محمد زاهد
توطئة:
صدر عن منشورات الزمن – سلسلة ضفاف – الترجمة العربية لكتاب "مغاربة في خدمة فرانكو"، وهو من تأليف المؤرخة والباحثة الإسبانية "ماريا روزا مادارياغا"، وترجمة : كنزة الغالي، وتقديم: محمد العربي المساري.
ويضم الكتاب (الطبعة الأولى 2006) بين دفتيه مقدمة وتسعة فصول وبيبليوغرافيا تشمل أزيد من 80 كتاب وعنوان. كما أن هذا المؤلف يقع في 300 صفحة، وهو يعد مرجعا أساسيا في معالجة وتناول مرحلة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) من مختلف الجوانب التي تهم كل ما يرتبط بهذا الموضوع، خاصة مشاركة المغاربة في هذه الحرب بجانب الجنرال فرانكو، الذي عمد إلى تجنيد المجموعات المغربية، وهو الموضوع الذي ذكر بخصوصه العربي المساري أنه موضوع في " منتهى لدقة خلف التباسات ما زالت قائمة، إذ كانت لتلك المشاركة غير المرغوب فيها من لدن المغاربة، مخلفات جد سيئة، بل خطيرة على صورة المغرب والمغاربة في الذاكرة الإسبانية. ومن جراء الالتباسات التي أحاطت بتلك المشاركة، ترسبت في الذاكرة، من كلا الجانبين المتحاربين، صورة كريهة عن المغاربة الذين شاركوا في هذه الحرب".
وجدير بالذكر أن الباحثة "ماريا روزا" صاحبة العديد من الأعمال والأبحاث والدراسات التي تناولت مواضيع حرب إسبانيا بالريف، ومختلف المعارك والأحداث التي تقترن بذلك، وكذا موضوع استعمال الغازات السامة، ومشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية.
1- معطيات تاريخية أولية:
قبل الحديث عن مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، لابد من الإشارة إلى وجود بعض الخلفيات –السوابق- والمقدمات التاريخية بين المغاربة والإسبان، على الأقل منذ فتح بلاد الأندلس في القرن الهجري الأول على يد طارق بن زياد، وما تلي ذلك من أحداث نشير منها اختصارا إلى خضوع شبه الجزيرة الأيبيرية للإمبراطوريات التي توالت على حكم بلاد المغرب مثل المرابطين والموحدين، واندلاع العديد من الحروب والمعارك في ذات السياق، مثل معركة الأرك، الزلاقة، وواد المخزن على العهد السعدي.
ومن بين المقدمات التاريخية الأخرى في هذا الصدد، لابد من الإشارة إلى ما يعرف ب "حروب الاسترداد" بعد طرد المسلمين من الأندلس خلال القرن (15م)، وبداية احتلال بعض الثغور المغربية والمدن الساحلية (موغادور، مازاغان، سبتة، مليلية...)، وآخر هذه الأحداث ما شهده القرن (19م) من حروب بين المغرب وإسبانيا، مثل حرب تطاوين (1859-1860م)، وحرب سيدي ورياش بمحاذاة مليلية (1893م) وحرب الريف الأولى بقيادة الشهيد محمد أمزيان (1909-1912م)، وحرب الريف التحريرية بزعامة البطل الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921-1926م) عبر مختلف معاركها الكبرى (ادهار أوبران، أنوال، أعروي...)، وصولا إلى مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939م).
وقبل الحديث عن هذا الموضوع المتعلق بتجنيد المغاربة، يجب التذكير ببعض المعطيات التاريخية التي تهم تطور الأوضاع الداخلية باسبانيا، انطلاقا من عشرينيات القرن الماضي، مثل الانقلاب الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" (1923-1930م) وصعود الائتلاف الجمهوري الاشتراكي (1931-1933م) وقيام انتفاضة عمال المناجم في "أستورياس" شمال إسبانيا سنة 1934، وهي نقطة بداية مسلسل توظيف وتجنيد المغاربة لسحق هذه الثورة خلال فترة عودة اليمين إلى الحكم (1933-1936م)، حيث سيقود العيد من الضباط والجنرالات، وفي مقدمتهم "فرانسيسكو فرانكو"، تمردا على الحكومة الشرعية انطلاقا من الأراضي المغربية التي كانت آنذاك خاضعة للاستعمار الإسباني، اعتمادا على عناصر "جيش إفريقيا" خاصة "الجيش المغربي" ضمن طابور "اللفيف الأجنبي" الذي كان يتكون من الإيطاليين و "الإسبان والأمريكيين".
2-الجيش الاسباني والمغرب:
تقدم "مريا روزا" في هذا الفصل الأول من كتاب "مغاربة في خدمة فرانكو"، معطيات هامة حول الجيش الاسباني خلال مرحلة النصف الثاني من القرن 19، وكذا التطورات التي شهدتها إسبانيا نتيجة لمجموعة من الأحداث، مثل سقوط النظام الملكي وعودته من جديد وقيام الانقلابات وصراع الأجنحة داخل الجيش، وكلها أحداث كانت تحدث باسم "إنقاذ الوطن".
ومن تلك الأحداث أيضا، ما كانت له علاقة مباشرة مع المغرب، مثل حرب تطاوين (1959-1860م) وحرب مليلية (1893م) وأيضا نكسة "حرب كوبا" (1895م) التي على إثرها فقدت إسبانيا مستعمراتها. ومن المعطيات التي تتوقف عندها الباحثة الإسبانية، تجدد الحرب على الأراضي المغربية ابتداء من سنة 1909، مع ما ترتب عن ذلك من خضوع الرتب والترقيات العسكرية للزبونية والمحسوبية، والانتماء إلى محيط الأعيان السياسيين أو كبار ضباط الجيش، وهو ما يعرف ب "الأزمة الأخلاقية".
ومن الإضاءات التي يحملها هذا الفصل، الحديث عن فرقة : "الأفريقانيون" أو "العسكر الأفريقانيون" في مقابل "الإئتلافيون" أو "الوحدويون"، وهما النوعان اللذان صنفا إليهما الجيش الإسباني في تلك المرحلة. والمقصود بالصنف الأول، العناصر التي ذهبت إلى إفريقيا وكانت على اطلاع بشؤون هذه القارة (خاصة شؤون المغرب). أما الصنف الثاني فهي العناصر التي مكثت بالتراب الاسباني داخل الثكنات عبر مختلف الجهات. ومن نماذج الصنف الأول، تذكر المؤرخة الاسبانية "ماريا روزا": الكولونيل كابرييل موراليس "الذي عمل لوقت طويل بمليلية وألف كتابين: "معطيات حول تاريخ مليلية (1497-1907)" و "يوميات عن أحداث وغرائب"([1]). و"موراليس" كان من بين الذين قتلوا في معركة أنوال (1921). ومن الذين تنطبق عليهم كذلك صفة :الأفريقاني"، حسب "ماريا روزا"، "إميليو بلانكو إثاكا" الذي ألف بدوره العديد من الأعمال حول الريف، وأنجز الدراسات حول البنيات السوسيو-سياسية لدى الريفيين.
وبفضل ما توفر لماريا روزا من ميكانزمات التحليل العلمي والبحث التاريخي، فإننا نجدها توجه بعض الانتقادات هذا المفهوم، في مقابل حديثها عن :العسكر "الأفريقانيون" ونذكر منهم على سبيل المثال "فرانكو"([2])، "سان خورخو"، "مولا"، "فاريلا"... ومن الإشارات التي يحملها هذا الفصل، تلك الانتصارات التي حققها الريفيون في معركة أنوال على الجيش الإسباني، وما خلفته من أسى عميق وإحباط وحزن داخل الأوساط الإسبانية، إذ تقول ماريا روزا مادارياغا: "لقد خلفت هزيمة أنوال وتفكك المراكز العسكرية بمليلية إحساسا بإحباط عميق لدى جيش أفريقيا، جيش أوربي حولته مجموعة من "سكان القبائل" إلى أشلاء"([3]). علاوة على تداعيات أخرى وما ترتب عن ذلك من أحداث سياسية، أهمها الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" في 13 شتنبر 1923، وكذا روح الانتقام التي انتابت الإسبان من جراء م لحقهم من هزائم وكوارث، وهو الأمر الذي تجسد مع استعمال الطائرات وتوظيف العمل الجوي في العمليات الحربية، وذلك بقصف القرى والمداشر، وسحق سكانها وانطلاق مسلسل استعمال الغازات السامة بالريف، وبداية تداول الحديث عنها منذ سنة 1921، خاصة غاز "إبيريتا".
وجدير بالذكر أن ما خلفته هذه الحرب القذرة واستعمال الغازات السامة في صفوف الريفيين من أمراض وحالات العمى، وعاهات جسدية ونفسية، وما ترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية لازالت تلقي بظلالها إلى اليوم على المنطقة، أكبر من أن تعتبر مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الاسبانية سببا في بروز صورة "المورو" السيئة في المخيال الإسباني، ذلك أن استعمال الغازات السامة كان من أكبر الجرائم الإنسانية خلال القرن الماضي، ولعل الإحصائيات القائمة حول حالات الإصابة بمرض السرطان لدى أهل المنطقة خير دليل على ذلك.
3-الجيش النظامي واللفيف الأجنبي:
تتحدث "ماريا روزا" في هذا الفصل عن تجنيد القوات الأجنبية وتعزيز الجيش النظامي بهذه القوات([4]). ولقد ابتدأ هذا مسلسل تجنيد المغاربة وخاصة العساكر الريفيين منذ (1908-1911م) وارتفعت نسبتهم خلال السنوات المتتالية، وأغلبهم كانوا من الفارين من الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى. كما تمت إعادة هيكلة الشرطة الأهلية والجيش النظامي بتجنيد عدد هام من الذين سبق وأن فروا ثم عادوا إلى المعسكرات الاسبانية والتي تكونت من: 20 طابور، 15 سرية و 15 مجموعة. وكان لكل سرية ومجموعة رقم واسم.
أما بالنسبة للفيف الأجنبي الذي تسميه "ماريا روزا" ب "عرسان الموت"، فإن جذور هذه الفكرة تعود إلى سنة 1897 بعد رحلة "ميلان أستراي"، و "الراجح أنها مستوحاة من الطريقة الفرنسية فقد ذهب أستراي إلى الجزائر موفدا من طرف وزير الحرب ليدرس وضعية قوات المواجهة هذه وطريقة اشتغالها ومدى فعاليتها"([5]). ولقد كانت قوات اللفيف الأجنبي تعاني من الراتب الزهيد الذي يتقاضونه وتعرضهم للعقاب والجوع والحرمان ... علاوة على ذلك، فقد كان هناك أيضا جنود المحلات الخليفية وهي الوحدات التي تعرف ب "المحلة"، والتي كان لها شأن الوحدات النظامية اسم ورقم. الأولى بتطوان والثانية بمليلية وتحمل نفس اسم المدينة، أما الثالثة فكانت بالعرائش إلى جانب محلات أخرى. كما أن هذه المحلات كانت تقوم بدور الشرطة الأهلية.
4-الجمهورية الثانية (1931-1936م):
تتناول "ماريا روزا" في هذا الفصل الثاني من كتابها "مغاربة في خدمة فرانكو" فترة حكم النظام الجمهوري قبل قيام الحرب الأهلية الإسبانية، وهي الفترة التي قسمتها الباحثة والمؤرخة الإسبانية إلى 3 محطات:
المرحلة الأولى هي مرحلة الحكومة المؤقتة و"السنتان الأوليتان" (أبريل 1931/ نونبر 1933) أي بعد إعلان الجمهورية الثانية مع ما رافق ذلك من إجراءات وتعديلات على مستوى الجيش، ومن ذلك قرار إغلاق الأكاديمية العسكرية بسرقسطة وكذا تقليص عدد وحدات الجيش.
أما المرحلة الثانية فهي التي تطلق عليها "ماريا روزا" ب "السنتان السوداويتان" (نونبر 1933-فبراير 1936) وهي المرحلة التي شهدت ثورة "أستورياس" (1934) بعد إعلان الإتحاد العام للشغالين بإسبانيا عن إضراب عام بكل أرجاء إسبانيا والاضطرار إلى استدعاء "جيش إفريقيا" خصوصا من اللفيف الأجنبي والنظاميون قصد سحق هذه الثورة التي قادها عمال المناجم.
بالنسبة للمرحلة الثالثة فهي التي فهي التي تغطي فترة فبراير-يوليوز 1936، أي بعد عودة اليسار للحكم من جديد نتيجة الانتخابات العامة التي أجريت في فبراير 1936، وصعود حكومة الجبهة الشعبية وقيامها بعدة تعديلات داخل صفوف الجيش، وبداية الاستعداد للتمرد انطلاقا من الأراضي المغربية من قبل بعض الضباط، وهو التمرد الذي سينطلق مع 18 يوليوز 1936 من مليلية بقيادة الملازم "سيكي" والملازم "بارتومو" و"كاسابو" والقبطان "ميدرانو"... قبل أن يصل "فرانسيسكو فرانكو" في 19 يوليوز إلى تطوان لقيادة جيش إفريقيا في اتجاه إسبانيا.
5-تجنيد المغاربة في جيش فرانكو:
يعكس هذا الفصل دور المراقبين خلال عملية تجنيد الريفيين ضمن جيش فرانكو، وكذا دور القياد الذين ألزمتهم إدارة الانقلابيين في بداية الأمر بتجنيد 500 جندي في كل قبيلة. ففي منطقة الشمال وعشية 18 يوليوز 1936 "بلغت القوات العسكرية تحت راية الحماية الاسبانية حوالي أربعين ألف رجل. بالإضافة إلى أعداد التجنيد الإجباري (سبعة عشر ألف رجل)، كانت هناك قوات احترافية تنقسم إلى خمسة آلاف أوروبي و تسعة آلاف مغربي. وبالنسبة لهذه الأخيرة، إضافة إلى النظاميين، كانت هناك القوات المساعدة التي بلغت ثمانية آلاف"([6]). وتضيف "ماريا روزا": "لقد انخرط المغاربة بكثافة في صفوف الجيش الاسباني، وكان ذلك بسبب سنوات الجفاف الأولى (1934-1935) وظروف سنوات الحرب الأولى (1937)، الأمر الذي سهل مأمورية القياد. وبالمقارنة مع راتبهم الشهري كانوا أكبر عدد من المجندين رهن إشارة فرانكو. وبالمقابل كان الجنود المغاربة يحصلون على الأكل والشرب، واللباس والراتب"([7]). واضح إذن أن الباحثة تشير هنا إلى مجموعة من دواعي انخراط تجنيد المغاربة في جيش فرانكو، خاصة ما يتعلق بالظروف الطبيعية والاقتصادية القاسية التي كانت سائدة آنذاك([8]). إضافة إلى الدعاية التي تم القيام بها لإقناع المغاربة بضرورة الجهاد إلى جانب "فرانكو" من أجل مواجهة "الملحدين" و"الشيوعيين" و"الكفار".
لكن المؤرخة الإسبانية تقر بأن أهم سبب هو الفقر والجفاف، والظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية، الأمر الذي فرض على بعض المغاربة الانخراط في الجيش الإسباني([9])، رغم الصعوبات التي اعترت هذه العملية بسبب رفض بعض الأسر انخراط أبنائها في جيش فرانكو. وحسب بعض الإحصائيات التي تذكرها "ماريا روزا"، فقد وصل عدد المغاربة المجندين إلى 50.000 سنة 1937، وأن مجموع المغاربة المجندين وصل إلى ما يقرب 65.000 مجند([10]).
كما أن من محتويات هذا الفصل، الحديث عن معارضة القبائل الريفية لتجنيد المغاربة ضمن جيش الجنرال فرانكو، وهو السياق الذي تندرج فيه مثلا هذه الرسالة-النداء الذي أطلقه أزرقان، وزير خارجية "جمهورية الريف" على عهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، من فاس حول عدم الامتثال لأوامر القياد، لاسيما أمام هروب بعض الجنود من معسكرات الجيش، خصوصا "بعد أن أصبح التجنيد بعد 1936 مستعصيا وصعبا. من بين النظاميين الأوائل لم يعد أي منهم إلى أسرته ولا أرسل لهم لا مالا ولا خبرا، حتى نبأ وفاتهم لم يصل إلى ذويهم"، حسب ما تذكر الباحثة في مؤلفها.
إن أهم استنتاج يمكن الوصول إليه بعد استعراض كل المعطيات السابقة،هو أن المغاربة كانوا ضد المشاركة في الحرب الأهلية الاسبانية وضد التجنيد في صفوف جيش فرانكو، لاسيما بعد أن توالت الأصوات المعارضة لذلك، وقادت هذه الأصوات حملة مناهضة اقتياد المغاربة إلى "حرب الموت"، الأمر الذي جعل الفرانكاويين يعمدون إلى توظيف مختلف الوسائل والآليات لإقناع، وإجبار المغاربة على الانخراط والتسجيل في قوائم التجنيد، ومن ذلك الالتجاء إلى الطرق الصوفية والزوايا([11]).
وبجانب منطقة الشمال المغربي، فقد كانت هناك مناطق أخرى شملتها عملية التجنيد مثل منطقة آيت باعمران، وخاصة سيدي إفني، التي كانت خاضعة هي الأخرى "للحماية الإسبانية"، وقد برع سكان هذه المنطقة في سلك الرماة. ومن الأرقام التي أوردتها "ماريا روزا" حول هذه النقطة، أن 9000 من الرماة كانوا ينتمون إلى هذه المنطقة. ومن المناطق الأخرى التي كانت مصدر المجندين في جيش فرانكو، بعض المناطق التي كانت تحت نفوذ "الحماية الفرنسية". وما تجدر الإشارة إليه هو أن الحرب الأهلية الإسبانية لم تعرف مشاركة المغاربة فقط، بل كانت وفق المسوغات السابقة تحت إمرة وسلطة الإسبان، ومشاركة الألمان والإيطاليين والروس([12]).
6-موقف "الحركة الوطنية" بالشمال من الحرب الأهلية:
تتوقف "ماريا روزا مادارياغا" عند جذور "الحركة الوطنية" بشمال المغرب باعتبارها منطقة "الحماية الإسبانية"، وكذلك الإشارة إلى أن هذه الحركة لم تكن تفكر في الاستقلال بقدر ما كانت تفكر في بعض "الامتيازات والمصالح الإدارية والسياسية والاجتماعية والثقافية في ظل نظام جهوي"([13])، بعد أن تقدمت بمذكرة –وثيقة مطلبية بتاريخ 1 ماي 1931([14]). ومن بين الأسماء التي تقترن بها "الحركة الوطنية" بشمال المغرب نجد: عبد السلام بنونة ، عبد الخالق الطريس، محمد داود... أما بخصوص موقف هذه الحركة من مجريات الحرب الأهلية الإسبانية فتشير الباحثة إلى وجود تعاطف بين "الحركة الوطنية" بشمال المغرب واليسار الإسباني، قبل أن ينقلب زعيم هذه الحركة عبد الخالق الطريس لنصرة فرانكو، ابتداء من سنة 1936 بعد أن سمح له بتأسيس حزب "الإصلاح الوطني" كنقطة بداية مسلسل دعم فرانكو "القائد المظفر العظيم"، لاسيما مع انطلاق تسرب وانتشار أفكار القومية العربية مع زيارة شكيب أرسلان الذي كان يساند بدوره الألمان، وقد أثنى على عبد الخالق الطريس لموقفه من الإسبان (الفرانكاويين) ولانخراطه في الحركة الماسونية في يناير 1936، قبل أن تتساءل ماريا روزا "إذا كانت قمصان الفاشيين الإيطاليين سوداء والنازيين داكنة، وجبهة الكتائب الإسبانية زرقاء، فأي لون إذن بالنسبة للوطنيين المغاربة"([15]).
ومن الإجابات الأخرى التي يتضمنها هذا الفصل، التذكير بموقف الدعم والتعاطف لخليفة السلطان الحسن بن المهدي تجاه فرانكو والموقف المساند لبعض الشخصيات الأخرى مثل خالد الريسوني باشا مراكش. والمعروف أن فرانكو اعتمد على مواقف العديد من هذه الشخصيات السياسية والدينية خلال مرحلة الحرب الأهلية لدعم وحشد التأييد لحركته.
7-القوات الاستعمارية في إفريقيا خلال الحرب الأهلية:
تطرقت "ماريا روزا" في هذا الفصل إلى "جيش إفريقيا، كوحدة مستقلة مكونة خصوصا من النظاميين واللفيف الأجنبي، والدور الرئيسي الذي قام به كقوة صدام في المراحل الأولى للحرب الأهلية، تقوية للنفوذ الفرانكاوي"([16]). كما أن تتوقف "ماريا روزا" عند مسار دعم قوات فرانكو بعناصر اللفيف الأجنبي ومن بينهم المغاربة، وتتوقف الباحثة أيضا عند تطور هذه المسألة وبداية الحرب الأهلية الإسبانية، ومجريات الأحداث آنذاك وفصول هذه الحرب وكذا مساهمة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، قبل أن يتم تعيين الجنرال فرانكو جنرالا للجنرالات الذين سيشكلون جبهة الدفاع الوطني في 21 شتنبر 1936، وتعيينه في 28 شتنبر 1936 رئيسا لحكومة إسبانيا ليتحول إلى رئيس الدولة وقائد كل الأركان العليا.
ومن بين القضايا التي يثيرها هذا الفصل، تقنيات القتال عند المغاربة (ومن بينهم محمد أمزيان الذي بدأ مسيرته كضابط سامي) في القتال أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. ومن الأمور التي يتم تجاهلها بصدد الحديث عن هذه المسألة، هو عدد القتلى والضحايا المعطوبين الذين خلفتهم هذه الحرب في صفوف المغاربة الذين كانوا بمثابة حطب النار.
8-صور من الحرب الاستعمارية :
يعكس هذا المحور طبيعة الخدمات التي كانت تقدم للجنود المغاربة، ومن أهمها إحداث مرافق خاصة ومركزين لشؤون المغاربة، واحد في الجنوب والآخر في الشمال. ولقد كان من مهام هذين المركزين إعطاء بيانات عن عدد الموتى وإيصال المعلومات إلى مندوبية شؤون الأهالي بتطوان وإشعار عائلاتهم. وقد كان عدد المغاربة المتوفون خلال هذه الحرب كبيرا. علاوة على ذلك، فقد كانت هناك خدمات أخرى ترتبط بوظيفة كل من الفقهاء والأئمة الكتاب والمترجمين والإداريين... الذين تم توفيرهم للجنود المغاربة، ومنهم الموسيقيون كجانب من الترفيه والتسلية التي يمكن أن تنسيهم "قسوة الحرب" و"مشاهد الموت". ومن الإشارات الأخرى التي يحملها هذا الفصل، ما يتعلق بحملات التبشير الديني في صفوف المغاربة من قبل بعض الرهبان والقساوسة، رغم معارضة الفرانكاويين لذلك. كما تتوقف "ماريا روزا" عند ممارسات المغاربة خلال هذه الحرب والتي تجلت أساسا في السلب والقتل والاغتصاب وهو ما تعبر عنه ب"كوارث الحرب" و"الأعمال الوحشية"... وتقر الباحثة الإسبانية بأن ذلك كان بمباركة المسؤولين الإسبان وتنفيذا لأوامرهم، وهي أعمال قامت بها عناصر وفرق اللفيف الأجنبي التي كانت تضم جنود من جنسيات أخرى. وتعتبر هذه الأعمال والممارسات نقطة انطلاق صورة "المورو" عند الإسبان. وفي هذا الصدد تقول ماريا روزا: "ربطت صورة المورور بكل الأعمال الوحشية، لأنها في نظر الإسبان لا يمكن أن يمارسها إلا متوحشون. حينما مورست في المغرب، كان ينظر إليها على أنها طبيعية، لأنها ضد "همج" لكنها لم تقبل في إسبانيا لما مورست في بلد "متحضر" ضد أناس "متحضرين". لم يتم التعامل بنفس المقياس مع الريفيين "المتوحشين" والإسبان "المتحضرين"([17]).
وإذا كان أهم ما ميز المغاربة في البداية هو الحماس الذي انتابهم، فإن ما ميزهم أيضا مع توالي الأيام هو الإحساس بالضجر والاشمئزاز من جراء إرغامهم على المشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير. ومن الأمور التي عانى منها المغاربة المجندين في هذه الحرب، عدم الحصول على رواتبهم ونقص الأغذية والألبسة والمؤونة، إضافة إلى أمور أخرى تتعلق بالرخص والإجازات، هو ما كان السبب الرئيسي في للفرار من الجندية وتمرد المغاربة في صفوف الجيش النظامي وتذم أسرهم. ومن هنا بدأ مسلسل الهروب والفرار قبل أن تنتهي مأساة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)
وما استتبع ذلك من إجراءات تحدد المعاشات المخصصة لمعطوبي الحرب والأرامل، و"حسب مصطفى المرون فقد حصل حوالي 5000 مغربي من القوات النظامية على معاشات من الدولة الإسبانية سنة 1985"([18]). وتختم "ماريا روزا" هذا الفصل بالقول: "وفي أبريل 1937 وجه فرانكو خطابا بعبارات فضفاضة مروجا لديماغوجية مجانية: " حينما تزهر ورود النصر سنقدم لكم أجمل الزهور". كم هم المغاربة الذين قالوا واكتشفوا بأن هذه الورود كانت في الواقع أشواكا"([19]).
9-الإئتلاف المقدس:
يتحدث هذا الفصل عن "الإئتلاف المقدس" الذي نسج بين المسيحيين والمسلمين ضد "العدو الماركسي"، وهي الصورة التي تم الترويج لها على أساس أن المغربي المسلم مساند لأخيه الإسباني المسيحي، من قبل أمثال "أسين بلاثيوس" و"فيكتور رويث ألبينيس"... وهي الصورة التي كانت تنطوي عليها خطابات "التقارب والتآخي الإسباني المغربي" مثل الذي ألقاه المراقب العسكري القائد "غارسيا فيغيراس"، كما كانت تتردد هذه الخطابات في المناسبات الرسمية والإذاعات والصحافة وعلى لسان المسؤولين الإسبان. كما كان يتم مغازلة الشعور الديني لدى المسلمين عبر العمل على بناء المساجد (مسجد تطوان، مليلية...) كأهم معالم السياسة الدعائية التي قادها الفرانكاويين([20]).
في مقابل هذه الصورة التي ظل يروج لها أنصار فرانكو، كانت صورة "المورو الشرير" قد بدات تأخذ مكانها في خطاب اليسار، وهي الصورة التي ظلت عالقة بالأذهان لدى الإسبان وتعود بهم إلى أيام الهزائم خلال حرب الريف التحريرية (1909-1926م)، رغم وجود بعض الاستثناءات في وسط الجمهوريين الذين تحدثوا عن مقتل المغاربة المغرر بهم.
10-معارضة تجنيد المغاربة في جيش فرانكو:
لقد كانت هناك محاولات عديدة تروم ثني المغاربة عن الانخراط في جيش فرانكو، كما كانت هناك حملات عبر الإذاعة والنداءات الموجهة للجنود في شأن التعاون مع الجار الصديق. ومن المحاولات الأخرى التي عمد إليها الجمهوريون، العمل على تجنيد المغاربة ضمن القوات الجمهورية، خاصة مع محولات المسمى "ابن جالا" عبر دعواته المتكررة وأيضا دعوات الحزب الشيوعي، وتذكر "ماريا روزا" في هذا الصدد أن عدد المغاربة المتواجدين ضمن القوات الجمهورية كان يعد على أصابع اليد الواحدة.
إلى جانب ذلك، كانت هناك آليات مختلفة عمد على توظيفها الجمهوريون الإسبان، مثل مفاوضة "كتلة العمل الوطني" عبر وساطة بعض الاشتراكيين الفرنسيين قصد زعزعة أنصار فرانكو والقيام بانتفاضة ضدهم . علاوة على القيام ببعض المبادرات الدبلوماسية الأخرى من قبل حكومة "لاركو كاباييرو"، وكنموذج لذلك تقديم خطة في يناير-فبراير 1937 لأن تصبح الجمهورية عضو في عصبة الأمم. وتختم "ماريا روزا" هذا الكتاب بالقول: "في نهاية المطاف، كل المحاولات والخطط التي تم نهجها لمنع المغاربة من الانخراط في جيش فرانكو باءت بالفشل. لقد كانت آلة الحرب التي أطلقت عنانها القوات الفرانكاوية، في 18 يوليوز بتراب الحماية، لا تعرف التوقف"([21]).
خاتمة:
يحمل الكتاب المذكور سابقا معطيات ومعلومات قيمة حول الحرب الأهلية الإسبانية، لينضاف بذلك إلى قائمة الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع من مختلف الجوانب والزوايا، رغم ما جاء في مقالة الكاتب الإسباني "ماركوس روبر" من كون "ماريا روزا مادارياغا" ضمنت كتابها العديد من المعلومات التي تفتقر إلى التوثيق.
وفي الأخير، لابد من التذكير بأن أثقال الماضي لا يمكن أن تؤثر على آفاق المستقبل، إذا ما أخذنا بأواصر التقارب بين المغاربة والإسبان وعملنا على نسج علاقات تقوم على روح الانتماء المتوسطي والكوني بشتى أبعاده الثقافية والحضارية والتاريخية، بعيدا عن كل أشكال الحقد والكراهية وإذكاء عناصر الإحساس بما يمكن أن يلغي هذه الأواصر والانتماء المشترك بين الضفتين.
مراجع وهوامش:
[1] - ماريا روزا مادارياغا، مغاربة في خدمة فرانكو. ترجمة: كنزة الغالي، منشورات الزمن،سلسلة ضفاف، الطبعة الأولى، 2006، ص. 26.
[2] - هو فرانسيسكو فرانكو، تخرج من أكاديمية المشاة بطليطلة في يوليوز 1910 برتبة ملازم درجة ثانية، وترقى بعد في فبراير 1912 بمليلية إلى درجة الرجل الأول على فيلق "مشاة إفريقيا" رقم 68، ثم أصبح بعد ذلك في يوليوز من نفس السنة ملازم أول، ثم في أبريل 1913 أصبح على رأس "النظاميين" بمليلية. وفي نفس السنة نقل إلى الجبهة الغربية ليترقى في سنة 1915 إلى رتبة قبطان ثم إلى درجة قائد في يونيو 1916. وخلال 13 سنة انتقل من رتبة ملازم إلى جنرال. كما ان فرانكو شغل منصب مدير عام الأكاديمية العسكرية بسرقسطة منذ سنة 1928، ليقود صحبة آخرين تمردا على الحكومة الشرعية منذ 18 يوليوز 1936، ويصبح رئيس إسبانيا بعد نهاية الحرب الأهلية الإسبانية إلى غاية سنة 1975.
[3] - ماريا روزا، م-س، ص. 35.
[4]- نفس الأمر كان معمولا به في الجيش الفرنسي مع الگوم والرماة الجزائريين، ومع تجنيد السينغاليين في الحرب الاستعمارية وتجنيد المغاربيين أثناء الحرب العالمية الثانية والحرب الهند-صينية. وهو نفس الأمر الذي ينطبق على الإنجليز في الهند.
[5] - ماريا روزا، م-س، ص. 58.
[6] - نفسه، ص. 108.
[7] - نفسه، ص. 109.
[8]- حسب ما تذكره ماريا روزاـ فقد تم تأديب كل القياد الذين أبدوا برودة في التجنيد الجماعي للريفيين. وقد صدرت أوامر للقائد "مولا" (26يونيو 1926) في شأن لإعدام كل من ظهرت عليه علامات معارضة انقلاب "فرانكو". ومن إغراءات "فرانكو" التي وظفها في عملية تجنيد المغاربة، وعده بمنح الأراضي للمجندين بالأندلس ومنح استقلال للمغرب (منطقة الحماية الإسبانية). كما عمل على توظيف العامل الديني حتى أن فرانكو أصبح يلقب ب "الحاج فرانكو". وكلها عوامل تبرر دواعي مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية.
[9]- لقد قيل الشيء الكثير حول دواعي مشاركة المغاربة في مأساة الحرب المذكورة سابقا، لكن يبقى من المهم التأكيد على أن الدافع الأساسي للتسجيل في قوائم التجنيد هو توالي سنوات الجفاف والمجاعة والبؤس الاجتماعي والفقر، لاسيما بعد انتهاء حرب الريف التحريرية ومخلفات استعمال الغازات السامة واضطرار السكان لأكل نباتات سامة تعرف في منطقة الريف باسم "ارقانوش" أو "إيارني".
[10]- تتضارب الأرقام حول عدد المجندين المغاربة في جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية. وحسبنا أن نشير إلى أن "حصيلة مشاركة أبناء شمال المغرب في هذه الحرب من موتى ومعطوبين ومفقودين وصل إلى 268.152 أو أكثر على اعتبار أن الأرقام ليست دقيقة"، حسب ما ذكره الأستاذ الباحث مصطفى الغاديري في موضوعه "الخرب الأهلية الإسبانية من خلال الشعر الأمازيغي بالريف".
[11]- من بين هذه الزوايا مثلا، نجد الزاوية الدرقاوية. وحسب متا أورده محمد الحبيب الخراز "فإن الكولونيل بيكبيدر ذكر في يومياته أن فرانكو أمره يوم وصوله إلى تطوان بأن يتصل بأشياخ الطرق الصوفية الرئيسة المنتشرة بالقبائل ويطلب منهم مساعدتهم وتشجيع المغاربة على الانخراط في في صفوف الجيش الإسباني بدعوى أن مشاركتهم في الحرب هي من باب الجهاد ضد الكفار...". جريدة الشمال، الععد 315، 18/24-04-2006، ص. 17.
[12]- يقول مصطفى الغاديري حول هذه النقطة: "كانت القوات العسكرية النظامية من الإسبان والمغاربة بشمال المغرب (الريف) ومن جنوبه (قبائل آيت باعمران) والصحراء المغربية التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني هي الدعامة العسكرية الأساسية لحركة الديكتاتور الجنرال فرانكو، فضلا عن مساعدة الأنظمة الديكتاتورية التي كانت قائمة بأوربا، من أمثال النظام النازي الهيتليري والنظام الفاشستي الموسوليني".
[13] - ماريا روزا، م-س، ص. 138.
[14] - هو نفس الأمر الذي نجده في منطقة "الحماية الفرنسية" بعد ظهور "الحركة الوطنية"، على أنقاض حركة المقاومة المسلحة، مباشرة بعد صدور ظهير 16 ماي 1930، وفيما بعد "كتلة العمل الوطني" وتقديمها لوثيقة المطالبة بالإصلاحات (1934)
[15] - ماريا روزا، م-س، ص. 157.
[16] - نفسه، ص. 165.
[17]- نفسه، ص. 198. وفي نفس سياق الممارسات البشعة التي شهدتها الحرب الأهلية الإسبانية، نورد هنا مقطعا من قصيدة للشاعر الإسباني "لوركا"، وهذه المرة تحت عنوان "الدرك الإسباني"، وليس تحت عنوان "المورو" كما ذهبت إلى ذلك بعض الكتابات الأخرى التي تربط كل هذه الممارسات بالمغاربة. يقول "لوركا": (...)
لكن الدرك يتقدمون
زارعين تحت خطواتهم السعير،
حيث غارة وغارية،
روزا ابنة آل كامبوريوث،
تنتحب، على عتبة بابها جالسة،
لرؤية تهديها مقطوعين،
وموضوعين على طبق...
[18] - ماريا روزا، م-س، ص. 226.
[19] - نفسه، ص. 227.
[20] - بجانب ذلك عمل فرانكو على إرسال وفود من الحجاج المغاربة إلى مكة على نفقاته ووضع رهن إشاراتهم البواخر.
[21] - ماريا روزا، م-س، ص. 290
توطئة:
صدر عن منشورات الزمن – سلسلة ضفاف – الترجمة العربية لكتاب "مغاربة في خدمة فرانكو"، وهو من تأليف المؤرخة والباحثة الإسبانية "ماريا روزا مادارياغا"، وترجمة : كنزة الغالي، وتقديم: محمد العربي المساري.
ويضم الكتاب (الطبعة الأولى 2006) بين دفتيه مقدمة وتسعة فصول وبيبليوغرافيا تشمل أزيد من 80 كتاب وعنوان. كما أن هذا المؤلف يقع في 300 صفحة، وهو يعد مرجعا أساسيا في معالجة وتناول مرحلة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) من مختلف الجوانب التي تهم كل ما يرتبط بهذا الموضوع، خاصة مشاركة المغاربة في هذه الحرب بجانب الجنرال فرانكو، الذي عمد إلى تجنيد المجموعات المغربية، وهو الموضوع الذي ذكر بخصوصه العربي المساري أنه موضوع في " منتهى لدقة خلف التباسات ما زالت قائمة، إذ كانت لتلك المشاركة غير المرغوب فيها من لدن المغاربة، مخلفات جد سيئة، بل خطيرة على صورة المغرب والمغاربة في الذاكرة الإسبانية. ومن جراء الالتباسات التي أحاطت بتلك المشاركة، ترسبت في الذاكرة، من كلا الجانبين المتحاربين، صورة كريهة عن المغاربة الذين شاركوا في هذه الحرب".
وجدير بالذكر أن الباحثة "ماريا روزا" صاحبة العديد من الأعمال والأبحاث والدراسات التي تناولت مواضيع حرب إسبانيا بالريف، ومختلف المعارك والأحداث التي تقترن بذلك، وكذا موضوع استعمال الغازات السامة، ومشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية.
1- معطيات تاريخية أولية:
قبل الحديث عن مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية، لابد من الإشارة إلى وجود بعض الخلفيات –السوابق- والمقدمات التاريخية بين المغاربة والإسبان، على الأقل منذ فتح بلاد الأندلس في القرن الهجري الأول على يد طارق بن زياد، وما تلي ذلك من أحداث نشير منها اختصارا إلى خضوع شبه الجزيرة الأيبيرية للإمبراطوريات التي توالت على حكم بلاد المغرب مثل المرابطين والموحدين، واندلاع العديد من الحروب والمعارك في ذات السياق، مثل معركة الأرك، الزلاقة، وواد المخزن على العهد السعدي.
ومن بين المقدمات التاريخية الأخرى في هذا الصدد، لابد من الإشارة إلى ما يعرف ب "حروب الاسترداد" بعد طرد المسلمين من الأندلس خلال القرن (15م)، وبداية احتلال بعض الثغور المغربية والمدن الساحلية (موغادور، مازاغان، سبتة، مليلية...)، وآخر هذه الأحداث ما شهده القرن (19م) من حروب بين المغرب وإسبانيا، مثل حرب تطاوين (1859-1860م)، وحرب سيدي ورياش بمحاذاة مليلية (1893م) وحرب الريف الأولى بقيادة الشهيد محمد أمزيان (1909-1912م)، وحرب الريف التحريرية بزعامة البطل الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921-1926م) عبر مختلف معاركها الكبرى (ادهار أوبران، أنوال، أعروي...)، وصولا إلى مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939م).
وقبل الحديث عن هذا الموضوع المتعلق بتجنيد المغاربة، يجب التذكير ببعض المعطيات التاريخية التي تهم تطور الأوضاع الداخلية باسبانيا، انطلاقا من عشرينيات القرن الماضي، مثل الانقلاب الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" (1923-1930م) وصعود الائتلاف الجمهوري الاشتراكي (1931-1933م) وقيام انتفاضة عمال المناجم في "أستورياس" شمال إسبانيا سنة 1934، وهي نقطة بداية مسلسل توظيف وتجنيد المغاربة لسحق هذه الثورة خلال فترة عودة اليمين إلى الحكم (1933-1936م)، حيث سيقود العيد من الضباط والجنرالات، وفي مقدمتهم "فرانسيسكو فرانكو"، تمردا على الحكومة الشرعية انطلاقا من الأراضي المغربية التي كانت آنذاك خاضعة للاستعمار الإسباني، اعتمادا على عناصر "جيش إفريقيا" خاصة "الجيش المغربي" ضمن طابور "اللفيف الأجنبي" الذي كان يتكون من الإيطاليين و "الإسبان والأمريكيين".
2-الجيش الاسباني والمغرب:
تقدم "مريا روزا" في هذا الفصل الأول من كتاب "مغاربة في خدمة فرانكو"، معطيات هامة حول الجيش الاسباني خلال مرحلة النصف الثاني من القرن 19، وكذا التطورات التي شهدتها إسبانيا نتيجة لمجموعة من الأحداث، مثل سقوط النظام الملكي وعودته من جديد وقيام الانقلابات وصراع الأجنحة داخل الجيش، وكلها أحداث كانت تحدث باسم "إنقاذ الوطن".
ومن تلك الأحداث أيضا، ما كانت له علاقة مباشرة مع المغرب، مثل حرب تطاوين (1959-1860م) وحرب مليلية (1893م) وأيضا نكسة "حرب كوبا" (1895م) التي على إثرها فقدت إسبانيا مستعمراتها. ومن المعطيات التي تتوقف عندها الباحثة الإسبانية، تجدد الحرب على الأراضي المغربية ابتداء من سنة 1909، مع ما ترتب عن ذلك من خضوع الرتب والترقيات العسكرية للزبونية والمحسوبية، والانتماء إلى محيط الأعيان السياسيين أو كبار ضباط الجيش، وهو ما يعرف ب "الأزمة الأخلاقية".
ومن الإضاءات التي يحملها هذا الفصل، الحديث عن فرقة : "الأفريقانيون" أو "العسكر الأفريقانيون" في مقابل "الإئتلافيون" أو "الوحدويون"، وهما النوعان اللذان صنفا إليهما الجيش الإسباني في تلك المرحلة. والمقصود بالصنف الأول، العناصر التي ذهبت إلى إفريقيا وكانت على اطلاع بشؤون هذه القارة (خاصة شؤون المغرب). أما الصنف الثاني فهي العناصر التي مكثت بالتراب الاسباني داخل الثكنات عبر مختلف الجهات. ومن نماذج الصنف الأول، تذكر المؤرخة الاسبانية "ماريا روزا": الكولونيل كابرييل موراليس "الذي عمل لوقت طويل بمليلية وألف كتابين: "معطيات حول تاريخ مليلية (1497-1907)" و "يوميات عن أحداث وغرائب"([1]). و"موراليس" كان من بين الذين قتلوا في معركة أنوال (1921). ومن الذين تنطبق عليهم كذلك صفة :الأفريقاني"، حسب "ماريا روزا"، "إميليو بلانكو إثاكا" الذي ألف بدوره العديد من الأعمال حول الريف، وأنجز الدراسات حول البنيات السوسيو-سياسية لدى الريفيين.
وبفضل ما توفر لماريا روزا من ميكانزمات التحليل العلمي والبحث التاريخي، فإننا نجدها توجه بعض الانتقادات هذا المفهوم، في مقابل حديثها عن :العسكر "الأفريقانيون" ونذكر منهم على سبيل المثال "فرانكو"([2])، "سان خورخو"، "مولا"، "فاريلا"... ومن الإشارات التي يحملها هذا الفصل، تلك الانتصارات التي حققها الريفيون في معركة أنوال على الجيش الإسباني، وما خلفته من أسى عميق وإحباط وحزن داخل الأوساط الإسبانية، إذ تقول ماريا روزا مادارياغا: "لقد خلفت هزيمة أنوال وتفكك المراكز العسكرية بمليلية إحساسا بإحباط عميق لدى جيش أفريقيا، جيش أوربي حولته مجموعة من "سكان القبائل" إلى أشلاء"([3]). علاوة على تداعيات أخرى وما ترتب عن ذلك من أحداث سياسية، أهمها الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال "بريمو دي ريفيرا" في 13 شتنبر 1923، وكذا روح الانتقام التي انتابت الإسبان من جراء م لحقهم من هزائم وكوارث، وهو الأمر الذي تجسد مع استعمال الطائرات وتوظيف العمل الجوي في العمليات الحربية، وذلك بقصف القرى والمداشر، وسحق سكانها وانطلاق مسلسل استعمال الغازات السامة بالريف، وبداية تداول الحديث عنها منذ سنة 1921، خاصة غاز "إبيريتا".
وجدير بالذكر أن ما خلفته هذه الحرب القذرة واستعمال الغازات السامة في صفوف الريفيين من أمراض وحالات العمى، وعاهات جسدية ونفسية، وما ترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية لازالت تلقي بظلالها إلى اليوم على المنطقة، أكبر من أن تعتبر مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الاسبانية سببا في بروز صورة "المورو" السيئة في المخيال الإسباني، ذلك أن استعمال الغازات السامة كان من أكبر الجرائم الإنسانية خلال القرن الماضي، ولعل الإحصائيات القائمة حول حالات الإصابة بمرض السرطان لدى أهل المنطقة خير دليل على ذلك.
3-الجيش النظامي واللفيف الأجنبي:
تتحدث "ماريا روزا" في هذا الفصل عن تجنيد القوات الأجنبية وتعزيز الجيش النظامي بهذه القوات([4]). ولقد ابتدأ هذا مسلسل تجنيد المغاربة وخاصة العساكر الريفيين منذ (1908-1911م) وارتفعت نسبتهم خلال السنوات المتتالية، وأغلبهم كانوا من الفارين من الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى. كما تمت إعادة هيكلة الشرطة الأهلية والجيش النظامي بتجنيد عدد هام من الذين سبق وأن فروا ثم عادوا إلى المعسكرات الاسبانية والتي تكونت من: 20 طابور، 15 سرية و 15 مجموعة. وكان لكل سرية ومجموعة رقم واسم.
أما بالنسبة للفيف الأجنبي الذي تسميه "ماريا روزا" ب "عرسان الموت"، فإن جذور هذه الفكرة تعود إلى سنة 1897 بعد رحلة "ميلان أستراي"، و "الراجح أنها مستوحاة من الطريقة الفرنسية فقد ذهب أستراي إلى الجزائر موفدا من طرف وزير الحرب ليدرس وضعية قوات المواجهة هذه وطريقة اشتغالها ومدى فعاليتها"([5]). ولقد كانت قوات اللفيف الأجنبي تعاني من الراتب الزهيد الذي يتقاضونه وتعرضهم للعقاب والجوع والحرمان ... علاوة على ذلك، فقد كان هناك أيضا جنود المحلات الخليفية وهي الوحدات التي تعرف ب "المحلة"، والتي كان لها شأن الوحدات النظامية اسم ورقم. الأولى بتطوان والثانية بمليلية وتحمل نفس اسم المدينة، أما الثالثة فكانت بالعرائش إلى جانب محلات أخرى. كما أن هذه المحلات كانت تقوم بدور الشرطة الأهلية.
4-الجمهورية الثانية (1931-1936م):
تتناول "ماريا روزا" في هذا الفصل الثاني من كتابها "مغاربة في خدمة فرانكو" فترة حكم النظام الجمهوري قبل قيام الحرب الأهلية الإسبانية، وهي الفترة التي قسمتها الباحثة والمؤرخة الإسبانية إلى 3 محطات:
المرحلة الأولى هي مرحلة الحكومة المؤقتة و"السنتان الأوليتان" (أبريل 1931/ نونبر 1933) أي بعد إعلان الجمهورية الثانية مع ما رافق ذلك من إجراءات وتعديلات على مستوى الجيش، ومن ذلك قرار إغلاق الأكاديمية العسكرية بسرقسطة وكذا تقليص عدد وحدات الجيش.
أما المرحلة الثانية فهي التي تطلق عليها "ماريا روزا" ب "السنتان السوداويتان" (نونبر 1933-فبراير 1936) وهي المرحلة التي شهدت ثورة "أستورياس" (1934) بعد إعلان الإتحاد العام للشغالين بإسبانيا عن إضراب عام بكل أرجاء إسبانيا والاضطرار إلى استدعاء "جيش إفريقيا" خصوصا من اللفيف الأجنبي والنظاميون قصد سحق هذه الثورة التي قادها عمال المناجم.
بالنسبة للمرحلة الثالثة فهي التي فهي التي تغطي فترة فبراير-يوليوز 1936، أي بعد عودة اليسار للحكم من جديد نتيجة الانتخابات العامة التي أجريت في فبراير 1936، وصعود حكومة الجبهة الشعبية وقيامها بعدة تعديلات داخل صفوف الجيش، وبداية الاستعداد للتمرد انطلاقا من الأراضي المغربية من قبل بعض الضباط، وهو التمرد الذي سينطلق مع 18 يوليوز 1936 من مليلية بقيادة الملازم "سيكي" والملازم "بارتومو" و"كاسابو" والقبطان "ميدرانو"... قبل أن يصل "فرانسيسكو فرانكو" في 19 يوليوز إلى تطوان لقيادة جيش إفريقيا في اتجاه إسبانيا.
5-تجنيد المغاربة في جيش فرانكو:
يعكس هذا الفصل دور المراقبين خلال عملية تجنيد الريفيين ضمن جيش فرانكو، وكذا دور القياد الذين ألزمتهم إدارة الانقلابيين في بداية الأمر بتجنيد 500 جندي في كل قبيلة. ففي منطقة الشمال وعشية 18 يوليوز 1936 "بلغت القوات العسكرية تحت راية الحماية الاسبانية حوالي أربعين ألف رجل. بالإضافة إلى أعداد التجنيد الإجباري (سبعة عشر ألف رجل)، كانت هناك قوات احترافية تنقسم إلى خمسة آلاف أوروبي و تسعة آلاف مغربي. وبالنسبة لهذه الأخيرة، إضافة إلى النظاميين، كانت هناك القوات المساعدة التي بلغت ثمانية آلاف"([6]). وتضيف "ماريا روزا": "لقد انخرط المغاربة بكثافة في صفوف الجيش الاسباني، وكان ذلك بسبب سنوات الجفاف الأولى (1934-1935) وظروف سنوات الحرب الأولى (1937)، الأمر الذي سهل مأمورية القياد. وبالمقارنة مع راتبهم الشهري كانوا أكبر عدد من المجندين رهن إشارة فرانكو. وبالمقابل كان الجنود المغاربة يحصلون على الأكل والشرب، واللباس والراتب"([7]). واضح إذن أن الباحثة تشير هنا إلى مجموعة من دواعي انخراط تجنيد المغاربة في جيش فرانكو، خاصة ما يتعلق بالظروف الطبيعية والاقتصادية القاسية التي كانت سائدة آنذاك([8]). إضافة إلى الدعاية التي تم القيام بها لإقناع المغاربة بضرورة الجهاد إلى جانب "فرانكو" من أجل مواجهة "الملحدين" و"الشيوعيين" و"الكفار".
لكن المؤرخة الإسبانية تقر بأن أهم سبب هو الفقر والجفاف، والظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية، الأمر الذي فرض على بعض المغاربة الانخراط في الجيش الإسباني([9])، رغم الصعوبات التي اعترت هذه العملية بسبب رفض بعض الأسر انخراط أبنائها في جيش فرانكو. وحسب بعض الإحصائيات التي تذكرها "ماريا روزا"، فقد وصل عدد المغاربة المجندين إلى 50.000 سنة 1937، وأن مجموع المغاربة المجندين وصل إلى ما يقرب 65.000 مجند([10]).
كما أن من محتويات هذا الفصل، الحديث عن معارضة القبائل الريفية لتجنيد المغاربة ضمن جيش الجنرال فرانكو، وهو السياق الذي تندرج فيه مثلا هذه الرسالة-النداء الذي أطلقه أزرقان، وزير خارجية "جمهورية الريف" على عهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، من فاس حول عدم الامتثال لأوامر القياد، لاسيما أمام هروب بعض الجنود من معسكرات الجيش، خصوصا "بعد أن أصبح التجنيد بعد 1936 مستعصيا وصعبا. من بين النظاميين الأوائل لم يعد أي منهم إلى أسرته ولا أرسل لهم لا مالا ولا خبرا، حتى نبأ وفاتهم لم يصل إلى ذويهم"، حسب ما تذكر الباحثة في مؤلفها.
إن أهم استنتاج يمكن الوصول إليه بعد استعراض كل المعطيات السابقة،هو أن المغاربة كانوا ضد المشاركة في الحرب الأهلية الاسبانية وضد التجنيد في صفوف جيش فرانكو، لاسيما بعد أن توالت الأصوات المعارضة لذلك، وقادت هذه الأصوات حملة مناهضة اقتياد المغاربة إلى "حرب الموت"، الأمر الذي جعل الفرانكاويين يعمدون إلى توظيف مختلف الوسائل والآليات لإقناع، وإجبار المغاربة على الانخراط والتسجيل في قوائم التجنيد، ومن ذلك الالتجاء إلى الطرق الصوفية والزوايا([11]).
وبجانب منطقة الشمال المغربي، فقد كانت هناك مناطق أخرى شملتها عملية التجنيد مثل منطقة آيت باعمران، وخاصة سيدي إفني، التي كانت خاضعة هي الأخرى "للحماية الإسبانية"، وقد برع سكان هذه المنطقة في سلك الرماة. ومن الأرقام التي أوردتها "ماريا روزا" حول هذه النقطة، أن 9000 من الرماة كانوا ينتمون إلى هذه المنطقة. ومن المناطق الأخرى التي كانت مصدر المجندين في جيش فرانكو، بعض المناطق التي كانت تحت نفوذ "الحماية الفرنسية". وما تجدر الإشارة إليه هو أن الحرب الأهلية الإسبانية لم تعرف مشاركة المغاربة فقط، بل كانت وفق المسوغات السابقة تحت إمرة وسلطة الإسبان، ومشاركة الألمان والإيطاليين والروس([12]).
6-موقف "الحركة الوطنية" بالشمال من الحرب الأهلية:
تتوقف "ماريا روزا مادارياغا" عند جذور "الحركة الوطنية" بشمال المغرب باعتبارها منطقة "الحماية الإسبانية"، وكذلك الإشارة إلى أن هذه الحركة لم تكن تفكر في الاستقلال بقدر ما كانت تفكر في بعض "الامتيازات والمصالح الإدارية والسياسية والاجتماعية والثقافية في ظل نظام جهوي"([13])، بعد أن تقدمت بمذكرة –وثيقة مطلبية بتاريخ 1 ماي 1931([14]). ومن بين الأسماء التي تقترن بها "الحركة الوطنية" بشمال المغرب نجد: عبد السلام بنونة ، عبد الخالق الطريس، محمد داود... أما بخصوص موقف هذه الحركة من مجريات الحرب الأهلية الإسبانية فتشير الباحثة إلى وجود تعاطف بين "الحركة الوطنية" بشمال المغرب واليسار الإسباني، قبل أن ينقلب زعيم هذه الحركة عبد الخالق الطريس لنصرة فرانكو، ابتداء من سنة 1936 بعد أن سمح له بتأسيس حزب "الإصلاح الوطني" كنقطة بداية مسلسل دعم فرانكو "القائد المظفر العظيم"، لاسيما مع انطلاق تسرب وانتشار أفكار القومية العربية مع زيارة شكيب أرسلان الذي كان يساند بدوره الألمان، وقد أثنى على عبد الخالق الطريس لموقفه من الإسبان (الفرانكاويين) ولانخراطه في الحركة الماسونية في يناير 1936، قبل أن تتساءل ماريا روزا "إذا كانت قمصان الفاشيين الإيطاليين سوداء والنازيين داكنة، وجبهة الكتائب الإسبانية زرقاء، فأي لون إذن بالنسبة للوطنيين المغاربة"([15]).
ومن الإجابات الأخرى التي يتضمنها هذا الفصل، التذكير بموقف الدعم والتعاطف لخليفة السلطان الحسن بن المهدي تجاه فرانكو والموقف المساند لبعض الشخصيات الأخرى مثل خالد الريسوني باشا مراكش. والمعروف أن فرانكو اعتمد على مواقف العديد من هذه الشخصيات السياسية والدينية خلال مرحلة الحرب الأهلية لدعم وحشد التأييد لحركته.
7-القوات الاستعمارية في إفريقيا خلال الحرب الأهلية:
تطرقت "ماريا روزا" في هذا الفصل إلى "جيش إفريقيا، كوحدة مستقلة مكونة خصوصا من النظاميين واللفيف الأجنبي، والدور الرئيسي الذي قام به كقوة صدام في المراحل الأولى للحرب الأهلية، تقوية للنفوذ الفرانكاوي"([16]). كما أن تتوقف "ماريا روزا" عند مسار دعم قوات فرانكو بعناصر اللفيف الأجنبي ومن بينهم المغاربة، وتتوقف الباحثة أيضا عند تطور هذه المسألة وبداية الحرب الأهلية الإسبانية، ومجريات الأحداث آنذاك وفصول هذه الحرب وكذا مساهمة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، قبل أن يتم تعيين الجنرال فرانكو جنرالا للجنرالات الذين سيشكلون جبهة الدفاع الوطني في 21 شتنبر 1936، وتعيينه في 28 شتنبر 1936 رئيسا لحكومة إسبانيا ليتحول إلى رئيس الدولة وقائد كل الأركان العليا.
ومن بين القضايا التي يثيرها هذا الفصل، تقنيات القتال عند المغاربة (ومن بينهم محمد أمزيان الذي بدأ مسيرته كضابط سامي) في القتال أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. ومن الأمور التي يتم تجاهلها بصدد الحديث عن هذه المسألة، هو عدد القتلى والضحايا المعطوبين الذين خلفتهم هذه الحرب في صفوف المغاربة الذين كانوا بمثابة حطب النار.
8-صور من الحرب الاستعمارية :
يعكس هذا المحور طبيعة الخدمات التي كانت تقدم للجنود المغاربة، ومن أهمها إحداث مرافق خاصة ومركزين لشؤون المغاربة، واحد في الجنوب والآخر في الشمال. ولقد كان من مهام هذين المركزين إعطاء بيانات عن عدد الموتى وإيصال المعلومات إلى مندوبية شؤون الأهالي بتطوان وإشعار عائلاتهم. وقد كان عدد المغاربة المتوفون خلال هذه الحرب كبيرا. علاوة على ذلك، فقد كانت هناك خدمات أخرى ترتبط بوظيفة كل من الفقهاء والأئمة الكتاب والمترجمين والإداريين... الذين تم توفيرهم للجنود المغاربة، ومنهم الموسيقيون كجانب من الترفيه والتسلية التي يمكن أن تنسيهم "قسوة الحرب" و"مشاهد الموت". ومن الإشارات الأخرى التي يحملها هذا الفصل، ما يتعلق بحملات التبشير الديني في صفوف المغاربة من قبل بعض الرهبان والقساوسة، رغم معارضة الفرانكاويين لذلك. كما تتوقف "ماريا روزا" عند ممارسات المغاربة خلال هذه الحرب والتي تجلت أساسا في السلب والقتل والاغتصاب وهو ما تعبر عنه ب"كوارث الحرب" و"الأعمال الوحشية"... وتقر الباحثة الإسبانية بأن ذلك كان بمباركة المسؤولين الإسبان وتنفيذا لأوامرهم، وهي أعمال قامت بها عناصر وفرق اللفيف الأجنبي التي كانت تضم جنود من جنسيات أخرى. وتعتبر هذه الأعمال والممارسات نقطة انطلاق صورة "المورو" عند الإسبان. وفي هذا الصدد تقول ماريا روزا: "ربطت صورة المورور بكل الأعمال الوحشية، لأنها في نظر الإسبان لا يمكن أن يمارسها إلا متوحشون. حينما مورست في المغرب، كان ينظر إليها على أنها طبيعية، لأنها ضد "همج" لكنها لم تقبل في إسبانيا لما مورست في بلد "متحضر" ضد أناس "متحضرين". لم يتم التعامل بنفس المقياس مع الريفيين "المتوحشين" والإسبان "المتحضرين"([17]).
وإذا كان أهم ما ميز المغاربة في البداية هو الحماس الذي انتابهم، فإن ما ميزهم أيضا مع توالي الأيام هو الإحساس بالضجر والاشمئزاز من جراء إرغامهم على المشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير. ومن الأمور التي عانى منها المغاربة المجندين في هذه الحرب، عدم الحصول على رواتبهم ونقص الأغذية والألبسة والمؤونة، إضافة إلى أمور أخرى تتعلق بالرخص والإجازات، هو ما كان السبب الرئيسي في للفرار من الجندية وتمرد المغاربة في صفوف الجيش النظامي وتذم أسرهم. ومن هنا بدأ مسلسل الهروب والفرار قبل أن تنتهي مأساة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)
وما استتبع ذلك من إجراءات تحدد المعاشات المخصصة لمعطوبي الحرب والأرامل، و"حسب مصطفى المرون فقد حصل حوالي 5000 مغربي من القوات النظامية على معاشات من الدولة الإسبانية سنة 1985"([18]). وتختم "ماريا روزا" هذا الفصل بالقول: "وفي أبريل 1937 وجه فرانكو خطابا بعبارات فضفاضة مروجا لديماغوجية مجانية: " حينما تزهر ورود النصر سنقدم لكم أجمل الزهور". كم هم المغاربة الذين قالوا واكتشفوا بأن هذه الورود كانت في الواقع أشواكا"([19]).
9-الإئتلاف المقدس:
يتحدث هذا الفصل عن "الإئتلاف المقدس" الذي نسج بين المسيحيين والمسلمين ضد "العدو الماركسي"، وهي الصورة التي تم الترويج لها على أساس أن المغربي المسلم مساند لأخيه الإسباني المسيحي، من قبل أمثال "أسين بلاثيوس" و"فيكتور رويث ألبينيس"... وهي الصورة التي كانت تنطوي عليها خطابات "التقارب والتآخي الإسباني المغربي" مثل الذي ألقاه المراقب العسكري القائد "غارسيا فيغيراس"، كما كانت تتردد هذه الخطابات في المناسبات الرسمية والإذاعات والصحافة وعلى لسان المسؤولين الإسبان. كما كان يتم مغازلة الشعور الديني لدى المسلمين عبر العمل على بناء المساجد (مسجد تطوان، مليلية...) كأهم معالم السياسة الدعائية التي قادها الفرانكاويين([20]).
في مقابل هذه الصورة التي ظل يروج لها أنصار فرانكو، كانت صورة "المورو الشرير" قد بدات تأخذ مكانها في خطاب اليسار، وهي الصورة التي ظلت عالقة بالأذهان لدى الإسبان وتعود بهم إلى أيام الهزائم خلال حرب الريف التحريرية (1909-1926م)، رغم وجود بعض الاستثناءات في وسط الجمهوريين الذين تحدثوا عن مقتل المغاربة المغرر بهم.
10-معارضة تجنيد المغاربة في جيش فرانكو:
لقد كانت هناك محاولات عديدة تروم ثني المغاربة عن الانخراط في جيش فرانكو، كما كانت هناك حملات عبر الإذاعة والنداءات الموجهة للجنود في شأن التعاون مع الجار الصديق. ومن المحاولات الأخرى التي عمد إليها الجمهوريون، العمل على تجنيد المغاربة ضمن القوات الجمهورية، خاصة مع محولات المسمى "ابن جالا" عبر دعواته المتكررة وأيضا دعوات الحزب الشيوعي، وتذكر "ماريا روزا" في هذا الصدد أن عدد المغاربة المتواجدين ضمن القوات الجمهورية كان يعد على أصابع اليد الواحدة.
إلى جانب ذلك، كانت هناك آليات مختلفة عمد على توظيفها الجمهوريون الإسبان، مثل مفاوضة "كتلة العمل الوطني" عبر وساطة بعض الاشتراكيين الفرنسيين قصد زعزعة أنصار فرانكو والقيام بانتفاضة ضدهم . علاوة على القيام ببعض المبادرات الدبلوماسية الأخرى من قبل حكومة "لاركو كاباييرو"، وكنموذج لذلك تقديم خطة في يناير-فبراير 1937 لأن تصبح الجمهورية عضو في عصبة الأمم. وتختم "ماريا روزا" هذا الكتاب بالقول: "في نهاية المطاف، كل المحاولات والخطط التي تم نهجها لمنع المغاربة من الانخراط في جيش فرانكو باءت بالفشل. لقد كانت آلة الحرب التي أطلقت عنانها القوات الفرانكاوية، في 18 يوليوز بتراب الحماية، لا تعرف التوقف"([21]).
خاتمة:
يحمل الكتاب المذكور سابقا معطيات ومعلومات قيمة حول الحرب الأهلية الإسبانية، لينضاف بذلك إلى قائمة الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع من مختلف الجوانب والزوايا، رغم ما جاء في مقالة الكاتب الإسباني "ماركوس روبر" من كون "ماريا روزا مادارياغا" ضمنت كتابها العديد من المعلومات التي تفتقر إلى التوثيق.
وفي الأخير، لابد من التذكير بأن أثقال الماضي لا يمكن أن تؤثر على آفاق المستقبل، إذا ما أخذنا بأواصر التقارب بين المغاربة والإسبان وعملنا على نسج علاقات تقوم على روح الانتماء المتوسطي والكوني بشتى أبعاده الثقافية والحضارية والتاريخية، بعيدا عن كل أشكال الحقد والكراهية وإذكاء عناصر الإحساس بما يمكن أن يلغي هذه الأواصر والانتماء المشترك بين الضفتين.
مراجع وهوامش:
[1] - ماريا روزا مادارياغا، مغاربة في خدمة فرانكو. ترجمة: كنزة الغالي، منشورات الزمن،سلسلة ضفاف، الطبعة الأولى، 2006، ص. 26.
[2] - هو فرانسيسكو فرانكو، تخرج من أكاديمية المشاة بطليطلة في يوليوز 1910 برتبة ملازم درجة ثانية، وترقى بعد في فبراير 1912 بمليلية إلى درجة الرجل الأول على فيلق "مشاة إفريقيا" رقم 68، ثم أصبح بعد ذلك في يوليوز من نفس السنة ملازم أول، ثم في أبريل 1913 أصبح على رأس "النظاميين" بمليلية. وفي نفس السنة نقل إلى الجبهة الغربية ليترقى في سنة 1915 إلى رتبة قبطان ثم إلى درجة قائد في يونيو 1916. وخلال 13 سنة انتقل من رتبة ملازم إلى جنرال. كما ان فرانكو شغل منصب مدير عام الأكاديمية العسكرية بسرقسطة منذ سنة 1928، ليقود صحبة آخرين تمردا على الحكومة الشرعية منذ 18 يوليوز 1936، ويصبح رئيس إسبانيا بعد نهاية الحرب الأهلية الإسبانية إلى غاية سنة 1975.
[3] - ماريا روزا، م-س، ص. 35.
[4]- نفس الأمر كان معمولا به في الجيش الفرنسي مع الگوم والرماة الجزائريين، ومع تجنيد السينغاليين في الحرب الاستعمارية وتجنيد المغاربيين أثناء الحرب العالمية الثانية والحرب الهند-صينية. وهو نفس الأمر الذي ينطبق على الإنجليز في الهند.
[5] - ماريا روزا، م-س، ص. 58.
[6] - نفسه، ص. 108.
[7] - نفسه، ص. 109.
[8]- حسب ما تذكره ماريا روزاـ فقد تم تأديب كل القياد الذين أبدوا برودة في التجنيد الجماعي للريفيين. وقد صدرت أوامر للقائد "مولا" (26يونيو 1926) في شأن لإعدام كل من ظهرت عليه علامات معارضة انقلاب "فرانكو". ومن إغراءات "فرانكو" التي وظفها في عملية تجنيد المغاربة، وعده بمنح الأراضي للمجندين بالأندلس ومنح استقلال للمغرب (منطقة الحماية الإسبانية). كما عمل على توظيف العامل الديني حتى أن فرانكو أصبح يلقب ب "الحاج فرانكو". وكلها عوامل تبرر دواعي مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية.
[9]- لقد قيل الشيء الكثير حول دواعي مشاركة المغاربة في مأساة الحرب المذكورة سابقا، لكن يبقى من المهم التأكيد على أن الدافع الأساسي للتسجيل في قوائم التجنيد هو توالي سنوات الجفاف والمجاعة والبؤس الاجتماعي والفقر، لاسيما بعد انتهاء حرب الريف التحريرية ومخلفات استعمال الغازات السامة واضطرار السكان لأكل نباتات سامة تعرف في منطقة الريف باسم "ارقانوش" أو "إيارني".
[10]- تتضارب الأرقام حول عدد المجندين المغاربة في جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية. وحسبنا أن نشير إلى أن "حصيلة مشاركة أبناء شمال المغرب في هذه الحرب من موتى ومعطوبين ومفقودين وصل إلى 268.152 أو أكثر على اعتبار أن الأرقام ليست دقيقة"، حسب ما ذكره الأستاذ الباحث مصطفى الغاديري في موضوعه "الخرب الأهلية الإسبانية من خلال الشعر الأمازيغي بالريف".
[11]- من بين هذه الزوايا مثلا، نجد الزاوية الدرقاوية. وحسب متا أورده محمد الحبيب الخراز "فإن الكولونيل بيكبيدر ذكر في يومياته أن فرانكو أمره يوم وصوله إلى تطوان بأن يتصل بأشياخ الطرق الصوفية الرئيسة المنتشرة بالقبائل ويطلب منهم مساعدتهم وتشجيع المغاربة على الانخراط في في صفوف الجيش الإسباني بدعوى أن مشاركتهم في الحرب هي من باب الجهاد ضد الكفار...". جريدة الشمال، الععد 315، 18/24-04-2006، ص. 17.
[12]- يقول مصطفى الغاديري حول هذه النقطة: "كانت القوات العسكرية النظامية من الإسبان والمغاربة بشمال المغرب (الريف) ومن جنوبه (قبائل آيت باعمران) والصحراء المغربية التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني هي الدعامة العسكرية الأساسية لحركة الديكتاتور الجنرال فرانكو، فضلا عن مساعدة الأنظمة الديكتاتورية التي كانت قائمة بأوربا، من أمثال النظام النازي الهيتليري والنظام الفاشستي الموسوليني".
[13] - ماريا روزا، م-س، ص. 138.
[14] - هو نفس الأمر الذي نجده في منطقة "الحماية الفرنسية" بعد ظهور "الحركة الوطنية"، على أنقاض حركة المقاومة المسلحة، مباشرة بعد صدور ظهير 16 ماي 1930، وفيما بعد "كتلة العمل الوطني" وتقديمها لوثيقة المطالبة بالإصلاحات (1934)
[15] - ماريا روزا، م-س، ص. 157.
[16] - نفسه، ص. 165.
[17]- نفسه، ص. 198. وفي نفس سياق الممارسات البشعة التي شهدتها الحرب الأهلية الإسبانية، نورد هنا مقطعا من قصيدة للشاعر الإسباني "لوركا"، وهذه المرة تحت عنوان "الدرك الإسباني"، وليس تحت عنوان "المورو" كما ذهبت إلى ذلك بعض الكتابات الأخرى التي تربط كل هذه الممارسات بالمغاربة. يقول "لوركا": (...)
لكن الدرك يتقدمون
زارعين تحت خطواتهم السعير،
حيث غارة وغارية،
روزا ابنة آل كامبوريوث،
تنتحب، على عتبة بابها جالسة،
لرؤية تهديها مقطوعين،
وموضوعين على طبق...
[18] - ماريا روزا، م-س، ص. 226.
[19] - نفسه، ص. 227.
[20] - بجانب ذلك عمل فرانكو على إرسال وفود من الحجاج المغاربة إلى مكة على نفقاته ووضع رهن إشاراتهم البواخر.
[21] - ماريا روزا، م-س، ص. 290