الترخيص لبعض الجمعيات). كل هذه التناقضات تشكل دوافع مباشرة لتنامي الحزازات الثقافية واللغوية وتفاقم مشاعر الإقصاء وتعقيد الاندماج الوطني لأن هذا الأخير لا يتحقق إلا عبر بوابة الاندماج الثقافي واللغوي.
موقف الفاعلين الأمازيغيين:
من بين شعارات الفاعلين الأمازيغ في إطار الدفاع عن حقوقهم اللغوية والثقافية هناك الديمقراطية، حقوق الإنسان، العلمانية، حقوق الشعوب الأصلية والعصرنة. في هذا الإطار، تواجه جهود المعهد الملكي فيما يخص مبادراته لتأهيل اللغة والثقافة الأمازيغية مقاومة شرسة من داخل المحيط الأمازيغي وخارجه. ففي هذا الصدد دعت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة منذ 2006 إلى إنشاء "هيئة وطنية مستقلة مؤهلة لحماية وتأهيل اللغة والثقافية والحضارة الأمازيغية" تحل مكان المعهد الملكي. كما توجه أصابع الاتهام إلى المعهد الملكي على أساس أنه المسئول عن "الوضعية الكارثية" التي آلت إليها اللغة والثقافة الأمازيغية بعد ست سنوات من انطلاقته. فينتقد على عدم الشفافية الذي يعتري أنشطته، وعلى انعدام المبادرات السياسية، وعلى عدم انسجام تخصصاته مع تخصصات السلطات العمومية، وعلى تخليه عن المنحى النضالي.
فيما يخص الحركة الثقافية الأمازيغية التي تتبنى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تندرج المطالبة بالحقوق الثقافية واللغوية في سياق التعايش من خلال المساواة بين اللغات والثقافات، بين الرجال والنساء. لذا نص القانون الداخلي للحركة الثقافية الأمازيغية منذ 1991 على حق الاعتراف ب"الأمازيغ" كمجموعة لها لغتها وثقافتها وهويتها الخاصة، هذا الاعتراف ليس شكليا ولكنه "اعتراف رسمي" بالحقوق الثقافية واللغوية والهوياتية.
وفي سنة 1995 تم تدويل المسألة الأمازيغية بتأسيس المؤتمر العالمي الأمازيغي المكون من جمعيات تنتمي إلى دول عدة منها : مالي- المغرب- النيجر – الجزائر – تونس ودول المهجر وتبعه إنشاء صحف طالبت بقوننة اللغة والثقافة الأمازيغية وأكدت على راهنية المسالة الأمازيغية في كل إصلاح. كما بدأ يث عدد من الإذاعات عبر شبكة الانترنيت. وفي سنة 2000 تم صدور البيان الأمازيغي الذي وقعه عدد كبير من الناشطين الأمازيغيين والذي أكد على : ـ وجوب اعتبار الأمازيغية لغة رسمية للبلاد من خلال الدستور. ـ اعتماد برنامج لتنمية المناطق الأمازيغية الفقيرة. ـ إعادة كتابة تاريخ المغرب و "تصحيحه" في المقررات الدراسية. ـ إنشاء تلفزة أمازيغية. ـ التصريح للأسماء الأمازيغية.
وفي حزيران / يونيو 2006، وجه الحزب الأمازيغي الديمقراطي المنحل مذكرة للعاهل المغربي يطالبه فيها بمراجعة الدستور المغربي وإعادة النظر في مدخل الدستور المغربي والاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ . وفيما يتعلق بمطلب إدراج الأسماء الأمازيغية في لائحة الأسماء المسموح بها في المغرب تتوحد المواقف على نعت موقف وزارة الوصاية والسلطات المعنية ب "عنصرية الدولة" وب "محاولة الاستلاب الثقافي" الذي يطال "الشعب الأمازيغي" من طرف "المخزن". كما تتعالى الأصوات في المنتديات الإلكترونية لحث الأمازيغ على العدول عن تسمية أبنائهم أسماءا عربية ومقاطعة اسم "محمد". يضاف إلى ذلك المطالبة باستعادة الأراضي "التي عمرت بالمساجد" وتقاسم الثروات الطبيعية.
وكاستنتاج عام على موقف الفاعلين الأمازيغيين يمكن القول أن تدبير المسألة الأمازيغية يلبس لباس الضحية والأقلية ويشرعن من خلال مرجعيات تعتمد على الوقائع الاجتماعية والثقافية والتاريخية للمغرب. من الضروري ويشار إلى أن غالبية الفاعلين الأمازيغيين لا يثقون بالإصلاحات وبالمبادرات التي تنهجها السلطات العمومية لتقليص الفوارق اللغوية والثقافية، فيشجبون وينددون بالقمع والمضايقات واعتقال مناضليهم وبعدم فاعلية المعهد الملكي بل وجموده فيما يخص بعض القضايا مثل تلك المتعلقة بالمضامين التاريخية للمقررات الدراسية. كما تجدر الإشارة إلى أن مطالب الفاعلين الأمازيغيين تنحو نحو التجانس فيما يتعلق ببعض الثوابت منها:
ضرورة التكتل في تنسيقات جهوية.
الانتقال من صيرورة ثقافية إلى مسار سياسي علامته البارزة الحكم الذاتي.
التحول من الحقوق اللغوية والثقافية إلى حقوق الشعوب.
رفض جميع أشكال الوصاية واستغلال المسألة الأمازيغية كأداة في بعض المناسبات من طرف الدولة أو الفاعلين السياسيين.
وهذا ما يفسر الإسقاطات التاريخية والتحالفات الجديدة منذ سنة 2007 والتي تجسدت باتفاقية صداقة مع الشعب الكردي واتفاقية صداقة مع بعض الجمعيات الإسرائيلية. يجب التأكيد هنا على أن التحالف مع إسرائيل أو ربط علاقات معها لايعني جميع المكونات الأمازيغية فهو يخص أقلية يمثلها الحزب الديموقراطي الأمازيغي والجمعيات التابعة له. كما أن المقاربة الأمنية للسلطات العمومية تدفع الفاعلين الأمازيغيين إلى خوض حرب ضروس فيما بينهم لاحتلال مرتبة متميزة كمجموعة تضم عددا كبيرا من الضحايا وتتمتع بمساندة خارجية. وتنزلق المسألة الأمازيغية بالتالي من إطارها الوطني التعاقدي إلى إطار تدويلي تتدخل فيه أطراف خارجية تحت شعارات عدة منها حقوق الإنسان، العلمانية، حقوق الشعوب الأصلية، الحكم الذاتي، التمثلات الأسطورية أو هويات تحجيمية تفصل بين ما هو "مشترك مغربي" وبين ما هو خصوصي أمازيغي.
يمثل هذا الجيل الجديد من التوجهات تحديا كبيرا للفاعلين السياسيين لاسيما الأحزاب المغربية حيث طالب مؤخرا عدد كبير من الجمعيات الأمازيغية بمقاطعة استحقاقات 2009 لأنها بعيدة عن تطلعات "الشعب الأمازيغي" لينتهي الأمر بمطالبة المؤتمر العالمي الأمازيغي للبرلمان الأوربي بإلغاء اتفاقية الوضع المتقدم التي منحها الإتحاد الأوربي للمغرب في 13 تشرين / أكتوبر 2008.
ومع هذه التطورات يمكن أن نتساءل : هل ستفضي هذه الحركية إلى زعزعة مقولة الانسجام الوطني والهوياتي في المغرب؟ أي أن المطالب اللغوية والثقافية أصبحت ذريعة مباشرة للمطالبة بأشكال متعددة من فك الارتباط مع مؤسسة وهوية "الوطن" ولتعويضها بكيانات متعددة الأبعاد: جهوية داخلية (الريف تافيلالت) أو جهوية خارجية (شمال إفريقيا) أو كيان تصوري (تامزغا) تمتد حدوده عبر الدول والأوطان. كما تتميز هذه الكيانات التعويضية بكونها لا تقحم المكون العربي بل ترفضه في غالبيتها لأنه يشكل في نظرها عنصرا مهيمنا ومكتسحا يتعارض مع خصوصياتها وفرادتها الثقافية واللغوية. تفاعلات المجتمع المدني:
لرصد تحولات وتفاعلات المجتمع المدني المغربي مع المسألة الأمازيغية سأحاول أن أسوق بعض الأمثلة من الصحافة وبعض جمعيات حقوق الإنسان والموقف من الصداقة مع إسرائيل وبعض الآراء والتوجهات التي تؤسس للرأي العام المغربي.
كملاحظة عامة فإن الصحافة المغربية بجميع أطيافها الحزبية والمستقلة ترفض الدفاع عن الأمازيغية عبر الهجوم والإقصاء الممنهج للمكون العربي، كما يجب التذكير أن حماة التعريب لا يوفرون جهدا في نعت المطالبين بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بالمتطرفين والعنصريين.
لقد أفرز هذا الخطاب حقلا دلاليا من المصطلحات أصبحت العلامة البارزة في التعاطي للمسألة الأمازيغية. ومن بين هذه المصطلحات يمكن أن نسرد لا للحصر: العنصرية – التفرقة – الفتنة – التعصب. تبعا لهذا، أصبحت تفاعلات بعض مكونات المجتمع المدني تمثل موقفا رافضا ومبعدا لكل ما يمت إلى الأمازيغية، وكمثال على ذلك ما شجب الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة "التصرفات غير المسئولة والعنصرية" الصادرة عن بعض مسئولي تنسيقية مناهضة غلاء المعيشة بالبيضاء والتي وصلت إلى "حد طرد أعضاء الشبكة من الاعتصام يوم 23 آذار / مارس و"منعهم من حمل الرموز الأمازيغية وكذلك اللجوء إلى السب والقذف" في حق مناضليهم.
في المقابل اعتبرت الرسالة التي وجهها رئيس المؤتمر الأمازيغي والتي "يحرض" فيها البرلمان الأوربي على المغرب والتي أتت متزامنة مع حملة ضد إسرائيل بالبرلمان الأوربي استفزازا للرأي العام المغربي، فتعالت أصوات تحذر من طبيعة وأهداف الرسالة المذكورة ولفتت الأنظار إلى "استقواء البعض بالخارج لفرض توجهاته واختياراته على المغرب". ويدخل هذا التحذير في إطار متابعة صحفية شملت ثلاث محطات من تحرك بعض الجمعيات الأمازيغية، تشكل محطة التطبيع مع إسرائيل أولاها والعنصرية ضد العربية والعرب لصالح الفرنكوفونية ثانيها وإضعاف السيادة الوطنية عبر خلق تنسقيات والمطالبة بالحكم الذاتي ثالثها. إلا أنه يجب التنبيه على رفض التيار "الوطني" الأمازيغي، الذي يمثل الأغلبية، هذه التوجهات الفردية لبعض مكونات الأمازيغية مثل المؤتمر العالمي والحزب الديمقراطي الأمازيغي، كما أن المطالبة بإلغاء الوضع المتقدم للمغرب وتزامنها مع الحملة التي يخوضها نشطاء ضد إسرائيل لمراجعة منحها وضعا متقدما في علاقتها بالإتحاد الأوربي تجعل المغرب في نفس المرتبة مع إسرائيل.
مما دفع ببعض الجهات الصحفية إلى اعتبارها أداة "لتحطيم الثوابت والأركان التي تقوم عليها الدولة والمجتمع بهدف إضعاف الجميع تمهيدا لسيطرة فكر دخيل يحول المغرب والمغاربة إلى شعب بلا هوية". كما أشارت بعض الأعمدة الصحفية أن أخطر أزمة يعيشها المغرب حاليا ليست الأزمة الاقتصادية بل بروز بعض "دعاة الفتنة" التي تصنف ضمنها بعض الجمعيات الأمازيغية ولاسيما تلك التي انخرطت في جمعيات الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية. ودعت إلى سحب ترخيص هذه الجمعيات وذلك لأن إسرائيل دولة عدوان ودولة يقطع معها المغرب علاقاته الرسمية وأن الإقدام على ربط مثل هذه العلاقات هو "استفزاز لمشاعر المغاربة وحملة منظمة على ثوابت المغرب.
هذه التفاعلات الرافضة لمثل هذه الصداقات والارتباطات نلاحظها كذلك عند بعض الجمعيات الأمازيغية مثل جمعية سوس العالمة التي أدلى نائب رئيسها بأن تحريض البرلمان الأوربي على المغرب يتنافى وأخلاق "المواطنة المغربية" وأنه مجرد وسيلة غير مشروعة لإثبات الذات قام بها من وصفهم ب "الأقلية العاجزة" التي لاتمثل الأمازيغ والقضية الأمازيغية. كما صرح نفس المتحدث أن "نصرة القضية الأمازيغية لاتكون بممارسة الضغوطات من أوربا أو أمريكا، بل هو عمل في الميدان، والتواصل اليومي مع المواطن الأمازيغي بخدمة قضاياه الحقيقية".
وعلى عكس هذا التوجه تم بمدينة إنزكان تأسيس "منتدى أفراتي للتنمية والحوار بين الأديان والثقافات" بهدف التقارب بين اليهود والأمازيغ، إلا أن السلطات المحلية رفضت تسلم ملف التأسيس في سياق مباركة بعض المكونات الأمازيغية وتنديد التيارات الإسلامية وبعض الجمعيات الأمازيغية التطبيع مع إسرائيل، كما عللت الجهات الرسمية عدم الترخيص لهذا المنتدى بكون مدينة مثل إنزكان التي تعيش هشاشة اقتصادية هي في حاجة إلى جمعيات تنموية لا جمعيات "من شأنها خلق نزاعات عنصرية وتقسيم مكونات المغرب الموحدة" لاسيما أن مؤسسو منتدى أفراتي ركزوا على إشراك المكون الحساني الصحراوي إلى جانب اليهودي والأمازيغي بدعوى أن الحكومات المغربية همشت المكونات الثقافية الأمازيغية واليهودية والحسانية وعززت وشجعت المكون العربي. وتظل تصريحات مؤسس منتدى أفراتي متناقضة فيما يخص القضية الفلسطينية حيث اعتبر أن "لفلسطين أبناء سيدافعون عنها" وأن ما يهمه هو القضية الأمازيغية"، وهذا الموقف استهجن في الصحف ووصف "بالمتكلبن" نسبة للكلاب وبحسب كاتب مقال، فإن الذين يطالبون منا ألا نهتم بقضية فلسطين هم أنفسهم الذين يؤسسون جمعيات للصداقة مع الصهيونية إي أنهم يتصادقون مع المجرم، ويطلبون منا ألا نتعاطف مع الضحية. وتبعا للكاتب فإنهم يبشرون "لمذهب عنصري وإجرامي اسمه الصهيونية" كما لم يستسغ الكاتب أن مروجي هذه الصداقات" يتظاهرون بأنهم مغاربة مثل غيرهم". إذن هناك ثوابت تمثل الحجر الأساس لتشكل الهوية المغربية.
كما أوردت في نفس السياق جريدة التجديد أن هناك "مغاربة يتسللون إلى إسرائيل بمناسبة المشاركة في يوم دراسي حول موضوع "زلزال أكادير وآثاره على الأسر اليهودية جنوب المغرب" وذهب كاتب المقال إلى أن هذه الخطوة بمثابة كسر "لمقاطعة إسرائيل" وتضرب "عرض الحائط كل نداءات الضمائر الحية المنادية بمقاطعة إسرائيل". وجاء تفاعل الحزب الديمقراطي الأمازيغي المحظور تجاه هذه الحركية على لسان رئيسه الذي أكد على أن حزبه يشجع هذه العلاقات بدون تحفظ وأشار إلى أن "كل طرف يذهب حيث يريد في منطقة الشرق الأوسط، بعضهم إلى القدس وبعضهم إلى غزة ونحن نذهب إلى تل أبيب". في هذا الصدد، هل يمكن اعتبار حركية وسلوكية بعض الفاعلين الأمازيغيين "شذوذا" و "ضلالات" أم مجرد اختلاف جذري مع المكتسبات و الثوابت المغربية؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أخد بعين الاعتبار محورين أساسيين هما المحور الوطني والمحور القومي. فيما يتعلق بالمحور الأول، فالمحلي والوطني يرتبطان بتحالفات تقصي ما هو عربي أو يدور في فلك العروبة. أما الثاني، أي القومي، فلا يدخل في اهتمامات الفاعلين الأمازيغيين المؤيدين للتحالف مع إسرائيل. لأجل هذا تأتي مواقفهم معارضة لقضايا عربية مثل فلسطين والسودان والعراق ومقتصرة على ما هو محلي داخلي وبالخصوص كل ما يمت ويرتبط بنصرة القضية الأمازيغية. وهذا الاتجاه يعكسه قرب الشروع في إصدار جريدة أسبوعية "أفراتي المغربية" التي حسب بيانها ستختص في الدفاع عن "فكر الإنسانية والحرية والتعايش والصداقة ونصرة المظلومين"، وسيكون الموضوع الرئيسي للعدد الأول "تاريخ اليهود واليهودية بالمغرب بين الحقيقة والافتراء".
وفي هذا السياق رد أحد الفاعلين الأمازيغيين بأنه ليس "متطرفا" وأن اشتغاله بالمجال الثقافي يدخل في إستراتيجية الدولة التي دشنها الخطاب الملكي لأجدير سنة 2001 من أجل إعادة الاعتبار للهوية والثقافة الأمازيغيتين وفي إطار "عمليات ثقافية هادفة ونشر قيم التسامح والتبادل الثقافي والإقتصادي بين كل دول العالم ودول البحر الأبيض المتوسط على وجه الخصوص". كما اعتبر العربية لغة تقتصر"على جدران بعض المؤسسات التعليمية والإعلامية".
وفي مقابل هذا تنهج بعض الجمعيات الأمازيغية حركية مغايرة مثل الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي التي عبرت عن رفضها لكل أشكال التعريب واعتبرت ذلك "مسا بوحدة الوطن والشعب، واستفزازا للشعور الوطني". لهذا أضحت مواقف حزب الاستقلال الداعي إلى تعريب الحياة العامة تجد معارضة قوية من طرف الجمعيات الأمازيغية لا سيما أنه دأب على ذلك منذ السبعينات. لذا يمكن تصنيف موقف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالموقف الوسط حيث تبنت هذه الجمعية تعريب وتمزيغ الحياة العامة في مقابل التصدي للغات الأخرى وبالخصوص اللغة الفرنسية وتبعاتها الفرانكفونية. كما نوّه رئيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بدور العربية والأمازيغية في الحياة اليومية للمواطن المغربي وأنهما "تتقاسمان المكونات الأساسية للتواصل في المجتمع المغربي". فموقف الجمعية ليس ضد العربية بل "هو دفاع عن مكانة الأمازيغية في المغرب". وتقوم الجمعية بإصدار أعمالها بالعربية. ويخلص رئيس الجمعية إلى أن من لا يعترف باللغة الوطنية للبلاد، أي العربية، لا يمكنه أن يدعي الوطنية، وفي المقابل، من يرفض الأمازيغية، يصنف في نفس الخانة لأن الوطنية "لا تحتمل التجزيء". ويتجلى التناقض عند معسكر دعاة التعريب في المغرب في ازدواجية سلوكياتهم الاجتماعية حيث أنهم يعدون من الفئة التي تشجع على الفرنسية وتوجه أبناءها نحو الدراسة بالفرنسية. وتلاحظ هذه الازدواجية السلوكية كذلك عند النخبة الأمازيغية التي تدافع عن ولوج اللغة الأمازيغية للتعليم المغربي بيد أن أبناءها يتابعون دراستهم في المدارس والمعاهد الفرنسية والأمريكية. كأن الفئتين معا تنتهجان نوعا من التفويض الممنهج والوصاية اللغوية والثقافية على باقي مكونات المجتمع المغربي دون أن يعني ذلك محيطها العائلي والأسري الخاص.
أما فيما يخص تفاعلات جمعيات حقوق الإنسان مع المسألة الأمازيغية فأسوق هنا تقرير سنة 2005 للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي استندت فيه على آراء بعض جمعيات المجتمع المدني المغربي كجمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الحركة الثقافية الأمازيغية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وقد تزامن هذا التقرير مع انعقاد الدورة 59 للجنة القضاء على التمييز العنصري. ومن بين النتائج التي خلص إليها تقرير الجامعة الدولية لرابطة حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمسألة الأمازيغية ما يلي:
ـ أن المغرب سجل تقدما كبيرا في مناهضة التمييز العنصري ـ أن المغرب خطى خطوات مهمة في الاعتراف بالمكون الأمازيغي وذلك بخلق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والإشارات المتعددة في خطابات الملك محمد السادس إلى الأمازيغية. ـ استمرار تهميش الثقافة الأمازيغية في وسائل الإعلام والإدارة. ومن بين التوصيات التي وجهتها لجنة مناهضة التمييز العنصري إلى الحكومة المغربية: ـ العمل على ضمان عدم التمييز فيما يخص السكان الأمازيغية ـ الاعتراف بالمكون الأمازيغي واللغة الأمازيغية في الدستور المغربي واعتبار هده الأخيرة لغة من اللغات الرسمية للبلاد.
إدماج تدريس الأمازيغية في جميع مراحل التعليم.
كما أتى التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لعام 2007 حول انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب فيما يتعلق بالمسألة الأمازيغية منسجما مع التوصيات السالفة الذكر حيث طالبت الجمعية بإطلاق سراح الطلبة المنتمون إلى الحركة الثقافية الأمازيغية والإسراع بقوننة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
أما فيما يتعلق بتفاعلات الرأي العام المغربي مع المسالة الأمازيغية وبالخصوص مع اللغة الأمازيغية فتتموج هذه التفاعلات بين ثلاث مواقف. الموقف الأول يمثل فئة عريضة من المجتمع المغربي تعتبر الأمازيغية لهجة أو مجموعة لهجات لا ترقى إلى مستوى اللغة. وأن الاختلافات التي تطفو عل السطح بين مختلف المتحدثين بها لا تؤهلها لكي تلعب دور لغة التعليم بل هي لهجة محدودة الاستعمال ولا يمكن أن تساير التطور العلمي والعالمي لكونها لم تلج بعد بعض الميادين الإستراتيجية مثل التعليم التقني-القضاء- الصناعة – الاقتصاد ......
أما الرأي الثاني فيدعو إلى فسح المجال للأمازيغية لكي تضطلع بجميع الأدوار التي تمكنها من أن تصبح لغة وطنية قائمة بذاتها. ومن بين الإشكالات المطروحة تبني لغة أمازيغية معيارية يمكنها تمثيل الاختلافات الجهوية مما يساعد على قوننتها واعتمادها كلغة رسمية. إلا أن هذا الرأي يصطدم مع إشكالية تعدد اللغات الأمازيغية. كما يشكل التضارب الواقع بين طرق كتابة الأمازيغية فصلا آخر من الاختلاف داخل اللغة الأمازيغية حيث أن الحرف المعتمد في المغرب ليس هو نفس الحرف المعتمد في باقي الدول لاسيما الجزائر.
وهناك رأي ثالث يفسر الاختلاف بين الأمازيغية والعربية بأنه اختلاف داخل نفس العائلة اللغوية أي العائلة السامية مما يمهد لمقولة التمازج اللغوي والثقافي وأن التقاء العربية والأمازيغية في نفس المجال الجغرافي تمخضت عنه عناصر متداخلة، وهذه العناصر تجسدها طريقة المغاربة في التحدث بالعربية أو الأمازيغية حيث نجد أن العربية اقترضت كثيرا من المصطلحات والتراكيب النحوية والمخارج الصوتية والتصورات الدلالية من الأمازيغية في كثير من الميادين. كما أن الأمازيغية استمدت عدة مفردات ومفاهيم من العربية.
خاتمة:
كنتيجة لما سبق، يمكن أن نقترح أن على الفاعلين السياسيين (أحزاب سياسية، مؤسسة ملكية، سلطات عمومية، فاعلين أمازيغيين ومجتمع مدني) أن ينتهجوا في مقاربتهم للمسألة الأمازيغية تدابير سياسية وديمقراطية تأطر التعدد الثقافي واللغوي المغربي. لأن الموقف الموسوم بالهاجس الأمني أو الإقصاء الممنهج أو العداء الثقافي لكلا الرافدين الأساسيين للهوية المغربية، أي الأمازيغي والعربي، يؤدي إلى إضعاف التآلف الاجتماعي وتفتيت الروابط الإنسانية ويحول دون الاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية للمجموعات الإنسانية لتظل المعالجة الديمقراطية لهذه الحقوق هي الحل الأفضل أمام تحدي التعددية والتنوع. من المحمود إذن أن تقارب المسألة الأمازيغية في شقها المخصص للحقوق الثقافية واللغوية بمنظور إجمالي يستند إلى مقولة أساسها تقاسم وتمازج نفس الحقينة الأنتروبولوجية (إنسانية، لغوية وثقافية) وهو ما ذهبت إليه المبادرة الملكية لأن المقاربة الموضوعية تعدو أن تكون اندماجية (مغاربة) لا إقصائية (عرب / أمازيغ). أي أن تعتبر الخاصية الثقافية والتميز المغربي وليد مسارين ثقافيين ولغويين متوازيين ومتمازجين وهما التعريب والتمزيغ، كما أن على الفاعلين السياسيين اعتماد منطق التمازج واعتبار المغاربة عنصرين متجانسين وأن الاختلاف لغوي صرف أما تصور العالم القيمي وثقافة المجال والمحيط فهو مشترك مغربي.
* أستاذ في جامعة محمد الخامس ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية
(مبادرة الإصلاح العربي)
أصبحت قضية الأمازيغ في المغرب حاضرة على المشهد السياسي مع المطالبة بالاعتراف بحقوقهم واللجوء إلى استراتيجيات مختلفة للتعبير. في حين أن النظام الملكي قد اتخذ مبادرات تدريجية لدعم حقوقهم كأقلية، وبات المغرب يعتبر رائداً بين دول المنطقة بالنسبة للمسألة الأمازيغية. ومازالت السلطات العامة تعتبر أن الاعتراف المطلق بالاختلافات الثقافية والعرقية يشكل قلقا أمنيا مما يساعد على استمرار بعض ممارسات التمييز والاضطهاد المتعمد. هذه المواقف المتناقضة تساهم في تنامي الشعور بالاغتراب الثقافي واللغوي، وتزيد من مشاعر الإقصاء بين الأمازيغ، وبالتالي تعقيد الاندماج الوطني.
ولقد تبنى بعض الأمازيغ مواقف متطرفة مؤخراً وذلك من خلال السعي الى تدويل قضيتهم، وقيام البعض بنسج تحالفات مع أطراف خارجية، بما في ذلك مع الأكراد وبعض المنظمات الإسرائيلية، وبالتالي جذب اتهامات قاسية بحقهم من قبل الفاعليم السياسيين والمجتمع المدني.
وهناك نهج لمواجهة التحديات التي تطرحها مسألة الأمازيغية يكمن في إدخال السياسية في اتخاذ تدابير تتفق مع تلك التي في إطار التعددية الثقافية واللغوية في المغرب. وتتناسب مع القيم الديمقراطية. المبادرة الملكية مشجعة وتظهر إرادة سياسية قوية في مواجهة عدائية الادارة والرؤية التي عفا عليها الزمن للوحدة وطنية التي ما زالت سائدة بين النخب المغربية ذات النفوذ.
يمكن تحديد المسألة الأمازيغية بالمغرب في المطالب اللغوية والثقافية وتتمثل إجمالا هذه المطالب في قوننة الأمازيغية واعتمادها لغة رسمية للبلاد وإجبارية تدريسها. هناك مطالب أخرى من قبيل إعادة كتابة تاريخ المغرب، استعمال اللغة الأمازيغية في الحياة العامة، الترخيص للأسماء الأمازيغية، تنمية الجهات الأمازيغية الفقيرة اقتصاديا واقتسام الثروات الطبيعية. مما أدى بالفاعلين الأمازيغيين إلى اعتماد استراتيجيات عدة مثل: ـ العالمية بالارتكاز على مقولة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب الأصلية. ـ الجالية المهاجرة. ـ الجهوية ـ الشبكات والمواقع الإلكترونية ـ القبلية ـ كيانات أسطورية ـ كيانات جغرافية (شمال إفريقيا) عوض كيانات عرقية ولغوية ( المغرب العربي)، ـ إسقاطات هوياتية وتحالفات دولية لبعض الفاعلين لاسيما الحزب الديمقراطي الأمازيغي المنحل (إسرائيل، الأكراد، دارفور). في مقابل هذه الإستراتيجيات، يظهر جليا أن موقف الفاعلين السياسيين في المغرب تجاه المسألة الأمازيغية يتسم بالتناقض وعدم الانسجام، ويتأرجح بين عدم الاكتراث والتحجيم المناسباتي، إلى المبادرة الرائدة والتأييد المعقلن، إلى الرفض و التضييق المعلن والقبول المشروط.
موقف الأحزاب السياسية :
إن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية تكاد تكون غائبة في برامج وأجندات الأحزاب المغربية وتحضر بشكل رمزي وصوري في الاستحقاقات الانتخابية. وهذا الحضور أضحى جليا في استحقاقات 7 أيلول / سبتمبر 2007 عندما تم استرجاع المسألة الأمازيغية في البرامج السياسية والانتخابية على أساس أنها تشكل قضية وطنية تتشاركها جميع مكونات المجتمع المغربي وليست حكرا على طبقة أو مجموعة بعينها. ويمكن فهم هذا التحول على أنه رد فعل إيجابي للخطاب الملكي في أجدير الداعي إلى تأهيل التراث الثقافي الأمازيغي وإدماجه في المنظومة التعليمية ولما يمثله اعتماد الخصوصيات الثقافية من أهمية لدحض مقولات العولمة.
تجدر الإشارة إلى أن اللغة العربية تكتسي في مرجعيات هذه الأحزاب صبغة عالمية ووجودية وتبقى الخصوصيات اللغوية والثقافية خارج الفعل السياسي لهذه الأحزاب. كما أن السياسة اللغوية المعتمدة من طرف الحكومات المشكلة من عدة أحزاب جعلت من الأمازيغية لغة للاستئناس التربوي والثقافي. كما تجدر الإشارة إلى بزوغ جيل جديد من المطالب الأمازيغية لا يتطابق مع، بل ويفوق ماهو منصوص عليه في البرامج السياسية للأحزاب من قبيل العلمانية وحقوق الشعوب الأصلية وتقسيم الثروات والتكتل في تنسيقات جهوية، مما يفسر الدعوة إلى مقاطعة انتخابات 12 حزيران / يونيو 2009 الصادرة عن التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة المغربية ومجلس تنسيقية مولاي موحند للجمعيات الأمازيغية بالريف. لذا يظل موقف الأحزاب السياسية من المسألة الأمازيغية موقفا "مناسباتي" تتحكم فيه الاستحقاقات الانتخابية (مع بعض الاستثناءات كحزب النهج الديمقراطي وبعض الجرائد الحزبية مثل البيان والتجديد). وأمام هذا الفراغ المرجعي الحزبي، انشغلت المؤسسة الملكية منذ 1994 بتدبير المسألة الأمازيغية وأصبح لها دور ريادي بين دول المنطقة التي توجد بها مجموعة أمازيغية.
مبادرات المؤسسة الملكية:
تشكلت أول خطوة للمؤسسة الملكية سنة 1994 حين دعا الملك الراحل الحسن الثاني في 20 أب / أغسطس إلى إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية. وكان من النتائج المباشرة لهذه الخطوة تبني نشرة أخبار مسائية متلفزة باللهجات الأمازيغية : الريفية والتامزغت والتشلحيت.
ومع سنة 2001 أصبح الدور الريادي يأخذ شكلا معقلنا من التأييد المعلن للاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية لأمازيغ المغرب. وقد أعطيت انطلاقته مع خطاب أجدير حين أعلن الملك محمد السادس سنة 2001 عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتبعه في 2003 تجربة تدريس اللغة الأمازيغية في 120 مدرسة عبر التراب المغربي. وفي نفس السنة، تم اعتماد خط تفناغ بمباركة المؤسسة الملكية وتم الاعتراف به دوليا سنة 2004. وفي سنة 2008، أصدر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية "كتاب النحو المرجعي للغة الأمازيغية". وفي نفس السنة تمت المصادقة على مشروع تأسيس تلفزة أمازيغية أو ناطقة بالأمازيغية سيشرع في بثها مع حلول حزيران / يونيو 2009.
كل هذه المبادرات التي نهجتها المؤسسة الملكية دفعت إلى تفنيد الأطروحة القائلة بعدم الاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية للمجموعات، كما شجعت على إنشاء التنسيقيات الجهوية مثل تنسيقية الريف والأطلس المتوسط وسوس. وفي هذا السياق، تشكل مبادرات المؤسسة الملكية من المسألة الأمازيغية نموذجا يحتذى به في دول شمال إفريقيا والدول التي توجد بها مجموعات أمازيغية. وتجلى ذلك في إعلان الرئاسة الجزائرية عن إنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية والمجلس الأعلى للغة الأمازيغية. يمكن أن نخلص إلى أن موقف المؤسسة الملكية من الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ قد أسس لنموذج جديد وتأييد معقلن للتعامل مع تحدي التعدد الثقافي. موقف السلطات العمومية المغربية:
سلوكيات التضييق والمنع والمصادرة تنهجها السلطات العمومية في بعض الأقاليم. وموقفها تتحكم به القوانين والتصور الأمني للاختلاف الثقافي والإثني والذي يتجسد بإجراءات مثل : 1- المنع الذي يطال بعض الأسماء الأمازيغية. 2- تعريب الحياة العامة وتعليمات وزارية تطالب بتعريب المراسلات والوثائق الإدارية والرسمية. 3- تعليمات وزارة التعليم التي تستثني بعض الشخصيات الأمازيغية في تسميات المؤسسات التعليمية. 4- عدم إدراج أسماء الشخصيات والمعارك الأمازيغية في المقررات المدرسية. 5- تغيير بعض أسماء الأماكن. 6- تناقض تعليمات وزارة الوصاية وسلوكيات المسئولين على الأكاديميات التعليمية الجهوية. 7- إرجاء مسألة وضعية تدريس الأمازيغية في المخطط الاستعجالي المقترح من طرف وزارة الوصاية. 8- إقصاء اللغة الأمازيغية من قطاعات الإدارة والقضاء. 9- منع التصريح لبعض الجمعيات الأمازيغية. 10- التضييق على الأنشطة والناشطين الأمازيغيين لاسيما في الإطار الجامعي في الجهات ذات الحساسية الهوياتية مثل مكناس وطنجة و تطوان ومراكش....
يبدو تبعا لهذه المعطيات أن موقف السلطات العمومية يتسم بالتناقض، فمقابل منح المزيد من الحريات والهوامش الديمقراطية للمواطنين نجدها تعمد إلى التمييز عند رفضها اختيار بعض المواطنين لأسماء أطفالهم، بيد أن المعهد الملكي يقترح ويستعمل في مقرراته المدرسية أسماءا أمازيغية الهدف منها تحسيس الأمازيغ بموروثهم. كما أن المنع الذي يطال بعض الأسماء الأمازيغية يمكن أن يوصف بالاعتباطي لأنه يسمح بتسجيل بعض الأسماء الأمازيغية في بعض الجهات وتتم مصادرة نفس الأسماء في جهات أخرى. وهذا المنع يرتبط بأمزجة موظفي مكاتب الحالة المدنية. وفي هذا السياق، ندد المشاركون في آخر دورة للجنة التنسيق الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية المنعقدة في تطوان بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2008 ب "الأحكام العنصرية " الصادرة في حق مناضلي الحركة وتحامل السلطات "العروبية" على "خنق" مطالبهم الهوياتية ومصادرة حقوقهم اللغوية والثقافية ومنعهم من حقهم في التعبير والتظاهر السلمي. كما يسجل بعض الفاعلين الأمازيغيين التعارض الحاصل في التوجهات والتدابير اللغوية والثقافية المحمودة للمؤسسة الملكية وسلوكيات موظفي السلطات العمومية (منع الاحتفال بالسنة الأمازيغية، حجز الرموز والعلم الأمازيغي، منع الترخيص لبعض الجمعيات). كل هذه التناقضات تشكل دوافع مباشرة لتنامي الحزازات الثقافية واللغوية وتفاقم مشاعر الإقصاء وتعقيد الاندماج الوطني لأن هذا الأخير لا يتحقق إلا عبر بوابة الاندماج الثقافي واللغوي.
موقف الفاعلين الأمازيغيين:
من بين شعارات الفاعلين الأمازيغ في إطار الدفاع عن حقوقهم اللغوية والثقافية هناك الديمقراطية، حقوق الإنسان، العلمانية، حقوق الشعوب الأصلية والعصرنة. في هذا الإطار، تواجه جهود المعهد الملكي فيما يخص مبادراته لتأهيل اللغة والثقافة الأمازيغية مقاومة شرسة من داخل المحيط الأمازيغي وخارجه. ففي هذا الصدد دعت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة منذ 2006 إلى إنشاء "هيئة وطنية مستقلة مؤهلة لحماية وتأهيل اللغة والثقافية والحضارة الأمازيغية" تحل مكان المعهد الملكي. كما توجه أصابع الاتهام إلى المعهد الملكي على أساس أنه المسئول عن "الوضعية الكارثية" التي آلت إليها اللغة والثقافة الأمازيغية بعد ست سنوات من انطلاقته. فينتقد على عدم الشفافية الذي يعتري أنشطته، وعلى انعدام المبادرات السياسية، وعلى عدم انسجام تخصصاته مع تخصصات السلطات العمومية، وعلى تخليه عن المنحى النضالي.
فيما يخص الحركة الثقافية الأمازيغية التي تتبنى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تندرج المطالبة بالحقوق الثقافية واللغوية في سياق التعايش من خلال المساواة بين اللغات والثقافات، بين الرجال والنساء. لذا نص القانون الداخلي للحركة الثقافية الأمازيغية منذ 1991 على حق الاعتراف ب"الأمازيغ" كمجموعة لها لغتها وثقافتها وهويتها الخاصة، هذا الاعتراف ليس شكليا ولكنه "اعتراف رسمي" بالحقوق الثقافية واللغوية والهوياتية.
وفي سنة 1995 تم تدويل المسألة الأمازيغية بتأسيس المؤتمر العالمي الأمازيغي المكون من جمعيات تنتمي إلى دول عدة منها : مالي- المغرب- النيجر – الجزائر – تونس ودول المهجر وتبعه إنشاء صحف طالبت بقوننة اللغة والثقافة الأمازيغية وأكدت على راهنية المسالة الأمازيغية في كل إصلاح. كما بدأ يث عدد من الإذاعات عبر شبكة الانترنيت. وفي سنة 2000 تم صدور البيان الأمازيغي الذي وقعه عدد كبير من الناشطين الأمازيغيين والذي أكد على : ـ وجوب اعتبار الأمازيغية لغة رسمية للبلاد من خلال الدستور. ـ اعتماد برنامج لتنمية المناطق الأمازيغية الفقيرة. ـ إعادة كتابة تاريخ المغرب و "تصحيحه" في المقررات الدراسية. ـ إنشاء تلفزة أمازيغية. ـ التصريح للأسماء الأمازيغية.
وفي حزيران / يونيو 2006، وجه الحزب الأمازيغي الديمقراطي المنحل مذكرة للعاهل المغربي يطالبه فيها بمراجعة الدستور المغربي وإعادة النظر في مدخل الدستور المغربي والاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ . وفيما يتعلق بمطلب إدراج الأسماء الأمازيغية في لائحة الأسماء المسموح بها في المغرب تتوحد المواقف على نعت موقف وزارة الوصاية والسلطات المعنية ب "عنصرية الدولة" وب "محاولة الاستلاب الثقافي" الذي يطال "الشعب الأمازيغي" من طرف "المخزن". كما تتعالى الأصوات في المنتديات الإلكترونية لحث الأمازيغ على العدول عن تسمية أبنائهم أسماءا عربية ومقاطعة اسم "محمد". يضاف إلى ذلك المطالبة باستعادة الأراضي "التي عمرت بالمساجد" وتقاسم الثروات الطبيعية.
وكاستنتاج عام على موقف الفاعلين الأمازيغيين يمكن القول أن تدبير المسألة الأمازيغية يلبس لباس الضحية والأقلية ويشرعن من خلال مرجعيات تعتمد على الوقائع الاجتماعية والثقافية والتاريخية للمغرب. من الضروري ويشار إلى أن غالبية الفاعلين الأمازيغيين لا يثقون بالإصلاحات وبالمبادرات التي تنهجها السلطات العمومية لتقليص الفوارق اللغوية والثقافية، فيشجبون وينددون بالقمع والمضايقات واعتقال مناضليهم وبعدم فاعلية المعهد الملكي بل وجموده فيما يخص بعض القضايا مثل تلك المتعلقة بالمضامين التاريخية للمقررات الدراسية. كما تجدر الإشارة إلى أن مطالب الفاعلين الأمازيغيين تنحو نحو التجانس فيما يتعلق ببعض الثوابت منها:
ضرورة التكتل في تنسيقات جهوية.
الانتقال من صيرورة ثقافية إلى مسار سياسي علامته البارزة الحكم الذاتي.
التحول من الحقوق اللغوية والثقافية إلى حقوق الشعوب.
رفض جميع أشكال الوصاية واستغلال المسألة الأمازيغية كأداة في بعض المناسبات من طرف الدولة أو الفاعلين السياسيين.
وهذا ما يفسر الإسقاطات التاريخية والتحالفات الجديدة منذ سنة 2007 والتي تجسدت باتفاقية صداقة مع الشعب الكردي واتفاقية صداقة مع بعض الجمعيات الإسرائيلية. يجب التأكيد هنا على أن التحالف مع إسرائيل أو ربط علاقات معها لايعني جميع المكونات الأمازيغية فهو يخص أقلية يمثلها الحزب الديموقراطي الأمازيغي والجمعيات التابعة له. كما أن المقاربة الأمنية للسلطات العمومية تدفع الفاعلين الأمازيغيين إلى خوض حرب ضروس فيما بينهم لاحتلال مرتبة متميزة كمجموعة تضم عددا كبيرا من الضحايا وتتمتع بمساندة خارجية. وتنزلق المسألة الأمازيغية بالتالي من إطارها الوطني التعاقدي إلى إطار تدويلي تتدخل فيه أطراف خارجية تحت شعارات عدة منها حقوق الإنسان، العلمانية، حقوق الشعوب الأصلية، الحكم الذاتي، التمثلات الأسطورية أو هويات تحجيمية تفصل بين ما هو "مشترك مغربي" وبين ما هو خصوصي أمازيغي.
يمثل هذا الجيل الجديد من التوجهات تحديا كبيرا للفاعلين السياسيين لاسيما الأحزاب المغربية حيث طالب مؤخرا عدد كبير من الجمعيات الأمازيغية بمقاطعة استحقاقات 2009 لأنها بعيدة عن تطلعات "الشعب الأمازيغي" لينتهي الأمر بمطالبة المؤتمر العالمي الأمازيغي للبرلمان الأوربي بإلغاء اتفاقية الوضع المتقدم التي منحها الإتحاد الأوربي للمغرب في 13 تشرين / أكتوبر 2008.
ومع هذه التطورات يمكن أن نتساءل : هل ستفضي هذه الحركية إلى زعزعة مقولة الانسجام الوطني والهوياتي في المغرب؟ أي أن المطالب اللغوية والثقافية أصبحت ذريعة مباشرة للمطالبة بأشكال متعددة من فك الارتباط مع مؤسسة وهوية "الوطن" ولتعويضها بكيانات متعددة الأبعاد: جهوية داخلية (الريف تافيلالت) أو جهوية خارجية (شمال إفريقيا) أو كيان تصوري (تامزغا) تمتد حدوده عبر الدول والأوطان. كما تتميز هذه الكيانات التعويضية بكونها لا تقحم المكون العربي بل ترفضه في غالبيتها لأنه يشكل في نظرها عنصرا مهيمنا ومكتسحا يتعارض مع خصوصياتها وفرادتها الثقافية واللغوية. تفاعلات المجتمع المدني:
لرصد تحولات وتفاعلات المجتمع المدني المغربي مع المسألة الأمازيغية سأحاول أن أسوق بعض الأمثلة من الصحافة وبعض جمعيات حقوق الإنسان والموقف من الصداقة مع إسرائيل وبعض الآراء والتوجهات التي تؤسس للرأي العام المغربي.
كملاحظة عامة فإن الصحافة المغربية بجميع أطيافها الحزبية والمستقلة ترفض الدفاع عن الأمازيغية عبر الهجوم والإقصاء الممنهج للمكون العربي، كما يجب التذكير أن حماة التعريب لا يوفرون جهدا في نعت المطالبين بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بالمتطرفين والعنصريين.
لقد أفرز هذا الخطاب حقلا دلاليا من المصطلحات أصبحت العلامة البارزة في التعاطي للمسألة الأمازيغية. ومن بين هذه المصطلحات يمكن أن نسرد لا للحصر: العنصرية – التفرقة – الفتنة – التعصب. تبعا لهذا، أصبحت تفاعلات بعض مكونات المجتمع المدني تمثل موقفا رافضا ومبعدا لكل ما يمت إلى الأمازيغية، وكمثال على ذلك ما شجب الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة "التصرفات غير المسئولة والعنصرية" الصادرة عن بعض مسئولي تنسيقية مناهضة غلاء المعيشة بالبيضاء والتي وصلت إلى "حد طرد أعضاء الشبكة من الاعتصام يوم 23 آذار / مارس و"منعهم من حمل الرموز الأمازيغية وكذلك اللجوء إلى السب والقذف" في حق مناضليهم.
في المقابل اعتبرت الرسالة التي وجهها رئيس المؤتمر الأمازيغي والتي "يحرض" فيها البرلمان الأوربي على المغرب والتي أتت متزامنة مع حملة ضد إسرائيل بالبرلمان الأوربي استفزازا للرأي العام المغربي، فتعالت أصوات تحذر من طبيعة وأهداف الرسالة المذكورة ولفتت الأنظار إلى "استقواء البعض بالخارج لفرض توجهاته واختياراته على المغرب". ويدخل هذا التحذير في إطار متابعة صحفية شملت ثلاث محطات من تحرك بعض الجمعيات الأمازيغية، تشكل محطة التطبيع مع إسرائيل أولاها والعنصرية ضد العربية والعرب لصالح الفرنكوفونية ثانيها وإضعاف السيادة الوطنية عبر خلق تنسقيات والمطالبة بالحكم الذاتي ثالثها. إلا أنه يجب التنبيه على رفض التيار "الوطني" الأمازيغي، الذي يمثل الأغلبية، هذه التوجهات الفردية لبعض مكونات الأمازيغية مثل المؤتمر العالمي والحزب الديمقراطي الأمازيغي، كما أن المطالبة بإلغاء الوضع المتقدم للمغرب وتزامنها مع الحملة التي يخوضها نشطاء ضد إسرائيل لمراجعة منحها وضعا متقدما في علاقتها بالإتحاد الأوربي تجعل المغرب في نفس المرتبة مع إسرائيل.
مما دفع ببعض الجهات الصحفية إلى اعتبارها أداة "لتحطيم الثوابت والأركان التي تقوم عليها الدولة والمجتمع بهدف إضعاف الجميع تمهيدا لسيطرة فكر دخيل يحول المغرب والمغاربة إلى شعب بلا هوية". كما أشارت بعض الأعمدة الصحفية أن أخطر أزمة يعيشها المغرب حاليا ليست الأزمة الاقتصادية بل بروز بعض "دعاة الفتنة" التي تصنف ضمنها بعض الجمعيات الأمازيغية ولاسيما تلك التي انخرطت في جمعيات الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية. ودعت إلى سحب ترخيص هذه الجمعيات وذلك لأن إسرائيل دولة عدوان ودولة يقطع معها المغرب علاقاته الرسمية وأن الإقدام على ربط مثل هذه العلاقات هو "استفزاز لمشاعر المغاربة وحملة منظمة على ثوابت المغرب.
هذه التفاعلات الرافضة لمثل هذه الصداقات والارتباطات نلاحظها كذلك عند بعض الجمعيات الأمازيغية مثل جمعية سوس العالمة التي أدلى نائب رئيسها بأن تحريض البرلمان الأوربي على المغرب يتنافى وأخلاق "المواطنة المغربية" وأنه مجرد وسيلة غير مشروعة لإثبات الذات قام بها من وصفهم ب "الأقلية العاجزة" التي لاتمثل الأمازيغ والقضية الأمازيغية. كما صرح نفس المتحدث أن "نصرة القضية الأمازيغية لاتكون بممارسة الضغوطات من أوربا أو أمريكا، بل هو عمل في الميدان، والتواصل اليومي مع المواطن الأمازيغي بخدمة قضاياه الحقيقية".
وعلى عكس هذا التوجه تم بمدينة إنزكان تأسيس "منتدى أفراتي للتنمية والحوار بين الأديان والثقافات" بهدف التقارب بين اليهود والأمازيغ، إلا أن السلطات المحلية رفضت تسلم ملف التأسيس في سياق مباركة بعض المكونات الأمازيغية وتنديد التيارات الإسلامية وبعض الجمعيات الأمازيغية التطبيع مع إسرائيل، كما عللت الجهات الرسمية عدم الترخيص لهذا المنتدى بكون مدينة مثل إنزكان التي تعيش هشاشة اقتصادية هي في حاجة إلى جمعيات تنموية لا جمعيات "من شأنها خلق نزاعات عنصرية وتقسيم مكونات المغرب الموحدة" لاسيما أن مؤسسو منتدى أفراتي ركزوا على إشراك المكون الحساني الصحراوي إلى جانب اليهودي والأمازيغي بدعوى أن الحكومات المغربية همشت المكونات الثقافية الأمازيغية واليهودية والحسانية وعززت وشجعت المكون العربي. وتظل تصريحات مؤسس منتدى أفراتي متناقضة فيما يخص القضية الفلسطينية حيث اعتبر أن "لفلسطين أبناء سيدافعون عنها" وأن ما يهمه هو القضية الأمازيغية"، وهذا الموقف استهجن في الصحف ووصف "بالمتكلبن" نسبة للكلاب وبحسب كاتب مقال، فإن الذين يطالبون منا ألا نهتم بقضية فلسطين هم أنفسهم الذين يؤسسون جمعيات للصداقة مع الصهيونية إي أنهم يتصادقون مع المجرم، ويطلبون منا ألا نتعاطف مع الضحية. وتبعا للكاتب فإنهم يبشرون "لمذهب عنصري وإجرامي اسمه الصهيونية" كما لم يستسغ الكاتب أن مروجي هذه الصداقات" يتظاهرون بأنهم مغاربة مثل غيرهم". إذن هناك ثوابت تمثل الحجر الأساس لتشكل الهوية المغربية.
كما أوردت في نفس السياق جريدة التجديد أن هناك "مغاربة يتسللون إلى إسرائيل بمناسبة المشاركة في يوم دراسي حول موضوع "زلزال أكادير وآثاره على الأسر اليهودية جنوب المغرب" وذهب كاتب المقال إلى أن هذه الخطوة بمثابة كسر "لمقاطعة إسرائيل" وتضرب "عرض الحائط كل نداءات الضمائر الحية المنادية بمقاطعة إسرائيل". وجاء تفاعل الحزب الديمقراطي الأمازيغي المحظور تجاه هذه الحركية على لسان رئيسه الذي أكد على أن حزبه يشجع هذه العلاقات بدون تحفظ وأشار إلى أن "كل طرف يذهب حيث يريد في منطقة الشرق الأوسط، بعضهم إلى القدس وبعضهم إلى غزة ونحن نذهب إلى تل أبيب". في هذا الصدد، هل يمكن اعتبار حركية وسلوكية بعض الفاعلين الأمازيغيين "شذوذا" و "ضلالات" أم مجرد اختلاف جذري مع المكتسبات و الثوابت المغربية؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أخد بعين الاعتبار محورين أساسيين هما المحور الوطني والمحور القومي. فيما يتعلق بالمحور الأول، فالمحلي والوطني يرتبطان بتحالفات تقصي ما هو عربي أو يدور في فلك العروبة. أما الثاني، أي القومي، فلا يدخل في اهتمامات الفاعلين الأمازيغيين المؤيدين للتحالف مع إسرائيل. لأجل هذا تأتي مواقفهم معارضة لقضايا عربية مثل فلسطين والسودان والعراق ومقتصرة على ما هو محلي داخلي وبالخصوص كل ما يمت ويرتبط بنصرة القضية الأمازيغية. وهذا الاتجاه يعكسه قرب الشروع في إصدار جريدة أسبوعية "أفراتي المغربية" التي حسب بيانها ستختص في الدفاع عن "فكر الإنسانية والحرية والتعايش والصداقة ونصرة المظلومين"، وسيكون الموضوع الرئيسي للعدد الأول "تاريخ اليهود واليهودية بالمغرب بين الحقيقة والافتراء".
وفي هذا السياق رد أحد الفاعلين الأمازيغيين بأنه ليس "متطرفا" وأن اشتغاله بالمجال الثقافي يدخل في إستراتيجية الدولة التي دشنها الخطاب الملكي لأجدير سنة 2001 من أجل إعادة الاعتبار للهوية والثقافة الأمازيغيتين وفي إطار "عمليات ثقافية هادفة ونشر قيم التسامح والتبادل الثقافي والإقتصادي بين كل دول العالم ودول البحر الأبيض المتوسط على وجه الخصوص". كما اعتبر العربية لغة تقتصر"على جدران بعض المؤسسات التعليمية والإعلامية".
وفي مقابل هذا تنهج بعض الجمعيات الأمازيغية حركية مغايرة مثل الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي التي عبرت عن رفضها لكل أشكال التعريب واعتبرت ذلك "مسا بوحدة الوطن والشعب، واستفزازا للشعور الوطني". لهذا أضحت مواقف حزب الاستقلال الداعي إلى تعريب الحياة العامة تجد معارضة قوية من طرف الجمعيات الأمازيغية لا سيما أنه دأب على ذلك منذ السبعينات. لذا يمكن تصنيف موقف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالموقف الوسط حيث تبنت هذه الجمعية تعريب وتمزيغ الحياة العامة في مقابل التصدي للغات الأخرى وبالخصوص اللغة الفرنسية وتبعاتها الفرانكفونية. كما نوّه رئيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بدور العربية والأمازيغية في الحياة اليومية للمواطن المغربي وأنهما "تتقاسمان المكونات الأساسية للتواصل في المجتمع المغربي". فموقف الجمعية ليس ضد العربية بل "هو دفاع عن مكانة الأمازيغية في المغرب". وتقوم الجمعية بإصدار أعمالها بالعربية. ويخلص رئيس الجمعية إلى أن من لا يعترف باللغة الوطنية للبلاد، أي العربية، لا يمكنه أن يدعي الوطنية، وفي المقابل، من يرفض الأمازيغية، يصنف في نفس الخانة لأن الوطنية "لا تحتمل التجزيء". ويتجلى التناقض عند معسكر دعاة التعريب في المغرب في ازدواجية سلوكياتهم الاجتماعية حيث أنهم يعدون من الفئة التي تشجع على الفرنسية وتوجه أبناءها نحو الدراسة بالفرنسية. وتلاحظ هذه الازدواجية السلوكية كذلك عند النخبة الأمازيغية التي تدافع عن ولوج اللغة الأمازيغية للتعليم المغربي بيد أن أبناءها يتابعون دراستهم في المدارس والمعاهد الفرنسية والأمريكية. كأن الفئتين معا تنتهجان نوعا من التفويض الممنهج والوصاية اللغوية والثقافية على باقي مكونات المجتمع المغربي دون أن يعني ذلك محيطها العائلي والأسري الخاص.
أما فيما يخص تفاعلات جمعيات حقوق الإنسان مع المسألة الأمازيغية فأسوق هنا تقرير سنة 2005 للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي استندت فيه على آراء بعض جمعيات المجتمع المدني المغربي كجمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الحركة الثقافية الأمازيغية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وقد تزامن هذا التقرير مع انعقاد الدورة 59 للجنة القضاء على التمييز العنصري. ومن بين النتائج التي خلص إليها تقرير الجامعة الدولية لرابطة حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمسألة الأمازيغية ما يلي:
ـ أن المغرب سجل تقدما كبيرا في مناهضة التمييز العنصري ـ أن المغرب خطى خطوات مهمة في الاعتراف بالمكون الأمازيغي وذلك بخلق المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والإشارات المتعددة في خطابات الملك محمد السادس إلى الأمازيغية. ـ استمرار تهميش الثقافة الأمازيغية في وسائل الإعلام والإدارة. ومن بين التوصيات التي وجهتها لجنة مناهضة التمييز العنصري إلى الحكومة المغربية: ـ العمل على ضمان عدم التمييز فيما يخص السكان الأمازيغية ـ الاعتراف بالمكون الأمازيغي واللغة الأمازيغية في الدستور المغربي واعتبار هده الأخيرة لغة من اللغات الرسمية للبلاد.
إدماج تدريس الأمازيغية في جميع مراحل التعليم.
كما أتى التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لعام 2007 حول انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب فيما يتعلق بالمسألة الأمازيغية منسجما مع التوصيات السالفة الذكر حيث طالبت الجمعية بإطلاق سراح الطلبة المنتمون إلى الحركة الثقافية الأمازيغية والإسراع بقوننة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
أما فيما يتعلق بتفاعلات الرأي العام المغربي مع المسالة الأمازيغية وبالخصوص مع اللغة الأمازيغية فتتموج هذه التفاعلات بين ثلاث مواقف. الموقف الأول يمثل فئة عريضة من المجتمع المغربي تعتبر الأمازيغية لهجة أو مجموعة لهجات لا ترقى إلى مستوى اللغة. وأن الاختلافات التي تطفو عل السطح بين مختلف المتحدثين بها لا تؤهلها لكي تلعب دور لغة التعليم بل هي لهجة محدودة الاستعمال ولا يمكن أن تساير التطور العلمي والعالمي لكونها لم تلج بعد بعض الميادين الإستراتيجية مثل التعليم التقني-القضاء- الصناعة – الاقتصاد ......
أما الرأي الثاني فيدعو إلى فسح المجال للأمازيغية لكي تضطلع بجميع الأدوار التي تمكنها من أن تصبح لغة وطنية قائمة بذاتها. ومن بين الإشكالات المطروحة تبني لغة أمازيغية معيارية يمكنها تمثيل الاختلافات الجهوية مما يساعد على قوننتها واعتمادها كلغة رسمية. إلا أن هذا الرأي يصطدم مع إشكالية تعدد اللغات الأمازيغية. كما يشكل التضارب الواقع بين طرق كتابة الأمازيغية فصلا آخر من الاختلاف داخل اللغة الأمازيغية حيث أن الحرف المعتمد في المغرب ليس هو نفس الحرف المعتمد في باقي الدول لاسيما الجزائر.
وهناك رأي ثالث يفسر الاختلاف بين الأمازيغية والعربية بأنه اختلاف داخل نفس العائلة اللغوية أي العائلة السامية مما يمهد لمقولة التمازج اللغوي والثقافي وأن التقاء العربية والأمازيغية في نفس المجال الجغرافي تمخضت عنه عناصر متداخلة، وهذه العناصر تجسدها طريقة المغاربة في التحدث بالعربية أو الأمازيغية حيث نجد أن العربية اقترضت كثيرا من المصطلحات والتراكيب النحوية والمخارج الصوتية والتصورات الدلالية من الأمازيغية في كثير من الميادين. كما أن الأمازيغية استمدت عدة مفردات ومفاهيم من العربية.
خاتمة:
كنتيجة لما سبق، يمكن أن نقترح أن على الفاعلين السياسيين (أحزاب سياسية، مؤسسة ملكية، سلطات عمومية، فاعلين أمازيغيين ومجتمع مدني) أن ينتهجوا في مقاربتهم للمسألة الأمازيغية تدابير سياسية وديمقراطية تأطر التعدد الثقافي واللغوي المغربي. لأن الموقف الموسوم بالهاجس الأمني أو الإقصاء الممنهج أو العداء الثقافي لكلا الرافدين الأساسيين للهوية المغربية، أي الأمازيغي والعربي، يؤدي إلى إضعاف التآلف الاجتماعي وتفتيت الروابط الإنسانية ويحول دون الاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية للمجموعات الإنسانية لتظل المعالجة الديمقراطية لهذه الحقوق هي الحل الأفضل أمام تحدي التعددية والتنوع. من المحمود إذن أن تقارب المسألة الأمازيغية في شقها المخصص للحقوق الثقافية واللغوية بمنظور إجمالي يستند إلى مقولة أساسها تقاسم وتمازج نفس الحقينة الأنتروبولوجية (إنسانية، لغوية وثقافية) وهو ما ذهبت إليه المبادرة الملكية لأن المقاربة الموضوعية تعدو أن تكون اندماجية (مغاربة) لا إقصائية (عرب / أمازيغ). أي أن تعتبر الخاصية الثقافية والتميز المغربي وليد مسارين ثقافيين ولغويين متوازيين ومتمازجين وهما التعريب والتمزيغ، كما أن على الفاعلين السياسيين اعتماد منطق التمازج واعتبار المغاربة عنصرين متجانسين وأن الاختلاف لغوي صرف أما تصور العالم القيمي وثقافة المجال والمحيط فهو مشترك مغربي.
* أستاذ في جامعة محمد الخامس ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية
(مبادرة الإصلاح العربي)