محـمد اليوسفـي
في البداية دعونا نسلم و نتفق على أن الأوهام الإيديولوجية والادعاءات السياسية ذات الطبيعة الانتهازية لا تخدم مصلحة أحد، واستقراء الواقع الاجتماعي و السياسي العربي عامة والمغربي خاصة – على الخصوص في الحالة الراهنة - كفيل بأن يجعل الكثير من المحللين السياسيين و المهتمين بالدراسات الاجتماعية والمتخصصين في الفلسفة السياسية أو المشتغلين في ميدان سوسيولوجية الفكر... يتقاسمون معنا هذه الرؤية ويتوصلون إلى نفس النتيجة، وإن اختلفنا في مناهج التحليل وأدوات الدراسة النظرية المفروضة بحكم تخصص كل واحد من الباحثين في الفكر السياسي المعاصر.
فسواء تعلق الأمر بسياسة السلطة الحاكمة أو سياسة المعارضة المغربيين – ونقصد بالمعارضة مختلف التيارات السياسية والفكرية المعارضة (بكسر الراء) لسياسة النظام المغربي الحاكم ولا نقصد بها المعارضة داخل قبة البرلمان مطلقاً – فإننا نرى أن الطرح الإيديولوجي والنظر الأحادي هو المسيطر على العقل السياسي المغربي على حساب برامج سياسية وتنافسية حداثية تنطلق من تعددية فكرية وحزبية لخدمة المواطن كطرف ثالث ورئيسي في معادلة: (الدولة،المعارضة، الشعب) كأهم مكونات الدولة الديمقراطية الحديثة، فغياب الحوار بين هذين الطرفين يجعل العمل السياسي عقيما لاينتج إلا الصراع المتولد عن رؤية كل من الطرفين إلى الآخر على أنه عدو له، وطبقة تهدده وتعيق تقدمه واستمراريته، وفقط ينتظر الفرصة لينقض عليه ويزيحه من مكانه، بالمنطق الماركسي، ويُعزى هذا الصراع بشكل أساسي إلى نوع من "الأنانية السياسية" وإلى الضعف المفاهيمي لدى مختلف التيارات السياسية المغربية في ممارستها للعمل السياسي، على اعتبار أن المفاهيم هي المكونات الأساسية للبناء الفكري، وهي التي تشكل في نهاية الأمر ما نسميه التيارات أو الإيديولوجيات أو الحركات الفكرية.
فالصراع و منطق "أنا أو القيامة" المعمول به من قِبل هذين الطرفين (الدولة والمعارضة) تعتبر لحظة تاريخية تسبق لحظة الدولة الحديثة، بل وكانت السبب الرئيسي لقيام مفهوم الدولة الديمقراطية (...) أو التعاقد الاجتماعي الذي يتوخى تحقيق السلام وتجاوز مرحلة الصراع بالطريقة التي نراها لدى الأطراف السياسية المغربية إلى درجة ما، حيث تصل درجة المواجهة من طرف الدولة تُجاه المعارضة إلى العنف الدموي أو الاعتقال السياسي أو الحظر القانوني أو العملي أو هما معاً... كما هو الوضع لدى جميع الأنظمة العربية والمسلمة في رأي العديد من الدارسين في مجال الفكر السياسي العربي المعاصر، على اعتبار أن المغرب جزء من الكل، أي جزء من العالم العربي والمسلم، كما هو جزء من العالم الإفريقي، مما ينتج عنه نفي مقولة "الاستثناء المغربي". وإن عدم قدرة القادة السياسيين على احتواء المعركة لصالحهم عن طريق الحوار وتقديم التنازلات إذا اقتضى الأمر في بعض الأحيان - دون التخلي عن المبادئ الأساسية وأيضا دون التخلي عن حق النقد كأهم أسس الممارسة السياسية الحديثة في إطار الدولة الديمقراطية قبل الدولة الدينية أو المدنية - هي في نظري مضيعة للوقت واستنزاف للطاقات لا اقل ولا أكثر، بل وإن الاعتماد على سبل المواجهة الثنائية مع تغييب العنصر البشري أو "المواطن" بالمفهوم السياسي، مع محاولة استغلاله فقط بشكل مناسباتي، وممارسة نوع من الوصاية الفكرية عليه، هو الذي يؤدي في الأخير إلى حدوث انتفاضات وثورات دون زعامة أحد، ودون رؤية برنامجية نظرية للنضال الميداني، وهو ما يسميه عبد الله العروي بالمعارضة الغبية والجاهلة، في مقابل الدولة القديمة بممارساتها ومكوناتها السياسية التي لا تمت إلى الأنظمة الحديثة بأية صلة شكلاً ومضمونا، وإن ما يحدث حاليا في إطار الحراك الذي يعرفه المغرب، حيث يتزعمه شباب معظمهم لا يملكون أبسط الأدوات النظرية بخصوص معنى التغيير، النهضة، أو السير قدما نحو البديل، ولا رؤية لهم بخصوص ما يجب القيام به أو ما يجب الابتعاد عنه و تجنبه، فقط كل ما يحركهم هو نفسيتهم التي تتأثر بما يحدث على المستوى الإقليمي من صرخات ونداءات للتحرر، فتأثر الشباب المغاربة وخرجوا إلى الشارع مقلِدين تقودهم العاطفة الحماسية وتطغى على نفسيتهم، في مقابل تجاهل التخطيط الميداني وإعمال العقل لدراسة خصوصيات المجتمع المغربي، ومعرفة تاريخ الانتفاضات المغربية، لاستيعاب أخطائها التي كانت سببا في فشلها في الماضي، حيث الشعارات الثورية التي تأثر أصحابها بجيل الثورات التي نجحت في الغرب، مما أدى الآن إلى تكرار نفس السيناريو شكلا ومضمونا.
أما بخصوص النظام المغربي، فإنه هو الآخر يبدو أنه سقط في الفخ من حيث لايدري. فإذا كان العهد القديم قد استطاع أن يحتوي اليسار المغربي عن طريق استدراجه إلى لعبة القصر، بعدما كان في الواجهة المعارِضة، فان العهد الجديد لم يستفد من تاريخ الماضي، حيث قدم هو الآخر-عن طريق إدخال إسلاميي العدالة إلى اللعبة، بعدما فشل في استقطاب حركة الشارع ترهيبا أم ترغيبا - أنصاف الحلول لإطفاء نار الغصب الشعبي، ومارس سياسة الترقيع التي لا تكاد تكون مجرد لحظة آنية لن تدوم طويلا حتى ينكشف كل سر ويعرف الكل أن حيلة استبدال حزب بآخر ليس حلا، آنذاك ربما سيعرف الجميع ما هو الحل؟ سواء تعلق الأمر بعقلية النظام أو عقلية المعارضة.
في البداية دعونا نسلم و نتفق على أن الأوهام الإيديولوجية والادعاءات السياسية ذات الطبيعة الانتهازية لا تخدم مصلحة أحد، واستقراء الواقع الاجتماعي و السياسي العربي عامة والمغربي خاصة – على الخصوص في الحالة الراهنة - كفيل بأن يجعل الكثير من المحللين السياسيين و المهتمين بالدراسات الاجتماعية والمتخصصين في الفلسفة السياسية أو المشتغلين في ميدان سوسيولوجية الفكر... يتقاسمون معنا هذه الرؤية ويتوصلون إلى نفس النتيجة، وإن اختلفنا في مناهج التحليل وأدوات الدراسة النظرية المفروضة بحكم تخصص كل واحد من الباحثين في الفكر السياسي المعاصر.
فسواء تعلق الأمر بسياسة السلطة الحاكمة أو سياسة المعارضة المغربيين – ونقصد بالمعارضة مختلف التيارات السياسية والفكرية المعارضة (بكسر الراء) لسياسة النظام المغربي الحاكم ولا نقصد بها المعارضة داخل قبة البرلمان مطلقاً – فإننا نرى أن الطرح الإيديولوجي والنظر الأحادي هو المسيطر على العقل السياسي المغربي على حساب برامج سياسية وتنافسية حداثية تنطلق من تعددية فكرية وحزبية لخدمة المواطن كطرف ثالث ورئيسي في معادلة: (الدولة،المعارضة، الشعب) كأهم مكونات الدولة الديمقراطية الحديثة، فغياب الحوار بين هذين الطرفين يجعل العمل السياسي عقيما لاينتج إلا الصراع المتولد عن رؤية كل من الطرفين إلى الآخر على أنه عدو له، وطبقة تهدده وتعيق تقدمه واستمراريته، وفقط ينتظر الفرصة لينقض عليه ويزيحه من مكانه، بالمنطق الماركسي، ويُعزى هذا الصراع بشكل أساسي إلى نوع من "الأنانية السياسية" وإلى الضعف المفاهيمي لدى مختلف التيارات السياسية المغربية في ممارستها للعمل السياسي، على اعتبار أن المفاهيم هي المكونات الأساسية للبناء الفكري، وهي التي تشكل في نهاية الأمر ما نسميه التيارات أو الإيديولوجيات أو الحركات الفكرية.
فالصراع و منطق "أنا أو القيامة" المعمول به من قِبل هذين الطرفين (الدولة والمعارضة) تعتبر لحظة تاريخية تسبق لحظة الدولة الحديثة، بل وكانت السبب الرئيسي لقيام مفهوم الدولة الديمقراطية (...) أو التعاقد الاجتماعي الذي يتوخى تحقيق السلام وتجاوز مرحلة الصراع بالطريقة التي نراها لدى الأطراف السياسية المغربية إلى درجة ما، حيث تصل درجة المواجهة من طرف الدولة تُجاه المعارضة إلى العنف الدموي أو الاعتقال السياسي أو الحظر القانوني أو العملي أو هما معاً... كما هو الوضع لدى جميع الأنظمة العربية والمسلمة في رأي العديد من الدارسين في مجال الفكر السياسي العربي المعاصر، على اعتبار أن المغرب جزء من الكل، أي جزء من العالم العربي والمسلم، كما هو جزء من العالم الإفريقي، مما ينتج عنه نفي مقولة "الاستثناء المغربي". وإن عدم قدرة القادة السياسيين على احتواء المعركة لصالحهم عن طريق الحوار وتقديم التنازلات إذا اقتضى الأمر في بعض الأحيان - دون التخلي عن المبادئ الأساسية وأيضا دون التخلي عن حق النقد كأهم أسس الممارسة السياسية الحديثة في إطار الدولة الديمقراطية قبل الدولة الدينية أو المدنية - هي في نظري مضيعة للوقت واستنزاف للطاقات لا اقل ولا أكثر، بل وإن الاعتماد على سبل المواجهة الثنائية مع تغييب العنصر البشري أو "المواطن" بالمفهوم السياسي، مع محاولة استغلاله فقط بشكل مناسباتي، وممارسة نوع من الوصاية الفكرية عليه، هو الذي يؤدي في الأخير إلى حدوث انتفاضات وثورات دون زعامة أحد، ودون رؤية برنامجية نظرية للنضال الميداني، وهو ما يسميه عبد الله العروي بالمعارضة الغبية والجاهلة، في مقابل الدولة القديمة بممارساتها ومكوناتها السياسية التي لا تمت إلى الأنظمة الحديثة بأية صلة شكلاً ومضمونا، وإن ما يحدث حاليا في إطار الحراك الذي يعرفه المغرب، حيث يتزعمه شباب معظمهم لا يملكون أبسط الأدوات النظرية بخصوص معنى التغيير، النهضة، أو السير قدما نحو البديل، ولا رؤية لهم بخصوص ما يجب القيام به أو ما يجب الابتعاد عنه و تجنبه، فقط كل ما يحركهم هو نفسيتهم التي تتأثر بما يحدث على المستوى الإقليمي من صرخات ونداءات للتحرر، فتأثر الشباب المغاربة وخرجوا إلى الشارع مقلِدين تقودهم العاطفة الحماسية وتطغى على نفسيتهم، في مقابل تجاهل التخطيط الميداني وإعمال العقل لدراسة خصوصيات المجتمع المغربي، ومعرفة تاريخ الانتفاضات المغربية، لاستيعاب أخطائها التي كانت سببا في فشلها في الماضي، حيث الشعارات الثورية التي تأثر أصحابها بجيل الثورات التي نجحت في الغرب، مما أدى الآن إلى تكرار نفس السيناريو شكلا ومضمونا.
أما بخصوص النظام المغربي، فإنه هو الآخر يبدو أنه سقط في الفخ من حيث لايدري. فإذا كان العهد القديم قد استطاع أن يحتوي اليسار المغربي عن طريق استدراجه إلى لعبة القصر، بعدما كان في الواجهة المعارِضة، فان العهد الجديد لم يستفد من تاريخ الماضي، حيث قدم هو الآخر-عن طريق إدخال إسلاميي العدالة إلى اللعبة، بعدما فشل في استقطاب حركة الشارع ترهيبا أم ترغيبا - أنصاف الحلول لإطفاء نار الغصب الشعبي، ومارس سياسة الترقيع التي لا تكاد تكون مجرد لحظة آنية لن تدوم طويلا حتى ينكشف كل سر ويعرف الكل أن حيلة استبدال حزب بآخر ليس حلا، آنذاك ربما سيعرف الجميع ما هو الحل؟ سواء تعلق الأمر بعقلية النظام أو عقلية المعارضة.