بقلم: محمد الرازقي.
عندما التحقت لأول مرة بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2009، أثار انتباهي وجود شكل تنظيمي يجمع ويمثل الطلبة الريفيين بهذه المدينة وبالخصوص بالحي الجامعي السويسي 1 لأنه الحاضن الأول لهذا الشكل، لكنه كان ما يزال مجرد لجنة ثقافية تهتم باقامة ندوات فكرية وإقامة أنشطة رياضية فقط، حتى الاسم الذي كانت تحمله الذي هو "لجنة ثيفاوين للثقافة والرياضة" كان يحيل على مهام هذه اللجنة، وطبعا أدت أدوارا كبيرة في التعريف بتاريخ الريف، وفي جمع الطلبة في أنشطة رياضية وأمسيات ...الخ.
هذه اللجنة تأسست منذ سنوات لكنها كانت تعرف نوعا من الجمود قبل أن يتجدد نشاطها من جديد، لأنها كانت مرهونة برغبة بعض الطلبة في العمل من عدمه، ولم تحضر في الزمن بشكل متصل، فبمجرد ما ترحل مثلا المجموعة التي كانت تشتغل في هذه اللجنة ، فان هذه الأخيرة كانت تجمد نشاطها إلى حين مجيء آخرين يحملون نفس الهم ولو بآليات مختلفة، إلا أنها ظلت كما قلت مجرد لجنة ثقافية ورياضية.
الوظائف التي كانت تؤديها هذه اللجنة لم تبدو لبعض الطلبة الجدد أنها كافية، خصوصا وان أغلبية الطلبة الريفيين لم يجدوا أنفسهم في التنظيمات الطلابية المتواجدة على الساحة، أو أدركوا الخصوصيات والتميز الذي غالبا ما يلاحظه وينشأ لدى الطالب القادم من الريف بمجرد سفره للرباط للدراسة، حيث يجد انه وسط بيئة مغايرة لغويا وثقافيا، ...الخ.
هذا المعطى ولد رغبة في بناء تنظيم طلابي ريفي يوفر للطالب الريفي إطار للدفاع عن مطالبه، وقد خلق نقاشا حادا وسط الطلبة الريفيين آنذاك،فيما اذا كانت هذا التنظيم يجب ان يبقى ذي صبغة ثقافية محضة، ام انه يجب أن يضاف إلى ذلك المطالب النقابية للريفيين في الجامعة ، لكن النقاش الحقيقي كان حول إمكانية تحول اللجنة إلى تبني خيارات سياسية بالإضافة اى ما هو نقابي وثقافي.
وقد وصل الأمر في إحدى الجمعات العامة للجنة إلى تنافس حاد وإقامة حملة واسعة بين تيارين، التيار الأول كان يدعو الى الحفاظ على اللجنة كما هي ،أي لجنة تهتم بإقامة دوريات كروية وندوات ثقافية او أمسيات، سيرا على خطى الطلبة السابقين، وقد استغلوا خوف البعض من انتقال اللجنة إلى تبني مواقف سياسية قد يتحملون مسؤوليتها مستقبلا، الشئ الذي جعل هذا التيار يحظى بمساندة واسعة في المرحلة الأولى من طرف فئة معينة من الطلبة الذي لم يكن همهم إلا استكمال مسارهم الدراسي والرحيل عن الرباط.
التيار الثاني هو الآخر كان يرد بأنه هو الأخر لم يأتي إلى الرباط إلا من اجل هذه الغاية أي من اجل الدراسة، لكنه يضيف بان هذه الغاية لا تمنعه من تأسيس تنظيم طلابي ريفي بحيث يسمح لهم بمراكمة العمل الذي يقومون به، مادام انهم متواجدون بالساحة، ويمنح بالتالي للطلبة الجدد باستكمال المسار الذي بدأه الأولون وهكذا دواليك، وقد برروا موقفهم هذا بكون الطالب الريفي له قضايا ومطالب لا يستطيع الدفاع عنها من داخل التنظيمات الطلابية المتواجدة بالساحة.
في ذلك الجمع العام استطاع التيار الأول أن يكسب المعركة لكونه استطاع ان يحشد اكبر عدد ممكن من الطلبة والطالبات الذين صوتوا لصالحهم ولصالح اقتراحاتهم، لكن هذا لم يمنع من إدخال لمسة للتيار الثاني على اللجنة، حيث تحول اسمها من "لجنة ثيفاوين للثقافة والرياضة" إلى "لجنة الطلبة الريفيين بالرباط".
هذا الاسم وبالخصوص في موقع الرباط أعطى انطباعا بوجود تماثل بين هذا التنظيم وتنظيم الطلبة الصحراويين، الذي يرفضون الاشتغال هم الآخرون تحت إطار "اوطم"، ليس هذا فقط بل استطاع التيار الثاني ان يدخل الفكرة في أذهان طلبة كثيرين عبر مرور الوقت، ليصبح الجميع تقريبا يؤمن بضرورة تبني اقتراحات هذا التيار الذي كان يدعوا إلى رفينة -نسبة الى الريف- هذا التنظيم، وهذا ما سنلاحظه في الجمع العام للجنة في العام الموالي، حيث أن الاقتراح سيأتي من مجموعة لم تكن من قبل تدافع عن هذا الخيار ،ولم تكن حاملة لفكرته، اقتراح تغيير اسم هذا التنظيم من "لجنة الطلبة الريفيين" إلى " اتحاد طلبة الريف".
بل أصبح بعض او أغلبية الطلبة الريفيون يتحدثون في الحلقيات باسم "الاتحاد الوطني لطلبة الريف" المعروفة اختصارا بـ"أوطر"، وهذا الأمر سيثير نقاشا حادا سواء في أوساط الطلبة الريفيين او بينهم وبين الفصائل الأخرى، اذ سنجد ردود فعل متباينة من الطلبة الريفيين المنتمين الى تيارات معينة (طلبة العدل والإحسان، اليساريون، الحركة الثقافية الامازيغية...)، او من طرف بعض الطلبة المتحزبين.
طرح هذا النقاش لأنهم في البداية كانوا يحضون بامتياز هو أنهم ذووا لونيين سياسيين، الأول هو انتمائهم الفكري والأيديولوجي، والثاني هو انتمائهم إلى الريف.
هذه النقطة خلقت إشكالا كبيرا، حيث انه كان من الممكن أن تأتي محطات قد تتعارض مصلحة الريف مع التيار الذي ينتمي إليه هذا الطالب، وبالتالي فأي التنظيمين سيختار، ولمن سينضبط؟
الذين دافعوا على ضرورة استقلالية التنظيم الريفي، كان ردهم هو انه لا يمكن التخلي على التنظيم الريفي لأنه هو الأساس، وهو فوق كل اعتبار سياسي او إيديولوجي، لان الايدولوجيا هي اختيار، في حين ان الانتماء الى الريف ليس اختيار، بل بمجرد ان تزداد في الريف وتكون من أصول ريفية وتتحدث اللغة الريفية فانك ان تنكرت لأصولك، فإما انك جاهل يجب أن تعود إلى جادة الصواب، وأن تنبّه، وإما انك خائن لأنك أنكرت أصولك،وهو طرح يؤمن الى حد ما بوجود رابط قومي بين الطلبة الريفيين قبل ان يكون رابطا ثقافيا.
الحركة الثقافية الأمازيغية –او الحاملين لتصوراتها من الطلبة المتواجدين بموقع الرباط والمنتمين الى مناطق اخرى غير المناطق الريفية- كان لها تحفظ قبل أن تتحول اللجنة إلى "اتحاد طلبة الريف" لأنها حصرت العضوية في الناطقين بالريفية، لان الجمعات العامة كانت أصلا تتم باللغة الريفية، وبالتالي فأي طالب حضر الجلسة لن يفهم شيئا، والمنحدرين من الريف ايضا، وقد بذلت مجهودات كبيرة لأجل ان يقنع الطلبة الامازيغ المنحدرين من المناطق المغربية الأخرى الطلبة الريفيين بضرورة الاتحاد في تنظيم طلابي واحد، لكن الطلبة الريفيين رفضوا منذ البداية، على اعتبار ان هوية هذا التنظيم لها خصائص لا يشترك فيها مع إخوتهم الامازيغ، وقد لاحظنا بعض ردود الأفعال مثلا عندما أقيم دوري للكرة، حيث قام البعض من الحركة الثقافية الامازيغية، بإزالة الملصقات والإعلانات من الجامعة ومن الحي الجامعي، التي تعلن عن بداية هذا الدوري، بداع انه حمل توقيع الطلبة الريفيين فقط وليس الامازيغ كلهم، وقد كتبوا تحتها عبارات تعوض كلمة الريفيين بالامازيغ، وهذه المواقف منسجمة مع تصورهم لشمال إفريقيا –ثمازغا- موحدة، من -سيوا إلى كنريا- كما يقولون في شعاراتهم، اي وحدة العرق الامازيغي مما لا يسمح بالحديث عن طلبة ريفيين عوض طلبة امازيغ مثلا، وكان رد الطلبة الريفيين هو انه لا خصام يجمعهم مع - MCA- بل ان الانفصال بهذا التنظيم الريفي عن الحركة الثقافية المازيغية اقتضته الضرورة.
كما ان الأمر سيظهر في حلقية لاحقة، حيث ستنظم الحركة الثقافية الامازيغية حلقية بجانب حلقية للطلبة الريفيين، كل فريق مستقل عن الأخر-اي حلقيتين منفصلتين عن بعضهما البعض-، خلق إحراجا كبيرا لشباب -MCA- لأنها وضعتهم أمام الأمر الواقع، وبينت أمام الجميع ان هناك تنظيم ريفي مستقل عن الحركة الثقافية الامازيغية الذي لطالما قالوا بأنهم لا ينفصل الواحد عن الآخر في أدبياتهم.
اما طلبة العدل والإحسان فقد كان لهم حساسية في البداية من تسمية "لجنة ثيفاوين" على اعتبار ان هذا الاسم يحمل بصمة الحركة الثقافية الامازيغية، لكن فيما بعد سوف لن يحتجوا كثيرا على تغيير اسم هذه اللجنة إلى اسم "لجنة الطلبة الريفيين"، فهم سوف يتخذون موقفا من التنظيم لما تحول الى "اتحاد طلبة الريف" لأنه هنا سوف لن يجعل ممكنا الجمع بين تنظيمين، إما ان تكون ريفيا او لا تكون، لكن موقفهم هذا عبروا عنه في مواضع بشكل محتشم، خوفا من ان ينظر إليهم وكأنهم يرجحون شيئا أخر على انتمائهم للريف.
هذا التحول في شكل اللجنة ستكون لديهم-أو بالأحرى لدى البعض منهم- انفصاما في الانتماء، مثلا، عندما يكونون داخل حلقية لطلبة العدل والإحسان، فإنهم يتكلمون من داخل إطار "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وفي حلقية الطلبة الريفيين، فعليهم ان يتكلمون من داخل اطار "اتحاد طلبة الريف"، الذي يضيف إليه البعض "الاتحاد الوطني لطلبة الريف"، بالإضافة الى كون انتمائهم الفكري الذي يؤمن بمفهوم الأمة الذي يتجاوز الحدود الوطنية للدولة، ورابطة العقيدة، وولائهم للشيخ ياسين، كل هذا يجعل من الصعب بمكان تبنيهم لخيار هذا التنظيم الريفي الجديد، بالرغم من أنهم يشتغلون من داخله فعليا، إلا أن مرجعيتهم تجعل الأمر وكأنه مؤقت، ا وان البعض منه سوف يتحول الى جانب التنظيم الريفي –وقد فعل ذلك البعض منهم- على حساب انتمائهم السابق.
الطلبة الريفيون ذوي التوجه اليساري لم تكن لهم أية تحفظات في المراحل الأولى، بل ولم يجد تعارضا بين ازدواجية الانتماء، لكنهم سيقولون كلمتهم في المرحلة الثالثة، أي عندما يتحول التنظيم إلى "اتحاد طلبة الريف" ، هنا سنجد أغلبيتهم سواء الريفيون منهم او المغاربة، ممن يستفسر عن مصير "اوطم" ، وعن مكانهم في هذا التنظيم الجديد بعد التغيير الذي طرأ عليه مؤخرا، خصوصا أنهم اشتغلوا منذ عقود من داخل إطار "اوطم".
هنا سيجد التيار الذي دافع عن ضرورة إحداث هذه التغييرات على اللجنة نفسه ملزما بتقديم تبريرات وحجج تعضد خطوته، وتستطيع إقناع هاؤلاء كلهم-على اختلاف توجهاتهم- بصواب هذا الخيار، كما سيجد نفسه ملزما بضرورة إرضاء الجميع، وفعلا قدم مجموعة من الأسباب التي جعلته يتبنى هذا الخيار، في مجموعة من المناسبات،سمعناها في بعض اللقاءات والحوارات الجانبية او الاجتماعات المصغرة، واذكر منها على سبيل المثال:
1. تغيير التنظيم من "لجنة ثقافية رياضية" الى "اتحاد لطلبة الريف" أملته الظروف والسياق العام، خصوصا مع بروز حركة 20 فبراير التي كشفت عن غياب منبر للطلبة الريفيين يدافعون من خلاله على بعض المطالب التي لا يستطيعون-او لا يسمح بذلك- الدفاع عنها من داخل التنظيمات المتواجدة في الجامعة المغربية.
2. الانتماء الى "اتحاد طلبة الريف" لا يتعارض مع اختيارات المرء الفكرية والإيديولوجية، فمثلا هناك طلبة لهم توجهات إما يسارية او إسلامية او امازيغية، وفي نفس الوقت هم يشتغلون من داخل "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وبالتالي فنفس الشئ يقع على الطلبة الريفيون ذوي الخلفيات المختلفة، إذ بإمكانهم الاحتفاظ بمرجعياتهم الفكرية، والعمل من داخل "اتحاد طلبة الريف".
3. ان قضية الريف-مطالبه الخاصة ،التاريخية،والثقافية،و...الخ- فوق كل اعتبار، اذ يجب التفريق بين البرامج المجتمعية (يسار،يمين...)، وبين الأولويات - مثلا التاريخ المنسي للريف،مسألة المشاركة في تدبير الشأن العام بالريف، المطالبة بالتعويض عن سنوات الرصاص والغازات السامة....- ،التي لا يجب ان تخضع لهذه الاختلافات الأيديولوجية.
4. ان "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" ليس إطارا مقدسا فوق التاريخ، بل هي تجربة جيل تحترم، وعلى هذا الجيل إن وجد خللا أن يحاول إصلاحه، فحتى الذين أسسوا "اوطم" لم يكونوا الا بشرا مثلنا.
5. إن الوحدة على القضايا الأساسية، لا يمكن ان تكون الا بوحدة الإطار الذي نشتغل من داخله رغم اختلافاتنا الايدولوجية والمذهبية، وهو اتحاد طلبة الريف بمختلف توجهاتهم الفكرية.
6. صعود جيل من الطلبة لا يجد نفسه –لا تجيب عن تساؤلاته ومطالبه- في التنظيمات الطلابية المتواجدة على الساحة الجامعية، يجعل من الطبيعي أن يبحث لنفسهم عن تنظيم ريفي يمثله، وبما أن وحدة المطلب تجمعهم مع آخرين من الطلبة الريفيين، فان التنظيم يجب أن يتوحد أيضا، وبما أن التنظيمات المتواجدة-غير اتحاد طلبة الريف- لا يمكن أن تتوحد، فلابد من إيجاد بديل يمكن أن تذوب فيه هذه الاختلافات الثانوية لصالح قضايا الطالب الريفي الحيوية والرئيسية.
دواعي وأسباب كثير قدمت لا مجال لذكرها كلها هنا، فسجال ونقاش مستفيض جمع الطلبة لمدة طويلة ولا يزال، وفي خضم هذا النقاش وبعد تحول اللجنة إلى "اتحاد طلبة الرف" طرحت مسألة الريف الكبير، بمعنى هل يحق للطلبة المنحدرين من طنجة وتطوان والمناطق الأخرى والذين لا يتكلمون باللغة الريفية ان يحملوا في الاتحاد نفس الصفة التي يحملها الطالب القادم من الحسيمة والناظور أو إحدى المناطق الأخرى التي تتحدث باللسان الريفي بشكل طبيعي.
هذه المسألة طرحت عندما أقدمت اللجنة المكلفة بالإعداد لدوري كروي في الحي الجامعي ربيع هذا العام، حيث وضعت في إعلانها انه موجه لطلبة" الريف الكبير"،وجعل الطلبة الذين ينحدرون من هذه المناطق يحسون بأنهم ينتمون إلى شئ اسمه الريف، بالرغم من عدم امتلاكهم للسان الريفي، لكن الانتماء إلى الريف ليس عبر اللسان فقط، هذا ما يجيب به احدهم وهو يحاول ان يفك هذه المفارقة.
اليوم نتساءل، هل سيكتب لهذه التجربة ان تستمر، وهل يمكن ان تقنع هذه التجربة باقي المواقع للسير على نفس خطى زملائهم في موقع الرباط؟ وما دلالة هذا البحث عن إطار بديل لـ"اوطيم"؟
أليس أولى ان ننظر الى هذه التجربة بعين مباشرة بدون خلفيات، ام ان القضية أعمق مما تظهر عليه حاليا؟ هل سيستطيع الطلبة الريفييون العمل من داخل إطار واحد هو"اتحاد طلبة الريف" رغم اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية؟ ام ان الأمر فرضته خصوصية موقع الرباط باعتبار الحساسيات المتواجدة على الساحة هناك؟
هل لهذا الاتحاد قراءة سياسية أخرى غير القراءة المباشرة لطلبة يبحثون عن منبر لإيصال صوتهم؟ وما مغزى الرسائل التي يحاول "اتحاد طلبة الريف" من اسمه، ومن بياناته وأنشطته؟ ما الذي قد نفهمه مثلا من العنوان الذي اختاره مؤخرا لدوري محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي جاء بهذه الصيغة: " الوفاء لماضي من اجل المستقبل"؟
هل يعنى هذا إن ماضي الريف مازال حاضرا في الفعل الطلابي الريفي، والى اي حد يحضر،او بالأحرى أي شكل يتخذ هذا الحضور؟
إن تحول هذا الاتحاد إلى إطار للطلبة الريفيين فعلى أي أرضية، وهل استطاع هؤلاء الطلبة وضع أرضية مرجعية لتجربتهم؟ أم أن البناء كان على أساس تاريخي وجغرافي وبما عرقي بالأساس؟
كل هذه الأسئلة تدفعنا الى التفكير في تجربة الطالب الريفي في الجامعة، وازدواجية الانتماء التي يعاني منها،الانتماء من جهة إلى ارض اسمها الريف بكل ما للكلمة من حمولة تاريخية وثقافية و...الخ،ومن جهة أخرى الانتماء الرسمي إلى دولة اسمها المغرب بكل حمولتها، من تمثل الطالب الريفي لهذه الأخيرة، وما يحمله عنها من تصورات امتزجت بالتاريخ الطويل لهذه الأخيرة في الريف.
لقد لاحظت ان الطالب الريفي بالرغم نضاله من داخل تيارات مختلفة في الجامعة المغربية، إلا أن الدافع غالبا ما يرتبط بانتمائه للريف أكثر من كونه راجعا الا مبادئ التيار الذي ينتسب إليه فكريا، بمعنى أن الإحساس بعدم الاعتراف بتاريخ الريف وخصوصياته، وتهميش الريف على حساب المركز وكل ما يمكن ان نعده اليوم كنقط سوداء لعلاقة الدولة مع الريف...الخ، هو السبب الرئيسي في احتجاج عمل الريفيين وسخطهم الدائم.
أقول هذا من باب تقرير ما هو كائن بعيدا عن لغة الخطابات، لأنه ثمة أزمة حقيقة في الشعور بالانتماء لدى الإنسان الريفي، وقد تم عدة محاولات لحسمها إلا أن الأمر بات اعقد مما كنا نتصور، قد يقول قائل بان هذه الأزمة تنطبق على الجميع في المغرب، مثلا الامازيغ، وأهل الصحراء، والعرب الذي يحسون بانتمائهم للشرق....الخ، أقول هذا ليس مستبعدا، لكن موضوع حديثي هنا عن الإنسان الريفي لذلك اقتصرت عليه، وربما ستأتي فرصة لنعمق التفكير في هذه القضية أكثر.
بعبارة أخرى هي أزمة هوية، لذلك أقول هل مبادرة الطالب الريفي هذه في الجامعة بالبحث عن إطار خاص به، هو في جوهره محاولة للبحث عن هوية ضائعة بين هذه الفسيفساء المتواجدة على الساحة الجامعية؟
نترك كل هذه الأسئلة وغيرها للتاريخ، وللفعل الطلابي الريفي للإجابة عنها.
عندما التحقت لأول مرة بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2009، أثار انتباهي وجود شكل تنظيمي يجمع ويمثل الطلبة الريفيين بهذه المدينة وبالخصوص بالحي الجامعي السويسي 1 لأنه الحاضن الأول لهذا الشكل، لكنه كان ما يزال مجرد لجنة ثقافية تهتم باقامة ندوات فكرية وإقامة أنشطة رياضية فقط، حتى الاسم الذي كانت تحمله الذي هو "لجنة ثيفاوين للثقافة والرياضة" كان يحيل على مهام هذه اللجنة، وطبعا أدت أدوارا كبيرة في التعريف بتاريخ الريف، وفي جمع الطلبة في أنشطة رياضية وأمسيات ...الخ.
هذه اللجنة تأسست منذ سنوات لكنها كانت تعرف نوعا من الجمود قبل أن يتجدد نشاطها من جديد، لأنها كانت مرهونة برغبة بعض الطلبة في العمل من عدمه، ولم تحضر في الزمن بشكل متصل، فبمجرد ما ترحل مثلا المجموعة التي كانت تشتغل في هذه اللجنة ، فان هذه الأخيرة كانت تجمد نشاطها إلى حين مجيء آخرين يحملون نفس الهم ولو بآليات مختلفة، إلا أنها ظلت كما قلت مجرد لجنة ثقافية ورياضية.
الوظائف التي كانت تؤديها هذه اللجنة لم تبدو لبعض الطلبة الجدد أنها كافية، خصوصا وان أغلبية الطلبة الريفيين لم يجدوا أنفسهم في التنظيمات الطلابية المتواجدة على الساحة، أو أدركوا الخصوصيات والتميز الذي غالبا ما يلاحظه وينشأ لدى الطالب القادم من الريف بمجرد سفره للرباط للدراسة، حيث يجد انه وسط بيئة مغايرة لغويا وثقافيا، ...الخ.
هذا المعطى ولد رغبة في بناء تنظيم طلابي ريفي يوفر للطالب الريفي إطار للدفاع عن مطالبه، وقد خلق نقاشا حادا وسط الطلبة الريفيين آنذاك،فيما اذا كانت هذا التنظيم يجب ان يبقى ذي صبغة ثقافية محضة، ام انه يجب أن يضاف إلى ذلك المطالب النقابية للريفيين في الجامعة ، لكن النقاش الحقيقي كان حول إمكانية تحول اللجنة إلى تبني خيارات سياسية بالإضافة اى ما هو نقابي وثقافي.
وقد وصل الأمر في إحدى الجمعات العامة للجنة إلى تنافس حاد وإقامة حملة واسعة بين تيارين، التيار الأول كان يدعو الى الحفاظ على اللجنة كما هي ،أي لجنة تهتم بإقامة دوريات كروية وندوات ثقافية او أمسيات، سيرا على خطى الطلبة السابقين، وقد استغلوا خوف البعض من انتقال اللجنة إلى تبني مواقف سياسية قد يتحملون مسؤوليتها مستقبلا، الشئ الذي جعل هذا التيار يحظى بمساندة واسعة في المرحلة الأولى من طرف فئة معينة من الطلبة الذي لم يكن همهم إلا استكمال مسارهم الدراسي والرحيل عن الرباط.
التيار الثاني هو الآخر كان يرد بأنه هو الأخر لم يأتي إلى الرباط إلا من اجل هذه الغاية أي من اجل الدراسة، لكنه يضيف بان هذه الغاية لا تمنعه من تأسيس تنظيم طلابي ريفي بحيث يسمح لهم بمراكمة العمل الذي يقومون به، مادام انهم متواجدون بالساحة، ويمنح بالتالي للطلبة الجدد باستكمال المسار الذي بدأه الأولون وهكذا دواليك، وقد برروا موقفهم هذا بكون الطالب الريفي له قضايا ومطالب لا يستطيع الدفاع عنها من داخل التنظيمات الطلابية المتواجدة بالساحة.
في ذلك الجمع العام استطاع التيار الأول أن يكسب المعركة لكونه استطاع ان يحشد اكبر عدد ممكن من الطلبة والطالبات الذين صوتوا لصالحهم ولصالح اقتراحاتهم، لكن هذا لم يمنع من إدخال لمسة للتيار الثاني على اللجنة، حيث تحول اسمها من "لجنة ثيفاوين للثقافة والرياضة" إلى "لجنة الطلبة الريفيين بالرباط".
هذا الاسم وبالخصوص في موقع الرباط أعطى انطباعا بوجود تماثل بين هذا التنظيم وتنظيم الطلبة الصحراويين، الذي يرفضون الاشتغال هم الآخرون تحت إطار "اوطم"، ليس هذا فقط بل استطاع التيار الثاني ان يدخل الفكرة في أذهان طلبة كثيرين عبر مرور الوقت، ليصبح الجميع تقريبا يؤمن بضرورة تبني اقتراحات هذا التيار الذي كان يدعوا إلى رفينة -نسبة الى الريف- هذا التنظيم، وهذا ما سنلاحظه في الجمع العام للجنة في العام الموالي، حيث أن الاقتراح سيأتي من مجموعة لم تكن من قبل تدافع عن هذا الخيار ،ولم تكن حاملة لفكرته، اقتراح تغيير اسم هذا التنظيم من "لجنة الطلبة الريفيين" إلى " اتحاد طلبة الريف".
بل أصبح بعض او أغلبية الطلبة الريفيون يتحدثون في الحلقيات باسم "الاتحاد الوطني لطلبة الريف" المعروفة اختصارا بـ"أوطر"، وهذا الأمر سيثير نقاشا حادا سواء في أوساط الطلبة الريفيين او بينهم وبين الفصائل الأخرى، اذ سنجد ردود فعل متباينة من الطلبة الريفيين المنتمين الى تيارات معينة (طلبة العدل والإحسان، اليساريون، الحركة الثقافية الامازيغية...)، او من طرف بعض الطلبة المتحزبين.
طرح هذا النقاش لأنهم في البداية كانوا يحضون بامتياز هو أنهم ذووا لونيين سياسيين، الأول هو انتمائهم الفكري والأيديولوجي، والثاني هو انتمائهم إلى الريف.
هذه النقطة خلقت إشكالا كبيرا، حيث انه كان من الممكن أن تأتي محطات قد تتعارض مصلحة الريف مع التيار الذي ينتمي إليه هذا الطالب، وبالتالي فأي التنظيمين سيختار، ولمن سينضبط؟
الذين دافعوا على ضرورة استقلالية التنظيم الريفي، كان ردهم هو انه لا يمكن التخلي على التنظيم الريفي لأنه هو الأساس، وهو فوق كل اعتبار سياسي او إيديولوجي، لان الايدولوجيا هي اختيار، في حين ان الانتماء الى الريف ليس اختيار، بل بمجرد ان تزداد في الريف وتكون من أصول ريفية وتتحدث اللغة الريفية فانك ان تنكرت لأصولك، فإما انك جاهل يجب أن تعود إلى جادة الصواب، وأن تنبّه، وإما انك خائن لأنك أنكرت أصولك،وهو طرح يؤمن الى حد ما بوجود رابط قومي بين الطلبة الريفيين قبل ان يكون رابطا ثقافيا.
الحركة الثقافية الأمازيغية –او الحاملين لتصوراتها من الطلبة المتواجدين بموقع الرباط والمنتمين الى مناطق اخرى غير المناطق الريفية- كان لها تحفظ قبل أن تتحول اللجنة إلى "اتحاد طلبة الريف" لأنها حصرت العضوية في الناطقين بالريفية، لان الجمعات العامة كانت أصلا تتم باللغة الريفية، وبالتالي فأي طالب حضر الجلسة لن يفهم شيئا، والمنحدرين من الريف ايضا، وقد بذلت مجهودات كبيرة لأجل ان يقنع الطلبة الامازيغ المنحدرين من المناطق المغربية الأخرى الطلبة الريفيين بضرورة الاتحاد في تنظيم طلابي واحد، لكن الطلبة الريفيين رفضوا منذ البداية، على اعتبار ان هوية هذا التنظيم لها خصائص لا يشترك فيها مع إخوتهم الامازيغ، وقد لاحظنا بعض ردود الأفعال مثلا عندما أقيم دوري للكرة، حيث قام البعض من الحركة الثقافية الامازيغية، بإزالة الملصقات والإعلانات من الجامعة ومن الحي الجامعي، التي تعلن عن بداية هذا الدوري، بداع انه حمل توقيع الطلبة الريفيين فقط وليس الامازيغ كلهم، وقد كتبوا تحتها عبارات تعوض كلمة الريفيين بالامازيغ، وهذه المواقف منسجمة مع تصورهم لشمال إفريقيا –ثمازغا- موحدة، من -سيوا إلى كنريا- كما يقولون في شعاراتهم، اي وحدة العرق الامازيغي مما لا يسمح بالحديث عن طلبة ريفيين عوض طلبة امازيغ مثلا، وكان رد الطلبة الريفيين هو انه لا خصام يجمعهم مع - MCA- بل ان الانفصال بهذا التنظيم الريفي عن الحركة الثقافية المازيغية اقتضته الضرورة.
كما ان الأمر سيظهر في حلقية لاحقة، حيث ستنظم الحركة الثقافية الامازيغية حلقية بجانب حلقية للطلبة الريفيين، كل فريق مستقل عن الأخر-اي حلقيتين منفصلتين عن بعضهما البعض-، خلق إحراجا كبيرا لشباب -MCA- لأنها وضعتهم أمام الأمر الواقع، وبينت أمام الجميع ان هناك تنظيم ريفي مستقل عن الحركة الثقافية الامازيغية الذي لطالما قالوا بأنهم لا ينفصل الواحد عن الآخر في أدبياتهم.
اما طلبة العدل والإحسان فقد كان لهم حساسية في البداية من تسمية "لجنة ثيفاوين" على اعتبار ان هذا الاسم يحمل بصمة الحركة الثقافية الامازيغية، لكن فيما بعد سوف لن يحتجوا كثيرا على تغيير اسم هذه اللجنة إلى اسم "لجنة الطلبة الريفيين"، فهم سوف يتخذون موقفا من التنظيم لما تحول الى "اتحاد طلبة الريف" لأنه هنا سوف لن يجعل ممكنا الجمع بين تنظيمين، إما ان تكون ريفيا او لا تكون، لكن موقفهم هذا عبروا عنه في مواضع بشكل محتشم، خوفا من ان ينظر إليهم وكأنهم يرجحون شيئا أخر على انتمائهم للريف.
هذا التحول في شكل اللجنة ستكون لديهم-أو بالأحرى لدى البعض منهم- انفصاما في الانتماء، مثلا، عندما يكونون داخل حلقية لطلبة العدل والإحسان، فإنهم يتكلمون من داخل إطار "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وفي حلقية الطلبة الريفيين، فعليهم ان يتكلمون من داخل اطار "اتحاد طلبة الريف"، الذي يضيف إليه البعض "الاتحاد الوطني لطلبة الريف"، بالإضافة الى كون انتمائهم الفكري الذي يؤمن بمفهوم الأمة الذي يتجاوز الحدود الوطنية للدولة، ورابطة العقيدة، وولائهم للشيخ ياسين، كل هذا يجعل من الصعب بمكان تبنيهم لخيار هذا التنظيم الريفي الجديد، بالرغم من أنهم يشتغلون من داخله فعليا، إلا أن مرجعيتهم تجعل الأمر وكأنه مؤقت، ا وان البعض منه سوف يتحول الى جانب التنظيم الريفي –وقد فعل ذلك البعض منهم- على حساب انتمائهم السابق.
الطلبة الريفيون ذوي التوجه اليساري لم تكن لهم أية تحفظات في المراحل الأولى، بل ولم يجد تعارضا بين ازدواجية الانتماء، لكنهم سيقولون كلمتهم في المرحلة الثالثة، أي عندما يتحول التنظيم إلى "اتحاد طلبة الريف" ، هنا سنجد أغلبيتهم سواء الريفيون منهم او المغاربة، ممن يستفسر عن مصير "اوطم" ، وعن مكانهم في هذا التنظيم الجديد بعد التغيير الذي طرأ عليه مؤخرا، خصوصا أنهم اشتغلوا منذ عقود من داخل إطار "اوطم".
هنا سيجد التيار الذي دافع عن ضرورة إحداث هذه التغييرات على اللجنة نفسه ملزما بتقديم تبريرات وحجج تعضد خطوته، وتستطيع إقناع هاؤلاء كلهم-على اختلاف توجهاتهم- بصواب هذا الخيار، كما سيجد نفسه ملزما بضرورة إرضاء الجميع، وفعلا قدم مجموعة من الأسباب التي جعلته يتبنى هذا الخيار، في مجموعة من المناسبات،سمعناها في بعض اللقاءات والحوارات الجانبية او الاجتماعات المصغرة، واذكر منها على سبيل المثال:
1. تغيير التنظيم من "لجنة ثقافية رياضية" الى "اتحاد لطلبة الريف" أملته الظروف والسياق العام، خصوصا مع بروز حركة 20 فبراير التي كشفت عن غياب منبر للطلبة الريفيين يدافعون من خلاله على بعض المطالب التي لا يستطيعون-او لا يسمح بذلك- الدفاع عنها من داخل التنظيمات المتواجدة في الجامعة المغربية.
2. الانتماء الى "اتحاد طلبة الريف" لا يتعارض مع اختيارات المرء الفكرية والإيديولوجية، فمثلا هناك طلبة لهم توجهات إما يسارية او إسلامية او امازيغية، وفي نفس الوقت هم يشتغلون من داخل "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وبالتالي فنفس الشئ يقع على الطلبة الريفيون ذوي الخلفيات المختلفة، إذ بإمكانهم الاحتفاظ بمرجعياتهم الفكرية، والعمل من داخل "اتحاد طلبة الريف".
3. ان قضية الريف-مطالبه الخاصة ،التاريخية،والثقافية،و...الخ- فوق كل اعتبار، اذ يجب التفريق بين البرامج المجتمعية (يسار،يمين...)، وبين الأولويات - مثلا التاريخ المنسي للريف،مسألة المشاركة في تدبير الشأن العام بالريف، المطالبة بالتعويض عن سنوات الرصاص والغازات السامة....- ،التي لا يجب ان تخضع لهذه الاختلافات الأيديولوجية.
4. ان "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" ليس إطارا مقدسا فوق التاريخ، بل هي تجربة جيل تحترم، وعلى هذا الجيل إن وجد خللا أن يحاول إصلاحه، فحتى الذين أسسوا "اوطم" لم يكونوا الا بشرا مثلنا.
5. إن الوحدة على القضايا الأساسية، لا يمكن ان تكون الا بوحدة الإطار الذي نشتغل من داخله رغم اختلافاتنا الايدولوجية والمذهبية، وهو اتحاد طلبة الريف بمختلف توجهاتهم الفكرية.
6. صعود جيل من الطلبة لا يجد نفسه –لا تجيب عن تساؤلاته ومطالبه- في التنظيمات الطلابية المتواجدة على الساحة الجامعية، يجعل من الطبيعي أن يبحث لنفسهم عن تنظيم ريفي يمثله، وبما أن وحدة المطلب تجمعهم مع آخرين من الطلبة الريفيين، فان التنظيم يجب أن يتوحد أيضا، وبما أن التنظيمات المتواجدة-غير اتحاد طلبة الريف- لا يمكن أن تتوحد، فلابد من إيجاد بديل يمكن أن تذوب فيه هذه الاختلافات الثانوية لصالح قضايا الطالب الريفي الحيوية والرئيسية.
دواعي وأسباب كثير قدمت لا مجال لذكرها كلها هنا، فسجال ونقاش مستفيض جمع الطلبة لمدة طويلة ولا يزال، وفي خضم هذا النقاش وبعد تحول اللجنة إلى "اتحاد طلبة الرف" طرحت مسألة الريف الكبير، بمعنى هل يحق للطلبة المنحدرين من طنجة وتطوان والمناطق الأخرى والذين لا يتكلمون باللغة الريفية ان يحملوا في الاتحاد نفس الصفة التي يحملها الطالب القادم من الحسيمة والناظور أو إحدى المناطق الأخرى التي تتحدث باللسان الريفي بشكل طبيعي.
هذه المسألة طرحت عندما أقدمت اللجنة المكلفة بالإعداد لدوري كروي في الحي الجامعي ربيع هذا العام، حيث وضعت في إعلانها انه موجه لطلبة" الريف الكبير"،وجعل الطلبة الذين ينحدرون من هذه المناطق يحسون بأنهم ينتمون إلى شئ اسمه الريف، بالرغم من عدم امتلاكهم للسان الريفي، لكن الانتماء إلى الريف ليس عبر اللسان فقط، هذا ما يجيب به احدهم وهو يحاول ان يفك هذه المفارقة.
اليوم نتساءل، هل سيكتب لهذه التجربة ان تستمر، وهل يمكن ان تقنع هذه التجربة باقي المواقع للسير على نفس خطى زملائهم في موقع الرباط؟ وما دلالة هذا البحث عن إطار بديل لـ"اوطيم"؟
أليس أولى ان ننظر الى هذه التجربة بعين مباشرة بدون خلفيات، ام ان القضية أعمق مما تظهر عليه حاليا؟ هل سيستطيع الطلبة الريفييون العمل من داخل إطار واحد هو"اتحاد طلبة الريف" رغم اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية؟ ام ان الأمر فرضته خصوصية موقع الرباط باعتبار الحساسيات المتواجدة على الساحة هناك؟
هل لهذا الاتحاد قراءة سياسية أخرى غير القراءة المباشرة لطلبة يبحثون عن منبر لإيصال صوتهم؟ وما مغزى الرسائل التي يحاول "اتحاد طلبة الريف" من اسمه، ومن بياناته وأنشطته؟ ما الذي قد نفهمه مثلا من العنوان الذي اختاره مؤخرا لدوري محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي جاء بهذه الصيغة: " الوفاء لماضي من اجل المستقبل"؟
هل يعنى هذا إن ماضي الريف مازال حاضرا في الفعل الطلابي الريفي، والى اي حد يحضر،او بالأحرى أي شكل يتخذ هذا الحضور؟
إن تحول هذا الاتحاد إلى إطار للطلبة الريفيين فعلى أي أرضية، وهل استطاع هؤلاء الطلبة وضع أرضية مرجعية لتجربتهم؟ أم أن البناء كان على أساس تاريخي وجغرافي وبما عرقي بالأساس؟
كل هذه الأسئلة تدفعنا الى التفكير في تجربة الطالب الريفي في الجامعة، وازدواجية الانتماء التي يعاني منها،الانتماء من جهة إلى ارض اسمها الريف بكل ما للكلمة من حمولة تاريخية وثقافية و...الخ،ومن جهة أخرى الانتماء الرسمي إلى دولة اسمها المغرب بكل حمولتها، من تمثل الطالب الريفي لهذه الأخيرة، وما يحمله عنها من تصورات امتزجت بالتاريخ الطويل لهذه الأخيرة في الريف.
لقد لاحظت ان الطالب الريفي بالرغم نضاله من داخل تيارات مختلفة في الجامعة المغربية، إلا أن الدافع غالبا ما يرتبط بانتمائه للريف أكثر من كونه راجعا الا مبادئ التيار الذي ينتسب إليه فكريا، بمعنى أن الإحساس بعدم الاعتراف بتاريخ الريف وخصوصياته، وتهميش الريف على حساب المركز وكل ما يمكن ان نعده اليوم كنقط سوداء لعلاقة الدولة مع الريف...الخ، هو السبب الرئيسي في احتجاج عمل الريفيين وسخطهم الدائم.
أقول هذا من باب تقرير ما هو كائن بعيدا عن لغة الخطابات، لأنه ثمة أزمة حقيقة في الشعور بالانتماء لدى الإنسان الريفي، وقد تم عدة محاولات لحسمها إلا أن الأمر بات اعقد مما كنا نتصور، قد يقول قائل بان هذه الأزمة تنطبق على الجميع في المغرب، مثلا الامازيغ، وأهل الصحراء، والعرب الذي يحسون بانتمائهم للشرق....الخ، أقول هذا ليس مستبعدا، لكن موضوع حديثي هنا عن الإنسان الريفي لذلك اقتصرت عليه، وربما ستأتي فرصة لنعمق التفكير في هذه القضية أكثر.
بعبارة أخرى هي أزمة هوية، لذلك أقول هل مبادرة الطالب الريفي هذه في الجامعة بالبحث عن إطار خاص به، هو في جوهره محاولة للبحث عن هوية ضائعة بين هذه الفسيفساء المتواجدة على الساحة الجامعية؟
نترك كل هذه الأسئلة وغيرها للتاريخ، وللفعل الطلابي الريفي للإجابة عنها.