رامية نجيمة
لماذا اختار الله سبحانه و تعالى اللغة العربية لتكون لغةً للقرآن الكريم؟
سؤال لابد أنّه تبادر إلى كثير من الأذهان، خصوصا من يتفكّر في هذا الكتاب المعجزة الذي أعجز علماء النحو والبلاغة، و الذي لم يُكشف بعد عن كلّ أسراره ، فمن غير المعقول أن يكون اختيار اللغة العربية عشوائيا أو محض مصادفة.
بداية اختار الله عزّ و جلّ أن يكون القرآن عربيا لأنّه نزل في مهد العرب و ما كان من الممكن أن يكون أعجميا لأنّهم سيتحججون بعدم فهمه، فكان لابد أن يكون بلغتهم حتى يفهموه هم أولا قبل أن يتسنى لهم تبليغ الرسالة للعالم أجمع، و لأنه لا يعقل أن ينزل عليهم بغير لغتهم، قال تعالى في سورة فُصلّت الآية 14 "و لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلّت آياته أأعجمي و عربي". و تضم الآية الكريمة سؤالا إستنكاريا، بمعنى أقرآن أعجمي و نبي عربي؟
و لكن سادت في عصرنا الحالي فكرة تقول أن الله اختار العرب بالذات بالرسالة وبعث فيهم آخر الرسل نظرا لدمويتهم، وعنفهم الشديد، و لأنهم قوم منافقون سادهم الجهل و التخلف، و قد لاقت هذه الفكرة رواجا كبيرا، خصوصا في غياب علماء متخصصين، و يستدلّ أصحاب هذه الفكرة بآية من القرآن الكريم و هي الآية 97 من سورة التوبة التي تقول: "الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجدرُ ألا يعلموا حدودَ ما أنزل الله "، مع أن كلمة "الأعراب" في الآية الكريمة ليس مقصودٌ بها "العرب" و لكن بعض "البدو"، حيث يقول في آية أخرى: "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قرباتٍ عند الله..." التوبة، الآية 99.
كما أنّ الفترة التي نزل فيها القرآن الكريم، و هي القرن السابع الميلادي كان العرب فيها من أقوى الشعوب وأََميزها، و عكس ما يُشاع، لم يكن العرب أُمّة تخلف، بل كانوا في زمانهم فطاحلة شعرٍ و أدب، ذوي فصاحةٍ و بلاغةٍ اشتهر عنهم الكرم و الصدق، كما اشتهروا بعزّة النفس و الكرامة، ممّا أدى بهم إلى حروب طويلة ( حرب البسوس ) و هذا يَسهل استنباطه على كلّ متأمل في الشعر الجاهلي، و التاريخ العربي القديم يروي عن العرب مكارم الأخلاق و إكرام الضيف، و من منا لا يعرف قصة "حاتم الطائي" الذي ذبح فرسه الوحيدة لضيوف كانوا قد جاؤوا أساسا ليشتروها.
كما كان العرب حينها ينظمون سوق عكاظ الذي يمكن اعتباره مهرجانا شعريا و ثقافيا بكل المعايير في وقت كانت أوروبا تعيش ما يسمى عصورا وسطى و هو العصر الظلامي الذي عاشت فيه أسوء مراحلها.
كما أنّ القول بأن الله عز و جل خصّ العرب برسالته لأنّهم كانوا قوما دمويين يئدون البنات، فهذا أيضا لا يبدو منطقيا إذا أخذنا بعين الإعتبار أنّ في نفس تلك الفترة سادت ثقافات وشعوب أكثر عنفا و دموية. فلو أن هذه الفكرة صحيحة لكان من باب أولى أن ينزل الله سبحانه و تعالى القرآن على شعب "المايا" مثلا (1700 ق م إلى 1697م ) فهؤلاء أشدّ دموية حيث كانوا يقدمون الضحايا البشرية من الأطفال والعبيد وأسرى الحرب، وكانت الضحية تُدهن باللون الأزرق وتُقتل فوق قمّة الهرم في احتفالية طقوسية، حيث تُضرب بالسهام حتى الموت، أو بعد تقييد الساعدين والساقين بينما يشق الكاهن صدره بسكين حاد مقدس من حجر الصوان لينتزع القلب ليقدم كقربان، وكان القادة من أسرى الأعداء يُقدمون كضحية بعد قتلهم بالفؤوس وسط مراسم من الطقوس !
فالعرب إذا ليسوا أكثرالشعوب سفكا للدماء.
أما عن اللغة العربية فهي لوحدها أسطورة ، خصوصا عندما تتزين ببلاغة القرآن الكريم و لا عجب أن يختارها سبحانه و تعالى لتكون وعاءً للكلمة الربانية(1) ، مصداقا لقوله تعالى:"إنا جعلناه قرآنا عربيا غير ذي عوج"، و هذا يعني أنّ كلمات الله لا يفترض أن يكون فيها العِوج و هي بالتالي تحتاج إلى لغة كاملة غير ذات عوج، و لا يوجد أفضل من اللغة العربية بالنظر إلى الصفات العجيبة التي تميزها، و نسرد هنا بعضها:
الغنى من حيث الجدور
حيث تتميز ب 16000 جدر لغوي مقابل 2500 جذر اللغوي في العبرية و 1000 جذر لغوي في اللغة السكسونية و 700 جدر لغوي في اللاتينية.
الغنى من حيث المفردات
حيث أنّ لكلّ كلمة عربية عدة مرادفات، تعطي المتكلم حرية أكبر في الاختيار، فاسم الأسد مثلا يحمل أكثر من عشرة مرادفات من بينها: سبع، ليث، ورد، غدنفر، بيهس، جساس، درواس....و قس على ذلك.
الغنى في الإشتقاق
حيث أنّ كلّ كلمة في اللغة العربية يشتق منها عدة كلمات، وهذا الأمر غير موجودٍ في اللغات الأخرى، مثال:
في الإنجليزية مثلا يعبر عن الشيئ الطويل ب ( tall ) ، و في الفرنسية لا تتعدى ( long ) و ( longtemps ) و ( longueur ) أما في اللغة العربية فنقول: طويل، يطول، مستطيل، إستطالة، طِوال، طول، أطول، مُطوِّل، مُطََّوّل، يُطّل، إطلالة، طائل.... و قس على ذلك، وهذا يعني قدرة أكبر على التعبير.
القدرة على التعبير بأقل عدد من الكلمات
تتميز اللغة العربية بأنها قادرة على إيصال أكبر عدد من المعلومات، بكلمات قليلة، فلو وضعنا نفس حجم ومقدار المعلومات الموجودة في القرآن الكريم في كتاب بِلُغة أخرى لحصلنا على موسوعةٍ من الحجمِ الكبير مما يجعل قراءته مشقّة ما بعدها مشقّة، و خير مثال على هذا الآية رقم 7 من سورة الذاريات، حيث قال عز وجل:" و السماء ذات الحُبُك" كلمة "الحُبُك" هنا تعني الطرق و المسارات، كما تعني الجدائل و الخيوط، و إذا أردنا ترجمة هذه الآية إلى الإنجليزية مثلا ستعطينا:
(and the heaving containing paths ropes and the heaven containing weaved)
فاللغة العربية أعطتنا معلومة ب 3 كلمات فقط، بينما أعطتنا الإنجليزية ما يقارب المعنى ب 11 حرفا، و بلغة المعلوميات نقول أن نسبة الضغط في اللغة العربية أكبر و هي تعادل 1:4 أي أننا إذا أردنا ترجمة القرآن بكلّ معانيه الدقيقة إلى اللغة الإنجليزية، فإننا سنحصل على كتاب أكبر أربع مرات من القرآن العربي.
إستحالة ترجمة بعض كلماتها
لفظ الجلالة "الله" غير قابل للترجمة، و كلمة لا يوجد مرادفها في القاموس الكوني، و هي الكلمة الوحيدة في اللغة العربية التي تبدأ بالصوت "أ" بالتضخيم ، حيث تبدأ كل الكلمة ب " أ" المرققة، و هي غير قابلة للترجمة، كما أن كلمة "الحمد" في الحمد لله وكلمة "سبحان" في سبحان الله لا يوجد مرادف حقيقي لهما في أية لغة تمت دراستها حتى الآن.
تتميز بالمستوى الخامس
و يقصد بهذا أن الحرف المستقل له ذاتية و رمزية ، ذلك مثلا أن الطفل الصغير قبل أن يتعلم أي لغة، فإنه إذا أحرق أصبعه يقول "أح" و قد اكتشف أن هذا الحرف يدخل فعلا في كلمات تدل على السخونة فنقول: حرارة، حريق، فلفل حارّ، حمى، حميم، حرّيف.
بينما إذا أخدنا الصوت "خ" مثلا فنرمز به للأشياء القبيحة في لغة الأطفال، و اتضح فعلا أنه يدخل في تكوين عدد من الكلمات السلبية فنقول مثلا: خيانة، خداع، خلل، خوف، خرقة، خسة، خزي، خلاعة، خجل، خذلان، وسخ....
و ما يثير الاستغراب فعلا أن حرف الخاء لم يأت أبدا في الحروف المقطعة في القرآن الكريم و هو يعتبر من الحروف الظلامية.
بالإضافة إلى ما سبق تُعتبر اللغة العربية من اللغات السامية، و تحتل المرتبة الخامسة عالميا و الأولى إفريقيا من حيث الإستعمال.
و تاريخها حسب الأبحاث العلمية يعود إلى ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد، و قد ورد في السنة أنها أول لغة تحدث بها آدم عليه السلام، عندما عطس و قال " الحمد لله"، و هي مرشحة لأن تكون أصل اللغات.
و الآن و بعد كل هذا التمجيد و التبجيل للغة العربية و كل هذا التعداد لمزاياها، كما يذكرها علماء اللغة، يحق لقارئ هذه السطور أن يسأل السؤال التالي:
هل تفوّق لغةٍ معينة أو شعب معين مبررٌ مشروع لاستعمار شعوب أخرى أو محاولة ابتلاعها ثقافيا؟
قبل الإجابة دعونا نطرح السؤال بصيغة أخرى أكثر وضوح وجرأة.
بما أنّ أغلب المغاربة مسلمون و بما أنّ العربية هي اللغة التي اختارها سبحانه و تعالى لكتابه الكريم ، فهل وجب هنا على المغاربة الإنحياز للغة العربية على حساب الأمازيغية التي هي لغة السكان الأصليين؟
أماّ عن المغاربة الأفراد فالمسألة له صلة بالحرية الشخصية لكل فرد، أمّا عن مؤسسة الدولة، فالجواب ببساطة و بدون سفسطة زائفة يكمن في مجموع آيات قرآنية و حديث شريف، فقد قال تعالى في كتابه الحكيم: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الآية 13 سور الحجرات، قال سبحانه و تعالى "لتعارفوا" و لم يقل ليطغى بعضكم على بعض، أو ليُفني بعضكم بعض، ثم قال "إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم" و لو كانت الأفضلية للعرب لقال القرآن ببساطة إن "أفضلكم أعربكم" و لكنّه لم يقل دلالة على أن المعيار الوحيد للتمييز بين الشعوب عند الله سبحانه و تعالى هو التقوى، بغض النظّر عن الجنس أو اللون أو العرق، و استمرارا في العدالة الربانية المفحمة يقول عز و جل: " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" آل عمران 195، و في السنة النبوية حديث واضح لا يَعسُر فهمه على ذي عقل، حيث قال عليه الصلاة و السلام :" يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي، وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره.
هذا هو المنطق الإلهي و هذه هي العدالة الربانية، التي حررّت الإنسان من عرقه و انتماءه قبل أن تأتي ديموقراطية الغرب بأزمان.
وكما اختار عزّ و جلّ العربية لغة للقرآن الكريم فقد اختار الأمازيغية لغة لشعب برمته، فلا يحقّ لعربي أن يفرض ثقافته على الآخر، و من حقّ كلّ إنسان أن يَفخرَ و يتشرّف بنسبه و عرقه مهما كان، و لا يحق لأيٍ كان أن يطغى على آخر لا بمنطق الأفضلية و لا بمنطق الكثرة و لا بمنطق الدين، و إلا لجاز لفرنسا أو أمريكا أن تستعمرنا وتفرض علينا ثقافتها بحجة أنها دول متقدمة !
و تجاهل اللغة الأمازيغية يعكس داخليا خوفا غير مبرر من أن تقضي هذه الأخيرة على اللغة العربية، و هو أمر مستحيل نظرا لكل المميزات التي تتميز بها اللغة العربية و التي ذكرناها آنفا، والنهوض بالأمازيغية وإعطاءها حقها كفيل بأن يغني الحقل الثقافي المغربي من كل النواحي و كفيل أيضا بتقوية الروابط بين المغاربة مع اختلاف أعراقهم، حيث لن يبقى في المغرب لا عربا و لا أمازيغ فقط مغاربة يوحدهم الوطن، و يصبح من حق كلّ المغاربة "كلهم" أن يفخروا أنّ بلدهم المغرب هو موطن التعدد الحضاري و الثقافي، و هو الشوكة التي ستقف في حلق من يحاول زعزعة الثقة و خلق الفتنة بين مكونات الشعب الواحد.
- اللغة التي تكلم بها آدم ، برنامج العلم و الإيمان د مصطفى محمود
- صفوة التفاسير الشيخ محمد علي الصابوني
- لماذا أنزل القرآن بالغة العربية؟ د زيد قاسم محمد المغراوي
- علم اللغة الكوني و إعجاز اللغة العربية قناة الرحمة د سعيد الشربيني
- "حضارة المايا" موسوعة ويكيبيديا
(1) مقولة للدكتور مصطفى محمود
لماذا اختار الله سبحانه و تعالى اللغة العربية لتكون لغةً للقرآن الكريم؟
سؤال لابد أنّه تبادر إلى كثير من الأذهان، خصوصا من يتفكّر في هذا الكتاب المعجزة الذي أعجز علماء النحو والبلاغة، و الذي لم يُكشف بعد عن كلّ أسراره ، فمن غير المعقول أن يكون اختيار اللغة العربية عشوائيا أو محض مصادفة.
بداية اختار الله عزّ و جلّ أن يكون القرآن عربيا لأنّه نزل في مهد العرب و ما كان من الممكن أن يكون أعجميا لأنّهم سيتحججون بعدم فهمه، فكان لابد أن يكون بلغتهم حتى يفهموه هم أولا قبل أن يتسنى لهم تبليغ الرسالة للعالم أجمع، و لأنه لا يعقل أن ينزل عليهم بغير لغتهم، قال تعالى في سورة فُصلّت الآية 14 "و لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلّت آياته أأعجمي و عربي". و تضم الآية الكريمة سؤالا إستنكاريا، بمعنى أقرآن أعجمي و نبي عربي؟
و لكن سادت في عصرنا الحالي فكرة تقول أن الله اختار العرب بالذات بالرسالة وبعث فيهم آخر الرسل نظرا لدمويتهم، وعنفهم الشديد، و لأنهم قوم منافقون سادهم الجهل و التخلف، و قد لاقت هذه الفكرة رواجا كبيرا، خصوصا في غياب علماء متخصصين، و يستدلّ أصحاب هذه الفكرة بآية من القرآن الكريم و هي الآية 97 من سورة التوبة التي تقول: "الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجدرُ ألا يعلموا حدودَ ما أنزل الله "، مع أن كلمة "الأعراب" في الآية الكريمة ليس مقصودٌ بها "العرب" و لكن بعض "البدو"، حيث يقول في آية أخرى: "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قرباتٍ عند الله..." التوبة، الآية 99.
كما أنّ الفترة التي نزل فيها القرآن الكريم، و هي القرن السابع الميلادي كان العرب فيها من أقوى الشعوب وأََميزها، و عكس ما يُشاع، لم يكن العرب أُمّة تخلف، بل كانوا في زمانهم فطاحلة شعرٍ و أدب، ذوي فصاحةٍ و بلاغةٍ اشتهر عنهم الكرم و الصدق، كما اشتهروا بعزّة النفس و الكرامة، ممّا أدى بهم إلى حروب طويلة ( حرب البسوس ) و هذا يَسهل استنباطه على كلّ متأمل في الشعر الجاهلي، و التاريخ العربي القديم يروي عن العرب مكارم الأخلاق و إكرام الضيف، و من منا لا يعرف قصة "حاتم الطائي" الذي ذبح فرسه الوحيدة لضيوف كانوا قد جاؤوا أساسا ليشتروها.
كما كان العرب حينها ينظمون سوق عكاظ الذي يمكن اعتباره مهرجانا شعريا و ثقافيا بكل المعايير في وقت كانت أوروبا تعيش ما يسمى عصورا وسطى و هو العصر الظلامي الذي عاشت فيه أسوء مراحلها.
كما أنّ القول بأن الله عز و جل خصّ العرب برسالته لأنّهم كانوا قوما دمويين يئدون البنات، فهذا أيضا لا يبدو منطقيا إذا أخذنا بعين الإعتبار أنّ في نفس تلك الفترة سادت ثقافات وشعوب أكثر عنفا و دموية. فلو أن هذه الفكرة صحيحة لكان من باب أولى أن ينزل الله سبحانه و تعالى القرآن على شعب "المايا" مثلا (1700 ق م إلى 1697م ) فهؤلاء أشدّ دموية حيث كانوا يقدمون الضحايا البشرية من الأطفال والعبيد وأسرى الحرب، وكانت الضحية تُدهن باللون الأزرق وتُقتل فوق قمّة الهرم في احتفالية طقوسية، حيث تُضرب بالسهام حتى الموت، أو بعد تقييد الساعدين والساقين بينما يشق الكاهن صدره بسكين حاد مقدس من حجر الصوان لينتزع القلب ليقدم كقربان، وكان القادة من أسرى الأعداء يُقدمون كضحية بعد قتلهم بالفؤوس وسط مراسم من الطقوس !
فالعرب إذا ليسوا أكثرالشعوب سفكا للدماء.
أما عن اللغة العربية فهي لوحدها أسطورة ، خصوصا عندما تتزين ببلاغة القرآن الكريم و لا عجب أن يختارها سبحانه و تعالى لتكون وعاءً للكلمة الربانية(1) ، مصداقا لقوله تعالى:"إنا جعلناه قرآنا عربيا غير ذي عوج"، و هذا يعني أنّ كلمات الله لا يفترض أن يكون فيها العِوج و هي بالتالي تحتاج إلى لغة كاملة غير ذات عوج، و لا يوجد أفضل من اللغة العربية بالنظر إلى الصفات العجيبة التي تميزها، و نسرد هنا بعضها:
الغنى من حيث الجدور
حيث تتميز ب 16000 جدر لغوي مقابل 2500 جذر اللغوي في العبرية و 1000 جذر لغوي في اللغة السكسونية و 700 جدر لغوي في اللاتينية.
الغنى من حيث المفردات
حيث أنّ لكلّ كلمة عربية عدة مرادفات، تعطي المتكلم حرية أكبر في الاختيار، فاسم الأسد مثلا يحمل أكثر من عشرة مرادفات من بينها: سبع، ليث، ورد، غدنفر، بيهس، جساس، درواس....و قس على ذلك.
الغنى في الإشتقاق
حيث أنّ كلّ كلمة في اللغة العربية يشتق منها عدة كلمات، وهذا الأمر غير موجودٍ في اللغات الأخرى، مثال:
في الإنجليزية مثلا يعبر عن الشيئ الطويل ب ( tall ) ، و في الفرنسية لا تتعدى ( long ) و ( longtemps ) و ( longueur ) أما في اللغة العربية فنقول: طويل، يطول، مستطيل، إستطالة، طِوال، طول، أطول، مُطوِّل، مُطََّوّل، يُطّل، إطلالة، طائل.... و قس على ذلك، وهذا يعني قدرة أكبر على التعبير.
القدرة على التعبير بأقل عدد من الكلمات
تتميز اللغة العربية بأنها قادرة على إيصال أكبر عدد من المعلومات، بكلمات قليلة، فلو وضعنا نفس حجم ومقدار المعلومات الموجودة في القرآن الكريم في كتاب بِلُغة أخرى لحصلنا على موسوعةٍ من الحجمِ الكبير مما يجعل قراءته مشقّة ما بعدها مشقّة، و خير مثال على هذا الآية رقم 7 من سورة الذاريات، حيث قال عز وجل:" و السماء ذات الحُبُك" كلمة "الحُبُك" هنا تعني الطرق و المسارات، كما تعني الجدائل و الخيوط، و إذا أردنا ترجمة هذه الآية إلى الإنجليزية مثلا ستعطينا:
(and the heaving containing paths ropes and the heaven containing weaved)
فاللغة العربية أعطتنا معلومة ب 3 كلمات فقط، بينما أعطتنا الإنجليزية ما يقارب المعنى ب 11 حرفا، و بلغة المعلوميات نقول أن نسبة الضغط في اللغة العربية أكبر و هي تعادل 1:4 أي أننا إذا أردنا ترجمة القرآن بكلّ معانيه الدقيقة إلى اللغة الإنجليزية، فإننا سنحصل على كتاب أكبر أربع مرات من القرآن العربي.
إستحالة ترجمة بعض كلماتها
لفظ الجلالة "الله" غير قابل للترجمة، و كلمة لا يوجد مرادفها في القاموس الكوني، و هي الكلمة الوحيدة في اللغة العربية التي تبدأ بالصوت "أ" بالتضخيم ، حيث تبدأ كل الكلمة ب " أ" المرققة، و هي غير قابلة للترجمة، كما أن كلمة "الحمد" في الحمد لله وكلمة "سبحان" في سبحان الله لا يوجد مرادف حقيقي لهما في أية لغة تمت دراستها حتى الآن.
تتميز بالمستوى الخامس
و يقصد بهذا أن الحرف المستقل له ذاتية و رمزية ، ذلك مثلا أن الطفل الصغير قبل أن يتعلم أي لغة، فإنه إذا أحرق أصبعه يقول "أح" و قد اكتشف أن هذا الحرف يدخل فعلا في كلمات تدل على السخونة فنقول: حرارة، حريق، فلفل حارّ، حمى، حميم، حرّيف.
بينما إذا أخدنا الصوت "خ" مثلا فنرمز به للأشياء القبيحة في لغة الأطفال، و اتضح فعلا أنه يدخل في تكوين عدد من الكلمات السلبية فنقول مثلا: خيانة، خداع، خلل، خوف، خرقة، خسة، خزي، خلاعة، خجل، خذلان، وسخ....
و ما يثير الاستغراب فعلا أن حرف الخاء لم يأت أبدا في الحروف المقطعة في القرآن الكريم و هو يعتبر من الحروف الظلامية.
بالإضافة إلى ما سبق تُعتبر اللغة العربية من اللغات السامية، و تحتل المرتبة الخامسة عالميا و الأولى إفريقيا من حيث الإستعمال.
و تاريخها حسب الأبحاث العلمية يعود إلى ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد، و قد ورد في السنة أنها أول لغة تحدث بها آدم عليه السلام، عندما عطس و قال " الحمد لله"، و هي مرشحة لأن تكون أصل اللغات.
و الآن و بعد كل هذا التمجيد و التبجيل للغة العربية و كل هذا التعداد لمزاياها، كما يذكرها علماء اللغة، يحق لقارئ هذه السطور أن يسأل السؤال التالي:
هل تفوّق لغةٍ معينة أو شعب معين مبررٌ مشروع لاستعمار شعوب أخرى أو محاولة ابتلاعها ثقافيا؟
قبل الإجابة دعونا نطرح السؤال بصيغة أخرى أكثر وضوح وجرأة.
بما أنّ أغلب المغاربة مسلمون و بما أنّ العربية هي اللغة التي اختارها سبحانه و تعالى لكتابه الكريم ، فهل وجب هنا على المغاربة الإنحياز للغة العربية على حساب الأمازيغية التي هي لغة السكان الأصليين؟
أماّ عن المغاربة الأفراد فالمسألة له صلة بالحرية الشخصية لكل فرد، أمّا عن مؤسسة الدولة، فالجواب ببساطة و بدون سفسطة زائفة يكمن في مجموع آيات قرآنية و حديث شريف، فقد قال تعالى في كتابه الحكيم: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الآية 13 سور الحجرات، قال سبحانه و تعالى "لتعارفوا" و لم يقل ليطغى بعضكم على بعض، أو ليُفني بعضكم بعض، ثم قال "إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم" و لو كانت الأفضلية للعرب لقال القرآن ببساطة إن "أفضلكم أعربكم" و لكنّه لم يقل دلالة على أن المعيار الوحيد للتمييز بين الشعوب عند الله سبحانه و تعالى هو التقوى، بغض النظّر عن الجنس أو اللون أو العرق، و استمرارا في العدالة الربانية المفحمة يقول عز و جل: " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" آل عمران 195، و في السنة النبوية حديث واضح لا يَعسُر فهمه على ذي عقل، حيث قال عليه الصلاة و السلام :" يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي، وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره.
هذا هو المنطق الإلهي و هذه هي العدالة الربانية، التي حررّت الإنسان من عرقه و انتماءه قبل أن تأتي ديموقراطية الغرب بأزمان.
وكما اختار عزّ و جلّ العربية لغة للقرآن الكريم فقد اختار الأمازيغية لغة لشعب برمته، فلا يحقّ لعربي أن يفرض ثقافته على الآخر، و من حقّ كلّ إنسان أن يَفخرَ و يتشرّف بنسبه و عرقه مهما كان، و لا يحق لأيٍ كان أن يطغى على آخر لا بمنطق الأفضلية و لا بمنطق الكثرة و لا بمنطق الدين، و إلا لجاز لفرنسا أو أمريكا أن تستعمرنا وتفرض علينا ثقافتها بحجة أنها دول متقدمة !
و تجاهل اللغة الأمازيغية يعكس داخليا خوفا غير مبرر من أن تقضي هذه الأخيرة على اللغة العربية، و هو أمر مستحيل نظرا لكل المميزات التي تتميز بها اللغة العربية و التي ذكرناها آنفا، والنهوض بالأمازيغية وإعطاءها حقها كفيل بأن يغني الحقل الثقافي المغربي من كل النواحي و كفيل أيضا بتقوية الروابط بين المغاربة مع اختلاف أعراقهم، حيث لن يبقى في المغرب لا عربا و لا أمازيغ فقط مغاربة يوحدهم الوطن، و يصبح من حق كلّ المغاربة "كلهم" أن يفخروا أنّ بلدهم المغرب هو موطن التعدد الحضاري و الثقافي، و هو الشوكة التي ستقف في حلق من يحاول زعزعة الثقة و خلق الفتنة بين مكونات الشعب الواحد.
- اللغة التي تكلم بها آدم ، برنامج العلم و الإيمان د مصطفى محمود
- صفوة التفاسير الشيخ محمد علي الصابوني
- لماذا أنزل القرآن بالغة العربية؟ د زيد قاسم محمد المغراوي
- علم اللغة الكوني و إعجاز اللغة العربية قناة الرحمة د سعيد الشربيني
- "حضارة المايا" موسوعة ويكيبيديا
(1) مقولة للدكتور مصطفى محمود