أعد الملف: محمد كاريم
لا حديث في إسبانيا هذا الأسبوع إلا عن مقابلة الكلاسيكو الإسباني رقم 158 بين قطبي الكرة الإسبانية، والغريمين الأزليين الريال مدريد وإف س برشلونة في قلعة سانتياغو بيرنابيو بالعاصمة مدريد، حيث تختلف العناوين والتصريحات القبلية لمسؤولي الفريقين، فالريال مدريد بعد مذلة السداسية العام الماضي يتوعد البارصا في نازلة هذا العام بالثأر والإنتقام والإبهار، بينما البرصا وبفضل فلسفة مدربه المتواضع بيب غوارديولا الذي مازال ينتشي بأفضل وأسعد مدرب في العالم بعدما جعل البرصا تتسيد وتتربع على عرش الكرة العالمية بفضل سداسية تاريخية، جعلت من البرصا عملاق النوادي الأروبية والعالمية، حيث يقول إبن المدرسة الكاطالونية بأن الريال مدريد معادلة ليست صعبة وليست بحلول مجهولة
كلاسيكو آخر من كلاسيكوهات القرن بين عملاقي الكرة الإسبانية والعالمية، سيكون أكثر من ملياري من المشاهدين في إنتظار طبقه عبر كل أرجاء العالم بقلب السانتياغو بيرنابيو للإستمتاع بنجوم من كوكب آخر غير معذورون إن هم أخلفوا وعدهم مع الفرجة والإحتفالية التي يتطلع إليها العالم، إنه موعد الإثارة بلا حدود وبلا فواصل، رعب غير منتهي قد تزيد درجة الحدة فيه الأرقام الفلكية لأجور اللاعبين الشهرية ومداخيلهم السنوية وصفقات إنتقالهم، إنها مواجهة مفتوحةعلى كل الإحتمالات، ومباراة بين مهاجمين من عيار نادر جدا
غالبا ما تكون مباراة الكلاسيكو بين هذين الفريقين الهرمين، الريال مدريد والبارصا محكومة بشروط أخرى وهواجس لاتكون غالبا في مخيلة المشاهدين والمتتبعين لمسار الفريقين، حيث الإستعداد النفسي يكون أكثر من أي شيء آخر، مباراة الكلاسيكو هذا العام ستكون بلا شك مختلفة بكل المقاييس عن المباريات السابقة خصوصا وأن الريال مدريد جدد صفوفه بشكل جذري وإستقطب كوكبة من اللاعبين بإستحواذه على سوق الإنتقالات الصيفية، كلفت ميزانيتها خزانة الريال مبلغ 300 مليون أورو أسالت العديد من اللعاب للكثير من الشركات العالمية المستثمرة في مجال كرة القدم، وأثارت زوبعة من ردود الفعل المنددة بصرف هذه المبالغ الخيالية أبرزها كان من رئيس الإتحاد الأروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني الذي قال "لا يمكنني أتفهم إنفاق مبلغ 90 مليون يورو على لاعب واحد يزعجني ذلك فعلا" ويتعلق الأمر تحديدا بصفقة اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو القادم من نادي مانشيستر يونايتد الإنجليزي، كما سيدخل الريال مدريد مباراة البيرنابيو هذا العام وفي مخيلته مذلة العام الماضي بسداسية تاريخية حيث دك الكاطالانيون حصون الريال مع القليل من الرأفة إضافة إلى إستحضار إقصاء الريال مدريد من كأس أروبا أمام فريق ليون الفرنسي وعجزه عن تجاوز الدورة الأول من كأس الملك أمام فريق من الدرجة الثالثة بإنهزامه برباعية مذلة، كل هذه العوامل ستكون لصالح البارصا الذي سيذهب إلى ملعب سانتياغو بيرنابيو ومازال منتشيا بالعسل في فمه بعدما أن حصد في الموسم الماضي ستة ألقاب في موسم واحد، حيث دخلت برشلونة التاريخ كأول فريق في العالم تحقق ستة ألقاب في موسم كروي واحد، وهذا ماعجزت عنه كبريات النوادي في العالم وبالخصوص نادي القرن الريال مدريد، حيث أصدرت البرصا كتابها المقدس لتخليد الألقاب الستة، وقهر جوزيف غوارديولا كبرياءه بالدموع التي إنهمرت بغزارة كبيرة مباشرة بعد إتمامه للعلامة السداسية التاريخية الكاملة، جعلت منه أفضل مدرب في العالم، والأحسن في كل الأوقات للعملاق الكاطالوني إف س برشلونة
إذا كانت الريال مدريد تحتاج إلى عقدين كاملين لفك طلاسيم العقدة الكطلانية وهزم البرصا في عقر ملعب النيوكامب، فإن أنصار ومحبي البرصا ليس في مقدورهم إنتظار 20 سنة كاملة للإنتصار على الغريم التقليدي الريال مدريد في ملعب السانتياغو بيرنابيو بل الأكثر من هذا فإن التقاليد الكاطالونية العريقة في مجال كرة القدم حيث البرصا يجسد القومية الكاطالونية ورمز من الرموز الرياضية المقدسة، ونبراس الكاطالونيين لترويج الإيديولوجية القومية، لهذا فإن البرصا لاتستطيع أن تفوت على أنصارها أكثر من موسمين دون دك الريال في قلعته البيضاء، وكلما حدث هذا السيناريو الذي ينتظره أنصار ومحبي البرصا كلما كانت الجراح كبيرة، وخيبة الأمل، وإنقلاب في بورصة البيت الأبيض وعادة ما تعصف رياح هذه العواصف الكاطالونية برؤوس مدربي الريال كما حدث في الأوقات السابقة إضافة إلى المغامرة بتسريح مجموعة من اللاعبين
وما دامت نتيجة الفريقين الريال والبرصا في بطولة الليغا هي التي تحسم غالبا لقب البطولة، كما حدث في غالبية المواسم الرياضية السابقة، فإن البرصا في نازلة هذا الموسم ستذهب إلى القلعة البيضاء بالعاصمة مدريد لتلعب على الحرب النفسية للخصم الذي لازال جريحا بالهزيمة المهينةالعام الماضي عندما أمطر مهاجمي البرصا شباك الحارس كاسياس بسداسية تاريخية لن ينساها الفريق الأبيض ومناصريه بسهولة، وسيكون الكلاسيكو رقم 158 مختلفا على الكلاسيكوهات السابقة حيث سيخوض المباراة لاعبون جدد من كلا الفريقين على أرضية ملعب السانتياغو بيرنابيو، حيث خارج إطار الصراع بين الفريقين الكبيرين، فإن هناك صراعا فرديا سيدور في الكلاسيكو بين مجموعة من اللاعبين من الطرفين خصوصا خصوصا بين ميسي وإبرا من البرصا، والصفقات الخيالية للريال مدريد وبالتحديد كاكا ورونالدو، وكما هي العادة في مثل هذه المباريات المفتوحة على كل الإحتمالات فإن لاعبين عاديين يخرجون من الهامش ويتمردون على كل التوقعات ويرسمون النتيجة، وتعول الريال مدريد على حنكة الحارس كاسياس الذي يصنع النتيجة رغم أنه حارس المرمى وخير دليل مباراة العام الماضي عندما إنهزم الريال أمام البرصا، فإن الحارس المدريدي إيكر كاسياس كان له الفضل الكبير في حصر الأهداف في ستة وليس أكثر بإكتساح الهجوم الكاطلوني إنه إذن كلاسيكو عملاق مفتوح على كل المفاجآت، حل وفك وإيجاد حلول معادلته ستكون مباشرة بعد صفارة الحكم عن نهاية المباراة
الوجه الآخر للكلاسيكو، ربط الحاضر بالتاريخ أو عندما تعجن الرياضة بالسياسة
رغم أن الأمم العظيمة لا تصنع نفسها بكرة القدم فإن تاريخها يمتزج بالأسطورة، أسطورة أكثر رياضات العالم شعبية وأقدرها على تقريب الشعوب والحضارات وتجاوز الخلافات السياسية، وخير تجسيد لهذا الطرح الكروي في عالم كرة القدم العالمية يبقى فريقا الريال مدريد وإف س برشلونة الإسبانيين، وهو مثال حي للصراع السياسي المتجسد في مجال الرياضة على مدى عقود طويلة بدأت أولى شراراته مع وصول الجنيرال فرانكو إلى حكم إسبانيا، وتسود هذين المعهدين الكرويين الكبيرين عداوة تاريخية على مدى عقود وأجيال بعيدة عن المنافسة المعهودة في دنيا الرياضة وذلك راجع لإعتبارات سياسية محضة سيما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (1936 – 1939) فقد كانت برشلونة المدينة آنذاك آخر قلعة كاطالونية حطمها جنود الجنيرال فرانكو أواخر الحرب المدنية وذلك بالرغم من كل ما كانت تحتضنه من هياكل وإيديولوجيات (الحمر، الجمهوريون، والوطنيون الجهويون...)، كما منع النظام الفرانكاوي الشعب الكاطالوني حتى من إستعمال لغته ولهجته المحلية خارج البيت (لغة الكاطالان هي عبارة عن شبه خليط بين اللغتين الإسبانية والفرنسية) فكان لزومه إستعمال لغة مدريد القشتالية بمثابة عبودية ثقافية لا تطاق خصوصا وأنه شعب فخور بترابه وأمجاده وتاريخه، فضلا عن أنه شعب المنطقة الراقية والمزدهرة والتي تلعب دورا هاما ورئيسيا في إقتصاد عامة البلاد... تلك هي إذن الخلفية الأساسية وراء عداء وكراهية الريال مدريد الذي كان يرتبط بنظام القمع ورمزا (للكاودييو) وهو لقب الجنيرال فرانكو الديني، حيث كان علنيا من أشهر عشاق ومناصري الريال
ومن الجانب الآخر المناقض للطرح الديكتاتوري الفرانكاوي كان ملعب نيو كامب القلعة الصامدة للبارصا، والمتنفس الوحيد في كثير من الأحياء والمكان المباح للتظاهر، ومنبر لأصوات الشعب المقهور ضد أساليب الجنيرال فرانكو الديكتاتورية، وهذا بالفعل ما أثار عداء وعقدة في قلوب أنصار البارصا عبر العقود والأجيال حتى باتت عادة ذات طابع كلاسيكي تعطي للكرة الإيبيرية محيطا حاميا لصراع البطولة
وإستمرت هذه "الحرب الكروية" بن عملاقي وهرمي الكرة الإسبانية والعالمية وتتجسد مرتين في الموسم في لقاءات الكلاسيكو العملاقة والتاريخية لعقود متتالية، حيث غالبا ما تختلط أوراق السياسة وحسابات السياسيين بنتائج المباراة وإنعكاساتها على الفريقين والأنصار، ففي إحدى مباريات الليغا الإسبانية بين البارصا والريال رفع الجمهور الكاطالوني لافتة عملاقة مكتوبة باللغة الإنجليزية وسط الملعب تقول "كاطالونيا ليست إسبانية"، جمهور برشلونة لم يشأ أن يرفع تلك اللافتة مكتوبة باللغة الإسبانية لأنه لا يعتبر نفسه إسبانيا، ولم يرفعها أيضا باللغة الكاطالانية لأن قليلون جدا يفهمون هذه اللغة ففضل أن يرفعها باللغة الإنجليزية لتكون ميساجا سياسيا يقرأه العالم كله، خصوصا وأن المباراة يشاهدها أكثر من ملياري ونصف شخص عبر العالم كله، ولكي يعرف أن إقليم كاطالونيا حيث توجد مدينة برشلونة لا يعتبر جزءا من إسبانيا رغم أن هذه المنطقة جزء من إسبانيا جغرافيا وتاريخيا ودينيا
ربما يندر أن توجد بلاد أخرى في العالم تختلط فيه الكرة مع السياسة مثلما يحدث في إسبانيا خصوصا عندما يلتقي فريقي الريال مدريد والبرصا الإسبانيين، ومنذ نهاية الحرب الأهلية في إسبانيا (1936 /1939) فإن كل إقليم من أقاليم إسبانيا أصبح يشكل قطعة متراصة مما يسمى بالأمة الإسبانية، وأصبحت البلاد كيانا واحدا بعدما أن كانت دعاوي الإنفصال والتميز ترفع فيها بين الفينة والأخرى، وإقليم برشلونة خلال الحرب كان آخر إقليم يسقط في يد الوطنيين من أتباع الجنيرال فرانكو، لذلك فإن هذا الأخير لم يكن كبير إمتنان لفريق برشلونة حيث كانت التهم تنزل بلإستمرار على الفريق الملكي ريال مدريد بوصفه محضي الديكتاتور وأنه الفريق الذي كان يحصل على دعم الحكام والإتحاد الإسباني أيام الحكم الفرانكاوي، وبعد موت الجنيرال سنة 1975، حاولت الكرة الخروج من قلاع ومستنقعات السياسة لتدخل شيئا فشيئا مجال الإحتراف، وحاول المسؤولون الإسبان الجدد أن يبعدوا الكرة عن المناقرات السياسية لكن ذلك كان مجرد أحلام وإستمرت كرة القدم في شبه الجزيرة الإيبيرية تمثل التعبير الأبرز عن تجاذبات البلاد وإختلافاتها السياسية والإيديولوجية والجغرافية
واليوم وبعد مرور 36 سنة على موت الديكتاتور فرانكو ودخول البلاد مرحلة الديمقراطية لازال ف-ريق الريال مدريد وبرشلونة يمثلان نفس الشيء الذي كانا يمثلانه أيام حكم الجنيرال فرانكو، حيث الفريق الملكي ريال مدريد يرمز إلى وحدة إسبانيا والوطنية الإسبانية، بينما إف س برشلونة يرمز إلى الإنفصال والإستقلال، ومن ذلك فإنه من الطبيعي أن يرسم طبيعة أنصار الفريقين فأغلب أعضاء الحزب الشعبي اليميني أو المتعاطفين معهم هم من أنصار الفرق الملكي ريال مدريد بمن فيهم خوسي ماريا أثنار أحد الوجوه الكاريزمية للحزب الشعبي والرجل الذي قاد الحكومة الإسبانية لولايتين متتاليتين ما بين (1996 / 2004)، ولا يخفي في كل مرة يلتقي فيها الفريقان رغبته في أن ينتصر فريق ريال مدريد على البارصا، ويؤكد مرارا رغبته في أن يصبح يوما ما رئيسا للفريق الملكي ريال مدريد، أما أنصار البارصا فهم في الغالب من اليسار
والبارصا ليس هو الفريق الوحيد الذي يعكس خارطة الكرة والسياسة الإسبانية بل هناك فريق آخر يعتبر أكثر تطرفا من إقليم كاتالونيا في عجن وربط الكرة بالسياسة وهو إقليم الباسك في أقصى شمال إسبانيا، وعكس إقليم برشلونة الذي يطالب بتميزه بهدوء تام وفيه أقلية من الإنفصاليين فإن لإقليم الباسك يطالب صراحة بالإنفصال عن إسبانيا وفيه حركة إستقلالية مسلحة قوية هي منظمة (إيتا الباسكية)، التي إغتالت الكثير من الرموز السياسية والعسكرية، وفي هذا الإقليم توجد مدينة بيلباو التي تعتبر بمثابة عاصمة الباسك وفريق هذه المدينة يسمى أتلتيك بيلباو، حيث من الممنوع إطلاقا أن يلعب فيه أي لاعب أجنبي، إنه فريق من اللاعبين الباسكيين فقط وهو يرفض التعاقد مع اللاعبين الأجانب حتى ولو كلفه ذلك النزول إلى الدرجة الثانية، والمنتخب الإسباني ولو كان يعب مبارياته الدولية بإستمرار في برشلونة فإن بلاد الباسك لم تستضف أي مباراة للمنتخب الإسباني منذ 43 سنة، أي منذ المباراة التي جمعت بين المنتخبين الإسباني والتركي سنة 1967 والتي إنتهت لصالح الإسبان لهدفين لصفر، ومن الصدف التاريخية المثيرة للجدل أنه خلال الموسم الكروي الماضي إلتقا فريقا برشلونة وأتلتيك بيلباو في المباراة النهائية لكأس ملك إسبانيا وأصبحت تلك المقابلة جزءا مهما من تاريخ البلاد لأن الجمهور الكاتالوني والباسكي صفرا معا وبقوة عند عزف النشيد الوطني الإسباني بحضور ملك إسبانيا وزوجته وهو ما إضطر المخرج إلى قطع الصوت حتى لا يحس الإسبان بالمهانة من صفير الإنفصاليين، والغريب في الأمر أن جمهور الفريقين صفرا على النشيد الوطني معا وفي نفس الوقت شجع الفريقين لأنهما يريدان الفوز بكأس ملك إسبانيا الذي يجسد حسب دستور البلاد رمز ووحدة إسبانيا
إن الصراع بين البارصا والريال هو صراع أزلي بين قطبي الكرة الإسبانية، لا تحسمه أي نتيجة من لقاءات الكلاسيكو الذي يتجدد مرتين في الموسم فهو تقليد كروي تستمتع به أنظار العالم بأسره
لا حديث في إسبانيا هذا الأسبوع إلا عن مقابلة الكلاسيكو الإسباني رقم 158 بين قطبي الكرة الإسبانية، والغريمين الأزليين الريال مدريد وإف س برشلونة في قلعة سانتياغو بيرنابيو بالعاصمة مدريد، حيث تختلف العناوين والتصريحات القبلية لمسؤولي الفريقين، فالريال مدريد بعد مذلة السداسية العام الماضي يتوعد البارصا في نازلة هذا العام بالثأر والإنتقام والإبهار، بينما البرصا وبفضل فلسفة مدربه المتواضع بيب غوارديولا الذي مازال ينتشي بأفضل وأسعد مدرب في العالم بعدما جعل البرصا تتسيد وتتربع على عرش الكرة العالمية بفضل سداسية تاريخية، جعلت من البرصا عملاق النوادي الأروبية والعالمية، حيث يقول إبن المدرسة الكاطالونية بأن الريال مدريد معادلة ليست صعبة وليست بحلول مجهولة
كلاسيكو آخر من كلاسيكوهات القرن بين عملاقي الكرة الإسبانية والعالمية، سيكون أكثر من ملياري من المشاهدين في إنتظار طبقه عبر كل أرجاء العالم بقلب السانتياغو بيرنابيو للإستمتاع بنجوم من كوكب آخر غير معذورون إن هم أخلفوا وعدهم مع الفرجة والإحتفالية التي يتطلع إليها العالم، إنه موعد الإثارة بلا حدود وبلا فواصل، رعب غير منتهي قد تزيد درجة الحدة فيه الأرقام الفلكية لأجور اللاعبين الشهرية ومداخيلهم السنوية وصفقات إنتقالهم، إنها مواجهة مفتوحةعلى كل الإحتمالات، ومباراة بين مهاجمين من عيار نادر جدا
غالبا ما تكون مباراة الكلاسيكو بين هذين الفريقين الهرمين، الريال مدريد والبارصا محكومة بشروط أخرى وهواجس لاتكون غالبا في مخيلة المشاهدين والمتتبعين لمسار الفريقين، حيث الإستعداد النفسي يكون أكثر من أي شيء آخر، مباراة الكلاسيكو هذا العام ستكون بلا شك مختلفة بكل المقاييس عن المباريات السابقة خصوصا وأن الريال مدريد جدد صفوفه بشكل جذري وإستقطب كوكبة من اللاعبين بإستحواذه على سوق الإنتقالات الصيفية، كلفت ميزانيتها خزانة الريال مبلغ 300 مليون أورو أسالت العديد من اللعاب للكثير من الشركات العالمية المستثمرة في مجال كرة القدم، وأثارت زوبعة من ردود الفعل المنددة بصرف هذه المبالغ الخيالية أبرزها كان من رئيس الإتحاد الأروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني الذي قال "لا يمكنني أتفهم إنفاق مبلغ 90 مليون يورو على لاعب واحد يزعجني ذلك فعلا" ويتعلق الأمر تحديدا بصفقة اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو القادم من نادي مانشيستر يونايتد الإنجليزي، كما سيدخل الريال مدريد مباراة البيرنابيو هذا العام وفي مخيلته مذلة العام الماضي بسداسية تاريخية حيث دك الكاطالانيون حصون الريال مع القليل من الرأفة إضافة إلى إستحضار إقصاء الريال مدريد من كأس أروبا أمام فريق ليون الفرنسي وعجزه عن تجاوز الدورة الأول من كأس الملك أمام فريق من الدرجة الثالثة بإنهزامه برباعية مذلة، كل هذه العوامل ستكون لصالح البارصا الذي سيذهب إلى ملعب سانتياغو بيرنابيو ومازال منتشيا بالعسل في فمه بعدما أن حصد في الموسم الماضي ستة ألقاب في موسم واحد، حيث دخلت برشلونة التاريخ كأول فريق في العالم تحقق ستة ألقاب في موسم كروي واحد، وهذا ماعجزت عنه كبريات النوادي في العالم وبالخصوص نادي القرن الريال مدريد، حيث أصدرت البرصا كتابها المقدس لتخليد الألقاب الستة، وقهر جوزيف غوارديولا كبرياءه بالدموع التي إنهمرت بغزارة كبيرة مباشرة بعد إتمامه للعلامة السداسية التاريخية الكاملة، جعلت منه أفضل مدرب في العالم، والأحسن في كل الأوقات للعملاق الكاطالوني إف س برشلونة
إذا كانت الريال مدريد تحتاج إلى عقدين كاملين لفك طلاسيم العقدة الكطلانية وهزم البرصا في عقر ملعب النيوكامب، فإن أنصار ومحبي البرصا ليس في مقدورهم إنتظار 20 سنة كاملة للإنتصار على الغريم التقليدي الريال مدريد في ملعب السانتياغو بيرنابيو بل الأكثر من هذا فإن التقاليد الكاطالونية العريقة في مجال كرة القدم حيث البرصا يجسد القومية الكاطالونية ورمز من الرموز الرياضية المقدسة، ونبراس الكاطالونيين لترويج الإيديولوجية القومية، لهذا فإن البرصا لاتستطيع أن تفوت على أنصارها أكثر من موسمين دون دك الريال في قلعته البيضاء، وكلما حدث هذا السيناريو الذي ينتظره أنصار ومحبي البرصا كلما كانت الجراح كبيرة، وخيبة الأمل، وإنقلاب في بورصة البيت الأبيض وعادة ما تعصف رياح هذه العواصف الكاطالونية برؤوس مدربي الريال كما حدث في الأوقات السابقة إضافة إلى المغامرة بتسريح مجموعة من اللاعبين
وما دامت نتيجة الفريقين الريال والبرصا في بطولة الليغا هي التي تحسم غالبا لقب البطولة، كما حدث في غالبية المواسم الرياضية السابقة، فإن البرصا في نازلة هذا الموسم ستذهب إلى القلعة البيضاء بالعاصمة مدريد لتلعب على الحرب النفسية للخصم الذي لازال جريحا بالهزيمة المهينةالعام الماضي عندما أمطر مهاجمي البرصا شباك الحارس كاسياس بسداسية تاريخية لن ينساها الفريق الأبيض ومناصريه بسهولة، وسيكون الكلاسيكو رقم 158 مختلفا على الكلاسيكوهات السابقة حيث سيخوض المباراة لاعبون جدد من كلا الفريقين على أرضية ملعب السانتياغو بيرنابيو، حيث خارج إطار الصراع بين الفريقين الكبيرين، فإن هناك صراعا فرديا سيدور في الكلاسيكو بين مجموعة من اللاعبين من الطرفين خصوصا خصوصا بين ميسي وإبرا من البرصا، والصفقات الخيالية للريال مدريد وبالتحديد كاكا ورونالدو، وكما هي العادة في مثل هذه المباريات المفتوحة على كل الإحتمالات فإن لاعبين عاديين يخرجون من الهامش ويتمردون على كل التوقعات ويرسمون النتيجة، وتعول الريال مدريد على حنكة الحارس كاسياس الذي يصنع النتيجة رغم أنه حارس المرمى وخير دليل مباراة العام الماضي عندما إنهزم الريال أمام البرصا، فإن الحارس المدريدي إيكر كاسياس كان له الفضل الكبير في حصر الأهداف في ستة وليس أكثر بإكتساح الهجوم الكاطلوني إنه إذن كلاسيكو عملاق مفتوح على كل المفاجآت، حل وفك وإيجاد حلول معادلته ستكون مباشرة بعد صفارة الحكم عن نهاية المباراة
الوجه الآخر للكلاسيكو، ربط الحاضر بالتاريخ أو عندما تعجن الرياضة بالسياسة
رغم أن الأمم العظيمة لا تصنع نفسها بكرة القدم فإن تاريخها يمتزج بالأسطورة، أسطورة أكثر رياضات العالم شعبية وأقدرها على تقريب الشعوب والحضارات وتجاوز الخلافات السياسية، وخير تجسيد لهذا الطرح الكروي في عالم كرة القدم العالمية يبقى فريقا الريال مدريد وإف س برشلونة الإسبانيين، وهو مثال حي للصراع السياسي المتجسد في مجال الرياضة على مدى عقود طويلة بدأت أولى شراراته مع وصول الجنيرال فرانكو إلى حكم إسبانيا، وتسود هذين المعهدين الكرويين الكبيرين عداوة تاريخية على مدى عقود وأجيال بعيدة عن المنافسة المعهودة في دنيا الرياضة وذلك راجع لإعتبارات سياسية محضة سيما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (1936 – 1939) فقد كانت برشلونة المدينة آنذاك آخر قلعة كاطالونية حطمها جنود الجنيرال فرانكو أواخر الحرب المدنية وذلك بالرغم من كل ما كانت تحتضنه من هياكل وإيديولوجيات (الحمر، الجمهوريون، والوطنيون الجهويون...)، كما منع النظام الفرانكاوي الشعب الكاطالوني حتى من إستعمال لغته ولهجته المحلية خارج البيت (لغة الكاطالان هي عبارة عن شبه خليط بين اللغتين الإسبانية والفرنسية) فكان لزومه إستعمال لغة مدريد القشتالية بمثابة عبودية ثقافية لا تطاق خصوصا وأنه شعب فخور بترابه وأمجاده وتاريخه، فضلا عن أنه شعب المنطقة الراقية والمزدهرة والتي تلعب دورا هاما ورئيسيا في إقتصاد عامة البلاد... تلك هي إذن الخلفية الأساسية وراء عداء وكراهية الريال مدريد الذي كان يرتبط بنظام القمع ورمزا (للكاودييو) وهو لقب الجنيرال فرانكو الديني، حيث كان علنيا من أشهر عشاق ومناصري الريال
ومن الجانب الآخر المناقض للطرح الديكتاتوري الفرانكاوي كان ملعب نيو كامب القلعة الصامدة للبارصا، والمتنفس الوحيد في كثير من الأحياء والمكان المباح للتظاهر، ومنبر لأصوات الشعب المقهور ضد أساليب الجنيرال فرانكو الديكتاتورية، وهذا بالفعل ما أثار عداء وعقدة في قلوب أنصار البارصا عبر العقود والأجيال حتى باتت عادة ذات طابع كلاسيكي تعطي للكرة الإيبيرية محيطا حاميا لصراع البطولة
وإستمرت هذه "الحرب الكروية" بن عملاقي وهرمي الكرة الإسبانية والعالمية وتتجسد مرتين في الموسم في لقاءات الكلاسيكو العملاقة والتاريخية لعقود متتالية، حيث غالبا ما تختلط أوراق السياسة وحسابات السياسيين بنتائج المباراة وإنعكاساتها على الفريقين والأنصار، ففي إحدى مباريات الليغا الإسبانية بين البارصا والريال رفع الجمهور الكاطالوني لافتة عملاقة مكتوبة باللغة الإنجليزية وسط الملعب تقول "كاطالونيا ليست إسبانية"، جمهور برشلونة لم يشأ أن يرفع تلك اللافتة مكتوبة باللغة الإسبانية لأنه لا يعتبر نفسه إسبانيا، ولم يرفعها أيضا باللغة الكاطالانية لأن قليلون جدا يفهمون هذه اللغة ففضل أن يرفعها باللغة الإنجليزية لتكون ميساجا سياسيا يقرأه العالم كله، خصوصا وأن المباراة يشاهدها أكثر من ملياري ونصف شخص عبر العالم كله، ولكي يعرف أن إقليم كاطالونيا حيث توجد مدينة برشلونة لا يعتبر جزءا من إسبانيا رغم أن هذه المنطقة جزء من إسبانيا جغرافيا وتاريخيا ودينيا
ربما يندر أن توجد بلاد أخرى في العالم تختلط فيه الكرة مع السياسة مثلما يحدث في إسبانيا خصوصا عندما يلتقي فريقي الريال مدريد والبرصا الإسبانيين، ومنذ نهاية الحرب الأهلية في إسبانيا (1936 /1939) فإن كل إقليم من أقاليم إسبانيا أصبح يشكل قطعة متراصة مما يسمى بالأمة الإسبانية، وأصبحت البلاد كيانا واحدا بعدما أن كانت دعاوي الإنفصال والتميز ترفع فيها بين الفينة والأخرى، وإقليم برشلونة خلال الحرب كان آخر إقليم يسقط في يد الوطنيين من أتباع الجنيرال فرانكو، لذلك فإن هذا الأخير لم يكن كبير إمتنان لفريق برشلونة حيث كانت التهم تنزل بلإستمرار على الفريق الملكي ريال مدريد بوصفه محضي الديكتاتور وأنه الفريق الذي كان يحصل على دعم الحكام والإتحاد الإسباني أيام الحكم الفرانكاوي، وبعد موت الجنيرال سنة 1975، حاولت الكرة الخروج من قلاع ومستنقعات السياسة لتدخل شيئا فشيئا مجال الإحتراف، وحاول المسؤولون الإسبان الجدد أن يبعدوا الكرة عن المناقرات السياسية لكن ذلك كان مجرد أحلام وإستمرت كرة القدم في شبه الجزيرة الإيبيرية تمثل التعبير الأبرز عن تجاذبات البلاد وإختلافاتها السياسية والإيديولوجية والجغرافية
واليوم وبعد مرور 36 سنة على موت الديكتاتور فرانكو ودخول البلاد مرحلة الديمقراطية لازال ف-ريق الريال مدريد وبرشلونة يمثلان نفس الشيء الذي كانا يمثلانه أيام حكم الجنيرال فرانكو، حيث الفريق الملكي ريال مدريد يرمز إلى وحدة إسبانيا والوطنية الإسبانية، بينما إف س برشلونة يرمز إلى الإنفصال والإستقلال، ومن ذلك فإنه من الطبيعي أن يرسم طبيعة أنصار الفريقين فأغلب أعضاء الحزب الشعبي اليميني أو المتعاطفين معهم هم من أنصار الفرق الملكي ريال مدريد بمن فيهم خوسي ماريا أثنار أحد الوجوه الكاريزمية للحزب الشعبي والرجل الذي قاد الحكومة الإسبانية لولايتين متتاليتين ما بين (1996 / 2004)، ولا يخفي في كل مرة يلتقي فيها الفريقان رغبته في أن ينتصر فريق ريال مدريد على البارصا، ويؤكد مرارا رغبته في أن يصبح يوما ما رئيسا للفريق الملكي ريال مدريد، أما أنصار البارصا فهم في الغالب من اليسار
والبارصا ليس هو الفريق الوحيد الذي يعكس خارطة الكرة والسياسة الإسبانية بل هناك فريق آخر يعتبر أكثر تطرفا من إقليم كاتالونيا في عجن وربط الكرة بالسياسة وهو إقليم الباسك في أقصى شمال إسبانيا، وعكس إقليم برشلونة الذي يطالب بتميزه بهدوء تام وفيه أقلية من الإنفصاليين فإن لإقليم الباسك يطالب صراحة بالإنفصال عن إسبانيا وفيه حركة إستقلالية مسلحة قوية هي منظمة (إيتا الباسكية)، التي إغتالت الكثير من الرموز السياسية والعسكرية، وفي هذا الإقليم توجد مدينة بيلباو التي تعتبر بمثابة عاصمة الباسك وفريق هذه المدينة يسمى أتلتيك بيلباو، حيث من الممنوع إطلاقا أن يلعب فيه أي لاعب أجنبي، إنه فريق من اللاعبين الباسكيين فقط وهو يرفض التعاقد مع اللاعبين الأجانب حتى ولو كلفه ذلك النزول إلى الدرجة الثانية، والمنتخب الإسباني ولو كان يعب مبارياته الدولية بإستمرار في برشلونة فإن بلاد الباسك لم تستضف أي مباراة للمنتخب الإسباني منذ 43 سنة، أي منذ المباراة التي جمعت بين المنتخبين الإسباني والتركي سنة 1967 والتي إنتهت لصالح الإسبان لهدفين لصفر، ومن الصدف التاريخية المثيرة للجدل أنه خلال الموسم الكروي الماضي إلتقا فريقا برشلونة وأتلتيك بيلباو في المباراة النهائية لكأس ملك إسبانيا وأصبحت تلك المقابلة جزءا مهما من تاريخ البلاد لأن الجمهور الكاتالوني والباسكي صفرا معا وبقوة عند عزف النشيد الوطني الإسباني بحضور ملك إسبانيا وزوجته وهو ما إضطر المخرج إلى قطع الصوت حتى لا يحس الإسبان بالمهانة من صفير الإنفصاليين، والغريب في الأمر أن جمهور الفريقين صفرا على النشيد الوطني معا وفي نفس الوقت شجع الفريقين لأنهما يريدان الفوز بكأس ملك إسبانيا الذي يجسد حسب دستور البلاد رمز ووحدة إسبانيا
إن الصراع بين البارصا والريال هو صراع أزلي بين قطبي الكرة الإسبانية، لا تحسمه أي نتيجة من لقاءات الكلاسيكو الذي يتجدد مرتين في الموسم فهو تقليد كروي تستمتع به أنظار العالم بأسره